يعد المسرح و الكتابة المسرحية عشقه الأول، قبل أن يتحوّل إلى كتابة سيناريوهات الأفلام و المسلسلات و السلسلات الفكاهية التي خلّدت اسمه، إلى جانب العديد من الكوميديين
و الممثلين القسنطينيين، و لم تشكل دراسته ثم مهنته كأستاذ للغة الفرنسية طيلة 35 عاما، عائقا في مساره الفني و الإبداعي، فقد بدأ الكاتب و السيناريست عزيز عجابي الكتابة المسرحية، منذ كان طالبا بثانوية يوغرطة بقسنطينة، و لم يتوقف قط عن الإبداع.
ابن قسنطينة خطف الأضواء لأول مرة في مهرجان مسرح الهواة بمستغانم سنة 1984، بمسرحية قدمها رفقة فنانين شباب، على غرار حكيم دكار، كمال بروكي و مراد مساحل و غيرهم، في حين اقتحم الشاشة الصغيرة خلال التسعينات، و تألق من خلال كتابة سيناريو السلسلة الفكاهية «ماني ماني» التي حققت نجاحا كبيرا في تلك الفترة، لأنها عالجت قضايا اجتماعية بجرأة في قالب هزلي، و برصيده العديد من الأعمال الأخرى سواء للمسرح أو التلفزيون أو السينما، مؤكدا في حواره مع النصر أنه لم يغب بل تم تغييبه في السنوات الخمس الأخيرة، و بقي فيلمه الذي يكرم من خلاله صديقه الفنان رشيد زيغمي، رهين قسم الإنتاج بالتلفزيون.
النصر: السيناريست عزيز عجابي غائب عن الساحة الفنية منذ قرابة الخمس سنوات، هل لنا أن نعرف الأسباب؟
ـ عزيز عجابي: خلال المدة التي ذكرتها لم تسلط عليّ و على أعمالي الأضواء، سواء من قبل الجهات المعنية أو الإعلام، إلا أنه وجب التأكيد على أن الفنان لا يغيب، لأن عمله أو أعماله الفنية هي حياته، بل هي الأوكسجين الذي يتنفسه، بل يغيّب، إما عمدا أو بسبب غياب منتجين، باستثناء وزارة الثقافة و التلفزيون الجزائري، بإمكانه تمويل أعماله الفنية (مسلسلات، أفلام تلفزيونية، أفلام سينمائية و سيت- كوم..)، الجميع يعوّل على أموال التلفزيون الجزائري، و يبقى المنتج و الكاتب تحت رحمته، و بدون التلفزيون تبقى أعمالنا مجرد حبر على ورق.
في ظل هذا الغياب لا يتم تذكر عزيز عجابي و أمثاله في المحيط الفني أو بين المتابعين و المعجبين، إلا من خلال أعمالهم القديمة، لأنها نالت الإعجاب في مرحلة سابقة، ألا تخشى أن تحال إلى الأرشيف رفقة أعمالك؟
ـ ماضي أي فنان هو برهان أو دليل لانتمائه إلى هذا الميدان، شخصيا لا أخشى أن يلفني النسيان، ما دام إنتاجي غزير و عطائي مستمر.. فأعمالي السابقة دخلت الأرشيف حقيقة، لكنها لم تمت، فالجزائريات و الجزائريون لا يزالوا يتمتعون و يضحكون عندما يعيدون مشاهدتها ، و من المفروض أن يكون هذا حافزا لي للعطاء أكثر إذا أتيحت لي الفرص، و أصر على ضرورة اعتراف مؤسسة التلفزيون الجزائري بما قدمته طيلة 30 سنة.. أسمح لي بفتح قوس و القول، كفانا من النظر في المرآة العاكسة «روتروفيزور»، لأن الانشغال بالنظر في المرآة، يضاعف خطر اصطدامنا بالحائط و الحديث قياس.. كما أن البكاء على الأطلال و الحديث عن إنجازات الماضي، لن يجدي نفعا، بل بالعكس قد يثبط العزائم و يؤثر على المستقبل.
نفهم من كلامك أن السيناريست عزيز عجابي لم يمت فنيا رغم غيابه الطويل؟
ـ فلسفتي في الحياة التي عبرت عنها في الإجابة على سؤالك السابق، دليل على أننا لا أزال قادرا على الكتابة و العطاء، و لا أزال موجودا في الميدان،
و ما على المعنيين بالإنتاج التلفزيوني و السينمائي ، سوى إيجاد حلول ميدانية تطبيقية، تتيح الفرص لكل المبدعين ، سواء تعلق الأمر بالجيل الجديد أو القديم.
كيف قضى عزيز عجابي خمس سنوات من الغياب أو التغييب؟
ـ طبعا قضيتها في الكتابة و إثراء رصيدي الشخصي بكتابة سيناريوهات أعمال عديدة، لتبقى تنتظر التجسيد على أرض الواقع، و من بين الأعمال التي سمحت لي هذه المدة، بما فيها الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا، بإنجازها، كتابة سيناريو عمل تلفزيوني هو الآن على مستوى لجنة القراءة، بعنوان «أنيس الفنك»، و هو عبارة عن تكريم للأجهزة الأمنية الجزائرية، في قالب فيلم «أكشن»، تم فيه مراعاة قواعد و جماليات الفن السابع العالمي..
