يؤكد المختص في الرصد الجوي و البيئة و نجم نشرات أحوال الطقس في الجزائر، الشيخ فرحات، في هذه الدردشة مع النصر، بأن الاهتمام المتزايد بالطقس من قبل الجزائريين و سكان الكوكب إجمالا، سواء على الشاشات أو حتى تطبيقات الهاتف النقال و مواقع التواصل الاجتماعي، راجع إلى الاضطرابات المناخية التي انعكس تأثيرها على البيئة والمحيط و الحياة عامة، وقال المتحدث، بأن نجاح برامج الطقس مرهون باختيار اللغة المناسبة لمخاطبة المشاهد الذي يجب أن يعي بأن التنبؤات حقيقة علمية وليست مجرد دجل.
حاورته: خيرة بن ودان
الدارجة في نشرات الطقس ضرورية لجذب المشاهد
* النصر: حققت نجومية كبيرة في السنوات الأخيرة، فما الذي يتطلبه تقديم النشرات الجوية تحديدا؟
-الشيخ فرحات: تقديم النشرة الجوية سواء في القنوات التلفزيونية أو الإذاعية، يتطلب التركيز على المعلومة التي يتم تقديمها، ثانيا يجب إرفاق النشرة ببيداغوجيا في المجال بإضافة معلومات يتعلمها الجمهور المتابع ، وثالثا يجب إدراج نوع من التنشيط والحركية خلال التقديم لتلطيف الجو وكسر الروتين، وهكذا تحديدا ينجح المقدم في جذب اهتمام الجمهور، بالمقابل يجب أن يلتزم النشرة بالصرامة في الأداء وأن تكون اللغة «دارجة مهذبة» تجمع بين العربية الفصحى الدراجة البيضاء، حتى يفهمها الجميع وتؤدي الغرض منها.
* كيف تقيمون تجربتكم في هذا المجال؟
ـ عمري 69 سنة، قضيت حوالي 50 سنة في مجال الأرصاد الجوية وأعتقد أنها خبرة كافية لأتقن ما أقوم به حتى وإن لم يكن هذا المجال خياري الأول سابقا، فرغم أنني درست في معهد الدار البيضاء بالعاصمة، إلا أن التحاقي به جاء متأخرا، فقد كنت أميل بداية إلى دراسة «ميكانيك الطائرات»، ثم غيرت اهتمامي نحو البحرية، لأستقر في النهاية على خيار الأرصاد الجوية، أحيكم علما أنني ليت دخيلا على التليفزيون فقد درست الإعلام و الاتصال سنة 1988، وخضت تجربة سابقة مع الإذاعة الوطنية و تحديدا القناتين الأولى والثالثة ثم البهجة، قبل أن أنتقل إلى الشاشة الصغيرة بعد فتح المجال الإعلامي، حيث أصبحت حريصا في كل مرة على أن أغير من طريقة تقديم النشرة، حتى أشد انتباه الجمهور للمعلومات التي أقدمها والتي تفيده سواء للتعرف على أحوال الطقس أو للحفاظ على البيئة أو لاكتشاف مناطق من الجزائر والعالم.
النشرة الجوية لها أهمية بيئية وسياحية
* ما سر اهتمام الجزائريين بالنشرات الجوية في اعتقادك؟
ـ فعلا، في السنوات الأخيرة، زاد اهتمام الجزائريين بالنشرات الجوية بشكل ملحوظ، و ذلك بعد توسيع معارفهم من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، عكس ما كان عليه الحال سابقا، عندما كانت المعلومات شحيحة و ثقافة النشرات ضعيفة لدرجة أن هناك من كانوا يعتقدون أن التنبؤ بالطقس ضرب من ضروب «الشرك بالله»، وذلك لجهلهم بأن الأمر يتعلق بتفاصيل علمية.
شخصيا قمت بتكوين العديد من مقدمي نشرات الأحوال الجوية بطريقة تسمح لهم بتبسيط المعلومة، و إيصالها بشكل صحيح إلى المواطن يضمن فهمه لحقيقة ما نقوم بعه، وبأن العملية تعتمد على بيانات مدروسة و تستند للتكنولوجيا وليست نوعا من «الدجل».
