كشف مدير المركز الوطني للبحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة، عمار عزيون، بأن المخبر يعمل على تكنولوجيا جديدة قد تمكنه قريبا من تطوير نماذج عن اختبارات فحص، لتسهيل و تسريع الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد لدى الأشخاص، وهي تقنية أولية تختزل الوقت، وقال الباحث في الهندسة الحيوية
و البيوتكنولوجيا، إن مؤسسته ستكثف من نشاطها لتكوين مهنيي الصحة والقطاعات الحساسة في مجال الأمن البيولوجي، مؤكدا، بأن الجزائريين مطالبون بالالتزام بالوقاية، للحد من انتشار الوباء، الذي توقع أن تتمكن المخابر العالمية من تطوير لقاح له في غضون شهرين أو أكثر.
حاورته: هدى طابي
ـ النصر: ما هي الإجراءات التي ضبطها مركزكم البحثي في ظل الأزمة البيولوجية التي تمر بها الجزائر حاليا؟
ـ عمار عزيون: مبدئيا حددنا هدفين أساسيين، إذ اقترحنا برنامجا يخص تسيير المخاطر البيولوجية أرسلنا نموذجا عنه للوزارة الوصية، وهو برنامج يركز على جانبين، يتعلقان بالأمن الحضري البيولوجي لتسيير المادة البيولوجية و كذا التحكم في مخاطرها في الحالات المستعجلة وهو جانب يتعلق أساسا بالوقاية، باعتباره تخصصا نبرع فيه نظرا لامتلاكنا لمصلحة متخصصة استفاد باحثوها طيلة سبع سنوات ماضية من تكوين في مخابر «ساندي» الأمريكية، وهي مصلحة تحوز على شهادة مكون. و و باعتبارنا المحترفين الوحيدين على المستوى الوطني في هذا المجال فإننا سنعمل على تكوين مهنيي الصحة من أطباء و ممرضين و مخبريين و غيرهم، إضافة إلى تكوين أعوان وضباط الحماية المدنية ناهيك عن تمديد برنامج التوعية و التكوين ليشمل مؤسسات عديدة كالمطارات و المدارس و الجامعات، حيث سنبرمج حصصا تكوينية بمعدل 4 ساعات لفائدة مجموعات تضم 20 إلى 25 فردا مهنيا، سيتسنى لهم لاحقا نقل خبرتهم إلى فئات أوسع داخل محيطهم المهني.
يمكننا إعداد قاعدة تقنية لمساعدة معهد باستور
لدينا أيضا، برنامج موجه للجمهور الواسع، إذ سنحضر شريطا توعويا و توضيحيا مدته دقيقه أو دقيقة و نصف، سنبثه عبر وسائل الإعلام لشرح بعض الأمور المتعلقة بالطرق الصحيحة للوقائية و تصحيح المعلومات الخاطئة.
ـ ماذا عن مجال البحث والابتكار كيف سيتدخل مخبركم في الوقت الراهن؟
ـ فيما يخص البحث، نحن المركز الوحيد في الجزائر المتخصص في البيوتكنولوجيا، و مؤهلاتنا البشرية و المادية تسمح لنا باقتراح بعض المشاريع، أهمها حاليا قاعدة تقنية ستمكننا من مساعدة معهد باستور في مجال التشخيص، ونحن بصدد دراسة كيفية تفعيلها بالتعاون مع المعهد، لتخفيف الضغط عليه من خلال التدخل تقنيا لتشخيص عينات الحمض النووي التي يملكونها.
