* لا يعقـــل تحطيـم الفـن باستغـــلال المؤثـريــن
كشفت ربيعة سحاب الممثلة المسرحية والتلفزيونية،في هذا الحوار، عن جوانب خفية و بعيدة عن عين المشاهد، حول تجربتها في برامج التجارب الاجتماعية، وعن مسارها الفني، مؤكدة أنها تفضل سلك الطريق الصحيح لولوج عالم التمثيل، من خلال التكوين الجاد و المستمر، وعدم استباق المراحل، بحثا عن الشهرة و الانتشار الواسع، مشيرة إلى أنها بدأت مسارها بالتمثيل الإذاعي لتنتقل إلى المسرح و بعد ذلك إلى التلفزيون، أين سطع نجمها في برامج التجارب الاجتماعية و عدد من المسلسلات.
حاورها: عثمان/ب
و أضافت أن اكتساب الشهرة بالمحتويات الهابطة، مثلما يفعل بعض المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بالأمر الصعب عليها، لكن إيمانها بالرسالة النبيلة للفن وعشقها للتمثيل، جعلاها تفضل الطريق الصحيح، حتى و لو كان طويلا و ملتويا على القفز والتنطع..
النصر: برزت مؤخرا برامج التجارب الاجتماعية في القنوات الجزائرية، و تزايد معها حضورك، كممثلة تخوض تجربة جديدة، ما هو تقييمك لها؟
ـ ربيعة سحاب: في الحقيقة مشاركتي في حصص التجارب الاجتماعية، هي مرحلة و خطوة جديدة لإثراء تجربتي الفنية، التي بدأت بالتمثيل الإذاعي، فالمسرح، ثم التلفزيون، أهتم دائما بخوض تجارب جديدة، لهذا أعمالي متنوعة، و يبقى الأصل أنني ممثلة، باستطاعتي أداء و تقمص أي دور سواء في المسرح أو السينما و كذا في الأعمال التلفزيونية.
أما عن مشاركتي في برنامج التجربة الاجتماعية، الذي يعرض في قناة خاصة بعنوان «ما تخطيش راسي» خلال شهر رمضان، فهو تجربة جديدة ومفيدة، كونه لا يتعارض مع قيم المجتمع، و هو عمل غير مبتذل، خلافا لما لقيته برامج أخرى من انتقاد من طرف الجمهور، على غرار بعض برامج الكاميرا الخفية التي تتنافى و الذوق العام و يطغى على بعضها العنف، فالمتتبع للمشهد الإعلامي الجزائري والبرامج التلفزيونية خلال شهر رمضان، يلاحظ أن برامج التجارب الاجتماعية، أخذت نصيبا هاما من نسب و حيز المشاهدة، لأنها أكثر قيمة من ناحية المحتوى و فائدتها للمجتمع، كما أن مثل هذه البرامج، أضحت البديل و تستقطب اهتمام الجمهور و المشاهدين، وأصبحت تقدم و تعرض عبر القنوات العالمية و الفضائيات العربية، وهو ما واكبته بعض القنوات الجزائرية، بتوجهها لمثل هذه البرامج و المواقف الإنسانية، ومن هذا المنطلق أعجبتني الفكرة، و وافقت على مقترح فريق الإنتاج لتقديم التجربة الاجتماعية، الذي جاء بعد مشاهدته و متابعته لي على خشبة المسرح.
أدائي العفوي في المسرح سر اختياري لتقديم التجارب الاجتماعية
هل هذا يعني أن سبب اختيارك يعود إلى رصيدك الفني ؟
ـ أكيد، اختيار الفريق لي وقع بعد متابعة أدائي في عرض مسرحي، ربما وجد لدي مواصفات الممثلة التي تؤدي الدور بعفوية و دون تصنع، ما يزيد من اقناع المتلقي، خاصة وأن محتوى الحصة متنوع، ففي كل يوم نقدم موقفا وننقل تجاوب المواطنين، و من يحيطون بنا في الأماكن و الساحات العمومية و المتاجر وغيرها من الأماكن، التي يقع اختيارها للتصوير بكاميرات خفية، و نرصد تجاوبهم مع المواضيع التي نطرحها عن طريق التفاعل المباشر، اذ نختلق مع ممثلين آخرين وقائع مشابهة، لما يحدث بالمجتمع، وغالبا ما تكون مواقف إنسانية غريبة، ونقدمها على أنها صراع أو خلاف واقعي على مرأى من المارة ومن يتواجدون بالقرب من أماكن التصوير، و نرصد من خلال الكاميرا مواقفهم، كما نحاول أن ندخل معهم في نقاش حقيقي .
