مدينة تزحف نحو الشرق لفك عزلة عمرها نصف قرن
يعتقد كثيرون أن موقع مدينة بئر مقدم 35 كلم إلى الجنوب الغربي من تبسة ، قد ساهم نوعا ما في تهميشها وعزلتها مقارنة بمدن وبلديات أخرى كانت قد شكلت بعدها ولكن صار لها شأن كبير في السنوات الأخيرة . ويبني أصحاب هذا الرأي الذي يشاطرهم فيه عدد من المسؤولين والمواطنين مبرراتهم ، ببعد المدينة عن الطرق الإستراتيجية القادرة على إضفاء الحركية والحيوية اللازمة . هذا ما جعل هذه البلدية التي أنشئت عام 1957 بمساحة إجمالية 395 كلم مربع منكمشة على ذاتها . هي بحاجة ماسة اليوم إلى جملة من المشاريع القادرة على إزالة عزلة أكثر من نصف قرن . وجاءت فلسفة المسؤولين على مر السنوات مدعمة لهذا التوجه لإحداث نقلة في النسيج العمراني، من خلال الدفع بالمدينة شرقا على أمل ربط مدخلها الشرقي بالطريق الوطني رقم 83 الرابط بين الشريعة و تبسة.
والزائر لبئر مقدم يلاحظ أنها توسعت بشكل كبير. تكاثرت أحياؤها ومبانيها وهياكلها ومختلف المرافق في كل الإتجاهات . رافق هذا النمو نموا آخر في عدد سكانها الذي بلغ 12500 ساكن حسب آخر إحصاء رسمي . وتتميز بلدية بئر مقدم بطابعها الفلاحي الرعوي.
تشير المصادر التاريخية إلى أن جبال تازبنت إستخدمتها الكاهنة في العصور الوسطى كقاعدة لجيشها . كما شهدت خلال ثورة التحرير العديد من المعارك الكبرى أشهرها سردياس، القعقاع ، هنشير الجراد . كما درج على تربتها عدد من الرموز التاريخية والوطنية على غرار الشهيد شريط لزهر أحد أبطال معركة الجرف ، وعثمان سعدي رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، والعلامة الشيخ العربي التبسي الذي لا زال مسكنه متواجدا بمنطقة ذراع الجدور، في الوقت الذي لازالت الذاكرة تحتفظ بصورة سيئة عن مركز التعذيب – لا صاص - الذي طال كل المتعاطفين والمناضلين المؤمنين بإستقلال الجزائر.
وتذكر المصادر أن إسم بلدية بئر مقدم أشتق من البئر القديمة المتواجدة بها لصاحبه – مقدم – المشرف على الطريقة العزوزية الصوفية المشهورة التي إمتد أتباعها من خنشلة وتوسعت إلى الحدود التونسية . وإستنادا للمصدر ذاته فإن أغلب السكان كانوا يتمونون بمياه تلك البئر ويعقدون إجتماعاتهم ولقاءاتهم المختلفة قربها في أجواء روحانية مميزة.
رغم أن بئر مقدم ، مقر دائرة ، إلا أنها تفتقر لعدد من الهياكل . حيث يضطر المواطن للتنقل لبلدية الشريعة على مسافة 10 كلم لبعض الضروريات البسيطة . كدفع الضرائب وتسديد فواتير الكهرباء والغاز . البلدية بحاجة لمقرات لأملاك الدولة وديوان الترقية والتسيير العقاري.. أكد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية بئر مقدم أنه تم في الآونة الأخيرة إختيار أرضية لبناء مقر للحماية المدنية في إنتظار تدعيمها بباقي المرافق.
