أكد أمس، متدخلون في يوم دراسي حول قانون مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب بقسنطينة أن التعديلات الأخيرة تستهدف تجفيف منابع الجريمة، في حين قدموا مقترحات بشأن بعض المواد التي تتطلب مزيدا من الضبط.
ونظم مجلس قضاء قسنطينة يوما دراسيا حول التعديلات الجديدة للقانون رقم 05-01 المتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، حيث افتتح النائب العام المساعد الأول، السيد فؤاد ماضي، الجلسة بالتأكيد على أن التعديلات قد مست نصوصا جوهرية في القانون المؤرخ في 8 فيفري 2023 الذي جاء معدلا للقانون رقم 05-01، حيث أبرز أنها تستهدف مواكبة التشريع للمستجدات الدولية وتكييف المنظومة القانونية مع المعاهدات والاتفاقيات التي انضمت إليها الجزائر، مؤكدا أن مضامين المشروع قد جاءت في 5 محاور أساسية تقوم على مراجعة بعض المصطلحات لتكون أكثر دقة، فضلا عن تحديد واجبات المتدخلين في عملية الوقاية من هذه الجريمة.
وأضاف نفس المصدر أنّ النص قد حدد العقوبات المسلّطة على المؤسسات المالية والمهن غير المالية على غرار المحامين والموثقين ومحافظي البيع بالمزايدة وغيرهم في حال إخلالهم بواجب إخطار الهيئة المتخصصة بأي عملية مشبوهة، كما نبه نفس المصدر أن القانون يضم أحكاما جزائية وتجريما لأفعال جديدة، لافتا إلى أن المتدخلين في اليوم الدراسي سيتطرقون إلى مختلف هذه الجوانب. وقدم وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة، السيد عبد الفتاح قادري، مداخلة حول جريمة تبييض الأموال في التعديل القانوني المذكور، حيث ابتدأها بإبراز التطور القانوني لمفهوم غسيل الأموال، ليبين بعد ذلك مراحل عملية تبييض الأموال التي تنطلق من مرحلة إيداع الأموال في البنوك بمبالغ بسيطة، مرورا بتمويه الأموال إلى غاية دمجها.
وذكر المتحدث خلال حديثه عن مرحلة تمويه الأموال أنها تشمل إعادة استعمال الأموال المودعة في البنوك في عمليات شراء وبيع، مؤكدا أن الجزائر قد عرفت في إحدى الفترات ارتفاع العقارات إلى "أسقف غريبة" بعدة أضعاف، حيث لجأ أشخاص ممن لا يستطيعون التصريح بممتلكاتهم إلى شراء عقارات بالملايير ليعيدوا بيعها بأقل من سعر الشراء لتبرير مصدر الأموال، مثلما أكد. وأضاف وكيل الجمهورية أن أساليب التبييض قد تطورت حاليا، وصارت تعتمد على العُملات المشفرة، حيث أشار إلى أن الجزائر قد عرفت في أواخر سنة 2022 مبادلات مالية بالعملات المشفرة "بيتكوين" بما قيمته 13 مليون دولار، بحسب ما عُلم في ملتقى منظم مؤخرا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اعتبره مبلغا خطيرا في ظل منع القانون الجزائري للتعامل بهذه العملة.
شبكة إجرامية سعت لتبييض 1100 مليار سنتيم بقسنطينة
وقد أبرز المتدخل أن أخطر المنظمات الإجرامية عبر العالم، بما فيها المنظمات الإرهابية، تتعامل بالعملات الرقمية، لكنه تحدث عن ضرورة تعديل أحكام المادة 117 من قانون المالية لسنة 2018 بما يسمح للدولة بحجز العملات الافتراضية في القضايا المتعلقة بها. وشرح نفس المتدخل عملية دمج الأموال لإعادة إخراجها في شكل أموال نظيفة، حيث تحدث عن فتح تحقيق مؤخرا من طرف الفرقة الاقتصادية بولاية قسنطينة بعد ملاحظة نشاط شبكة إجرامية تقوم بإيداع أموال كبيرة في حسابات بنكية، مؤكدا أن التحقيق كشف عن تداول مبالغ بالملايير بين حسابات أشخاص لا يملكون شيئا في الواقع، في حين وصلت قيمة التبادلات البنكية بين هذه الحسابات خلال ما بين 6 إلى 7 أشهر حوالي 1100 مليار سنتيم. وأضاف نفس المصدر أن هذه الأموال تستخرج بعد ذلك بطريقة عادية، فيصبح لمن قام بتبييضها الحق في استعمالها.
