ما إن ينتهي من مشروع ناجح، إلا وقد بدأ في تنفيذ فكرة مبتكرة سيصنع بها مرحلة جديدة من مراحل مساره المهني الحافل بالإنجازات منذ أن كان طفلا صغيرا يعيش بإحدى قرى منطقة مداوروش بسوق اهراس، إنه المبتكر الجزائري بشير حليمي، الذي كان أول من أدخل اللغة العربية السليمة لأجهزة الكمبيوتر، ومؤسس مجموعة من أكثـر شركات المعلوماتية نجاحا بأمريكا الشمالية، وهي محطات يفصل فيها حليمي في هذا الحوار المطول الذي خص به النصر، ليعود بنا أيضا إلى طفولته غير الاعتيادية وقصته الشهيرة مع تصحيح سؤال البكالوريا ولقائه مع بومدين، وصولا إلى سفره لكندا وتصميمه ابتكارات استقطبت اهتمام شركات عالمية مثل “مايكروسوفت».
حاورته: ياسمين بوالجدري
- نبدأ الحوار من بشير حليمي الطفل. كيف تجاوز ظروف الحياة الصعبة سنوات الستينيات والسبعينيات وتمكّن من التفوق في الدراسة وهو ابن قرية نائية بمنطقة مداوروش؟
عندما كنت صغيرا كنت أهتم بالدراسة، كنت أعتبر الحياة مسابقة يجب أن أكون فيها دائما الأفضل. لاحظت أنه كلما تحسنت في الدراسة كلما حصلت على اهتمام أكبر من المعلمين والوالدين الذين يفتخرون بي ويمدحونني وهذا ما شجعني. أتذكر أيضا أنه عندما أرى لعبة جديدة، كنت أحاول أن أفهم سرها وأكون من أحسن من يستعملها.
بمرحلة الابتدائي دخلت في منافسة مع ابن عمي منذ السنة الأولى، إلى أن حصلت على المرتبة الأولى في الثلاثي الأخير وحافظت عليها إلى غاية المتوسط، أما في الثانوي فأحصل دائما على تهنئة وتشجيع وامتياز وكنت دائما من الأوائل.
في الابتدائي، كنت أتلقى تشجيعا من المعلمين، وأحدهم أستاذ اسمه عبد العزيز فارح ما جعلني أحرص على البقاء في نفس المستوى. أيضا بمرحلة المتوسط في سدراتة كان هناك معلم أثر فيّ كثيرا اسمه بوحورة نور الدين وهو أستاذ الرياضيات، كنت أستوعب دروسه بسرعة. كنت أشاركهم الطعام وأشعر أنني ابنهم وأحس بحبهم لي، لذلك عملت لأكون دوما عند حسن ظنهم وعند حسن ظن الوالدين.
- أظهرتَ خلال طفولتك ذكاء نادرا، حيث استطعت ابتكار ألعاب أطفال بإمكانيات بسيطة، كما أبنت عن ميول لريادة الأعمال بمقايضتك هذه الألعاب بالطعام إلى أن تمكنّت من شراء دراجة استعملتها في التنقل للدراسة. إلى أي مدى ساعدتك طفولتك في ما حققته اليوم من نجاح؟
كان عمري 6 سنوات عندما بدأت الدراسة سنة 1968، درست 3 سنوات في الابتدائية بمداوروش وعندما أصبح عمري 8 سنوات رحلت العائلة لبادية لم يكن فيها لا كهرباء ولا ماء، كنا نستعمل «الكانكي» للإضاءة والتبن للطبخ، أما البيئة فكانت فلاحية و بها الحيوانات، وسط طبيعة كنا نحس فيها بكل فصول السنة.
عندما كان عمري 8 سنوات كنت أشعر بالملل خلال العطلة، فأجلس خارج المنزل رغم نداءات الوالدين للدخول خوفا علي من ضربات الشمس. كنت أحاول أن أشغل عقلي وككل الأولاد كنت أحب الألعاب. كنا مثلا نضع أسلاكا في علبة “الشمة» ونصنع منها ما يشبه سيارة. لكن لاحظت أن هذه الألعاب ليست قريبة من تلك الحقيقية ولا تشبه جرار البادية الذي تسير عجلاته بطريقة متوازية مهما تغيّر الاتجاه.