كما كتبــــــت سيــــــــــناريو فيلـــم ثوري من سلسلــــة «طيور الفجر»، تحت عنوان «البرج الرملي»، و هو عبارة عن دراما عائلية ذات عمق ثوري، تسرد قصة شقيقين،
أحدهما أدرك أن فرنسا الاستعمارية لا تعترف بتضحيات الشعب الجزائري في الحرب العالمية الثانية، و مشاركته في تحريرها من النازية و عساكر هتلر، و الثاني و هو الأخ الأكبر، فضل الخنوع و البقاء تحت رحمة الاستعمار الفرنسي، من أجل الحفاظ على بعض الامتيازات و الأملاك و الأراضي، ناهيك عن تقربه من الإدارة الاستعمارية، و التي عينته نائبا لرئيس البلدية، و من أجل ذلك لم يتردد «القايد» في قتل أخيه..
هل هذا كل ما أنجزته طيلة خمس سنوات؟
ـ لا هناك أعمال أخرى، على غرار سيت كوم، سيتم تصويره بتقنية حديثة و خاصة عن طريق الهاتف النقال، و ليس باستعمال الكاميرا، و سيتناول إحدى الظواهر الاجتماعية في الجزائر، و أفضل تأجيل الكشف عن التفاصيل، إلى حين الانتهاء من كل الإجراءات..
هذا و تجدر الإشارة إلى انتهائي من كتابة الجزء الثاني من الفيلم الكوميدي الذي أحبه كل الجزائريين «ريح تور»، بالاعتماد على من بقوا على قيد الحياة من الفنانين الذين شاركوا في إنجاز الجزء الأول، مع إشراك الجيل الجديد من الممثلين، من أجل ضمان الاستمرارية، و السماح للفنانين الشبان بالاحتكاك و الاستفادة من خبرة القدامى..
الهدف من الجزء الثاني من فيلم «ريح تور»، هو تذكير المشاهدين بالسلسلة، و تخليد من غادرنا من الممثلين، و أيضا وضع عالم السياحة في الجزائر على المحك، من خلال طرح العديد من الأسئلة، على غرار هل تغير قطاع السياحة في الجزائر؟، و هل تحسنت الخدمات أم تراجعت؟ و توضيح نظرة الجيل الجديد للسياحة بصفة عامة، و السياحة الداخلية على وجه الخصوص.
. هناك حديث عن تجاهل عمل تلفزيوني يخلد الفكاهي رشيد زيغمي رحمه الله؟
ـ قبل أربع سنوات تم إنجاز آخر عمل للفقيد رشيد زيغمي رحمه الله، حيث تم تصويره و تقديمه إلى التلفزيون الجزائري من أجل برمجته و بثه، لكن لحد الساعة التي أكلمكم فيها لم يظهر له أي أثر، و عليه يبقى السؤال مطروحا ما هو سبب تجاهل هذا العمل؟..
فمن باب أخلاقيات المهنة، و الاعتراف بما قدمه الفنان رشيد زيغمي، الذي أضحك الجزائريين و أدخل البهجة إلى بيوتهم طوال حياته، كان على المعنيين برمجة هذا الفيلم، لأنه من حق كل الجزائريين مشاهدة آخر عمل لرشيد، ليخلده في تاريخ الكوميديا الجزائرية، خاصة و أن هذا الإنتاج الذي نحن بصدد الحديث عنه، موله منتج من ماله الخاص..
فبقدر ما أسعدني العمل في هذا الميدان طيلة حياتي، أحزنني تجاهل العمل الأخير للفنان الكبير رشيد زيغمي.
في هذه اللحظة بالذات بماذا يحلم السيناريست عزيز عجابي؟
ـ تريد الحقيقة.. أحلم في هذه اللحظة بالذات بالعودة إلى ركح المسرح حبي الأول..
فبيني و بين المسرح و الركح قصة طويلة، تعود إلى أيام الدراسة، حيث بدأت في كتابة المسرحيات عندما كنت طالبا بثانوية يوغرطة .
بماذا يريد السيناريست عزيز عجابي أن يختم هذا الحوار الشيق؟
ـ لم أتعوّد على نثر الورود على أي كان، و لكنني سأحيد عن هذه القاعدة هذه المرة.
أود أن أتقدم بجزيل الشكر للمحطة الجهوية للتلفزيون بقسنطينة، نظير الجهود المبذولة من أجل خدمة الفن و الفنانين، كما أتقدم بتحياتي الخالصة و الخاصة لزملائي و إخوتي الفنانين، المنتجين و المخرجين، الذين تعاملت معهم طيلة مشواري الفني، و أخص بالذكر المخرج المتميز عزيز شولاح، و المبدع عبد الحق مهدي.
حاوره: حميد بن مرابط