القطاع التربوي بالبلدية يضم 28 مدرسة إبتدائية ومتوسطتين وثانوية وحيدة تؤمن تدريس تلاميذ الثانوي القادمين من بلدية قريقر المجاورة . ومن المرتقب تدعيم القطاع بـ 11 قسما توسيعيا مع بداية الدخول المدرسي المقبل . وأكدت البلدية أنها إقترحت إنجاز مدرسة بالجهة الشرقية وبحي 74 مسكن ، لمواكبة عدد السكان الذي شهد إرتفاعا بعد عمليات الإسكان الأخيرة . وأشار رئيس البلدية إلى أنه تم تسجيل عمليات لإنجاز قسمين توسيعيين بإبتدائية بوخضرة حمه . وإنجاز مطعم مدرسي نوع 100 وجبة بذات المؤسسة . فضلا عن إنجاز مطعم مدرسي بطاقة 200 وجبة بإبتدائية شاوشي صالح.
لكن إشكال تنقل تلاميذ المناطق النائية نحو المتوسطتين وثانوية مباركة بورقعة يبقى من أكبر التحديات التي تواجه المسؤولين . حيث تم تخصيص 3 حافلات لنقل قرابة 200 تلميذ يوميا . لكن شساعة إقليم البلدية ونوعية الطرق أثرت كثيرا على وسائل النقل الجماعية المخصصة لنقل المتمدرسين.
التهيئة شملت عدة نقاط وتجمعات سكانية . فيما لا تزال 5 أحياء بحاجة للتهيئة ومد مختلف شبكات الصرف الصحي والمياه والغاز، في الوقت الذي إنتهت فيه التهيئة على مستوى حي التحصيص رقم 3 ، وأوشكت العملية على الإنتهاء بحي التحصيص الأول الذي يأمل المواطن تعبيد شوارعه على إعتبار أنها لم تعد صالحة للسير.
. ويظل الطريق الولائي الرابط بين قريقر والشريعة الذي يمر بالبلدية من أكبر نقاط التوتر التي تدفع بالسكان إلى غلقه في العديد من المرات . لم تعد هذه الرئة التي يتنفس منها مواطنو هذه الجهات صالحا للسير ويأمل مستعملوه من البلديات الثلاث المجاورة تخصيص عملية جديدة لإعادة الإعتبار له . وتحتاج طرق قريان، الخنورة، سردياس، بئر سالم، الخوالدية، الماء الأبيض، هنشير الجراد، هنشير ساعي وتازبنت هي الأخرى لعمليات مماثلة لإخراج سكان هذه المناطق من العزلة التي تزداد وطأتها كلما تساقطت الثلوج والأمطار.
في جعبة البلدية مشاريع مسجلة لتحسين الإطار المعيشي للسكان سجلت إنتهاء الدراسة في ما يخص إنجاز الطريق البلدي الرابط بين أولاد الحاج القصير وبئر الدروج مع الطريق الولائي رقم 01 على مسافة 20 كلم . وكذلك الشأن بالنسبة دراسة لإنجاز الطريق البلدي الرابط بين الطريق الولائي رقم 01 والتعاونية على مسافة كيلومترين . ناهيك عن عملية ثالثة مماثلة لإنجاز الطريق البلدي الرابط بين بئر مقدم ذراع الروكة والطريق الولائي رقم 01 على مسافة 25 كلم.
قطاع الشرب يبقى في صدارة إهتمامات المواطن ومسؤولي البلدية وخصوصا بعد الجفاف والعوامل الطبيعية وغور المياه . الأمر الذي قلص من الكميات الموجهة للشرب بالبئر الوحيدة المتواجدة بمنطقة هنشير الجراد والممونة لجميع سكان البلدية . هذه البئر التي تضخ طاقتها 45 لترا في الثانية باتت عاجزة عن تلبية الطلب . و صار السكان بحاجة لآبار إضافية وخاصة بالمشاتي المتناثرة هنا وهناك . في هذا السياق أكد نائب رئيس البلدية رحامنية عمر بأن البلدية إستفادت من تسجيل بئرين بمنطقة القوسة الريفية بطاقة 8 و5 لتر في الثانية وهو ما من شأنه التقليل من حجم الطلب . في الوقت الذي تم إقتناء شاحنة صهريج جديدة وتدعيم البئر بمضخة ضاغطة جديدة ، وتسجيل عمليتين لتزويد ساكني حي 150 مسكن إجتماعي و مشتة هنين بالمياه الصالحة للشرب ، وكذا تمديد مياه الشرب لتجمع أولاد الحاج والمقاليب . فيما لا تزال مناطق مثل بئر الدروج ، عين تروبيا، تازبنت، أولاد الحاج، الجفافلية، أولاد عون الله ، والخنورة تعاني أزمة مياه.