بعد مدة من التجارب صنعت لعبة تشبه الجرار، فأعجبت أبناء العمومة وسكان الدوار، وبدأت الطلبات لأصنع مثلها، فصرت أطلب مقابلا من قمح وبيض كنت أحس أنني حصلت عليه بعرق جبيني من عملية بيع وشراء وفي نفس الوقت كنت أسلي نفسي.
بعت ذلك القمح والبيض لمحل، واشتريت بثمنه حلوى بعتها لأبناء القرية، فأصبحت تجارة أمارسها صيفا. بعدها صرت أبحث عن شيء جديد فاشتريت بسكويت طمبولا فيه أرقام، وصارت نساء الدوار يقبلن عليه لملء أوقات فراغهن.
كنت أضع الأموال ببنكي الخاص وهو أمي، حتى جمعت مبلغا سمح لي في السنة الثالثة ابتدائي وعمري حوالي 9 سنوات، بشراء دراجة هوائية للتنقل يوميا والدراسة في مداوروش على مسافة تفوق 7 كيلومترات. حينها لم تكن الدراجات موجودة كثيرا، فبدأ التلاميذ يطلبون استعمالها، لكن عندما زادت طلباتهم أصبحت أطلب منهم مقابلا ماديا، فصرت أعود كل يوم بـ 5 دنانير، وأحيانا أشتري سندويتش وحمص.
كنت أفتخر كثيرا عندما تبتسم لي أمي وأنا آتي إليها بدخلي اليومي كما أشعر بافتخارها بي لأنني أدرس جيدا. هذه المرحلة بقيت ذكرى إيجابية في حياتي، حتى أن صديقي البروفيسور الطيب حفصي في مونتريال، قال لي إن ما قمت به في الصغر كان أول شركة أنشأتها في حياتي وليس شركة “أليس” (يضحك)
- تصدّرت قصتك مع تصحيح سؤال الفيزياء في بكالوريا 1975، الصفحات الأولى للجرائد يوم تكريمك مع المتفوقين من طرف الرئيس الراحل هواري بومدين. كيف قررت المخاطرة بوضع إجابة بناء على سؤال صححته وأنت على سرير المرض خاصة بعد خضوعك لعملية جراحية؟
درست الرياضيات التقنية بالثانوية التقنية بعنابة، وهو فرع صعب، رغم ذلك كنت أفهم بسهولة لأنني أنتبه خلال الدرس. عندما اقترب موعد امتحان البكالوريا بدأت أشعر بألم أسفل البطن، لكن ممرضة الداخلية قالت إنني أتظاهر للتهرب من المراجعة، ومع زيادة الألم نُقلت إلى عيادة لكن الطبيب لم يشخص المرض، واستمر الوجع إلى أن أصبحت لا أقوى على النهوض وانفجرت الزائدة الدودية فحُولت إلى المستشفى وخضعت لعملية جراحية مستعجلة. كان ذلك قبل أسبوعين من البكالوريا و بقي الجرح مفتوحا ما جعلني غير قادر على الجلوس، فأجريت الامتحان فوق سرير المرض.
عند إجراء الامتحان وجدت أن اختبار الفيزياء غير عادي. قلت للأستاذ إن هناك خطأ، فقال لي أن هذا مستحيل لأن الأمر يتعلق بامتحان وطني مر على خبراء. أعدت مراجعة السؤال وتأكدت أن هناك خطأ، ولأنني كنت أتمتع بثقة زائدة كتبت في ورقة الإجابة أنني أرى بأن السؤال خاطئ، فصححته ثم أجبت على السؤال الذي كتبته.
بعد ذلك بقليل دخل أحد أساتذتي وهو فرنسي اسمه بواسون كنت أدرس عنده وأحصل معه على نتائج جيدة. عندما علم بالأمر طلب مني أن أشرح له الخطأ، ثم خرج وعاد أحد المسؤولين بعد قرابة 10 دقائق وطلب منا إعادة صياغة السؤال الذي تم تصحيحه على المستوى الوطني.
تبقى هذه فترة أفتخر بها، فقد ساعدت على بناء الانسان الذي أنا عليه اليوم، بالثقة في نفسي والدفاع على أفكاري واليقين بأن لمشكلة حل.
