تَغَيَّرَ المشهد الثقافي ما يقارب العام، دخل في ما يُشبه السُبات والركود. بسبب الحجر الصحي الّذي طال أمده وأثّر على كلّ شيء في أرض وأروقة وفضاءات وأمكنة الواقع. لكن الّذي حدث أنّ واقعاً جديداً طرأ على المشهد الثقافي والإبداعي الوطني والعربي والعالمي بالمُجمل، إذ تعزّز وكَثُر وانتعش حضور المنصَّات الرّقميّة، والتطبيقات الذكية في المشهد الثقافي والأدبي والفني. فهل أنقذت المنصَّات الرّقميّة والتطبيقات الذكية النشاطات الثقافيّة من الركود أو الغياب الّذي طالها بسبب الحجر؟ هل صارت البديل عن الفعل الثقافي التقليدي/الواقعي. هل تحتاج إلى إدارة رقميّة تتولى تسييرها وتصنع مستقبلها؟ هل يمكن الإقرار بدورها الفعّال والفاعل في تنشيط الحياة الثقافيّة؟ وهل يمكن القول: إنّ مُستقبل النشاطات والفعّاليّات الثقافيّة سينتعش اِفتراضيًا أكثر؟
حول هذا الشأن «النشاطات الاِفتراضية: الراهن والمستقبل»، كان ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد مع مجموعة من الكُتّاب والأدباء والأكاديميين.
استطلاع/ نــوّارة لحــرش
محمّد الأمين بن ربيع روائي وكاتب مسرحي
بديل ناجع للنشاطات الحقيقية التقليدية
صِلة الأديب بالمُتلقين مُؤطرة بإطار التقارب والتفاعل، فالأديب لا يمكن أن يشتغل بمعزل عن جمهور المُتلقين، ففي النهاية ما يُنتجه هو من أجلهم، حتّى وإن كان هذا التقارب تقاربًا اِفتراضيًا، حيث إنّ أشياء كثيرة تغيّرت منذ اِنتشرت فاشية الكوفيد19 في العالم، إذ وجدنا أنفسنا خلال الفترة الأخيرة نُغيّر من سُبل التواصل مع بعض، ففي الوقت الّذي كان المُبدع يقطع مسافات طويلة من أجل مُحاضرة يُقدمها أو ورشة يُؤطرها، صار في الأشهر الأخيرة يفعل كلّ ذلك دون أن يتحرك من مقرّ إقامته أو مكتب عمله، وعن تجربة شخصية خُضتها مراراً عن طريق اللقاءات الاِفتراضية اِكتشفتُ أنّ الأمر لا يخلو من إيجابيّات عِدة وسلبيّات معدودة، فمن إيجابيّات اللقاءات الاِفتراضية تسهيل عملية التواصل بين المُبدع والمتلقين، فقد هدمت اللقاءات الاِفتراضية الجدران التي كانت في غالب الأحيان تعزل الطرفين عن بعضهما، فكثيراً ما يتعذر على المُتلقي ولوج المكتبة أو دار الثقافة لمتابعة نشاطٍ ما، قد تكون لديه رغبة في حضوره، غير أنّ وقته لا يسمح بذلك، أو بُعد المسافة يحول بينه وبين الحضور، فَتُقدِّم له هذه اللقاءات الفرصة ليُتابع ذلك النشاط دون أن يبذل جهداً يُذكر، بالإضافة إلى أنّ في مثل هذه اللقاءات الاِفتراضية يسهل على مؤطريها توثيقها بسهولة مِمَّا يُتيح فرصة أرشفتها والعودة إليها مرّةً أخرى، أو إعادة نشرها مُسجلة على المواقع الإلكترونية، كما أنّها تجمع جمهوراً مُختلفًا بعضه مُهتم وبعضه فضولي، مِمَّا يعني توسيع القاعدة الجماهيرية للنشاط، إذ يكفي أن يدخل الراغب في المُتابعة إلى رابط اللقاء ليجد نفسه ضمنه. غير أنّ ما يُعاب على مثل هذه اللقاءات أنّ البعض ينظر إليها نظرة تجعلها أقل قيمة من اللقاءات الحقيقية، إذ من خلال اللقاءات التي نشطتها وجدتُ أنّ بعض المُتابعين لا يأخذون ما يُقدّم خلالها على أنّه ذو قيمة كالّذي يُقدم خلال اللقاءات الحقيقية، وهي فكرة مغلوطة أعتقد أنّ اِنتشارها يعود إلى نظرة سائدة من قبل، ترى أنّ ما يُقدّم من خلال المواقع الإلكترونية يبقى مجرّد نشاطٍ اِفتراضي لا يمكنه أن يرقى إلى مستوى النشاط الحقيقي الّذي يكون قائمًا على ميزانية وتكاليف، ولعلّ خلفية هذه النظرة جاءت من المُسابقات الأدبية التي كانت