• الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يصدّران شتلة “دقلة نور”
يتحدث خبير الصناعات الغذائية الأوروبي، أحمد سقاوي، في هذا الحوار مع النصر، عن الإنتاج الفلاحي الجزائري وعوائق التسويق التي تواجهه، حيث يؤكد أن خمسين بالمئة منه يتعرض للتّلف ويرمى، في حين يوضح أن الجزائر خسرت سوق التمور العالمية بسبب غياب الاستقرار في عرضها، كما يكشف أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يسوّقان شتلة “دقلة نور” الجزائرية في الأسواق العالمية بفوائد معتبرة.
حاوره: سامي حبّاطي
ويعود سقاوي، الذي التقينا به خلال ملتقى الصناعات الغذائية بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، إلى سنوات ازدهار الصادرات المحلية من الخضر والفواكه ، ليشرح لنا كيف عوضت تونس والمغرب هذه السوق بعد انتكاس الفلاحة في الجزائر، في حين ينتقد سلسة التسويق غير المضبوطة وغياب المهنية.
• النصر: هل يمكن أن تعرفنا بالمهام التي تقوم بها في الجزائر ؟
أحمد سقاوي: أنا هنا بصدد تكوين فلاحين جزائريين حول طريقة الحفظ المستديمة والطبيعية في وحدات نطلق عليها اسم “الوحدات ذات المناخ المتحكم فيه” التي تصنعها مؤسسة “جاني أم تي”، وقد تمكننا في مستثمرة فلاحية خاصة بمنطقة برج مهيريس بقسنطينة من حفظ التفاح بحسب الصنف لما بين 8 إلى 13 شهرا، أي إلى غاية شهر رمضان، الذي تستورد فيه الجزائر التفاح من الخارج بالعملة الصعبة، وسعره يكون مرتفعا جدا في السوق المحلي، بينما يمكن، من خلال حفظ التفاح الجزائري، للأسعار أن تنخفض في التجزئة ويقتني التجار السلع بأسعار منخفضة أيضا.
دول الخليج ليست سوقا جيدة لتصدير المنتج الفلاحي
• النصر: منذ متى وأنت تقدم دورات تكوينية لفلاحي مزرعة برج مهيريس؟
أحمد سقاوي: أقدم تكوينا لهؤلاء الفلاحين منذ سنتين، وفي العام الماضي ساعدت صاحبها على وضع مخطط لغرفة تبريد ضخمة من أجل تخزين العنب والتفاح، وسنقوم حاليا بجلب الكستناء من جبال القل وجبل “إيدوغ” بعنابة، حيث نستطيع تخزينها لمدة أربعة أشهر، بالإضافة إلى الرّمان الذي سنجلبه من مستغانم، حيث نخزنه لمدة ستة أشهر، وبمجرد إخراجها للسوق تكون خارج موسمها لكن الهدف هو التصدير إلى أوروبا.
• النصر: ماذا عن القارات الأخرى، ألا تستهدفونها في استراتيجية التصدير؟
أحمد سقاوي: أستغرب في الحقيقة الحديث المتداول عن التصدير إلى دول الخليج العربي، رغم أنها ليست سوقا جيدة للتصدير، فعدد سكان قطر على سبيل المثال لا يصل إلى مليون نسمة، فكيف يمكننا أن نستهدفها بالتصدير وهي لا تطلب إلا كميات قليلة ؟ أما في أوروبا فعدد السكان يصل إلى 500 مليون نسمة ويجب أن تستهدف سياستنا التصديرية هذه السوق، ويمكننا أن نعتمد في هذا الجانب على جاليتنا الجزائرية في المهجر.
•النصر: هل قمت باتصالات مع هذه الجالية ؟
أحمد سقاوي: باعتباري رئيسا لجمعية باترونا بفرنسا، وتسمى “الجمعية الفرنسية الجزائرية من أجل التجارة والصناعة”، اتصلت بألفي منتخبٍ من أصل جزائري في فرنسا، وهؤلاء لا تستثمر فيهم الجزائر في الوقت الحالي من خلال قنوات وزارة الخارجية على غرار القنصل أو السفير، بينما ينبغي أن تمد الجزائر يدها إلى أبنائها في الخارج من أجل الاستفادة منهم بصورة فعلية وليس بالشعارات السياسية فقط.