- أخبرنا قليلا عن كواليس لقائك ببومدين آنذاك؟
بعد النجاح بتفوق في البكالوريا تمت دعوتنا إلى العاصمة أين استقبلنا بومدين وأعطانا جوائز، ثم أخِذنا إلى حديقة أعطونا فيها مشروبات وحلويات لكنني لم أتناولها بل بقيت واقفا قرب الرئيس مبهورا به فقد كان زعيما كبيرا وأثر في حياتنا. في اليوم الموالي خرجت صورتي بالقرب منه، وأشير هنا إلى أن بومدين لم يرسل أي طائرة لنقلي للعاصمة مثلما تم ترويجه.
هذا اللقاء كان حلما ظل محفورا في ذاكرتي. بومدين كان يغذي فينا روح الوطنية حتى أنني عندما ذهبت لكندا لم أفكر أبدا بالبقاء هناك بل سافرت لأدرس وأحصّل خبرة وكفاءات لأطبقها في بلادي وأحسنها، لكن للأسف الظروف لم تمكنا من ذلك.
- عقب البكالوريا سافرت سنة 1975 إلى مونتريال بعد حصولك على منحة من شركة سوناطراك لدراسة علوم الحاسب، حيث اخترت حينها القارة الأمريكية خلافا للكثير من الجزائريين الذين كانوا يفضلون أوروبا وفرنسا تحديدا. لماذا كندا؟
اخترت أمريكا الشمالية، لأنني استثقلت الدراسة في البلد الذي استعمرنا وأخرجناه من بلادنا، كما كنت أدرك أن مصدر التكنولوجيا هو أمريكا الشمالية، فطلبت منحتين تم قبولهما، أولهما مع سوناكوم لدراسة الميكانيك ببوسطن بالولايات المتحدة، ومنحة سوناطراك لدراسة علوم الحاسب الآلي في مونتريال بكندا، وهي التي اخترتها، لأن اللغة المتداولة فيها هي الفرنسية أي أنني لن أواجه صعوبات اللغة الانجليزية. أنا سعيد بهذا الاختيار بعد مرور 45 سنة، فكندا بلد جيد يحترم الانسان والحقوق ويعطي للكفاءات قيمة.
- المنحة قدمت لك على أساس العودة للعمل في سوناطراك بعد 5 سنوات من الدراسة. ما الذي حصل؟
واصلت دراسة الليسانس في فترة 3 سنوات بكندا، ثم سمحت لي سوناطراك باستعمال السنتين المتبقيتين لدراسة الماستر، لكن عندما ذهبت في عطلة للجزائر سنة 1978 صادفت مشكلة في تجديد جواز السفر فتعطلت بسبب صعوبات الإدارة وبالأخص مع دائرة سدراتة، رغم علمهم بأنني طالب. قضيت بذلك المرحلة الأولى من الماستر ما تطلب مني زيادة 6 أشهر إضافية، لكن سوناطراك رفضت هذا الأمر فأجبِرت على إيجاد طريقة لأمول بها نفسي وبدأت في الوقت نفسه أعمل على مشروع تعريب الحاسب الآلي.
بعد إتمام دراسة الماستر رجعت للجزائر وذهبت لسوناطراك التي كانت قد قُسمت إلى فروع خلال فترة تواجدي بكندا، فتفرقت الملفات ولم أجد من يوجهني أين أعمل. أغلب الطلبة الذين حصلوا على منح مع سوناطراك وقتها وعددهم حوالى 30، عادوا إلى كندا أيضا، بعدما حصلت لهم مشاكل في الجزائر.
- كشفت خلال المخيم الافتراضي الذي أجرته قناة “مباشر سيليكون فالي” منذ فترة، أنك استلهمت فكرة خوارزمية تعريب أجهزة الاعلام الآلي سنة 1986، من قطار مداوروش، هلا شرحت لنا كيف حصل ذلك؟ و ما علاقة هذا الإنجاز ببطاقات المعايدة التي كنت ترسلها للعائلة وبحبك لفن الخط العربي؟
كنت محبا للخط العربي والفن بصفة عامة، حتى أنني رسمت يافطة مقهى كان مشهورا في مدينة مداوروش اسمه الملتقى، ولأنني درست بعيدا عن العائلة خلال الصغر، في سدراتة و عنابة، كنت أكتب بيدي بطاقات المعايدة للعائلة، وأزينها، لكن عندما أصبحت أعيش بكندا مع عدم توفر الانترنت وقتها و رداءة الاتصال بالهاتف، صرت أقوم بنفس الشيء لمدة 3 سنوات، لأقرر في 1978 أن أفاجئ العائلة بكتابة عبارة عيد سعيد بالحاسب الآلي انطلاقا من جامعة مونتريال أين كنت قد بدأت العمل على مشروع الماستر عقب عودتي من الجزائر.