لدينا القدرة على التدخل تقنيا على الحمض النووي
ثاني مشروع يخص إيجاد أو تطوير اختبار فحص أولي جديد، بالاعتماد على بروتوكول طوره «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، حيث سنعمل على إحدى التقنيات الحديثة المعروفة باسم» الكريسبر» التي تتركز على دراسات و أبحاث جينية، تمكننا من تحديد السلسلة الفيروسية المسؤولة و قطعها بطريقة جزيئية، وهي تقنية بدأنا العمل عليها السنة الماضية في إطار أبحاث تخص مرض السرطان، لكن و تماشيا مع الأزمة الطارئة فكرنا في إمكانية استخدامها لتطوير اختبار فحص يعمل على تشخيص الإصابة المبدئية بالفيروس. وفي حال تم ذلك فعليا، فإن أول نموذج سيكون على شكل شريط اختبار بسيط الاستعمال قد يشبه نوعا ما اختبارات الحمل اليدوية، نضع عليه عينة اختبار و تتحدد النتيجة « سلبية أم إيجابية» وفقا لنفس مبدأ اختبار الحمل.
ـ ما الذي يتطلبه العمل على هذا النموذج وكم سيكلف إنتاجه؟
ـ حاليا نحن بصدد تحضير قائمة بالمواد الأولية التي نحتاجها للعمل على مشروعنا و تطوير أول نموذج، سنرسل نسخة منها للجهات الوصية مع طلب الإسراع في تزويدنا بما نحتاجه، خصوصا و أنها تقنية ستساعدنا على كسب الوقت و تسهيل الكشف، علمنا أن المشروع سيستمر في إطار أبحاثنا بالمركز حتى و إن لم نتمكن من تطبيقه في هذه الحالة و في الظرف الراهن، فأهميته ستكون بمثابة تأكيد على ضرورة تسهيل إجراءات اقتناء المخابر لمواد البحث مستقبلا.
التقينة التي نعمل عليها تساعد على كسب الوقت
بالنسبة لتكلفة انجاز أو تطوير نموذج الاختبار، لابد من الإشارة أولا إلى أن الدولة لا تضع أية حدود فيما يتعلق بالأمن الصحي للمواطن، بما في ذلك جانب تمويل البحث، مع ذلك لا يمكننا تقديم رقم نهائي لأن فريقنا لا يزال بصدد تقييم ميزانية المشروع، لكننا في كل الحالات لا نتحدث عن رقم كبير حتى وإن احتسبنا قيمة المواد الأولية وساعات عمل الباحثين.
ـ إن توفرت شروط العمل متى ستكشفون عن أول شريط اختبار؟
ـ الوقت اللازم لتطوير أول عينة يحتكم لعدد ساعات العمل، ونحن تعهدنا بالعمل 12 ساعة يوميا إن توفرت المواد، ولذلك فإننا قد نكون قادرين على تحقيق نتائج إيجابية في غضون شهر أو أكثر بقليل، فكل المواد الأساسية متوفرة تقريبا، ما عدا إنزيم معين، يتطلب تطويره على مستوى مخبرنا حوالي ثلاثة أشهر، ولأننا في سباق مع الوقت، فقد طلبنا من الجهات المسؤولة، شراءه مباشرة لتقليص المدة الزمنية اللازمة لإنجاز البحث على أن نلتزم في المستقبل بتصنيع كل شىء داخل مختبراتنا بحكم امتلاكنا للخبرة.
أزمة كورونا نبهت لأهمية البحث العلمي
لكن وجب التوضيح من جهة ثانية، بأننا كفريق بحث معنيون بتطوير أول نموذج فقط، أما الإنتاج و التسويق فهي مسألة أخرى تتكفل بها مؤسسات متخصصة.
ـ هل يعني هذا أن مستوى البحث العلمي في بلادنا يسمح بتطوير لقاح فيروس كورونا محليا؟
ـ الموارد البشرية هي أعظم شىء، لأنها مصدر التكنولوجيات، وهذا الفيروس يمكن أن يكون شرا أريد به خيرا للبشرية، ليعي الجميع مدى أهمية البحث العلمي بالنسبة للأمم، في نظري الموارد البشرية موجودة و تتطلب فقط تكوينا عاليا جدا و انتقاء للنخبة، لدينا باحثون متميزون في مجالات عديدة على غرار اللقاحات و الجينات و الجزيئيات، ومسألة تطوير التكنولوجيا ليست مستحيلة، يجب علينا فقط أن نؤمن بالقدرات البشرية و نركز على شق التكوين.