الحمد لله من خلال هذه التجربة، شعرت أن الخير لا يزال يسري بين الناس وأن ضمائر المواطنين لا تزال حية، و لا يزال المجتمع متماسك و لا يزال من يرافع لصوت الحق و يقول للمخطئ أخطأت، دون خوف ولا وجل من ردود الفعل، بل يكون موقفه ورأيه انتصارا للخير و الحق، ففي أغلب الخلافات والصراعات المفتعلة في البرنامج، يتدخل المواطنون كبارا وصغارا، نساء و رجالا، ليعبروا عن مواقفهم، لإيجاد الحلول والنصح والبحث عن سبل للصلح بين الطرفين، تصور أن هناك من كان يذرف الدموع من المواقف الإنسانية التي نثيرها .
على ذكر هذه الحالات، ما هي أصعب تجربة في البرنامج، وما هي أهم الحلقات التي كان أثرها بالغا، لما تضمنته من مواقف إنسانية فارقة ؟
ـ أستطيع القول أنني تأثرت في جميع الحلقات، بتجاوب وردود فعل من كانوا حولنا، لكن الحلقة التي تأثرت فيها كثيرا، عندما تقمصت دور زوجة الابن الشريرة التي ترفع صوتها في مكان عمومي مع كنتها، حينها تقدمت نحوي امرأة تبكي بحرقة، كانت دموعها غالية، لكن واجبي المهني دفعني إلى تقمص الدور بصرامة، لإخراج ما كان يختلجها من مشاعر وأحاسيس، كانت تترجاني بالتوقف عن هذه المعاملة، وقالت إنها كانت تعاني من موقف مماثل في الواقع، ولأجل أولادها صبرت و لا تزال صابرة، في حين قالت أخرى إن والدتها متوفية ولا يمكن بأي حال معاملة الأمهات بهذه الطريقة، وأضافت أنها مستعدة للتكفل بالعجوز و نقلها معها إلى بيتها للاعتناء بها.
كما قدمنا حلقة أخرى أبدو فيها وكأني تعرضت للتعنيف من قبل زوجي و وجدت كل الدعم من الشباب و كل من كانوا بموقع التصوير.
أنا حريصة على التكوين المتواصل و تطوير قدراتي التمثيلية
تحدثت من قبل عن تجربتك في التمثيل الاذاعي، ألا ترين أنها مفارقة، ففي وقت يتوجه أغلب الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق حلم الانتشار، كانت بدايتك من الاذاعة التي أضحت تفقد جمهورها، في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم ؟
ـ في هذه الحالة، أستسمحك باستحضار مقطع من شعر المتنبي في جواب مختصر
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
إن رؤيتي للفن والتمثيل تختلف ربما عمن يبحثون عن الانتشار والشهرة بمحتويات فارغة، فهي في هذه الحالة، أشبه بمن يتوجه إلى المعركة، دون ذخيرة، لا أخفي عليك أن أي فنان أو ممثل يطمح للشهرة، لكن في حالتي وضعت ضوابط، ولعل من أهمها التكوين المتواصل وتطوير قدراتي التمثيلية، إذ بدأت حكايتي مع التمثيل منذ نعومة أظافري وكانت البداية بالتمثيل الإذاعي، اشتغلت في إذاعة الجزائر من سعيدة، قدمت برامج و اسكاتشات إذاعية، توجهت بعدها للمسرح الجهوي بسعيدة، للمشاركة في عروض مسرحية و بقيت وفية للتمثيل الإذاعي بتجربة جديدة في مسلسل «نساء خالدات» بإذاعة بلعباس، وكنت ولا أزال استمتع بهذا العمل، بالنظر لما للإذاعة من سحر خاص، لديها جمهورها المنفرد، فهو متابع وفي ومستمع مميز، وهناك جمهور ذواق للمسرح الإذاعي، لما يتيحه من السحر و الجمال الأخاذ، الذي يجذبك لتستمتع بأحداث القصة، و يمنحك فسحة للخيال والإبحار في مشاهد مثالية، بناء على ما تستقبله الأذن، عكس الصورة التي تقتل روح الخيال، كما أعتبر الأذن الإذاعية ذواقة جدا للفن.
حقيقة الإذاعة لم تعد تعطي للفنان قوة الانتشار، كما كانت من قبل في عز ظهورها، لكنها تمنحك محبة حقيقية لمن يستمعون إليك، و تمنحك تجربة في فنون الإلقاء وتهذيب الصوت، و تقنية الكلام و الصمت، لأن في لغة التمثيل حتى للصمت معان، قد تفوق في رسائلها بلاغة الكلام، لذا صقلت موهبتي و أصبحت أكثر نضجا في هذا المجال، خاصة وأنني قدمت أعمالي الإذاعية باللغة العربية الفصحى و بالدارجة، و هذا ساعدني على التمثيل على الركح وكذا في البرامج والمسلسلات التلفزيونية، و فتحت لي أبواب المشاركة في عروض مختلفة.