لاحظت وقتها أن الحروف العربية لا تُكتب بنفس الطريقة على الحاسب، وبدأت في وضع خوارزمية تجد أوتوماتيكيا شكل الحرف حسب موقعه في الكلمة. عندما أتممت بطاقة المعايدة كان العيد قد مضى، لكنني بقيت أعمل على هذا المشروع، حيث انضممت لمخبر اللغات الأجنبية و وجدت أنه يتعامل مع شركات مثل أولمبيا و سيمنس بألمانيا لصناعة التيلكس والآلة الراقنة، فبدأت الاشتغال على الآلة الراقنة لألومبيا وصممت الحروف العربية بيدي.
في ذلك الوقت أي في بداية سنة 1979 بدأت تظهر الشاشات عندما كان كل شيء يكتب بالحبر، أما الحاسب الآلي فكانت معظم استعمالاته للقيام بالحسابات وقياس الطقس وغيرها، ولا أحد فكر في استعماله لكتابة رسائل.
عندما جاءت الشاشة جاء معها المؤشر الذي يتحرك ويغير الحروف وينتقل من سطر لآخر، فأصبحت الخوارزمية التي وضعتها في 1978 ثقيلة مقارنة به، وهنا تذكرت قطار السلع بمداوروش الذي كنا نتأمله وهو يمر بالقرب من منازلنا ونحن صغار، فبدأت أتخيل الحروف كأنها عربات بعضها مرتبط من الجهتين والبعض الآخر من جهة واحدة والآخر غير مرتبط تماما، وهو نفس المبدأ مع الحروف العربية.
- هلاّ شرحت هذا المبدأ أكثـر؟
الحاسب الآلي يسير بنظام عدّ ثنائي يعتمد على الواحد والصفر، لذلك وضعت لكل حرف عربي رموزا بناء على هذا النظام. الهمزة مثلا وضعت لها 00 لأنها لا تتصل لا يمينيا ولا يسارا، وحرف العين 11 لأنه يلتصق في الجهتين، والألف 01 لأنه يلتصق يمينا فقط داخل الكلمة. كانت تقنية سريعة جدا وسهلت الأمور ومكنت من إدخال اللغة العربية في أجهزة الحاسب الآلي بصفة عامة، خاصة باستعمال الشاشات.
أشير هنا إلى أن شركات كبرى مثل “آي. بي.آم» أدخلت العربية إلى الحاسب الآلي، لذلك فلست أنا أول من عرب الحاسب الآلي، لكن تلك العربية كانت محرفة أما أنا فاعتمدت رموزا مختلفة، وكنت أول من أدخل العربية للحاسب بطريقة سليمة كما هي مكتوبة في القران. أفتخر اليوم بأن هذا الاختراع مسجل.
- أسست بعد ذلك شركة «آليس» لتعريب الكمبيوتر سنة 1981، وحققت بها نجاحا كبيرا فاشترتها “ميكروسوفت” التي عربت في ما بعد نظام التشغيل “ويندووز”. حدثنا عن هذه التجربة وكيف كانت كواليس مفاوضات البيع؟
بعد تعريب الحاسب الآلي، عرض علي مستثمرون من سان فرانسيسكو إنشاء شركة مع بعضنا البعض والتسويق للفكرة، فأعجبني الاقتراح إذ سمح بإدخال حواسيب للعالم العربي تسير بلغة عربية سليمة وأصلية. قبلت بالعرض وبدأت بشركة «أليس» وهو اسم يمثل الأحرف الأولى للعبارة الانجليزية أجهزة المعلوماتية العربية اللاتينية، حيث بدأت تصنع منتجات تسوق في العالم العربي وبالأخص ببلدان الخليج كالإمارات والكويت والسعودية وأيضا مصر، كما سوقنا قليلا في الجزائر.