• النصر: لماذا اخترت أن تعود إلى الجزائر لتكوين فلاحين جزائريين؟
أحمد سقاوي: كنت في فرنسا أكون فلاحين فرنسيين، لكنني لاحظت أن أغلب منتجات الخضر والفواكه التي تصدر من الجزائر ترمى، وهو ما دفعني إلى العودة إلى هنا لمنح خبرتي لبلدي.
• النصر: وهل وقفت على حالات رُميت فيها المُنتجات الجزائرية ؟
أحمد سقاوي: نعم بكل تأكيد، كما علمت أن الأمر وصل بفلاحي خنشلة وباتنة إلى عدم القدرة على تسويق محاصيلهم من التفاح بأسعار زهيدة تتراوح بين 30 و50 دينارا للكيلوغرام الواحد، بينما أكدوا لي أن جنيه وزراعته يكلفان نفس السعر.
• النصر: إذن يمكننا اعتبارهم في حالة إفلاس.
أحمد سقاوي: بالطبع، مزارعو التفاح بباتنة وخنشلة مفلسون، ولك أن تتخيل أن الشجرة تقتنى وتزرع ثم تصرف عليها أموال مقابل اقتناء الأسمدة والأدوية، فإذا لم تحصّل فائدة كافية فإن الفلاح سيتخلى عن نشاطه نهائيا، فضلا عن أن هذا الأمر سيؤدي إلى نزوح سكان الريف نحو المدن.
ونقص المياه من المشاكل التي لاحظت أن الفلاحين يعانون منها أيضا، رغم توفر السدود، حيث يحز في نفسي رؤية مياه سد بني هارون تنتهي إلى الوديان، دون أن تمدد القنوات إلى غاية بسكرة والعديد من الولايات الأخرى التي يعاني فلاحوها من نقص المياه.
مزارع التفاح بخنشلة وباتنة مفلسة
• النصر: تحدثت عن عدم مطابقة نشاط شاحنات التبريد للمعايير المعمول بها في نقل المنتجات الفلاحية، هل يمكن أن تشرح لنا أكثـر ؟
أحمد سقاوي: الوعي المهني منعدم لدى أغلبيتهم، وعندما قمت باستطلاعي الخاص عن نشاط ناقلي الخضر والفواكه، وجدت أن المشكلة تكمن في كون الناقل يعمل بصفة حرة، فهو غير تابع لمؤسسة، وعندما يبتغي المُنتج نقل سلعه فإنه يتعامل مع ناقل حر، وقد يكون تعاملهما مرة واحدة فقط، وغالبا ما يقدم له مبالغ خاصة بالتزود بالوقود، لكن الناقل يحتال من خلال إطفاء محرك المقطورة المبردة للتقليل من استغلال الوقود خلال الطريق، وكثيرا ما يتم إغفال الأمر إلى غاية وصول السلع إلى الضفة الأخرى من المتوسط لتُرمى.
• النصر: ولم لا تكتشف السلع الفلاحية التالفة على مستوى الجمارك الجزائرية ؟
أحمد سقاوي: لأن الجمارك الجزائرية لا تعاين إلّا الطبقة الخارجية من المنتجات الفلاحية، وقد حضرت مرة عمليّة معاينة على مستوى الجمارك لشحنة بطاطا موجهة إلى أوروبا وأبدى الجمركي إعجابه بها، لكنني سألته إن كان قد عاينها من الداخل ليتأكد أنها “تسر الناظرين من الباطن أيضا”، ولكن لا يمكن تحميل مسؤولية الرقابة لمصالح الجمارك وحدها، بل إنها تقع على كاهل سلسلة كاملة من الهيئات التي تتدخل في العملية وعلى رأسها وزارة التجارة من خلال مديرياتها المختلفة عبر الوطن، لأنها وظيفتها لا تنحصر في إصدار الغرامات فقط.