تُنظمها بعض الصفحات الإِلكترونية، ولا يعدو تكريم الفائزين فيها أن يكون شهادة إلكترونية. ثمّ إنّ ما يُعاب أيضًا على هذه الأنشطة اِستسهال منظميها لتعب المشاركين فيها، حيث يعتقد أغلبهم أنّ مُحاضرة أو ورشة يُؤطرها المُبدع من بيته لا تكلفه شيئًا وبالتالي تعفيهم من تعويض تعبه، وهو أمرٌ وجبت إعادة النظر فيه، إذ يبقى النشاط نشاطًا سواء أكان المُبدع يُقدمه من بيته أو بعد التنقل إلى مكان إقامة النشاط. خلال الفترة الأخيرة قَدَمْتُ أنشطة مختلفة عن بُعد من خلال التطبيقات الخاصة بذلك، وكانت مُؤطرة من جمعيات ثقافية أو دور نشر أو جامعات، من بينها محاضرتان حول الكتابة الروائية وثالثة حول بناء الشخصية، بالإضافة إلى المشاركة في نشاط المسرح الوطني الجزائري، وملتقى الصورة الدولي الّذي نظمه المركز الجامعي بميلة، وما يمكن أن أقوله عن كلّ ذلك، هو أنّنا لن نعدم الوسيلة مُستقبلاً في تقديم ما يُمكن تقديمه للمتلقين، كما أنّ هذه الطريقة تُعدّ طريقة ناجعة لتكون بديلاً لمن لا يملك السبيل ليتواجد في المكان والزمن المطلوبين لتقديم ما عليه تقديمه.
علي بوزوالغ شاعر وإطار ثقافي
الفِعل الثقافي الاِفتراضي هو فِعل واقعي كذلك
بدايةً يَجدر الاِنتباه إلى أنّ المؤسسة الثقافيّة الرسمية وكذا الهيئات المدنية المهتمة بإصدار الأفعال الثقافيّة، ومع صدور تعليمات الحجر الصحي ومنع التجمعات بسبب الوباء وجدت نفسها معزولة عن محيطها وروادها، لا تؤدي وظيفتها ولا تلبي الحاجات الثقافيّة والفنيّة لدى المهتمين بالشأن، وهي بهذا تفقد معناها وتفقد ضرورة وجودها. ولأجل اِستمرار معناها لجأت المؤسسة الثقافيّة مثلما هو الحال بالنسبة للجمعيات الفاعلة إلى فضاءات الاِتصال الاِجتماعي الرّقميّة وانخرطت في إصدار أفعالها الثقافيّة من خلالها، وهي العملية التي أتاحت لها بديلاً لحياتها المُعتادة واستمراراً لدورها الّذي هي موجودة من خلاله كما جعلها تسهم في تشجيع المواطنين على الاِلتزام بالحجر المنزلي.
صحيح أنّه وفي البداية ظهرت الأنشطة الاِفتراضية مرتبكة ولا تستجيب لمواصفات الفِعل الثقافي الاِفتراضي والرقمي كون عملية التحوّل جاءت مُفاجئة وطارئة ولا قِبل للمؤسسات والهيئات والفاعلين بها، إضافةً إلى أنّ الفِعل الثقافي الاِفتراضي في حد ذاته غير معرف. إلاّ أنّه ومع تقدم الأيّام بدأت عملية ضبط وإتقان العملية تظهر وتعطي ثمارها وتُحقّق مبتغاها، إذ تابعنا آلاف العروض في مختلف الأنواع الثقافيّة والفنيّة الناجحة والمُنتجة، تدلل على نجاحها المتابعات التي حصدتها والتفاعل الّذي حققته والاِنتشار الّذي بلغته، ليس مع فئات محدّدة ومعروفة تقريبًا مثلمَا هو الحال بالنسبة للأفعال الثقافيّة الواقعيّة، إنّما مع فئات وشرائح أوسع وأكثر تنوعًا وبُعداً، ذلك أنّ المحاضرة التي كان يُتابعها العشرات واقعيًا أصبحت مُتابعة من طرف المئات، والحفل الغنائي الّذي كان يُتابعه المئات كسب من خلال العالم الاِفتراضي الآلاف، وبالمُجمل وبتعبيرٍ آخر فإنّ المُؤسسة الثقافيّة ومن خلال الوسائط الرّقميّة والاِفتراضية قد اِنفتحت على واقع سوسيوثقافي مُغاير تُؤشر عليه جملة التفاعلات التي تحصل مع مادتها المُقدمة أو فِعلها الاِفتراضي.. هذا التفاعل أو ردة الفِعل التي تأتي لحظيًا -سلبًا أو إيجابًا- ومن جغرافيات وفئات مختلفة ومُتمايزة نقل المشهد الثقافي إلى مستويات أخرى وأكسبه أهمية أكبر وجعل الفنان أو الكاتب أكثر حضوراً والمادة الثقافيّة أكثر اِنتشاراً وتداولاً.