كان صعبا في البداية إقناع بلدان عربية بدفع المال لشراء منتجنا، إلى أن قررت الحكومة السعودية اعتماد العربية في مراسلاتها عوض الانجليزية، فزاد الطلب على جهازنا وبدأنا نشتهر و نوزع كثيرا.
سنة 1982 وبسبب ظهور شركات منافِسة، قررت ميكروسوفت تسويق منتوجها «أم أس دوس» بطريقة قوية في العالم العربي، و وجدت أن أحسن جهاز هو جهاز شركة "أليس"، حيث تلقينا ذات يوم اتصالا مفاجئا من ميكروسوفت وطُلِب منا أن نلتقي للتكلم عن مشروع تعاون.
كنت أخمن وقتها بأن بيل غيتس سيحضر (يضحك) لكن أغلب من جاؤوا كانوا محامين إضافة إلى مسؤولين طلبوا شراء التكنولوجيا وتخفيض السعر، لكن المال لم يكن يهمني، فالأهم بالنسبة لي كان أن بطاقة التهنئة التي كتبتها لوالدي وإطلاق مشروع منها، جعل فكرتي متاحة للعالم العربي. تمت الصفقة واليوم أصبحت الأجهزة متوفرة في كامل العالم. بالنسبة لي كنت قد حققت هدفي.
- لقي مشروعك لتعريب الحاسب اعتراضا في البداية من شركات بعضها عربية، حيث طلبت عربية «حديثة» لا تراعي الأبعاد الثقافية والتاريخية لهذه اللغة، وهو ما رفضته. كيف كسبت هذه المعركة؟
أكبر افتخار لي في مشروع تعريب الحاسب الآلي، هو رفض تحريف الخط العربي لأن شركات أمريكية مثل «أي بي أم» وأخرى انجليزية أرادت أن تسوق أجهزة بعربية محرفة غير لائقة، وكانت معها في هذا الطرح هيئات عربية مثل معهد المقاييس بالأردن، لكنني عارضت الأمر وأصريت على احترام تاريخ وثراء وجمال هذه اللغة، وهو ما ألقيت بشأنه محاضرات بالشرق الأوسط بعدما دعت إدارات عربية لتغيير اللغة العربية لدخول الحاسب الآلي.
كنت أيضا أفضل اعتماد طريقة المايكرو بروسيسور، وهو الجهاز المحرك للحاسب لكنهم رفضوا وضعه في كل آلة، خاصة أن سعره في ذلك الوقت كان باهظا قليلا، لكن ثمنه انخفض مع مرور السنوات.
- إلى أي مدى يمكن إدماج اللغة العربية في برمجيات الذكاء الاصطناعي اليوم؟
الحديث عن هذا الموضوع يدفعنا إلى التساؤل، هل اللغة العربية جاهزة للاستعمال في الذكاء الاصطناعي؟ الجواب هو أنها دخلت عالم الحواسيب بطريقة كاملة بدون أي تغيير، فقد أصبحت اليوم مثل أية لغة تستعمل من طرف الحاسب الآلي الذي يمكننا من تطوير الذكاء الاصطناعي، مثلا لكتابة نصوص أو لفهمها وتصحيحها أو لفهم الكلام وحتى الكلام أيضا، لهذا السبب أعتقد أن الاندماج سيكون سهلا وطبيعيا. الأمر يتطلب طبعا بعض البحوث لكنه ممكن.. لو قبلنا بتحريف اللغة العربية لوقعنا في مشاكل كبيرة في إدماجها بالذكاء الاصطناعي، لكن الحمد لله طريقتنا استعملت وسهلت الأمور وفتحت الأبواب لكل المشاريع والتطورات التي تتمتع بها اللغة الانجليزية مثلا.