التغيرات المناخية العالمية صعبت التنبؤات
* لنتحدث عن توقعات الطقس المرتقبة في الأسابيع القليلة القادمة إلى ماذا تشير الخرائط تحديدا؟
ـ ستشهد الجزائر على غرار عدة بلدان في العالم إضطرابا في المعايير المناخية، سيكون معها التنبؤ بأحوال الطقس صعبا، لأن هذه الاضطرابات المتكررة باتت تحول دون ضبط خرائط مناخية دقيقة، لدرجة أننا ما عدنا نفرق بين الفصول و أضرب لكم مثلا بما عرفه شهر فيفري من السنة الماضية، حيث جاء ساخنا جدا و شحيح الأمطار بشكل كبير، رغم أنه شهر يفترض منطقيا أن يكون باردا جدا و ممطرا، بل إن الشتاء الماضي شهد اشتعالا للنيران في منطقة جبل شنوة بتيبازة، وهي ظاهرة غريبة تنذر بمخاطر مناخية حقيقية، وعليه فإن معرفة أحوال الطقس أصبحت عملية معقدة و بات الأمر يقتصر على قراءات دلالية تخص أيام معدودة، لكن دون القدرة على التنبؤ فعليا بما ستحمله الأسابيع القادم أو ما ستكون عليه الأشهر المرتقبة، بمعنى أننا غير قادرين اليوم على الحديث عن ما يمكن أن يحدث هذا الخريف أو الشتاء.
ـ هل يمكن القول بأن الجزائر ستعرف حالة جفاف إذا ما قارنا المعطيات المتوفرة حاليا بما عرفه الشتاء الماضي من اضطرابات؟
- الجزائر شهدت بين سنتي 2020 و 2021، شبه جفاف لأن نسبة الأمطار انخفضت في هذه الفترة، ولم تصل إلى المعدل السنوي المعتاد والذي يفترض بأنه يعادل سنويا و على سبيل الحصر 600 إلى 700 ميليمتر في الجزائر العاصمة، مقابل حوالي 400 حتى 600 ميليمتر في وهران، و هي نسبة ترتفع بشرق البلاد لتصل إلى حدود 800 حتى 1100 ميليمتر سنويا، و تتراوح بين 500إلى 700 ميليمتر في المناطق الداخلية والهضاب العليا، أما شمال الصحراء فيسجل سنويا ما بين 200 و 300 ميليمتر خلال ذات الفترة، مع ذلك فإنه لا يمكن توقع كمية الأمطار التي ستتساقط هذا الموسم، وذلك بسبب العوامل التي ذكرته سابقا.
ترشيد استهلاك المياه يوجب مراجعة تسعيرتها
* هل يمكن أن نربط أزمة مياه الشرب في العاصمة وأغلب المدن الكبرى بجفاف السدود و المنابع الطبيعية وشح الأمطار؟
ـ يجب أن ندرك بأن استهلاك المياه في بلادنا يرتفع سنويا بنسبة 7 بالمائة، وهذا الارتفاع راجع لزيادة عدد السكان وتضاعف طلبهم على هذه المادة الحيوية، خاصة في المدن الكبرى و ذلك بفعل تغير نمط الحياة اليومية و تزايد استهلاك الماء كثيرا، وكان منتظرا حسب المخططات السابقة، أن يتم تزويد المناطق الساحلية من تحلية مياه البحر، وتخصيص السدود للمناطق الداخلية، من جانب آخر، أصبح هناك ضرورة لإعادة النظر في تسعيرة المياه التي تحدد حاليا ب3,80 دج لـ 1000 لتر، وهذا من أجل ترشيد استهلاك الماء وضبط تسييره مستقبلا، لأن الطلب عليه سيرتفع وسنشهد ضغطا كبيرا، وهذا ما يستدعي إرادة سياسية لإيجاد حلول مناسبة و استشرافية للوضع القادم، كما يجب تكثيف حملات التوعية عن اقتصاد الماء وتقليص النفايات والمحافظة على البيئة والمحيط.