لقد مثَّلت هذه القفزة ومثَّل هذا التحوّل في طبيعة الفِعل الثقافي -في منطلقه ووسائله ومؤداه- بدايةً خروجًا من المأزق الّذي وضعنا فيه الوباء وتجاوزاً للعوائق التي وضعها في وجه أفعالنا الثقافيّة ولكنّه في نفس الوقت فتح إدراكنا على فضاءات رقميّة مُتاحة وغير مُستغلة تسمحُ بالتمدّد الثقافي فيها وتُتيحُ تجاوز المؤسسة الثقافيّة التقليديّة المُسيطرة في العموم على تنظيم التظاهرات الثقافيّة والتي أصبحت بشكلٍ ما مُعيقة للفِعل الثقافي الهادف والمُؤسس، الشيء الّذي يدعونا إلى الاِستمرار في الاِشتغال بأكثر جدية على فعاليّاتنا الاِفتراضية وإسنادها بإتقان التطبيقات الرّقميّة الكفيلة بتنفيذها بيّسر وفاعلية.
إنّ الفِعل الثقافي الاِفتراضي هو فِعل واقعي كذلك بعِدة أشكال وعِدة مدلولات، فقط هو لا يُتيحُ الاِتصال والاِحتكاك ويقفز عليهما وهو يتميّز عن الواقعي بديمومته واِستمراره في الزمن (أفعالنا التي أصدرناها في بداية الحجر مازالت على مواقع التواصل الاِجتماعي) وهو يُشبه إصدار الكِتاب لكنّه يتفوّق عليه في سرعة وسهولة الوصول إليه وهو غير مُكلف ماليًا ويُتيحُ إصداره بسرعةٍ أكبر وجهدٍ أقل، كلّ هذه المُؤشرات تُشير إلى سيطرته مُستقبلاً على الحياة الثقافيّة، غيّر أنّه وكما أنّ هناك هذا الحافز الداعم لذلك، هناك مؤشرات ومعطيات ستحد لا محالة من مجرى هذا التحوّل أوّلها الطبيعة البشرية في حد ذاتها وحاجة الإنسان الدائمة للتجمع والتواصل المُباشر وثانيها طاقة تدفق الإنترنت المحدودة عندنا وعدم رقمنة إداراتنا وهيئاتنا بالشكل الجيّد إلى حد الآن.
علاوة كوسة كاتب وناقد
لولا هذه الحلول التّكنولوجيّة لعرفت الثقافة وتعاملاتها ونشاطاتها خسائر فادحة
لا ينكر أّحدٌ أنّ لهذه الجائحة الجارحة اِنعكاساتٌ لاذعة على التواصل العِلمي والثقافي بكلّ طرائقه الكلاسيكية المعروفة حضوريًا، من خلال الندوات والمهرجانات الأكاديمية والثقافيّة التي ملأت مدرجات الجامعات، وقاعات دور الثقافة والنوادي والمسارح وغيرها، وإذا تمكنت هذه الجائحة من شلّ نشاطات اِقتصادية وسياحية وسياسية كُبرى، فإنّها عجزت عن شلّ النشاطات الثقافيّة إلى حدٍ ما، ليس من حيث النشاطات الثقافيّة كاِحتفاليّات ومراسيم، ولكن من حيث إنّها نشاطاتٌ تفاعليّة تبادلية نقاشية بمختلف مستوياتها، ولو عدنا إلى زمنٍ قريب جداً، لوجدنا أنّ الحديث عن التواصل والتعلم والنقاش عن بُعد، ضربٌ من الخيال، واستثناء وحِكرٌ على نشاطات قليلة، واستعمالات ضرورية غير شرعية بمعناها العلمي، ولكنّنا صرنا نشهدُ مُلتقيات دولية عن بُعد، ومهرجانات شِعرية عن طريق منصَّات مُختلفة ألوانها، وأكثر من هذا، صارت الندوات الجامعية مشرعنة بالتعامل عن بُعد، وهيّأت الجامعات منصَّات وروابط وأرضيّات تكون قاعدة علمية قوية للتحاضر والتدريس عن بُعد، كما صرنا نشهد مناقشات علمية لأطاريح ورسائل جامعية عن بُعد، بكلّ شرعية قانونية تُعادل أو تفوقُ العملية حضوريًا، وهذا حفاظاً على الأمان الصحي المنشود، ولولا هذه الحلول التّكنولوجيّة الرّقميّة من خلال العدد الهائل من المنصَّات ومواقع التواصل، لولا كلّ هذا لعرفت الثقافة وتعاملاتها ونشاطاتها خسائر فادحة سيصعب اِستدراكها، وإنّ لهذا الإقبال الكبير على البدائل التواصلية في الشق الثقافي دوافع كثيرة، منها الحاجة إلى الثقافة ومن ذلك الحاجة إلى وسائل النشاط الثقافي، وكذا سهولة التواصل الاِفتراضي في مجالات الثقافة