تحدثت الأسيرة الفلسطينية المحررة من سجون الاحتلال الصهيوني حنان البرغوثي وشقيقة أقدم أسير في العالم نائل البرغوثي الذي قضى 43 سنة في سجون الاحتلال، في هذا الحوار الذي خصت به النصر عن ظروف الاعتقال والتعذيب القاسي الذي تتعرض له الأسيرات في السجون، وقالت إن ظروف الاعتقال كانت صعبة للغاية، ومارس الاحتلال ضدهن كل أساليب التعذيب والقمع، وأشارت إلى انتهاك أعراضهن وخلع ثيباهن وإجبارهن على البقاء عاريات، ورشهن بالغاز داخل الزنزانات، ودعت البرغوثي الفلسطينيين إلى الوقوف خلف المقاومة لتحقيق النصر، وتبييض سجون الاحتلال من الأسرى.
حاورها: نورالدين عراب
النصر: ما هي رسالتك للمقاومة التي وفت بإطلاق سراحك إلى جانب عدد من الأسيرات ضمن صفقة تبادل مع الكيان الصهيوني؟
- الأسيرة المحررة حنان البرغوثي: رسالتي للمقاومة، كونوا على يقين أننا من نصر إلى نصر ومن تمكين إلى تمكين أنتم على أول طريق للتحرير بإذن الله، ونحن من خلفكم ندعو الشعب كله بكل ألوانه وكل فصائله ليكون خلف المقاومة، لا يوجد بيت فلسطيني إلا وفيه أسير وشهيد، كونوا خلف المقاومة من أجل الأسرى، والأسرى ظروفهم سيئة، يجب أن نكون خلف المقاومة من أجل الأسرى والمسرى،المسرى مغلق والأسرى يعذبون، أعراضهم انتهكت بالتفتيش العاري التام أمام السجانات مع الألفاظ السيئة، أنا شخصيا لايوجد لفظ سيئ إلا وسمعته عن أمي وأبي وعليا وعلى أولادي، وأولادي الأربعة في معتقل إداري ويجدد اعتقالهم دون توضيح أسباب السجن وبدون تهم، والفلسطيني يسجن بمجرد أنه قريب شهيد أو أخ أسير، والتحرير قادم إن شاء الله، أبنائي الأسرى على درب أخوالهم وأعمامهم من أجل تحرير فلسطين وكل فلسطين، وأقول لهم كونوا مثلكم مثل باقي الأسرى، وأصبروا وصابروا ورابطوا، وإن شاء الله القسام وعد، والمقاومة وعدت بالتحرير القريب، وإذا وعدوا وفوا، أنا لم أكن أتوقع أن تكون حريتي بهذه السرعة، وستكون صفقة تبيض كل السجون من الأسرى والأسيرات قريبة إن شاء الله.
النصر: كيف تصفين ظروفك في الاعتقال، وظروف باقي الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني؟
- تعبت كثيرا في الجانب الصحي وأنا متواجدة في سجن الاحتلال،كان الضغط الدموي عال جدا والسكر منخفض، طلبت حبة ليمون أو حبة حلوة لرفع السكر، ولم نتكمن منها، الظروف صعبة جدا، كان هناك إمساك عند الأسيرات لمدة 15 يوما، ويدخلن الحمام بعد ألم كبير، أسيرة كانت لها الشقيقة أعطوها دواء مسكن زاد لها الألم، خمس أسيرات تعرضن للضرب وسحبن عاريات وجرهن جرا، وأخذوهن للعزل، قبل أن نخرج من السجن عادت أربع أسيرات من العزل وواحدة لم تعد، هذا في أول يوم من السابع أكتوبر، نحن في الزنزانة كنا تسع أسيرات رشقونا بالغاز وضربوا مجموعة منا، وعلى الساعة منتصف الليل فاجأونا في الغرف بوجود تفتيش، والبنات لم تكن ترتدين ثيابهن، نلبس على السريع، ويخرجوننا خارج الزنزانة لإجراء التفتيش فيها، وكل مايجدوه يصادر، مهما كان حتى ولو ملح أو سكر،حتى المياه التي نشتريها يتم مصادرتها، ونشرب من مياه الحمام.