* تحدثتم عن مياه الشرب فماذا عن السقي الفلاحي؟
ـ معلوم أن القطاع الفلاحي يستهلك حوالي 60 بالمائة من المياه في الجزائر، وعليه يجب تغيير نمط تسيير السقي الفلاحي وإدراج الخبرات والتكنولوجيات الحديثة والاعتماد على الفلاحة الذكية التي من شأنها المحافظة على هذه الثورة مقابل تحقيق وفرة الإنتاج، يجب أيضا غرس الأشجار للحفاظ على البيئة وحماية البلاد من التصحر،ف في بلادنا يستدعي الأمر غرس 10 ملايين شجرة سنويا كحد أدنى لمواجهة المخاطر البيئية والمناخية، إلى جانب إلزامية الإسراع في بعث مشروع السد الأخضر وغرس الأشجار على شكل حزام أخضر حول المدن الكبرى وخاصة الساحلية.
«اللجوء المناخي» ظاهرة اجتماعية ستزيد مستقبلا
* لماذا تصفون القادم بالأخطر وقد سبق للجزائر أن عاشت فترات جفاف ؟
- نعم الجزائر سبق لها وأن عرفت حالات جفاف مماثلة، ولكن لم تؤثر عليها لأن عدد السكان كان أقل من السنوات الأخيرة التي تعرف انفجارا سكانيا ملحوظا، وهذا الارتفاع ينعكس على البيئة والمحيط خاصة ما تعلق بتوفير ما يكفي من الماء و الطاقة الموجهة للاستهلاك العام، لأن تحسن المستوى المعيشي وما يتطلبه من خدمات حياتية يساهم بشكل مباشر في هذه الزيادات، وهو ما يوجب ترشيد الاستهلاك وضبط برامج استشرافية.
* ماذا عن دراجات الحرارة المرتقبة على المديين القريب و البعيد كيف سيكون الوضع في ظل التغيرات الحاصلة؟
- حسب تقرير المنظمة العالمية للتغيرات المناخية، فإن التقلبات والاضطرابات المناخية، عجلت بعض الأخطار المحتلمة، فمثلا كان من التوقعات تشير إلى أن درجة حرارة الأرض سوف ترتفع بما يعادل درجتين في آفاق 2050، لكن المعطيات الراهنة رفعت النسبة إلى 3 درجات في غضون الثلاثين سنة القادمة، مع توقع تجاوز الارتفاع لما يناهز ست درجات عن المعدل الحالي مع حلول سنة 2100.
و الجزائر والقارة الإفريقية كلها ستضرر أكثر من غيرها خاصة مع ذوبان الجبال الثلجية والجليدية في القطب الشمالي، مما سيرفع نسبة مياه البحار والمحيطات لغاية 60 سنتيمترا، حسب التوقعات وبالتالي فإن عدة دول ستتضرر خصوصا دول القارة السمراء التي تطل على البحار والمحيطات مباشرة، بالمقابل فإن دولا أخرى من العالم ستعرف تأثيرات أكبر، إذ يتوقع اختفاء أكثر من 200 جزيرة عبر منها 40 جزيرة آهلة بالسكان خاصة في جنوب شرق آسيا.
* هل يعني هذا أننا سنعيش اضطرابات اجتماعية محتملة؟
- بالنظر لعوامل الاحتباس الحراري وما ينجر عنه من جفاف وتصحر و اضطرابات مناخية، فإن العالم سيشهد تفاقما لظاهرة «اللجوء المناخي» أي هجرة جماعية لسكان الجنوب نحو المناطق الشمالية هربا من تقلص مظاهر الحياة في بلدانهم و انعدامها المحتمل في بعض المناطق الأخرى، علما أن الظاهرة بدأت منذ حوالي 10 سنوات في مختلف دول العالم، ومنها لجوء الكثير من سكان دول الساحل لدول الشمال.
خ . ب