* تركيا ستكون دوما صديقا وثيقا للجزائراستقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمس الاثنين بالجزائر العاصمة، وزير الشؤون الخارجية للجمهورية...
أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، ابراهيم بوغالي، أن الجيش الوطني الشعبي اضطلع بدوره كاملا منذ أيام الاستقلال الأولى، وأن الجزائر بقيت شامخة في محيط...
أكد أمس الباحث والمؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي لـ «النصر»، بأن اعتذار فرنسا للجزائر دون الاعتراف بجرائمها المرتكبة أثناء فترة حرب التحرير لا يجدي نفعا مادامت...
يشرف وزير الاتصال، السيد محمد مزيان، اليوم الثلاثاء بقسنطينة، على اللقاء الجهوي الثاني للصحفيين والإعلاميين ومختلف الفاعلين في قطاع الاتصال، وذلك...
خلفت كارثة الحرائق الأخيرة، التي حصدت الأرواح و أتت على هكتارات من الغابات والبساتين في منطقة القبائل و عدد من الولايات الشرقية، آثارا مروعة على البيئة و على الإنسان أيضا، وذلك بحسب ما يؤكده نفسانيون شباب، تطوعوا في إطار نشاط « نادي سواعد الغد»، للتكفل بالضحايا، حيث تنقلوا إلى المناطق المتضررة و عادوا بتفاصيل صادمة كشفوا لنا بعضا منها، مشيرين إلى أن هناك أطفالا يتموا و أصبحوا يخافون الظلام و النار كما يعانون من العزلة و الكوابيس، بينما يصارع الراشدون تبعات اضطراب قلق ما بعد الصدمة و يحتاجون فعلا لمتابعة نفسية.
أسمــــاءبوقرن
سابقة أولى هدفها تخفيف آثار الصدمة
نتذكر جميعنا تلك الصور المأساوية، التي خلفتها الحرائق والتي تعكس قصصا تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بسيناريوهات مختلفة و ناقصة، على غرار قصة الشابتين جوهر و سارة، اللتان توفيتا ملتصقتين ببعضهما و قصة الطفل مبارك الذي فقد عائلته كلها، وغيرها من الحكايات الحزينة، التي نقف اليوم على تفاصيلها الصحيحة من خلال التواصل من نفسانيين قابلوا أبطالها، ويتعلق الأمر بفريق من الأخصائيات في علم النفس العيادي و المدرسي و التربوي يضم شابات من أمثال، ميليسا محاوي و فاتن شارف و طاوس، اللائي تطوعن لتقديم الدعم النفسي للمتضررين من الحرائق و توجيههم.
نشاط النفسانيات تطلب التنقل بين عدد من القرى المتضررة بمنطقة القبائل، كقرية « تقمونت أوكروش» ببني دوالة و قرية « إيخليجن» في الأربعاء ناث إيراثن، و قرية «تيزي ن نتلاخث»، وهي جولة دامت لأربعة أيام، و تعد سابقة من نوعها، كما وصفنها، مشيرات إلى أنهن تعلمن خلالها الكثير رغم كل الأسى الذي حملنه معهن في حقائب العودة.
وحسب النفسانيات، فإن فريق التكفل حرص على تشخيص الحالات بشكل دقيق، من خلال تنظيم معانيات نفسية فردية وأخرى جماعية لصالح نساء و أطفال اخضعوا لجلسات تعبير عن طريق الرسم، لأجل مساعدتهم على تجاوز الصدمة، و يعتزم الفريق كما علمنا العودة مجددا في الأسابيع القادمة في إطار المتابعة و الوقوف على مدى استجابة المعنيين للتوجيهات.
هكذا أحرقت ألسنة اللهب قلوب المتضررين
تصف النفسانية محاوي ميليسا، حجم الخراب الذي لحق بقرية «إخليجن» التابعة للأربعاء ناثيراثن، بالكارثي، مشيرة إلى أن المنطقة اليوم تتوشح السواد، بعدما تفحمت تضاريسها بالكامل، و أتت النيران على الأخضر و اليابس و لم تترك أثرا لأشجار الزيتون الذي تشتهر به المنطقة، كما أُتلفت حقولا و مزارع بأكملها و دمرت ثروة حيوانية هامة، و أحرقت المنازل و القلوب في مشهد مفزع.