وفي يوم 29 من شهر أكتوبر رجعوا مرة ثانية رشوا بالغاز ثلاث مرات الزنزانة الموجودة فيها أنا، إلى جانب عدد من الأسيرات الأخريات، كنت على مشارف الموت، رأيت الموت بعيني، وكنت أتلفظ الشهادتين، البنات اللواتي كن معي سقطن على الأرض رشوا الغاز في عيونهن، لمدة أربع ساعات لم تتمكن من فتح أعينهن،كما تعرضن للضرب، وسحبوا منا ثلاث بنات على العزل، منهن إحدى الأسيرات كان ظهرها أزرق من شدة التعذيب، وأسيرة أخرى مريضة ضربوها ضربا مبرحا وسحبوها من تحت الكاميرات، ووضعت في زنزانة صغيرة، ومدير السجن شخصيا ضربها برجله ونادى على سجانتين قامتا بضربها ضربا شديدا، وبقيت ليومين في زنزانة معزولة.
لقد منعوا عنا كل شيء، ولم يتركوا لنا سوى ماء الخل ومربى، أخذوا ملابسنا، صادروها، شددوا علينا في الصعود إلى الحمام، وخفضت المدة من نصف ساعة إلى ربع ساعة، وبعض الأسيرات تعاقبن وتمنعن من الصعود إلى الحمام، صادروا عنا كل شيء بما فيها الألبسة والأغطية الشتوية، كنا ننام على الأرض، البنات اللواتي دخلن السجن يأتين مضروبات،إحدى الأسيرات قاصر تم إطفاء السجائر في رجليها، المعاملة كانت سيئة حتى قبل ما نصل إلى سجن عوفر، والمعاملة بقيت جد سيئة حتى قبل خمس دقائق من مغادرة السجن ووصولنا إلى أهالينا، طلبنا منهم كأس ماء ولم نحصل عليه، رغم وجود معنا في الحافلة ثلاث بنات مريضات.
الأكل كنا ندفع ثمنه، وبالتالي كانوا يربحوا من ورائنا أو يتاجروا معنا، أما الطعام الذي كان يصلنا إلى زنزانة تضم 11 أسيرة يكفي لثلاث فقط، ولهذا كنا نشتري، لأن أكلهم سيئ للغاية لا يطهى جيدا، أكثر من ثلاث ليالي وأنا أتناول ماء الخل في العشاء.
النصر: كيف كان شعورك وأنت تغادرين سجن الاحتلال؟
- فرحتي لا توصف وأنا ألتقي بناتي وزوجي وأقاربي الذين كانوا في استقبالي، لكن فرحتي منقوصة لأنني تركت أسيرات خلفي وبعضهن تعانين من الجوع والتعب والعطش، والاذلال والإهانة، والقمع وتعانين من سجان ظالم لا يرحم فيهن إلا ولا ذمة، لكن كنا ولا زلن حرائر من أجل القدس، ونبقى حرائر حتى ونحن داخل الأسر، حسن ظننا في الله ثم في المقاومة أن تحريرنا قريب وتحرير أسرانا قريب، الغصة في قلبي لما اطلعت على بحر من الدماء، وعلى دماء 15 ألف شهيد في غزة، لكن هذه الدماء ستثمر وتزهر في أرض فلسطين باللون الأخضر، وبالألوان الزاهية في أرض فلسطين، بعد التحرير وبعد التمكين إن شاء الله، أرض فلسطين وكل فلسطين من البحر إلى النهر، تحية إلى كل المقاومة، والأسيرات اللواتي تركتهن خلفي، وكل أبناء الشعب الفلسطيني، وتحية خالصة لكل نساء وأطفال غزة والدمار الموجود في غزة، وغزة التي أعطتنا عزة وكرامة، ولكل شيء في غزة، والله يرحم شهداءهم ويشفي مرضاهم ويصبر مكلوميهم، وينصر مقاومتهم ويمكنهم ويسدد رميهم، ولن نتراجع عن شيء حتى نحرر هذا الوطن من يد الغاصب.