جميعًا، كما أنّ اللجوء التواصلي الاِفتراضي قد وفّر على الدوائر الرسمية والمؤسسات الثقافيّة والجمعيات النشطة في المجال كثيراً من المصاريف والأموال الطائلة التي كانت تذهبُ أدراج النفقات والإقامات والتنقلات وغيرها، والسؤال الّذي نطرحه في مثل هذه النوائب الوبائية والتخريجات التواصلية الاِحتياطية، وبعد هذا الاِجتياح الرّقمي لجل النشاطات الثقافيّة والتظاهرات المختلفة إبّان الجائحة: ألا يعدّ النشاط الثقافي الرقمي حالة اِستثنائية عابرة، سنعود بعد الجائحة إلى عاداتنا القديمة؟ أم إنّنا أُغرمنا إذ اِستحسنّا وشغفنا بالمنصَّات حبًّا، فلن نولي شطرَ التفاعل الحضوري أبداً؟ أليس التفاعل الثقافي الرقمي بديلاً يُوفِر علينا الوقت والجهد والمال؟ أم إنّنا أمة لا ترضى وتقنع بالتفاعل الثقافي إلاّ حين نذرفُ كثيراً من أموالنا التي تستحقُ اِستحقاقات ثقافية دائمة؟
أمّا رأيي في القضية، من خلال هذه التظاهرات التفاعلية الكُبرى وطنيًا وعربيًا ودوليًا، فإنّي أرى المُستقبل للاِستعمال التّكنولوجي، وإنّ دفء منصَّات التواصل لن يُترك بسهولة، ولكن ذلك قد يكون موازيًا للتفاعل الحضوري، لأنّ لهذا الأخير ميزاته وحميميته أيضًا، وعلينا إذا أردنا أن نُواكب الحركية الثقافيّة العالمية، أن نُشجع على اِستغلال التكنولوجيّات حتّى بعد الجائحة، لأنّ ذلك سيُسهل علينا أمورا كثيرة، ويجعلنا نُواكب الحراك الثقافي العالمي السريع، بكلّ ثقة ودراية.
لطفي دهينة أستاذ وباحث في العلوم السياسيّة –جامعة قسنطينة3
رواد المشهد الثقافي وجدوا مُتنفسًا في المنصَّات الرّقميّة
يُقال أنّ أزمة كورونا غيّرت حياة البشر، وأثَّرت على عاداتهم وعلى طباعهم وسلوكياتهم، هذا أمرٌ صحيح إلى حدٍ كبير، فعديد السلوكات التي كانت عادية لم تعد كذلك، وكثير من مظاهر الحياة تأثرت وربّما تغيرت بفعل الإجراءات الوقائية والاِحترازات الصحية المُرافقة لهذا الوباء، ولعلّ من بين أكثر الأشياء التي تأثرت بهذا الوافد المُستجد هو الأنشطة الثقافيّة والرياضيّة، التي أصبحت تظهر بمظهر غير مألوف، إذ أنّ هذه الأنشطة تعتمد أساسًا على الجمهور وتواجده وتفاعله وهو الشيء الّذي لم يعد مُتاحًا، وبالتالي فقد دخل المشهد الثقافي في حالة من الركود الاِضطراري بسبب فجائية الأزمة وانتشارها، فهي لم تترك مجالاً كبيراً للتفكير وإيجاد الحلول المُناسبة للتعامل معها، لذلك شهدنا فترة توقفَ فيها النشاط الثقافي العام، وغابت فيه الصالونات الثقافيّة والملتقيات العلميّة والندوات بمختلف أنواعها وحتّى معارض الكِتاب والثقافة.
هذا الواقع اِستمر قرابة عام ربّما كان ينتظر أن تزول الجائحة لاِستعادة النشاط، لكن أمدها طال مِمَّا اِستدعى التفكير في وسائل بديلة لبعث النشاط من جديد، فلا يعقل اِستمراره لفترات أطول، وكما يُقال الحاجة أم الاِختراع فإنّ رواد المشهد الثقافي وجدوا مُتنفسًا في المنصَّات الرّقميّة، التي وإن كانت معروفة لكنّها لم تكن تُسْتَعمل بنفس القوّة والكثافة التي عرفتها إبان فترة اِنتشار كورونا وتطبيق إجراءات الحجر، حيث شهدت اٍنتعاش اِستعمال هذه المنصَّات والتطبيقات الذكية المُختلفة، التي سهلت على النّاس تنشيط المشهد الثقافي وعزّزت من قدرتهم على التفاعل مع الأحداث ومع بعضهم البعض بشكلٍ أكبر وأسهل، وربّما أكبر حتّى من التفاعل في الواقع، فكانت هذه تجربة ربّما تُحسب من إيجابيات الحجر الّذي مكننا من إعادة اِكتشاف هذا العالم.
