السبت 19 أفريل 2025 الموافق لـ 20 شوال 1446
Accueil Top Pub

في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة والقانونيّة، فإذا هوّ عصر متوحّش، يحتكمُ إلى موازين القوّة بالأساس، فتصبح مكانتك فيه متوقّفة على حجم الأذى الذي بإمكانك أن تُلحقه بالآخرين.

إنّنا في عالم يُبيحُ لصاحب القوّة فعل ما يُريد، وفوق ذلك يُتيح له إمكانيّة إطفاء كلّ صوتٍ رافضٍ لهذا الواقع المفروض، كحالِ الإعلام في الغرب الذي أصبح  نموذجًا لما يجب تفاديه عند استدعاء الحريّة، وقد تفوّق في رياضة التّضليل على أشقائه في البلاد الموصوفة بالشموليّة، بل إنّه تحوّل إلى محاكم تفتيش علنيّة، يُدان فيها كلّ من لا ينتصر للرواية الوحيدة المسموح بها عند الحديث عن حرب الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون، ولا يُسمح فيها  بإبداء التأثر عند رؤية مشاهد قتل الأطفال المروّعة، وتحوّلت استضافة السيّاسيين والمشاهير في تلفزيونات تتمتّع بسمعةٍ عالميّةٍ إلى مناسبةٍ لقيّاس نسبة صهيونيّتهم، فيما يُشبه مكارثيّة جديدة تُمارس على نطاق واسع، هذه المرّة.
ورأينا بعض الوجوه الصحافيّة المألوفة وهي تنزعُ الملامح السّمحة وترتدي قناع الوحش في مشاهد استنطاق تدفع المستجوب إلى التلذّذ برشفة الدّم، معزّزة أطروحات التحليل النفسي في ارتكازه على نظرية التطوّر في بداياته، وبالضّبط عند تفسير تكشيرة الإنسان باستعادة سلوكٍ كامنٍ من مرحلةٍ سابقة في النشوء، أي أنّ الانفعال يدفع الإنسيّ إلى اقتراض عاداتٍ من ماضيه الحيوانيّ.
لقد طغى فعل الشر في هذا العصر، مُعيدًا التاريخ الأسود للإنسانيّة إلى الواجهة، بعدما أوهمنا القيّمون على شؤون العالم أنهم نجحوا في ترميم الجراح بإقامة نظام دولي وهيئات يحتكم إليها لتجنّب الانزلاقات الدموية، وتبيّن مع توالي التجارب، أن هذه الهيئات مجرّد أدوات بين أيدي قوى ترفض التوقّف عن ممارسة الهيمنة، وأن القانون الدولي لا يُترجم تطورا في تعاطي الإنسانيّة مع المشاكل التي تعترضها في تصريف شؤونها، بل مجرّد ورقة يستعملها الأقوياء عند الرغبة في إيذاء الضعفاء.
وما نشهده اليوم هو تكشيرة تقترضُ بموجبها حضارة العصر سلوكات وحشيّة من خزانة الأسلاف.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com