تكاد تتحول حظائر ركن السيارات الفوضوية إلى ما يشبه الشركات الخاصة للحراسة، بعد سيطرة عائلات على عدة مواقع و بسط فئة من مرتادي النشاط لسيطرتهم بواسطة القوة، ما حول تلك الفضاءات التي يلجأ إليها اتقاء لشر السرقات، إلى أماكن لمعارك يومية بين مواطنين و حراس و بين شباب يتسابقون على وضع اليد على حيز شاغر يحولونه إلى ملكية خاصة تحكمها القوة و لا يسمح باستعمالها إلا بمقابل.
الظاهرة أصبحت أمرا واقعا و جزءا هاما من المشهد العام بالأحياء الحضرية والشوارع المعروفة بكثافة الحركة، بمدن قسنطينة علي منجلي والخروب ومناطق أخرى، في ظل نقص الحظائر المسيرة من الجماعات المحلية، وفي هذا الروبورتاج تنقل النصر بعض معالم عالم الركن وخباياه.
يقوم شباب من الأحياء المجاورة لوسط المدينة، بتحويل أي حيز أو مساحة إلى حظيرة محروسة لركن السيارات. وقد لاحظنا بمختلف الأحياء التي تكثر بها حركة السيارات بوسط المدينة كحي ريمون بيشار، أن شبابا حولوا من أي مكان شاغر يستغل في الركن إلى حظيرة محروسة، حيث يتفاجأ أصحاب السيارات بعد ركن مركباتهم، بشباب يطالبونهم بمبالغ تصل إلى 50 دينارا، كأجرة لحراسة السيارة، حتى أن بعض السائقين تحدثوا عن دخولهم في مناوشات لفظية وأحيانا جسدية، مع الحراس بسبب رفض الدفع.
أما على مستوى الحظيرة المرخصة بمنعرجات الكدية، فإن السائقين اشتكوا من تحديد الوقت من طرف الحراس، الذين يشترطون على أصحاب المركبات ألا يتجاوزوا ساعة من الزمن، بالرغم من أنها تظل المقصد الأول للسائقين الباحثين عن مكان لركن سياراتهم. كما لاحظنا بأحياء أخرى، كسيدي مبروك العلوي وأحياء الدقسي، أن الحظائر خلال ساعات النهار تنتشر بشكل كبير بمحيط الإدارات العمومية والمؤسسات، وبالقرب من مقر الولاية بالدقسي، والعمارات المجاورة لها، التي تضم عددا كبيرا من العيادات الطبية، حيث أن الحراس يستغلون الأماكن التي يقصدها المواطنون بكثرة، من أجل تشكيل حظائر للسيارات، أخبرنا بعض من تحدثنا إليهم، أنهم من الشباب القاطنين بالأحياء المحيطة بالمنطقة، وأشاروا إلى أنه تقع مناوشات في بعض الأحيان بينهم وبين أصحاب السيارات الذين يرفضون دفع أجرة الحظيرة، حيث يتحجج بعضهم بأنهم لم يتركوا سياراتهم لوقت طويل.
وخلال جولة قادتنا إلى مختلف أحياء المدينة الجديدة علي منجلي، لاحظنا أن محيط المراكز التجارية الكبرى بالمدينة، قد تحول إلى مساحات كبيرة لركن السيارات، ما جعل الشباب المقيمين بتلك الأحياء يحولونها إلى حظائر محروسة، يدفع فيها أصحاب المركبات مبالغ تصل إلى ما يقارب 50 دج، ويتم ذلك بطرق تكاد تقترب من التهديد حيث يحملون العصي ويستعملون الكلاب المدربة ويحاولون الظهور في صورة الأقوياء باستعمال نبرة صوت حادة وتحاشي الإكثار من الكلام، حيث وبمجرد الاقتراب يطلعك « صاحب المكان» بأن الأمر يتعلق ب«باركينغ» ويرفض أي نقاش.
و لاحظنا أن حارس حظيرة بأحد الأحياء المعروفة بمدينة قسنطينة، يستغل المكان الذي يحرس به السيارات من أجل استعطاف أصحاب المركبات وأخذ بعض الدنانير منهم، حيث أخبرنا بنفسه أنه يمارس مهنة الحراسة منذ أكثر من 15 سنة، أين يقطع كل يوم حوالي 10 كلم للوصول صباحا إلى ما يدعوه بـ«مكان عمله»، ليغادر نحو منزله حوالي الخامسة مساء. وقد أطلعنا محدثنا وهو في الخمسينات من العمر، أن حراسة السيارات مصدر رزقه الوحيد، وأشار إلى أنه رب لعائلة متكونة من ثلاثة أبناء وزوجة، أين يمنحه أصحاب السيارات الذين يترددون على الحي، مبالغ مالية إضافية في كثير من المرات، خصوصا وأن أغلبيتهم ألفوا وجوده، ما يغنيه عن البحث عن عمل آخر، كما أشار إلى أن السكان وأصحاب المحلات تعودوا عليه، وأصبحوا يطلبون مساعدته في الكثير من الأمور مقابل أجرة، إلا أنه أكد أنه لا يسأل المال من أي شخص، ولا يبالي بالسائقين الذين يرفضون دفع الأجرة. وبالرغم من وضع العمل الذي قال بأنه صار سهلا بعد السنوات التي قضاها في ممارسة هذه المهنة، أكد لنا محدثنا تعرضه لبعض المشاكل التي واجهته مع شباب الأحياء القريبة، الذين حاولوا عدة مرات مزاحمته، ونبه إلى أنه بالرغم من منعه لهم، فقد تمكن أحدهم من فرض نفسه واقتسام جزء من العمل معه خلال الفترة الصباحية، بعد أن اتفقا في النهاية على تقسيم الحظيرة.
