يكشف رئيس نادي المخاطر الكبرى، البروفيسور عبد الكريم شلغوم، أن أزيد من نصف سكان الجزائر معرضون للأخطار الطبيعية و الصناعية، كما يحذر من احتمال انهيار منشآت ضخمة على غرار الجسر العملاق بقسنطينة و المسجد الأعظم بالعاصمة، في حال حدوث هزة أرضية قوية، و يضيف الخبير في مقاومة الزلازل و الباحث في جامعة العلوم و التكنولوجيا، أنه بات من الضروري وضع مخطط ضخم لتصحيح الأخطاء المرتكبة في إنجاز البنى التحتية، و اعتماد سياسة وقائية «ذكية» يؤكد أنها ستقلل الخسائر بنسبة 70 بالمئة.
حاورته: ياسمين بوالجدري
uيقول خبراء إن الجزائر معرضة إلى 10 مخاطر كبرى، ما هي بالتحديد؟
أهمية المخاطر متعلقة بالمناطق، و منطقة الجنوب الكبير مثلا معرضة أكثر لخطر التصحر و الجفاف و الفيضانات و المخاطر التكنولوجية بسبب المنشآت النفطية. قسنطينة على سبيل المثال مهددة بجميع المخاطر العشرة الكبرى، و أولها الزلازل و انزلاقات التربة الكبرى في نقاط على غرار حي “سان جان” و زواغي و بوالصوف، بالإضافة إلى الفيضانات مثلما حدث في المدينة الجديدة علي منجلي التي أصبحت تشهد 4 فيضانات في السنة، يضاف إليها الجفاف و كل المخاطر الصناعية. أكثر من 50 بالمئة من سكان الجزائر معرضون بشكل مباشر للمخاطر الكبرى.
uهل هناك نقاط معينة مهددة أكثر من غيرها؟
كل منطقة الشمال معنية بخطر الزلازل، من وهران حتى عنابة، و حتى بالفيضانات و كذا بالمخاطر الصناعية و التي كان من بينها انفجار مركب تمييع الغاز في سكيكدة سنة 2004، و الذي أدى إلى خسائر تقارب 1 مليار دولار، و بسبب الانزلاقات الكبرى كالتي سجلناها في قسنطينة، ستتحرك أحياء بأكملها و ستكون هنالك مناطق منكوبة مع مرور الوقت، لأن الأمر يتعلق بظواهر تطورية لا تُلاحظ في يوم. في ميلة أيضا نسجل الشيء نفسه و كذلك في الجزائر العاصمة المعرضة لجميع المخاطر الكبرى الموضوعة من طرف هيئة الأمم المتحدة، في حين أن عددها يصل في العالم بأكمله إلى 14 خطرا.
50 بالمئة من سكان الجزائر مهددون بالأخطار الكبرى
uهل هذا يعني أن الجزائر معرضة لهذه المخاطر أكثـر من غيرها من دول القارة الأفريقية، أو على الأقل إذا ما قورنت بجيرانها؟
نعلم أن الجزائر لوحدها قارة، و جنوبها الأقصى مثلا شهد فيضانات كالتي حدثت في جانت أين سجلت خسائر بشرية و حيوانية، لذلك فإن هذه القارة تتطلب ذكاء و تسييرا للمخاطر الكبرى من طرف خبراء مختصين في الميدان و الإقليم و العمران و غيرها، لكن للأسف ما حدث في الجزائر منذ 20 سنة كان العكس، حيث أن بلادنا حققت مداخيل من النفط وصلت إلى 1300 مليار دولار بعدما وصل سعر البرميل إلى 160 دولارا، غير أن هذه الأموال ضُيِّعت بإنجاز مشاريع تقع على مناطق معنية بمخاطر كبرى، كالوديان و الشقوق الزلزالية، و انزلاقات التربة مثل ما حدث في مدينتي علي منجلي بقسنطينة، و سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة و بوينان بالبليدة و وادي تيلات بوهران. لو أعطينا المسؤولية لشخص غبي كان ليُبلي حسنا، و هذا ما قلته عقب فيضانات باب الواد التي خلفت ألف قتيل و 150 مفقودا.
uظلت معالجة مشكلة الانزلاقات بقسنطينة معلقة منذ بداية التسعينات، دون أن يجد لها الولاة المتعاقبون حلولا، و قد امتدت تأثيراتها إلى عدد من المنشآت، ما السبيل لمواجهة هذا الخطر؟
الإشكال في قسنطينة أن الولاة لم تكن لديهم أية فكرة عن مدى جدية هذه الكارثة، فلم يسبق في العالم أن انهار نفق مثلما حدث في جبل الوحش، و السبب هو الانزلاق و إسالة التربة، و قد طالبت على إثر هذه الحادثة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لكن للآن لم يحدث هذا الأمر، أما الوزير السابق المعني فهو يقبع حاليا في سجن الحراش. يجب إعادة فتح هذا الملف لنعرف ما الذي حصل لأن نتائج التحقيق مهمة للتسيير مستقبلا.