بطبيعة الحال فالفضاءات الإِلكترونية كانت معروفة منذ مدة ليست بالقصيرة لكنّها لم تكن تمثل بديلاً عن الصالونات والفعاليات الثقافيّة المختلفة، وربّما في الآونة الأخيرة أصبحت شيئًا مُرافقًا لها تُساهم في الترويج لها وزيادة التفاعل معها، نظراً لسهولة اِستعمالها واتساع رقعة اِنتشارها وسرعة تداول الأحداث والتفاعل معها، وبالتالي فهي ليست شيئًا جديداً أو مُبتدعًا، الجديد في الأمر هو فكرة الاِعتماد عليها بشكلٍ كُلِّي لعمل الأنشطة الثقافيّة المُختلفة، فشهدنا اِنتشار الحلقات النقاشية والندوات الفكرية الاِفتراضية، وصارت المخيمات الاِفتراضية فكرة معروفة وتشهد إقبالاً في التسجيل والمُشاركة، ولاحظنا اِنتعاش الحركة الفكريّة والمشهد الثقافي بشكلٍ كبير، في ظل عدم الحاجة إلى التراخيص الكثيرة ولا العراقيل البيروقراطية المُصاحبة عادةً لأي حدث ثقافي، كلّ ما يحتاجه صاحب المُبادرة هو جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي موصول بالإنترنيت، وتطبيق من التطبيقات التفاعلية وجهات اِتصال معينة كضيوف أو أصحاب المُبادرة، فصار الأمر أكثر بساطةً وأكثر سهولةً مِمَّا جعل المشهد الثقافي يسترجع جزءا من نشاطه وحيويّته.
لكن الأمر لا يخلو من سلبيات، فهذا النوع من النشاط ربّما يُعَوِّدُ على الكسل، في ظل سرعة الإنجاز والمشاركة وكُثرة المواعيد الثقافيّة الاِفتراضية التي لا تساعد على اِنتقاء المشاركات والمُتحدثين، حتّى أنّه يمكن تشبيهها بمحلات الوجبات السريعة التي تنتشر في كلّ مكان وتقدم وجبات خفيفة لكنّها غير صحيّة، كما أنّه من المُلاحظ أنّ التفاعل الكبير عادةً ما يكون مع الصالونات الاِفتراضية التي تعج بالتفاهة والبرامج السخيفة، بينما تعاني البرامج الجادة والصالونات الثقافيّة الحقيقيّة من قلة الرواد والمتفاعلين، مِمَّا يُؤثر سلبًا على اِستمراريتها في المستقبل، وهذا الأمر يدعونا للتفكير الجاد للعمل على اِستثمار هذه التقنيات الاِفتراضية واِستغلالها بشكلٍ أفضل لإنعاش المشهد الثقافي، سواء في ظل اِستمرار هذه الأزمة أو حتّى بعد تجاوزها لِمَا فيها إيجابيات مفيدة للمشهد الثقافي عمومًا، ولأنّه أصبح لا غِنى عن التفاعل الرقمي في حياتنا حتّى أنّ الأجيال الأخيرة ولدت ونشأت مع الأجهزة الرّقميّة وربّما لا تعرف عالمًا خارجها... ويبدو أنّه فعلاً كما قِيل: «العالم بعد كورونا ليس كالعالم قبلها».
خالد بن صالح شاعر
إضافة وخلخلة لواقع يشهد ركوداً
لا شكَّ أنَّ ما عاشه العالم ولا يزالُ إلى اليوم، جرَّاء أزمة جائحة كورونا وما تلاها من حجر صحيٍّ وتوقُّف لعجلة الحياة في شكلها الطبيعي؛ أثَّر بشكلٍ مُباشر على الأنشطةِ الثقافيَّة عموماً، وغيَّر ملامحَ المشهد الثقافي بالمُجمل، وأمست البيوتُ رغمَ ثباتها سفينةَ نوحٍ التي اِحتمى بها البشر من الفيروس المُرعب، الأكثر اِجتياحاً من أمواجِ بحرٍ هائجٍ أو ربَّما عاصفة لا مرئيَّة تأتي على الكثيرين في الدَّقيقة الواحدة عبر العالم، وباتت الأرقامُ غير قادرةٍ على مُلاحقة أنفاسها وهي تلهثُ نحو الصعود، خاصَّة في الأشهر الأولى من اِنتشار الجائحة.