- أسست شركة الاتصالات "ميديا سوفت" سنة 1987 وقد حققت بها نجاحا باهرا في كندا. حدثنا عنها
بعد اتفاق مايكرسوفت الذي يسمح بتعريب كل أجهزة "أم أس دوس" والأجهزة الشخصية، فكرت في مشروع آخر لجهاز يباع في أمريكا الشمالية، فبدأت أبحث، و وصلت إلى فكرة أن الأشخاص أصبحوا يستعملون الآلة للتواصل بينهم وللاستهلاك الشخصي والتجاري، حيث أنتجت حينها شركات أجهزة تجيب على المتصل وتحول مكالماته إلى الخدمة المطلوبة، وهي أجهزة بدأ الاهتمام يزيد بها في أمريكا الشمالية و أوروبا، فقررت دخول هذا الميدان لكن بعد دراسة السوق والتكنولوجيا المتوفرة لتقديم منتج أحسن مما هو موجود.
أنجزنا جهازا لتطوير أنظمة مكالمات هاتفية بسهولة، يعمل بـ “ويندوز” مع إدماج نظام التشغيل «يونيكس» القوي، بعد وضع برنامج يكملهما، وهو منتج أثار إعجاب صحفي من أمريكا الشمالية كتب حينها مقالا في جريدة معروفة كان عنوانه “كيف لم نفكر في هذا من قبل؟”. بعد نشر المقال جاءتنا طلبات من شركات الهاتف مثل “فرانس تيليكوم”، “بيل كندا” و“سينغابور تيليكوم” بعدما وجدت أن أجهزتنا تحل لها مشاكل كبيرة، حيث بعناها في كل أنحاء العالم وكبر المشروع.
كما أرادت "إينتل" شراء "ميديا سوفت" لكن ذلك لم يحصل لأنني فضلت عدم السفر إلى الولايات المتحدة، فاقترحت عليهم أن يدخلوا كشريك مستثمر فقبلوا واشتروا أسهما. بعد حوالي سنتين بعنا الشركة لـ “بيل كندا”، وهنا أيضا لم تهمني الصفقة بقدر ما همني أن فكرتي قُبلت وبأن الأشخاص صاروا مستعدين لدفع أموال من أجل شرائها، وهذا هدفي.
- أسست بعد ذلك شركة "سبيتش موبيليتي" سنة 2012، والتي تنتج هواتف ذكية تتفاعل مع المستعمل. ما هي المزايا التي تضيفها هذه الأجهزة في سوق تشهد تنافسا شرسا؟
قبل بيع “ميديا سوفت”، كنت قد بدأت أفكر في “سبيتش موبيليتي” لتصميم هاتف خاص بالشركات، يكون ذكيا، إذ يعلم متى يكون المتصَل به متاحا، ومتى يحول المكالمة من المكتب إلى الأشخاص المناسبين وغير ذلك، وهو ما أضفناه، فكل مستعمل لهاتفنا أصبح له ما يشبه سكرتيرة شخصية تسأل إن كانت المكالمة مهمة، وتقرأ الرسائل الصوتية و الإيميل عندما يكون المستخدم يقود السيارة، وتراجع أجندة المواعيد و تتلقى الأوامر.
هذه مزايا مهمة للأفراد الذين أصبحوا يتجهون اليوم نحو الانتاجية وهم في العطلة أو المطار أو المطعم. حاليا نحن في مرحلة تسويق الجهاز الذي قد يكون مستقبلا بين يدي شركة أخرى تسوقه عالميا.
- في محاضرة ألقيتها قبل 4 سنوات على منصة «تيد»، قلت إنك تعتبر نفسك من أكثـر الأشخاص المحظوظين في العالم. لماذا؟
لأن العديد من الفرص جاءتني واغتنمتها بسرعة، غير أن الاختيار لم يكن دائما سهلا، فأنا أعتبر أن الذهاب إلى الاختيار الأحسن هو بحد ذاته حظ.. لقد كنت محظوظا لأن المعلمين دعموني ولأنني كنت أفهم بسرعة وأثق في نفسي، وبأن أبي وأمي قررا إرسالي للمدرسة. محظوظ أيضا لأنني قُبِلت لمنحة الدراسة في الخارج، وبأن كندا احتضنتني. لو لم أدخل ميدان الحاسب الآلي ما كنت أيضا قد حققت ربما مشروع التعريب، لهذا أقول الحمد لله، فقد كان لي حظ جميل ساعدني على تحقيق أحلام ما كنت أفكر يوما في أن أعيشها.