الدولة لا تضع الحدود ماديا حينما يتعلق الأمر بالجانب الصحي
ـ لماذا إذن يفرض الضغط على معهد باستور في كل مرة تواجه فيها الجزائر تحديا من هذا النوع؟
ـ لابد من التوضيح بأن معهد باستور هو المؤسسة الوحيدة المخولة بإجراء الاختبارات ، أما نحن كمراكز فمهمتنا هي البحث العلمي، لأجل تلبية حاجات القطاعات سواء الصحة أو الصناعة أو البيئة و غير ذلك، للأسف إلى غاية الآن لا يوجد تنسيق بين مختلف القطاعات، لأن الشركات لا تحدد حاجياتها بشكل دقيق .
يمكننا هنا أن نستشهد بتجربة الصين، هم اخترعوا وطوروا أمورا كالروبوت مثلا يعتقد أنها غير ضرورية، لكن الحاجة إليها اتضحت في هذه المرحلة بعدما ساهمت في تسهيل تسيير عمليات الحجر الصحي داخل المستشفيات.
ـ كيف تقيمون وضع الجزائر في المرحلة الحالية، هل تعتقدون بأن عدد الإصابات و الوفيات يستلزم فرض حالة الطوارئ مثلا؟
ـ مجالنا البحثي لا يسمح لنا بتقديم تقييم دقيق، لكن من وجهة نظري كباحث، أقول أن الحديث عن إحصائيات دقيقة غير ممكن حاليا بالنظر إلى العدد الإجمالي للحالات، ناهيك عن أننا لا نعرف حقيقة الوضعية الصحية للمتوفين، لكن في كل الحالات يتوجب علينا كأفراد أن نعزز الوقاية دون الرجوع للأرقام بل بالنظر إلى طبيعة الخطر.
ـ كم يتطلب تطوير لقاح للفيروس ولماذا تأخرت نتائج المخابر هذه المرة مقارنة بتجارب سابقة كالسارس مثلا؟
ـ المشكلة لا تكمن في بطء البحث بل في سرعة انتشار هذا الفيروس الذي يغير طفرته الجينية، مع ذلك فإن الأبحاث متواصلة، الأمر ليس سهلا و يتطلب مراحل بحثية و اختبارات تمر عبر الخلية ومن ثم الحيوان و بعدها الإنسان مرورا بالمرضى والفئات العمرية و غير ذلك، بمعنى أن سلسلة إنتاج دواء تتطلب بالعموم 10 سنوات كاملة، لكن في الحالات المستعجلة فإنها تستغرق حوالي ثلاثة إلى ستة أشهر، أي أنه بالإمكان توقع إيجاد لقاح للوباء المتفشي، في غضون شهر إلى شهرين من الآن.
سنكون مهنيي الصحة في تسيير المخاطر البيولوجية
ففي الولايات المتحدة بدأ الاختبار على المتطوعين، كما أن كل مخابر البحث في العالم تتنافس على إيجاد الحل، وعليه فقد يتم اقتراح أكثر من لقاحين أو ثلاثة لكوفيد 19 مستقبلا.
ـ هل احتمال احتكار بعض الدول للدواء وارد خصوصا بعد الصراع الألماني الأمريكي ؟
ـ لا اعتقد أن الأمر وارد حتى وإن كان خاضعا لحسابات سياسية عديدة، قد يكون هناك تسابق و منافسة لإيجاد الدواء و لتسويقه طبعا، لكن لن يكون هناك احتكار له لصالح دول دون غيرها أو شعوب دون أخرى، لأنها قضية صحة عالمية، و استمرار انتشار الفيروس في أي منطقة يعني أنها ستتحول مجددا إلى بؤرة له تهدد الأمن الدولي، وهو ما يفرض توزيعه بشكل عادل.
هـ/ ط