• النصر: وهل ترى أن الإطار القانوني الحالي يساهم في تطوير الفلاحة وتسويق منتجاتها ؟
أحمد سقاوي: لا يساهم بطبيعة الحال، وعلى سبيل المثال، هل يعقل أن تنتقل شاحنة مغطاة محملة بمنتج فلاحي من أدرار أو ورقلة إلى غاية سوق شلغوم العيد بميلة بصورة عادية ويسمح لها بالقيام بهذه الرحلة الطويلة. أما أسواق الخضر والفواكه للجملة فإنها لا تختلف عن “مدجنة تربية الدجاج”، في حين يفرض القانون في مارسيليا مثلا أن تكون الحرارة مضبوطة في ثماني درجات مئوية في هذه الأسواق، كما أنه يفرض أن يحتوي كل محل على غرفة تبريد خاصة به. وحتى بائعو أسواق الشارع فقد فُرض عليهم في الآونة الأخيرة بفرنسا أن يعرضوا المنتجات الفلاحية في شاحنات تبريد.
• النصر: وهل تتضرّر البطاطا من نقلها في شاحنة مغطاة برداء قماشي فقط؟
أحمد سقاوي: البطاطا يمكن لها أن تصبح سامة بسبب تعريضها لأشعة الشمس، خصوصا عندما يصبح لونها أزرق أين تصير غير قابلة للاستهلاك، لكنها تباع بصورة عادية في أسواقنا، كما أنه يفترض أن توجه للتغليف المدروس مباشرة بعد اقتلاعها، وفي حال بُعد موقع التغليف عن مكان الجني، فإنه يفترض حملها في شاحنة تبريد لتُنظف بالمياه في محطة التغليف وتجفف، ثم تصنف لتوضع بعد ذلك في علب كرتونية تحتوي على ثقوب من أجل تنفسها، ولكن ينبغي أن لا تعرض للشمس بتاتا، خصوصا البطاطا البيضاء، كما لا ينبغي أن نُغفل عامل المناخ الحار لدينا.
وقد تحدثت عن هذه التقنيات، لكن التغيير في طريقة العمل يأتي من خلال جهود المهنيين المحترفين، ومع غياب المهارة يجب أن نستغل المتعاملين الأجانب لنكتسب التقنية والمهنية من الفرنسيين أو غيرهم، وأعود إلى التأكيد على ضرورة الاستفادة من الجالية الجزائرية في الخارج بالدرجة الأولى، فالأجنبي مهما كان لا يبحث إلا عن الفائدة.
تعريض البطاطا للشمس قد يجعل منها سامة
• النصر: هل يمكنك تقدير كمية الخضر والفواكه التالفة التي ترمى في الجزائر ؟
أحمد سقاوي: الكمية التي ترمى من طرف المنتجين في الجزائر تقدر بحوالي خمسين بالمئة ويتم هذا الأمر في غفلة من الجميع على العموم، حيث لا تبدأ المشكلة قبل الجني مع انطلاق مرحلة الإنتاج، فالفلاح يرصد عادة الثمار ذات العيوب في الشجرة أو في الأرض فيمتنع عن جنيها، بعد ذلك يصل إلى مرحلة التسويق، وهنا تبرز مشكلة التخزين، فالعنب المخزن بطريقة “تقليدية” لا يمكن أن يصمد أكثر من شهر ونصف، لذلك فإن 25 إلى 30 بالمئة من المحصول ترمى غالبا، بالإضافة إلى التفاح الذي يخسر فيه الفلاحون حوالي 15 بالمئة عند التخزين.
أما البطاطا فإن كميات كبيرة جدا منها تتلف، وتصل إلى حوالي شاحنة كاملة كل أسبوع، بسبب عدم التحكم في تقنيات التخزين، حيث ينبغي ضبط الغرف على درجة حرارة تتراوح بين أربعة إلى ثمانية مئوية، لكن كثيرين يضعونها في غرف تبدو لهم باردة، ولا يعلمون أنها تتخمر وتتآكل كمية منها بفعل الغاز. من جهة أخرى، يتخلص تجار الجملة من كميات المنتجات الكاسدة من أجل المحافظة على سقف الأسعار، وأحيانا يرمونه في القمامة عوضا عن بيعه كمنتج خارج المخزون. وفي فرنسا يمنح تجار الجملة الكميات الكاسدة والقابلة للتلف في حال تخزينها إلى جمعيات مساعدة الفقراء.