الدقائقُ أصبحت ساعاتٍ طويلة، والأيّامُ أشهراً، تستحيلُ كلُّها أزمنةً لا نهائية بين الجدران. ولأنّنا نعيشُ في عصر رقميٍّ باِمتياز، وأمامَ حتميَّة إجراء التَّباعد الاِجتماعي الّذي يحمي النّاس، وجدَ الكثيرُ منَّا نفسه يعود إلى الكهف الأوَّل الّذي اِحتمى به الإنسان من الكائنات المُتوحِّشة ومن ظروف الطبيعة التي تُهدِّدُ حياته. تهديدٌ اتخذَ هذه المرَّة شكلاً آخر من أشكال الفناء، وراح الجسدُ يُحصِّن ذاته بالمسافات عن الآخرين، ويضعُ قناعاً يحميه من أنفاسِ أقرب النَّاسِ إليه، أو حتَّى الغرباء الذين قد يلتقيهم في الأماكن العامَّة وفي تحرُّكه اليومي، الاِضطراري، خارج البيت.
كلُّ هذا، لم يمنعنا من التصافحِ بالأفكار، بشغَفنا المُتنامي للأدب والإبداع، من خلالِ الحوار الإنساني مفتوحِ الآفاق، الّذي لا تُعدِمُه أسبابُ البقاء في المنازل، والّذي جعلتُه المنصَّاتُ الرَّقميّة على تعدُّدها مُتاحاً للجميع في مُختلف مجالات اِهتمامهم. ذلك أنَّنا عشنا مرحلةً حرجةً من تاريخ البشريَّة، تحوَّلنا فيها إلى كائنات رقمية، وصور متحركة عبر الشاشات، لكن بمشاعر إنسانية حقيقيَّة، ربَّما زادت شفافيتُها أكثر، كما يحدثُ، عادةً، في زمن الكوارث الكُبرى.
لا بدَّ من الحديث اِستكمالاً لِمَا أتيْتُ على ذكره عن أمرٍ أراه أساسياً في التعاطي مع هذا اللجوء إلى العالم الاِفتراضي لتحريك الراكد والغائب واقعاً في المشهد الثقافي عموماً؛ وهو أنَّ التعميم لا يصلحُ إذا ما كانت المقاربة تتعلَّق بمشهدنا في الجزائر. فالسَّعي إلى خلخلةِ المُتكلِّس من واقع الحال، وتبنِّي الأفكار الخلَّاقة، وخلقِ مساحاتٍ للحوار والنقاش في مختلف القضايا، وأتحدث هنا عن الأدب والكتابة والفكر والفن؛ يأتي أساساً من طبيعة الأشياء. فإذا كان الركودُ السَّابقُ للأزمة الصحية العالمية، شيئاً طبيعياً، ولا يثيرُ القلق والسؤال، فما الّذي ننتظرهُ فيما بعد؟ قليلةٌ جدَّاً تلك المُبادرات التي شهدناها في المستوى الرسمي، إن لم تكن نادرة، في محاولة ملء الفراغ الهائل الّذي يَسودُ المشهد الثقافي. وجلُّ المُبادرات كانت خاصَّة وشخصية، بدافع مواصلةِ الأنشطة التي كانت موجودة على أرض الواقع، وتمَّ فقط، نقلها إلى العالم الاِفتراضي. أو في حالاتٍ أخرى اِستحداث وتكثيف للأنشطة الرَّقميّة التي اكتُشفت خلال فترة الحجر، وأُضيئت شاشاتُها عبر مختلف المنصَّات كبديلٍ جديدٍ يتجاوز العراقيل والجدران التي تحولُ دون تحقيقِ التغيير المأمول.
هل يمكنُ التفكير في كلّ هذا كبديل؟ لا أعتقد. ولكنْ، يمكنه أن يكون إضافة وخلخلة لواقع يشهد ركوداً من قبل وبعد. ومن يقولُ إنَّ جمهور الفعاليات الأدبيَّة غير موجود، فهو مخطئ وقد أثبتت التجارب خلال هذه الفترة عكس ذلك، وهو ما وقفتُ عليه شخصياً من خلال إطلاقنا في «منشورات المتوسط» لمشروعٍ اِفتراضيٍّ، تمثَّل في أمسيات مجلة «براءات» للشِّعر، باِسم «براءات بلا صدى»، وبمساهمة مجموعة من الأصدقاء، الهدف منها هو كسر العزلة التي يشهدها العالم، باِستضافة عدد من الشعراء العرب والأجانب واستعادة بعض الشعراء الراحلين، وذلك في أمسيات أسبوعية شهدت تفاعلاً كبيراً من طرف المتابعين الذين تجاوز عددهم الآلاف.
بومدين بلكبير روائي وأكاديمي
الجائحة فرضت الاِنتقال والتحوّل نحو الإدارة والتسيير الرقمي
يُمكن أن نُلاحظ على مستوى الفِعل الثقافي في دوَّل العالم المُتحضر، أنّ الأخيرة لم تجد أدنى حرج من التّعامل مع الواقع الطّارئ والجديد الّذي فرضته الجائحة واِكراهات الحجر الصّحي غير المسبوقة (وهذا الأمر ظاهر للعيان من خلال اِستمرارها في تنظيم الفعّاليّات الثّقافيّة المُختلفة بالاِعتماد على التطبيقات الذكية والمنصَّات الإلكترونية بشكلٍ واسع) خصوصًا وأنّ بيئة تلك الدّول مُتصالحة مع التّكنولوجيا ومتطلبات العصر، علاوةً على جاهزيتها للتكيّف مع التّغيّرات البسيطة والمُستمرة وكذلك التغيّرات الجذرية والطّارئة.