وعلى مستوى إحدى الحظائر الليلية بحي سيدي مبروك، لاحظنا أن الحراس الذين يتناوبون على الحظيرة يلجأون إلى إحدى السيارات القديمة للمبيت داخلها والاحتماء من البرد، حيث أخبرنا بعض من تحدثنا إليهم أنها ملك لأحد المقيمين بالحي، وأشاروا إلى أنه يعلم بذلك ويسمح للحراس بالدخول إليها، كما نبهوا إلى أن أبواب سيارته لا تغلق في غالب الأحيان. وعلى عكس الأول، أخبرنا أحد مستعملي الحظيرة الذي يملك سيارة جديدة، بأنه عانى كثيرا مع الحراس ا لما كان يملك سيارة قديمة، حيث كانت أبوابها لا تغلق بسبب قدمها، ما جعل الحراس كانوا يدخلون إليها دون إذنه ويستعملونها للنوم، بالرغم من أنه كان يرفض ذلك، ما اضطره في النهاية إلى اللجوء لركنها بحظيرة أخرى، ثم يقوم ببيعها بعدما واجه نفس المشكلة مع الحراس الآخرين، وقد تسبب الأمر حسبه في مناوشات مع الحراس ، بعد أن اكتشف استعمالهم سيارته من أجل شرب الخمر.
أما على مستوى حظائر أخرى للسيارات، فإننا لاحظنا أن بعض الحراس يلجأون إلى شراء سيارات قديمة غير صالحة للسير، من أجل تحويلها إلى ما يشبه المقصورات التي يقومون من خلالها بالحراسة.
من جهة أخرى، أخبرنا أحد الحراس الليليين، عن ما يقول عنه المشاكل التي تواجهه مع بعض المواطنين الذين يرفضون دفع الكلفة الشهرية، بحجة أنهم يركنون سياراتهم بمحاذاة منازلهم، حيث أوضح بأنهم يلجأون إلى هذه الطريقة لعلمهم بأن الحارس موجود ولا يمكن أن تتعرض للسرقة بما أنها موجودة بين السيارات المحروسة، بالرغم من أن محدثنا أكد أنه غير مسؤول عن حراسة السيارات التي لا يدفع أصحابها أجرة، فيما أشار إلى أن نشاطهم ليس مقننا بعد، ويكتفون بتصريح النشاط لدى مصالح الأمن، بعد الاتفاق مع سكان الحي على حراسة السيارات.
ومما لاحظناه على الحراس الدائمين أن هذا العمل تحول لدى بعضهم إلى عمل عائلي يشارك فيه كافة أفراد العائلة، مثلما أخبرنا أحد الحراس على مستوى أحد الأحياء الغربية من مدينة قسنطينة، حيث يتناوب مع إخوته الخمسة في حراسة عدة حظائر، بالرغم من أنها لا تقع في مناطق متقاربة، كما قال بأن إخوته يشاركونه العمل خلال أوقات الفراغ، حتى إخوته الذين يزاولون دراستهم بالجامعة أو يمتهنون عملا آخر، وحسب ما رصدناه فإن الظاهرة تنطبق على عدد كبير من الحظائر المحروسة.
أما عن كيفية التمكن من الحراسة ، فأخبرنا سكان عدد من الأحياء، بأن الحراس ، وخصوصا الليليين، يتعمدون في كثير من الأحيان استعراض قوتهم من أجل بسط النفوذ على فضاءات ركن السيارات، حتى أن منهم من يلجأ إلى استعمال العنف من أجل الاستيلاء على الحظائر، حسب محدثينا، الذين أكدوا بأن البقاء في «الباركينغ» يكون للأقوى، حيث أن طبيعة الأشخاص الذين يقومون بهذا العمل، هم في غالب الأحيان من النوع المستعد للدخول في مناوشات لحماية مصدر رزقه.
كما أخبرنا محدثونا من سكان الأحياء، عن خلافات مستمرة تنشب بين حراس مواقع الركن بالحي الواحد، فبالرغم من معرفة كل حارس بشكل جيد للحدود الفاصلة بين كل حظيرة، فإنه تحدث بعض الأحيان تجاوزات من الطرفين، ما يؤدي إلى وقوع خلافات، قد تصل إلى حد الشجارات. وحسب ما رصدناه خلال جولة ليلية إلى بعض مواقع توقف السيارات، فإن معدل عدد السيارات التي تركن بحظيرة عادية، يتجاوز المائة السيارة، ما يعود بأكثر من 70 ألف دج شهريا، على صاحبها، أين حدثنا حراس بأن السعر الشهري للركن يتراوح بين 600 إلى 800 دج بالنسبة للمركبة السياحية، بينما يتجاوز الألف دج بالنسبة للشاحنات الصغيرة والكبيرة والحافلات.
وعلى مستوى وسط المدينة، فقد لاحظنا بأحد فضاءات ركن السيارات أن حارسا، يلجأ إلى استعمال عشرات الكلاب الضالة التي تخرج ليلا، وبالرغم من خطرها،إذ استغل إقبالها على مزبلة قريبة من حظيرته، لجعلها صفارة إنذار عن أي خطر قد يتهدد سيارات المواطنين، فيما يلجأ حراس بأحياء أخرى إلى فك وثاق الكلاب المدربة من أنواع مختلفة كـ«البيتبول» والراعي الألماني، التي لا تتوانى عن مهاجمة كل من يقترب من الحظيرة، حتى أصحاب السيارات، الذين كشف واحد منهم بأنه تعرض مرة إلى عضة على مستوى القدم من طرف كلب صاحب الحظيرة، عندما كان متوجها إلى سيارته في الصباح الباكر.
سامي حباطي