تعاونت بلديتا الشريعة وبئر مقدم على تموين جزئي لمنطقتي حجرة أم ناب التابعة لبلدية الشريعة وأولاد الحاج التابعة لبئر مقدم . مع العلم أن البلدية سجلت بها 3 عمليات تتعلق بقطاع التطهير على غرار تمديد القناة الرئيسة بحي المستودع على مسافة كيلومترين ، وتجديد شبكة التطهير بحي شاوشي صالح و74 مسكن اجتماعي، وتوسيع شبكة التطهير إنطلاقا من حي الثانوية إلى سوق الماشية.
قطاع الصحة فلا يتوفر على هياكل كثيرة بإستثناء العيادة المتعددة الخدمات، وتدفع هذه الوضعية بتحويل المرضى والحالات الإستعجالية لمستشفيات المدن المجاورة كالشريعة وتبسة . ويأمل المواطن تدعيم هذا القطاع بمؤسسة إستشفائية عمومية قادرة على معالجة الحالات الإستعجالية.
قطاع الطاقة فقد ساهم ربط أغلب المساكن بالغاز الطبيعي في تقليص من معاناة المواطنين في هذه البيئة المعروفة بحرارة الشديدة صيفا والبرودة شتاء. وذكر رئيس البلدية أن أغلب الأحياء تم ربطها بهذا النوع من الطاقة ، بإستثناء الأحياء الجديدة كحي سوق الماشية والتعاونية وأولاد بوخضرة والتكوين المهني والتمهين وأولاد حامد ، التي تم رفع مقترحات بشأن ربط مساكنها هي الأخرى لمديرية الطاقة وأجريت لها مخططات تمهيدا لربطها مستقبلا . كما إنتهت الدراسة بالنسبة لتازبنت والخنورة . و مع ذلك يبقى عدد آخر من المشاتي بحاجة إلى الكهرباء.
قطاع السكن شهد تطورا محسوسا في السنوات الأخيرة وتماشيا وتوجيهات الولاية تم خلق تجمعات ومشاريع سكنية ومرافق بالضاحية الشرقية . أين تم توزيع 320 مسكن إجتماعي و 200 مسكن في شكل تجمع ريفي . بالإضافة إلى 100 إعانة في صيغة السكن الريفي . ويبقى الطلب متزايدا على نمط السكن الريفي بهذه البلدية التي تحصي 1000 طلب آخر في هذا الإتجاه.
بلدية بئر مقدم تعد من البلديات الفقيرة لضعف مداخيلها بسبب ضآلة ممتلكاتها التي لا تتعدى ما يوفره لها كراء السوق الأسبوعي والمذبح ومحطة نفطال، وتصعب هذه الوضعية من مجال تحرك مسؤوليها في سبيل تلبية عشرات الطلبات الخاصة بالتوظيف، بحيث تعتمد البلدية على تشغيل الشباب وعمال الورشات وحاملي الشهادات ، لتغطية العجل المسجل في بعض المصالح، لتبقي المذبحة العصرية وهي المنشأة الإقتصادية الوحيدة التي تتوفر عليها بلدية بئر مقدم التي تراهن على تنمية الجانب السياحي وخاصة بمنطقة القعقاع ، لعل زحفها نحو الشرق ينقذها من عزلتها و قلة مواردها.
روبورتاج: الجموعي ساكر