منحت الأكاديمية السويدية، مرّة أخرى، الفرصة لمناوئيها بمنحها جائزة الجوائز لمنشقة بيلاروسية في مرحلة تشهد عودة روسيا إلى صناعة القرار الدولي. وحتى وإن لم نكن قد اكتشفنا “القيمة الأدبية” للكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش بعد، فإن أول ما قفز إلى واجهة الإعلام العالمي هو صفتها كمناهضة للإرث السوفييتي الذي يريد بوتين إحياءه ودفاعها عن الحريات، وهذا ليس عيبا ينال من مكانة كاتبة لكنه يطرح بالضرورة العلاقات الملتبسة بين النضال السياسي والتقدير الأدبي الذي تمنحه أهم جائزة في العالم. وحتى ما ورد في حيثيات منح الجائزة يشير إلى السياسة أكثر مما يشير إلى الأدب:”كتاباتها متعددة الأصوات التي تمثل معلما للمعاناة والشجاعة في زماننا”. وتبدو الكاتبة نفسها التي وصفت فوزها بالرائع منصرفة إلى الهم السياسي، حيث حذرت في أول تصريح أطلقته بعد تتويجها الدول الأوروبية من التقارب مع رئيس بلادها لوكاشينكو.
صحيح أن نوبل ظلت تنبّه العالم إلى كتاب كبار غير مرئيين في الغالب، لكن الجدل لم يتوقف حول ضحاياها ومنسييها وحول أدلجتها خصوصا في سنوات الحرب الباردة حين احتفت بمنشقين فيما اعتبر انخراطا للأكاديمية السويدية في الحرب على المعسكر الاشتراكي، وما يعاب على هذا التوجه هو استخدامه للمعيار السياسي في حقل جمالي خصوصا وأن الجائزة باتت تتمتع بقيمة رمزية كبيرة وبالتالي فإن منحها لمنشقين كان يُفهم كإغاضة للروس والصينيين أكثر منه احتفاء بعبقرية كاتب.
والملاحظ أن الكثير من الجوائز التي تمنح في الغرب باتت تعتمد هذا النوع من المعايير في تقديرها للآداب القادمة من ثقافات الأمم الأخرى في نزعة تخفي مرض المركزية الغربية التي لا تكتفي باستخدام ذائقتها بل تزيد عليها بمراعاة المقاصد السياسية، الأمر الذي دفع بعض طلاب الجوائز من أرض الجنوب – على سبيل المثال- إلى شتم أنفسهم في سعيهم لتحصيل الأمجاد وإثارة انتباه الميديا.
هذا المعطى يطرح مجددا المأزق الأخلاقي لحضارة مهيمنة في مرحلة حرجة من تاريخ الإنسانية تحول فيها الكتاب والفلاسفة إلى مروجين لخطب الانغلاق والخوف والحرب بل وتتم استشارتهم من طرف صنّاع القرار في شؤون العدوان وأساليبه.
وحين ينتقل المرض من الساسة والعسكر والصناعيين آكلي البشر إلى رجال الفكر يصعب أن نتوقع شفاء العالم.
سليم بوفنداسة