• النصر: في رأيك كخبير في المجال، ما هو حجم الإنتاج الذي يمكن للجزائر أن تصدره بالاعتماد على الأراضي الفلاحية المستغلة في الوقت الحالي فقط بعد اللجوء إلى التقنيات الجديدة ؟
أحمد سقاوي: يجب أن نلجأ إلى الشراكة مع الأجانب أولا، فمثلا المنتجات التي تُزرع في الجنوب الجزائري مبكرة مقارنة بباقي المناطق، بينما يتطلب التنافس في السوق الأوروبية الدخول ابتداء من ديسمبر إلى غاية نهاية أفريل بمنتجات مثل الفلفل والخضر بصورة عامة، والأوروبيون يستوردونها من أغادير بالمغرب وكينيا، بينما في الجزائر تشبه الأراضي الفلاحية مناخ إلدورادو بكاليفورنيا، ويمكن للفلاحة أن تنقذ الاقتصاد الجزائري لكن بشرط أن تستغل في مزارع فلاحية ضخمة.
في بسكرة مثلا، التقيت بفلاح يملك 300 هكتار، لكنه غير قادر على استغلال مساحة تتجاوز العشرين هكتارا، وقد أكد لي عندما سألته عن سبب إهماله للمساحة المتبقية، أنه لا يجد لمن يمكنه بيع المنتجات باستغلال المساحة كاملة، أو يبيعها دون فائدة، لذلك أؤكد أن المستفيدين من الوضع الحالي هم الوسطاء وليس الفلاحين.
الجزائر في الماضي كانت تصدر 600 ألف طن سنويا، حيث كانت ترسل ما قوامه سبع بواخر محملة بالمنتجات الفلاحية إلى دول أخرى، كما أن تونس والمغرب كانتا سوقين للجزائر، لكن ارتفاع البترول منتصف السبعينيات هو ما جعل الدولة تتخلى عن الفلاحة كأولوية إستراتيجية، وهو ما جعل الأوروبيين يتجهون إلى الاستثمار في تونس والمغرب اللتين عوضتا الصادرات الجزائرية في هذا المجال، كما أن ثمانين بالمئة من إنتاج الاستثمارات الفلاحية الأجنبية في البلدين الجارين مخصصة للأسواق الأوروبية.
الجزائر فقدت سوقها العالمي في التمور
• النصر: هل ترى أن حجم صادرات التّمور الجزائرية مقبول في الوقت الحالي ؟
أحمد سقاوي: كلنا نفاخر بـ”دقلة نور” الجزائرية ونقول أنها الأفضل في العالم، لكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني وواحات كاليفورنيا في الولايات المتحدة تنتج الشتلة الجزائرية من “دقلة نور” ويصدرانها إلى مختلف بقاع العالم، حيث يبلغ سعر نقلها في الطائرة أحيانا 2.40 أورو للكيلوغرام الواحد، لكنّهم يستطيعون بيعها بهامش ربح جيّد بفضل الانتظام في العمل. ومشكلة الجزائر تكمن في غياب المهنيين في مجال التسويق الفلاحي القادرين على تصدير نفس الكميات بطريقة منتظمة وفعالة لتلبية الطلب، لكنّ الواقع اليوم غير ذلك.
أما الخواص فإنهم غير قادرين على التكفل بهذا الجانب، وينبغي اللجوء إلى التعاونيات على الطريقة التونسية، في حين أعود إلى التأكيد على أن الجزائر فقدت سوقها العالمية في التمور بسبب عدم استقرار نشاطها فيه بغياب الانتظام والجد، فضلا عن أن العراقيل الإدارية تتجاوز حركية التنافسية العالمية.
س.ح