- من هي الشخصيات البارزة في عالم المعلوماتية التي كانت مصدر إلهام لك في مشوار النجاح؟
أول من احترم أفكاره في مجال التكنولوجيا هو ستيف جوبس، فهو من أذكى الأشخاص في العالم، إذ كان يتمتع بالإصرار و المثابرة، وكان يرى الأشياء التي سوف يحتاجها العالم قبل سنوات.
أحترم أيضا «بيل غتيس» لأنه كانت له إرادة كبيرة، وفكر في توفير جهاز كمبيوتر شخصي لكل إنسان في العالم، لم أختره أولا لأنه كان يحب السيطرة على السوق ويغلق الأبواب في وجه الشركات المنافسة.
هناك أيضا آيلون ماسك مؤسس شركة “تيسلا موزتوز” وصانع السيارة الكهربائية، كما دخل في مشروع “سبايس إكس”، وهو شخص ليس كبيرا في السن.
«جيف بيزوس» أيضا، مؤسس أمازون التي كانت مخصصة في البداية لبيع الكتب، واليوم أصبحت شركة عظيمة أخذت حيزا كبيرا في حياة الأشخاص حول العالم.
إلى أي مدى يمكن أن يساعد الشغف على تحقيق أحلام المرء؟
الشغف هو العنصر الأساسي لتحقيق الأحلام، وإذا أراد الشاب أن يحقق مشروعا فيجب أن يحبه، أما إذا كان الهدف من العمل بميدان ما هو تحقيق الربح المادي فإن النجاح سيكون صعبا.
أنصح الشاب الجزائري إذا كانت لديه حرفة، أن يفكر بما الذي يمكن أن يفعل بها وبالبحث عن مساعدة حوله، فربما يجد أشخاصا يشتركون معه ويبنوا معا مشروعا يمكنهم من تحقيق أحلامهم.
- بعد كل هذا المسار الحافل، ما هي المشاريع التي لم يحققها بشير حليمي بعد؟
حاليا مهتم بمواصلة العمل على مشروع «سبيتش موبيليتي» حتى يكون الجهاز مستعملا من طرف شركات أخرى، خلال سنة أو اثنتين، بعد ذلك سآخذ وقتي لمساعدة شركات أخرى ربما كمستشار أو مستثمر لأدرس مشاريع يقدمها شباب و أساعدتهم بالخبرة وربما بالمال لتحقيق أحلامهم ومشاركتهم النجاح.
- لماذا لم نر لك مشاريع في الجزائر؟
أغلبية الجزائريين الذين نجحوا في الخارج لم يعودوا للجزائر، وهنا يجب أن نطرح السؤال التالي، هل هم من لم يريدوا الرجوع أم أن البلاد ليست مستعدة لاستقبالهم ولا تريد استقبالهم، وأعتقد أن الجواب هو في السؤال الثاني.
لقد حاولت إقامة مشاريع بالجزائر لكن لم أستطع، كما لم أقع في خطأ تصفية كل أموري في الخارج والعودة ثم التأسف لأنني لم أحقق ما أريده بسبب عراقيل الإدارة. لقد أخذت دروسا من الأشخاص الذين فشلوا عند الرجوع للجزائر وتحدثت إلى مسؤولين بخصوص مشاريعي فكانوا يقولون لي الله غالب.
ربما يوجد بالبلاد من يريدون تحسين الأمور لكن لم يقدروا على ذلك لأن هناك قوة أخرى تريد حماية مزايا غير شرعية، بما يغلق الأبواب أمام المشاريع التي يفكر فيها الجزائري بالخارج. هذا مؤسف، لكنني مطمئن بأن المستقبل سيكون أحسن وبأن الجزائر ستتغير، لتصبح أحسن مما هي عليه اليوم.
- ما هي رسالتك لكل شاب طموح وأنت الذي بدأت مشوار نجاحك من الصفر؟
كل شيء ممكن، فأنا كنت في البادية دون أية وسائل أو تكنولوجيا، لكن عندما يكون الإنسان طموحا ويثق في نفسه ويغتنم الفرصة عندما تأتيه، وتكون له الشجاعة للمواصلة والمثابرة رغم الصعوبات، من المؤكد سينجح. اختر أشياء أكبر من الفائدة المادية، أشياء تحبها. آمن بنفسك وثق أن الظروف ستتغير في يوم من الأيام وبأن الصعوبات ستزول، لذلك جهز نفسك لتغتنم الفرص القادمة. ي.ب