ملف انهيار نفق جبل الوحش يجب أن يُفتَح
uفي تصريح أخير نبّهت لمخاطر تحدق بمشروع الجسر العملاق بقسنطينة، هل يمكن حمايته أم أن الوقت تأخر؟
نعم، فهناك مشكلة كبيرة في العمود الرابع للجسر، و لقد ظل كل مسؤول يغطي على الآخر بخصوص هذه القضية التي اكتشفتها خلال حضور ملتقى بباريس، حيث قدّم برتغالي عمل في المشروع، عرضا عن هذا العمود و قد كنت الجزائري الوحيد الحاضر و تفاجأت لما سمعته من معلومات.
الحل التقني موجود دائما، لذلك نطالب بفحص المنشأة من طرف مهندسين ذوي خبرة و مكاتب دراسات مستقلة دون تدخل الوزارة.
uما هي مشكلة العمود الرابع بالتحديد؟
هناك ثقوب أسفل العمود كان من المفترض أن تُحفر إلى عمق 20 مترا لأن التربة بهذه المنطقة هشة بفعل مياه وادي الرمال، لكن الثقوب لم تصل إلى هذا العمق بسبب عدم وجود الإمكانيات وقتها، فأنجِز العمود فوق أرضية غير قادرة على تحمله، و تم بدل ذلك حقن الاسمنت و هذا لا يكفي و ليس حلا، و قد رأينا نتيجة هذه الطريقة بانهيار حفرة بن عكنون.
انزلاقات التربة ستنتج أحياء منكوبة
نزول العمود بعمق سنتيمتر أو اثنين سيكون له تداعيات خطيرة في حالة وقوع زلزال، حيث سيؤدي إلى انهيار الثقوب.. يستحيل أن يصمد هذا العمود أمام هزة أرضية قوتها 7 درجات، لذلك فإن الجسر معرض للانهيار خلال السنوات المقبلة.
uفي قسنطينة دائما، كانت أولى عمليات التعمير الكبرى باتجاه حيي بوالصوف و زواغي، و قد أنجزت آلاف السكنات على أراض فلاحية، لتكون النتيجة عمارات تعرضت للتشقق و الميلان، بينما يتهدد نفس الخطر مبان أخرى. ما هي الحلول الممكنة اليوم؟
أقترح إخضاع الأحياء المعنية إلى فحص دقيق يشمل الأرضية و تقنيات تحرك التربة و تحديد خارطة سيلان المياه، بعدها يأتي الحل التقني الذي سيكلف أموالا يجب أن يرصدها رئيس الجمهورية القادم، بعد وضع مخطط ضخم لتصحيح الأخطاء المرتكبة في إنجاز البنية التحتية، و ليس اعتماد البريكولاج مثلما يحدث الآن و مثلما حصل مع مشروع الطريق السيار شرق غرب الذي تخللته آلاف الأخطاء.
يجب فحص الجسر العملاق من خبراء مستقلين
uسبق لك و أن صرحت بأن نصف بلديات الوطن مهددة بالفيضانات، هل لك أن توضح لنا أكثـر؟
بالفعل، فقرابة 700 بلدية عبر الوطن معرضة للفيضانات الكبرى و حوالي 40 ولاية معرضة لها أيضا من الشمال إلى أقصى الجنوب و من الشرق إلى الغرب، و ما فاقم هذه الظاهرة هو آلاف السكنات المنجزة داخل الوديان و في مناطق معروفة بأنها مهددة بالفيضانات مثل ما نراه في الحميز بالعاصمة و علي منجلي بقسنطينة، حيث لم يطبق القانون رقم 04/ 20 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004، و الذي تم إقراره بعد سنة من زلزال بومرداس.
هذا القانون لو طُبِّق لما سُجلت المشاكل التي نراها اليوم، فقد منع إنجاز المشاريع قرب الوديان و الشقوق الزلزالية و المناطق المهددة بالفيضانات. لقد تم تطبيق عكس ما جاء في القانون الذي شاركت في تحضيره كخبير خاص مع مجموعة من الخبراء بطلب من الدولة حينها.