النصر: متى تم إبلاغكم من طرف إدارة سجن الاحتلال بقرار إطلاق سراحكن؟
- لم يبلغونا بمغادرة السجن إلا في آخر لحظة، دخلوا علينا بشكل مفاجئ ونادوا باسم عدد من الأسيرات، وبعضهن طلعن بطاقم الصلاة، ولم يكن لهن الوقت لارتداء ملابسهن، أنا تمكنت من ارتداء ملابسي لأنني كنت آخر أسيرة تم إخراجها، ولم أعلم بأنني سأغادر السجن، ولآخر لحظة بقين مكبلات الأيدي والأرجل، حاولوا إذلالنا وإهانتنا، ورغم ذلك كنا نحن حرائر وحرات في داخل الأسر رغم ظلمهم، كان أكلنا لما نسمع خبر عن المقاومة، وكان شرابنا لما نسمع خبر عن النصر، فعلا الدماء كثيرة والثمن غالي، إلا أن هذه الدماء ستثمر وتزهر أشجار خضراء في فلسطين من بحرها إلى نهرها، وإن شاء الله ستحرر فلسطين، وكل فلسطين، وكنا متيقنين أن المقاومة لن تتركنا، لكن لم نكن نتوقع أن يكون التحرير بهذه السرعة، وكل الفخر والعزة، وربي ينصرالمقاومة ويجزينا عنهم خير الجزاء، والتحرير قريب إن شاء الله، وستبيض السجون والحرية قريبة لكل الأسرى، والمقاومة إذا وعدت وفت، وأنا أحضن قريبا إن شاء الله أخي وأولادي، وكل أم تحضن ابنها، وكل زوجة تحضن زوجها، وكنت أتمنى أكون آخر أسيرة تغادر السجن من أجل أن أطمئن على كل البنات الأسيرات، وبعضهن تعانين من بعض الأمراض، لا يوجد ماء كافي ولا ماء ولا كهرباء، معالم الحياة في السجن غير موجودة، عدا رش الغازوالعقاب الجماعي لكل البنات.
كان السجانون يروجون أكاذيب أن المقاومة اغتصبوا بناتهم، فرديت عليهم أن أبناء المقاومة في صدورهم قرآن، وشبابنا شباب مسلم ومهذبون وأصحاب أخلاق عالية، وأحد الضباط هددني لما كنت أغادر السجن، إذا كانت هناك مراسيم احتفال أو صعدت في قناة فضائية أو إذاعة لأتحدث عن ظروف الأسرى، كما سألني قاضي عن ظروف الأسيرات لما حكيت له سحبوني على الأرض وقمعوني وحرموا المحامي من زيارتي، ومنعوا الصليب الأحمر من زيارة البنات.
النصر: ما هو أصعب موقف وقع لك وأنت في سجن الاحتلال؟
- أصعب موقف لما قابلت زوجة أخي نائل الأسير، وموقف ألمني كثيرا لما عرفت عن قمع أخي نائل بعد 43 سنة سجن، وضربه ونقله إلى سجن ثان وعمره 66 سنة، وكنت إذا تعرضت البنات إلى الضرب، أتساءل عن حال الشباب، كان همي أن أعرف وضع ابني الذي حول إلى سجن النقب، ووضع ابن أخي،ولم نكن نعرف سوى الشيء اليسير من الأخبار، وقلوبنا كانت على أهلنا، ونعرف أن قلوب أهلنا كانت علينا.
ن ع