و قالت النفسانية، بأن ذاكرتها لا تزال تحتفظ بصورة وصوت تلك العجوز التي مرت بجانبها حين وصلت إلى المنطقة المنكوبة و هي تردد عبارة «لقد تدمر كل شيء»، مشيرة بذهول إلى أشجار الزيتون المحترقة في حقل كان يعني لها الحياة، إذ أخبرت النفسانية لاحقا، بأن قلبها يشتعل نارا، لأن زيتونها هو مصدر دخلها الوحيد وهو جزء من كيانها، وقد تبين بعد معاينتها بأنها تعاني من صدمة نفسية حادة نتيجة هول ما عاشته و فقدانها لمحصولها ولكل ما تملك، تماما كحال سيدة أخرى قالت، محدثنا بأنها كانت تبكي في ركن قريب بعدما فقدت زوجها.
الظلام و تكرار الحرائق أكبر مخاوف الأطفال
من جانبها أخبرتنا، الأخصائية النفسانية والتربوية فاتن شارف بأن وضعية الأطفال المتضررين من مشاهد الحريق و الهلع تعد أعقد و تستدعي متابعة جادة، على غرار حالة الطفل مبارك، ذو الأربع سنوات، الذي تداول رواد الفضاء الافتراضي قصته بقوة بعدما فقد والديه و أخته الرضيعة، و ثلاثة من أفراد عائلته.
قالت محدثتنا، بأنها قابلته في القرية التي يقطن بها، وقد كان بين ذراعي قريب له وهو في حالة صدمة و دهشة، و غير قادر عن فهم سبب الاهتمام الزائد الذي يحظى به من الجميع، ولا على استيعاب فكرة فقدانه لعائلته الصغيرة، إذ ظل يردد عبارة «من أحرق أسرتي»، مع الاستمرار في السؤال عنهم طوال اليوم، فيما يعاني ليلا من الكوابيس و الخوف من الظلام و النار.
و حسب النفسانية، فإن أغلب الحالات التي تم تشخيصها تخص أطفالا يخافون النار و الظلام و تعذبهم الكوابيس و تسيطر عليهم مشاهد اللهب و أصوات صراخ العائلات، وقد أخبرتنا، بأن طفلا فاجأها بالحديث دون توقف إذ بدأ يروي تفاصيل الحادثة التي عاشها بطريقة مرعبة و دون أن تطلب منه ذلك، كما تأثرت الأخصائية أيضا، بحالة أكرم و أيمن، وهما أخوان يبلغان من العمر 3 سنوات، يعانيان من صدمة قوية تطلبت تدخلا مستعجلا من قبل فريق النفسانيين.
علمنا منها كذلك، بأن نسب الإصابة بالصدمات الناجمة عن الحادث غير مرتفعة ويكفي فقط احتواء المتضررين، فهناك من بينهم من تعرضوا لصدمات خفيفة يختفي أثرها عادة في غضون 15 يوما، لكن هناك بالمقابل، من تعرضوا لصدمات قوية أفرزت لديهم اضطراب قلق ما بعد الصدمة، و هي حالة صعبة جدا تستمر لستة أشهر كأقل تقدير و تستدعي المتابعة النفسية و حتى العقلية في بعض الأحيان، لأن المصاب بالاضطراب يواجه الأرق و فقدان الشهية و الخوف و القلق.
و أضافت النفسانية، بأن الكارثة فجرت مكنونات نفسية لدى البعض و خاصة لدى مراهقين، من جانبها تحدثت زميلتها طاوس، عن حالة طفلة قالت والدتها، بأنها أصبحت انطوائية و تعاني من مشكل الأرق بعد احتراق منزلهم و انتقال الأسرة للإقامة في بيت أحد الأقارب، ليتبين بعد تدخل النفسانية بأن المعنية كانت تعاني من مشاكل نفسية سابقة فجرتها الكارثة و مشاهد النيران المهولة.