أعطيك مثالا عن مشروع المسجد الأعظم، فمنذ سنة 2008 حذرت بأنه سينجز على منطقة مهددة بالفيضانات بسبب وادي الحراش، كما أنه قريب من شق زلزالي في عرض البحر و معروف منذ وقت الاستعمار، فأصبحت حينها ضد رئيس الجمهورية و المسجد و قيل عني إني مسيحي. لقد تم بناء المسجد رغم كل الأخطار، و هنا أؤكد أنه سيسقط إذا حدث زلزال بقوة 7 درجات.
لهذه الأسباب قد ينهار الجسر العملاق
uماذا عن حالة المدينة الجديدة سيدي عبد الله؟
المدينة الجديدة سيدي عبد الله أيضا مهددة بشقوق زلزالية في الساحل و شنوة و متيجة، و بعيد عنها قليلا يوجد شق خير الدين في البحر والذي يعد من أصعب الشقوق لأنه يضرب شرشال و تيبازة و سيدي عبد الله أيضا، لذلك فإن سيدي عبد الله لن تنجو في حال وقوع هزة أرضية. هذه معلومات معروفة لدى الخبراء و قد أخبرنا المسؤولين بخصوصها.
uتستفيق المدينة الجديدة علي منجلي كل مرة على فيضانات جديدة، برأيك لماذا لم تساعد الإجراءات المتخذة على الحد منها؟
المدينة الجديدة علي منجلي تحتاج إلى نظام إقليمي و عمراني جديد، لا أقول هنا إنه يجب هدم كل شيئ و إخراج السكان من منازلهم، لكن يجب إعداد دراسات و الاستعانة بمختصين في المخاطر الكبرى. أتمنى من الرئيس الجديد أن يكون إنسانا ذكيا و أن يستمع إلى رأي الخبراء لإنقاذ البلاد و العباد، و إنجاز مبان آمنة و ذكية.
أما الحلول فهي موجودة، حيث يجب إعادة النظر في العمران و طرق تصريف المياه، فالمكان الذي كانت تعيش به عائلة واحدة قبل سنوات، أصبح يحتضن اليوم أكثر من 100 عائلة، في حين أن لا شيء تغير منذ سنة 2001، إذ تحدث فيضانات عند تساقط قطرات من الأمطار.. يجب الاستماع إلى الخبراء في هذا الشأن.
uما رأيك في الدور الذي تؤديه محطة الفضاء الدولية في ما يتعلق بالتحذير من المخاطر الكبرى؟
من المفترض أن تكون الأقمار الاصطناعية أساس الاستراتيجية الوقائية، و في الواقع نحن لا نتعامل مع محطة الفضاء الدولية، بل مع المحطة البريطانية «نيوبيري» و محطة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقدمان لنا المعلومات مجانا و نعمل معهم في مجال تسيير الأخطار بمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
على سبيل المثال، في زلزال بومرداس سنة 2003، أعطيت شدة خاطئة، حيث حددت بين 5.2 و 5.6 درجات على سلم ريشتر، ليتم تدارك هذا الخطأ بعد 4 أيام كاملة عندما اتصل بنا مختصون من نيويورك و أعلمونا أن قوة الزلزال كانت 6.8 درجات و بأن مركزه في زموري و ليس تيبازة.
لا يجب التعامل بعقلية الإدارة مع المخاطر الكبرى، فالمشكل ليس مشكل بلدية أو ولاية، بلي هو أكبر من ذلك بكثير.
علي منجلي تحتاج إلى نظام عمراني جديد
uما مدى نجاعة السياسة الوقائية من الأخطار الصناعية و التكنولوجية بالجزائر؟
لقد حدثت كوارث صناعية من قبل، كالتي شاهدناها في سكيكدة و براقي، و لأننا بلد يعتمد على البترول، فإنه من الواجب انتهاج سياسة وقائية ثابتة و ذكية من طرف شركة سوناطراك و الدولة، إذ أن هناك أحياء أنجزت على أنابيب غاز.
uما حجم الخسائر التي تتكبدها بلادنا نتيجة هذه المخاطر؟
منذ سنة 2000 و إلى يومنا هذا، فاقت الخسائر 25 مليار دولار، و يمكن أن يتضاعف هذا الرقم و تكون الأمور كارثية إذا لم توضع برامج تصحيح و تعزيز، فالسياسة الوقائية من الأخطار تقلل الخسائر المادية و البشرية بنسبة 70 بالمئة.
ي.ب