الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

مـأزق

دفع ما يحدث في الجزائر مثقفين إلى «جلد الذات»، خشية تأخّر عن حركة التاريخ. لكن هذا السلوك يبدو مبالغاً فيه، فالمثقّف الجزائري صاحب بناء الدولة الوطنيّة بالنقد، ونال امتياز «معاداة النظام» قبل الجماهير بكثير، وجرّب السجن والمنفى والشّعب لم يفرغ بعدُ من الاحتفال بالاستقلال. وجرّب المقاومة والصّمت وعاش بين نارين، نار السّلطة السيّاسية التي تعتبره فائض قيمة، ونار المجتمع الذي يُحقّره دونما سببٍ، ثم نال العقاب في الحرب الأهليّة العبثيّة التي عاشتها البلاد والتي لم تُفصح عن كلّ أسرارها حيث قُدّم كقربانٍ على مذبح المتحاربين.
ولم يتأخّر المثقّفون في تقديم المعاينات الضّرورية، التي تُلحّ على ضرورة بناء الإنسان الجزائري وتمكينه من الحريّة والديمقراطية، لكن هذا الخطاب عادةً ما يصطدم بلا مبالاة السياسيين، وتسفيه المجتمع الذي يعتبر مُنتجيه كفاراً وزنادقة !
الآن وقد حدث ما كان يجب أن يحدث، فإن الحماسة لا تكفي ولا تنفع، وعلى «المثقّف» أن يحافظ على رجاحةِ عقلٍ تمكّنه من فحصِ الواقع بالنظرة النقدية ذاتها، نظرة لا تكتفي بملاحظة الظاهر بل تُشير إلى الباطن، أي إلى حالة التخلّف التي تصاحب الإخفاق في بناء دولة حديثة.
فالحياة السيّاسيّة تعيش حالة تصحّر، نتيجة ممارسات إقصائية تسبّبت في عزوف الأجيال الجديدة المتعلّمة عن ممارسة السيّاسة، في وقت تقدّم فيه أثرياء الحرب وما سبقها وما تلاها إلى حياتنا الحياة العامّة، وهم في الحقيقة، لم يتقدّموا لممارسة السيّاسة بل للوصول إلى منابع الريع في دولةٍ اكتفت بالعيش ممّا تخفيه الأرض في باطنها.
في وضع كهذا فإن «إسقاط النظام» قد يقدّم البلاد إلى قوى أكثـر تخلّفاً، وهذه ليست دعوة إلى إبقاء الأمور على ما هي عليه، بل تنبيه إلى ضرورة الحذر، فالحركات الشعبيّة غير المؤطرة، أو التي تدفع إليها  قوى غير مرئية (عادة ما تكون قوى خرجت من جنّة السلطة والريع وتريد العودة !  ) تنتهي إلى فراغ وخيبة وتجعل العودة إلى ما كان قائماً أمراً ممكناً ومستحبّاً في الكثير من الأحيان.
يعلّمنا طبيب المجتمعات العربيّة الذي فحص بُنية تخلّفها، هشام شرابي، أن «النّظام الأبوي» يعيد إنتاج نفسه في المجتمعات المتخلّفة، وذلك هو مرضنا المزمن.
لذلك فإن ما تعيشه الجزائر من حراك شعبي هو مقدّمة للعلاج وليس علاجاً في حدّ ذاته، ودور المثقف يتوقف على إنتاج المعرفة واستغلال مكانته الرمزيّة (إن وُجدت) في الحفاظ على قيّم الحريّة والعدالة والحق، وليس الرّكض والشّتم والصّراخ !

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com