وهو الأمر الّذي أنقذ بدوره الحياة الثقافية هناك من الركود أو الغياب شبه التام؛ ويُمكننا الحديث هنا (على سبيل المثال لا الحصر) عن مشاهدة حفل جائزة غونكور العريقة الّذي عُقد اِفتراضيًا للمرّة الأولى بسبب جائحة كوفيد19، وقبلها (وبالضبط في 22 نوفمبر2020) شاهدنا من خلال المنصَّات الرّقميّة تتويج الكاتب الإسكتلندي الأمريكي دوغلاس ستيوارت بالبوكر الدولية. في حين نُظمت دورة اِستثنائية من جلسات مهرجان ابليدور في عامه الخامس عشر على اِمتداد خمسة أيّام خارج القاعات، إذ اِصطف الجمهور في سياراتهم قُبالة منصات مُرتفعة. كما اِضطرت لجنة تحكيم جائزة فورمنتور الدولية للأدب لعام 2020 لأوّل مرّة في تاريخ الجائزة إلى التداول عبر الاإنترنت، كلٌ من مكان إقامته، لاِستحالة تجمعهم في مقر مؤسسة جوزيه ساراماغو بالبرتغال بسبب تدابير الحجر الصحي.
أمّا عند الحديث عن المشهد الثقافي الجزائري يمكننا تسجيل بعض التفاوت والفروق في درجة قابلية مكونات الساحة الثقافية للتغيير الحاصل على مستوى إدارة الواقع الجديد، وبالضبط في مدى تقبل البدائل الاِفتراضية والتطبيقات التّكنولوجية في المشهد الثقافي الجزائري، أين تسود ثقافة حالية قوية تدعم الاِستقرار وتخشى من الاِنخراط في أدوات العصر.
يمكن أن يُعزى ذلك أساسًا إلى البيئة الثّقافيّة الجزائرية ذات النهج المكاني الضيّق؛ فإنّها غير مُعتادة (بشكلٍ كبير) على التّعامل مع الفضاءات الاِفتراضية لإدارة الشأن الثقافي، خصوصًا وأنّ اِلتزام مُختلف الإدارات المُكلفة بالشؤون الثّقافيّة على المستوى الأُفقي والعمودي (مركزيًا أو في مُختلف الولايات) بالتكنولوجيا والمعرفة الرّقميّة ضعيف وعلى غير المستوى المُنتظر أو المطلوب، وهو ما يُمثل أكبر كابح للاِنخراط في تسيير الأعمال والنشاطات الثّقافيّة اِفتراضيًا.وعلى الرغم مِمَّا تعرفه الجزائر من تأخر وتقهقر في الاِستجابة للتطبيقات الذكية، بالإضافة إلى البيئة المُقاومة للتغيير التكنولوجي من خلال الذهنيات التقليدية والبيروقراطية وتصلب الجهاز الإداري ودور كلّ ذلك في سُبات وركود المشهد الثقافي كما سبق وأوردنا، إلاّ أنّه يمكن القول أنّ ما فرضته الظّروف الطارئة للجائحة بِمَا شكلته من تحديات صعبة وتهديدات كبيرة هي بمثابة فرصة (من الخطأ تركها تضيع) للاِنتقال والتحوّل نحو الإدارة والتسيير الرقمي للنشاطات والفعّاليّات الثّقافيّة، وهذا ما يُعرف بالعلاج بالصدمة بعد أن اِستحالت كلّ الطُرق المُتاحة سابقًا وانعدمت الحلول في الظروف العادية أو الطبيعية، خصوصًا وأنّنا اليوم في هذه المرحلة الدقيقة والاِستثنائية بسبب الحجر الصحي الّذي طال أمده سنتعامل مع موضوع إتاحة متطلبات المنصَّات الرّقميّة والتّطبيقات الذّكية كضرورة فرضها الظرف الاِستثنائي والطارئ لا كخيار من بين عِدة بدائل مُتاحة.