ما هي أهم الأعمال التلفزيونية التي شاركت فيها قبل برنامج التجربة الاجتماعية ؟
ـ اشتغلت في بداياتي في «حرودي قاق02»، وهو أول عمل تلفزيوني لي، شاركت بعدها في أفلام سينمائية قصيرة، من بينها فيلم بعنوان «الثقب» بتلمسان، وفيلم سينمائي طويل بعنوان «ثلاثة أيام و الآخر»، وفيلم قصير «أحلام بلا أسقف» وهو مبرمج للعرض في المهرجانات، كما كانت لي أدوار في المسلسلات، على غرار مسلسل «النفق»، وشاركت مؤخرا كضيفة شرف في سيت كوم «معيشة فالقود» للمخرج أمين بومدين، ناهيك عن العروض المسرحية، حيث أنني أشارك فريق العمل في جولات وسهرات رمضان، بمسرحية «باسطا» من إنتاج المسرح الوطني 2022، من اخراج المبدع براهيم شرقي ومساعدة المخرج الفنانة فايزة أمل، أين كان لنا لقاء مع جمهورنا مؤخرا، في عروض مسرحية بقسنطينة،و العلمة و بعد رمضان ستكون لنا جولة إلى ولايات الغرب و الشرق الجزائري، و نعمل حاليا على ضبط البرنامج .
بين التمثيل للإذاعة و التلفزيون والمسرح، أين تجدين نفسك و ما الفرق بين هذه الأنواع ؟
ـ لكل منهم ما يميزه، فالمسرح يتطلب من الممثل جهدا كبيرا، بداية بالتحضير و التدريب المستمر على تقديم الدور و التنسيق مع باقي الممثلين و المخرج، لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، فالممثل يبقى حريصا على التحضير للعرض، و يبذل جهدا عضليا و فكريا، بداية بقراءة السيناريو و حفظ النص والالتزام الصارم بالأماكن التي يجب الوقوف عندها خلال العرض، لأن العمل مرتبط بالإضاءة والموسيقى والمؤثرات البصرية والخارجية و الحيز الزماني والمكاني الذي يدور فيه العرض، فكل حركة على الخشبة محسوبة للخروج بعمل فني وابداعي متناسق، كما أن المسرح يتطلب من الفنان القوة والجرأة على مواجهة الجمهور، بما أنه على تواصل مباشر مع المشاهد و لا مجال للخطأ، ولا بد من الشجاعة و الذكاء والموهبة ودقة الحركة، لجذب اهتمام الجمهور .
أما الأعمال التلفزيونية فهي مرتبطة بالسيناريو والتعامل مع الكاميرا و زوايا التصوير، يكفي أن تحفظ المشاهد الخاصة بك، لأداء الدور وتصحيح الأخطاء في حال وقوعها، لأكثر من مرة، بما أن العمل التلفزيوني يتيح لك إمكانية إعادة المشهد، لكن في المسرح غير مسموح.
أما عن الجزء الأول من السؤال و دون غرور، لا أعتقد أنني أحيا بعيدا عن الفن والتمثيل، سواء في الاذاعة أو التلفزيون والمسرح، أعشق التمثيل و أتعب لأجله، بالنسبة لي المسألة لا تتوقف على حب الظهور و الشهرة، بقدر ما هي قصة حب و تعلق بهذا الفن و بكل الفنون، ولا أخفي عليك توجهي مؤخرا إلى تجربة جديدة وهي التصوير التسويقي (الشوتينغ ).
ما الذي تودين قوله في الختام ؟
ـ أود أن أوجه دعوة إلى المنتجين والمخرجين، للاعتماد على أهل الخبرة في مجال التمثيل، قد نتفهم توجههم للمؤثرين، لأنهم يملكون نسب مشاهدة كبيرة، في التيك توك و أنستغرام و فايسبوك، ونتفهم التركيز على الجانب التجاري، لكن ليس كل هذا على حساب الجانب الفني، ومن غير المعقول أن يتم تحطيم الفن من أجل الرفع من نسب المشاهدة، أضيف فقط، لكي لا أفهم خطأ، أنني أحترم جميع المؤثرين وأحترمهم و أعزهم ومن لديه موهبة ينقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أنصحهم بعدم التوقف عند باب الشهرة، بل عليهم أن يفتحوا أبواب النجاح الحقيقي بالدراسة و إتقان العمل وتحسين المحتوى الموجه إلى الجمهور.
ع/ ب