جلسات الرسم بمقياس «بونوم» لتشخيص حالات الأطفال
المختصات أكدن، بأنهن اعتمدن مقياس «بونوم»، للتمكن من تشخيص الحالات النفسية للأطفال العاجزين عن التعبير، و تتمثل أدوات هذا المقياس في ورق و قلم، حيث تنعكس معطيات الحالة من خلال طريقة استلام الطفل للورقة و وضعها على الطاولة و كذا طريقة إمساكه بالقلم و الجهة التي يختارها لبداية الرسم، وكلها كما أوضحن، عوامل لها دلالات نفسية تعكس كل ما يفكر فيه المعنيون، علما أن بينهم من رسموا المنازل و الطبيعة و الحيوانات و أطفالا يلعبون تحت الأشجار، في تعبير عن علاقتهم الوطيدة بالحيوانات وبالطبيعة بالمقابل رسمت الطفلة سيليا، التي تعاني من صدمة نفسية حادة، صورة فوضوية كان للطبيعة و المنازل حيز كبير فيها، كما رسمت خروف مشتعلا، و اتضح بعد الحديث إلى عائلاتها بأنها باتت انفعالية و كثيرة البكاء وتعاني خوفا كبيرا من عودة النيران و من صراخ الأشخاص. وعليه فقد أوضحت المتحدثات، بأن الهدف من الإسعاف النفسي هو تحرير الذهن من المشاهد القوية و التدخل مبكرا لتجنب تطور الحالات إلى مرحلة اضطراب قلق ما بعد الصدمة. من جانبه، قال مراد لشمي، و هو مربي رياضي، كان ضمن الفريق النفسي، بأنه تكفل بجانب الترفيه عن للأطفال، وضبط لذلك برنامجا خاصا تضمن الرسم على وجوههم و منحهم الحلوى، موضحا للنصر، بأن وضعية الكثيرين منهم صعبة و بالأخص الطفل مبارك، الذي يحتاج إلى تكفل عاجل.
جوهر و سارة ليستا توأما و هذه قصة احتراقهما
و من بين القصص التي أثرت كثيرا في محدثينا، وكانت قد صنعت الحدث قبلا على مواقع التواصل، حادثة احتراق الفتاتين جوهر و سارة رفقة والدتهما، إذ تداول الكثيرون حكاية وفاة توأمين ملتصقين بوالدتهما، و هي قصة تركت أثرا بالغا في نفوسنا جميعا مع أنها تضمنت بعض المغالطات كما أخبرتنا به النفسانيتان فاتن و ميليسا، اللتان علمتا من جدة و عمة الأختين، بأنهما ليستا توأما، وأن لهما شقيقا يتواجد حاليا في المستشفى، أين يعاني من حروق بالغة ومن صدمة نفسية حادة، وحسب قريبتي الضحايا، فإن سارة تحصلت على الباكالوريا هذه السنة، فيما تدرس جوهر في الجامعة.
الجدة، قالت لمحدثتينا، بأن جيران العائلة بالأربعاء ناثيراثن شاهدوا هول الفاجعة، و قد أخبروها بأن أفرادها لحقوا بوالدهم لمساعدته في إنقاذ ماشيته، غير أن الدخان تسبب في فقدان جوهر ووالدتها للوعي وحين استدارت سارة فجأة و شاهدتمها عادت مسرعة إليهما وهي تصرخ غير أن القدر كان سباقا، إذ سقط عليها جذع شجرة مشتعل و تسبب في موتها وهي تحتضنهما، وكانت حسب الشهود، قد حاولت طلب النجدة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فيما نجا الوالد من الحريق.
المحزن في الأمر حسب عمة الشابتين، هو أن النيران لم تصل إلى منزل العائلة، أما بخصوص شقيقهما فقد أوضحت، بأنها لا تعلم فعلا إن كان قد شاهد الحادثة، مع ذلك فقد أكد شهود عيان، بأنه نجا بفضل تضحية رجل من القرية توفي و هو يبعده عن النيران، فيما يعيش الوالد حياة الجحيم بعد خسارة زوجه وبنتيه واستمرار تواجد طفله الوحيد في المستشفى. أ.ب