وعلى هذا الأساس يُمكن الحديث عن بعض التجارب الخاصة ضمن هذا السياق الجديد؛ فقد تلقيت دعوة لحضور اِجتماع الجمعية العمومية لمؤسسة المورد ببيروت في شهر جوان الماضي (2020)، لكن بسبب ظروف الجائحة تقرر تنظيم لقاء اِفتراضي (على غير العادة) حضره أغلب أعضاء الجمعية العمومية المقيمين في الدول العربية وفي بعض الدول الأجنبية. كما سبق وشاركتُ من 5 إلى 30 أفريل 2020 كمستشار في المهرجان الاِفتراضي للفيلم المنزلي وهي تجربة ثرية يمكن التنويه بها. في حين تمّ اِختياري ضمن لجنة تحكيم المسابقات الاِفتراضية لمسرح عنابة الجهوي عز الدين مجوبي وقد اِشتغلنا بشكلٍ اِفتراضي في ظل تدابير الحجر الصحي. كما اِشتغلتُ في لجنة تحكيم عربية أخرى خاصة بتقديم منح للفنانين والتقنيين والفاعلين الثقافيين الأكثر تضرراً من آثار الجائحة وتبعاتها، وكانت مداولات النتائج تتم أسبوعيًا من خلال تطبيق غوغل ميتينغ. والواقع أنّ مستقبل النشاطات والفعّاليّات الثقافية برمتها تقريبًا صارت تحتاج إلى إدارة رقمية تتولى مهام تسييرها، ولم تعد الأساليب القديمة ناجعة أو قادرة أو صالحة للتعامل مع البيئة الجديدة على مستوى التكلفة أو الجودة، سواء في علاقة الجمهور بالمؤسسات الثقافية المُستقلة، أو في علاقة الجمهور بالإدارات والهيئات الثّقافية الحكومية، أو في علاقة المؤسسات والهيئات الثقافية التابعة للدولة على اِختلاف أهدافها ونشاطاتها الثقافية والفنية مع بعضها البعض، أو في علاقة المؤسسات الثقافية المستقلة بالحكومة والقوانين والهيئات الرسمية الأخرى.
حبيبة العلوي كاتبة وناشطة ثقافية وأستاذة جامعية
المنصَّات الإلكترونيّة لا تنعش المشهد الثقافي ولكنّها صارت شرطًا لتفعيله
لا أعتقد أنّ المنصَّات الإلكترونيّة والتطبيقات الذكيّة كفيلة وحدها بإنعاش المشهد الثقافي العالمي، ولكنّها صارت شرطًا ضروريًّا لتفعيله، لقد دخلت بقوّة في مسارات تسيير هذا الفِعل، بل حتّى في مراقبة ورصد أذواق الجماهير الكفيلة بطرح أعمال ناجحة على الأقلّ جماهيريًّا.
مع ذلك لا يمكن أن نُسلّم أنّها ستصير إلى فضاءات بديلة عن الفضاءات التقليديّة للعرض، التي سيبقى لها وهجها المُرتبط باللقاء الحيّ بين المُبدع والمُتلقّي. كالمسرح مثلاً، أو المُشاركة الجمعيّة في الاِستمتاع بعرض فنّي، كالسينما مثلاً... في النهاية الفضاءات قد تتنافس ولكن لا تلغي بعضها البعض.
لقد دفعت جائحة كورونا بالفضاءات الرّقميّة إلى الواجهة، ومنحتها فرصة لإثبات ما يمكن أن تمنحه للبشريّة من إمكانات تواصل بديلة يمكن أن تخلق ما يُسمى بأجناس إبداعيّة جديدة، كما ستخلق حتمًا أزماتها الخاصّة، من قَبِيل ما طُرِحَ مع منصّة كـ NETFLIX، من جدل أخلاقي بالأساس؛ من حيث جُرأة المُحتوى الّذي صَدَمَ حتّى أكثر المُجتمعات تفتّحًا، علينا أن نعي أنّ هذه المنصَّات المُتحلّلة من الرقابة، ستطرح قيمها الجديدة التي ستتبنّاها أو تلفظها الأجيال الرّقميّة.
لدينا هنا إمكانات تعبيريّة شاسعة لا مجال لمراقبتها ولا سلطة عليها إلاّ سلطة الجمهور المقيّم، هناك شروط إبداعيّة إذن جديدة تَمنحُ للمبدع حريّة تفوق حدوده التقليديّة المُرتبطة بالسُلط القديمة: السياسيّة والدينيّة والثقافيّة...، وثمّة تعاقدٌ جديد بين المُتلقّي والمُنتج قوانينه الرئيسية فنيّة وتقنيّة وذوقيّة وربحيّة. سينحسرُ إلى حدٍّ ما دور النقد التقليدي، المُحتكم إلى معايير المؤسسة، ليفسح المجال إلى ذوق المُتلقّي، الّذي سيظهر وكأنّه المُتسلّط على العمل في حين أنّه هو بدوره خاضع للعبة الاِستقطاب الإلكترونيّة. جزائريًّا لا يمكننا أن ندّعي أنّنا اِنخرطنا في هذا العالم، فنحن بالكاد نحاول أن نستند إلى إمكاناته لحلّ بعض الإشكالات التواصليّة، ولكنّنا عمليًّا مازلنا لم ننضم لعالم صُنّاع المحتوى الرقمي، مازلنا مستهلكين للتقنيّة وفي أحسن الأحوال مُشاركين في إثراء محتواها غير الرقمي.