واعتبر المتدخل أن التعديل الجديد قد حدد طبيعة الأموال التي تشملها المصادرة، مؤكدا أن المشرع قد سعى إلى تجفيف منابع الجريمة من خلال هذا التعديل، حيث تحدّث عن التحقيق المالي والموازي الذي يشمل الموارد المالية للمتورطين بالتزامن مع سير التحقيق في الأفعال الإجرامية الأخرى، بينما لم يعد يتوقف الأمر على الأموال المترتبة من عائدات الأفعال الإجرامية فقط، حيث أشار إلى أن القضية التي فتحتها الفرقة الاقتصادية بقسنطينة قد شملت تجميد حسابات المتورطين فيها مباشرة. ويرى نفس المتدخل أن التعديل الجديد قد جاء بمصادرة الأموال في قضايا الإرهاب حتى في حال انقضاء الدعوى العمومية، حيث اعتبر أن الأمر ينبغي أن يوسع ليشمل باقي الجرائم أيضا.
من جهة أخرى، قدم الموثق عبد المؤمن عبد الوهاب مداخلة حول "الإخطار بالشبهة كآلية لمكافحة الفساد المالي"، حيث أكد فيها أن الجزائر على أهبة الاستعداد لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بحكم انخراطها في مختلف التنظيمات والمعاهدات الدولية، فضلا عن منظومتها القانونية، مؤكدا أن النصوص القانونية القائمة بذاتها حول هذه الجرائم تؤكد الصرامة في التعامل معها. وشرح المتحدث أن الإخطار بالشبهة يقع على عاتق البنوك والمؤسسات المالية والمصالح المالية لبريد الجزائر وشركات التأمين ومكاتب الصرف والتعاضديات والرهانات والألعاب والكازينوهات والموثقين، والمحضرين القضائيين ومحافظي البيع بالمزايدة ومهنيي المحاسبة بمختلف صفاتهم والوسطاء في عمليات البورصة والسماسرة والوكلاء الجمركيين والأعوان العقاريين ووكلاء الرهانات والألعاب، في حين تساءل عن فئة تجار الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة إن كان من بينهم الصائغون.
وتطرق نفس المصدر إلى ضرورة معرفة الزبون الذي يتم التعامل معه بالوثائق الضرورية، فيما قدم شرحا لدواعي الشبهة التي تتطلب الإخطار لخلية معالجة الاستعلام المالي، على غرار الطابع غير المألوف للعملية وغياب المبرر الاقتصادي والمظهر السلوكي، بالإضافة إلى إشارته إلى وجود معايير نظرية غير لازمة مثل عدم التناسب بين سن المشتري وقيمة العقار موضوع العملية، وتأسيس شركات مع شركات أخرى خارج الحدود offshore، ليؤكد أنه وقف ذات مرة على إحدى الحالات التي كان سيتم فيها تأسيس شركة مع شركة موطنة في جزر كايمان. وقد أشرف على اليوم الدراسي أيضا نائب رئيس مجلس قضاء قسنطينة، السيد لزهر خشانة، في حين شمل برنامج المحاضرات مداخلة رئيس دائرة القانون والمنازعات بالمديرية الجهوية للبنك الوطني الجزائري، السيد عبد الرؤوف رابحي، حيث تناولت موضوع "التحقيق المالي الموازي وآلية التعاون بين البنوك وخلية معالجة الاستعلام المالي في مكافحة جريمة تبييض الأموال".
سامي .ح