عن دار «خيال» للنشر والترجمة، صدر منذ أيّام كتاب جديد للباحث والناشط البيئي الدكتور خالد فوضيل، حمل عنوان «أسطورة الكوليـبري». وهو عبارة عن مجموعة مقـالات وحوارات في البيـئة والإنسـان. الإصدار خلاصة سنوات من العمل الميداني، والنضال الإيكولوجي، والمساهمات المختلفة في الصحافة والإعلام بخصوص مواضيع البيئة والإنسان، والتي ساهم بها وشارك فيها الباحث، وهو إصدار يكاد يكون فريداً من نوعه في الجزائر، والأكيد سيكون قيمة مُضافة للمحتوى البيئي والفكر الإيكولوجي في الجزائر. يستشهد خالد فوضيل بمقولة هوبرت ريفز، عالم الفيزياء والناشط البيئي الفرانكو كندي: «نحن نشنّ حربًا ضدّ الطبيعة، إذا اِنتصرنا فيها فقد خسرنا».
وهنا يرى المؤلف أنّ الطبيعة تعتبر اِمتدادًا لوجود الإنسان واستقراره على الصعيد البيولوجي والرّوحي، وأنّ علاقة الإنسان الوجودية وارتباطه بالطبيعة حقيقة وواقع لا يمكن تجاهُله مهما تغيّرت الحياة وتطورت الصناعة والتكنولوجيا.
فقد اِندفع الإنسان -حسب قوله- على مرّ العصور لاِبتكار كلّ ما من شأنه أن يحميه من عواقب الطبيعة وقساوتها، ومع مرور الزمن تغلّب النّاس تقريبًا على كلّ ما يُهدّد حياتهم ورزقهم، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فمع رخاء العيش تَوَلَدَ الطموح ومع الطموح نشأ الجشع والأنانية، ومع الجشع استعمر الإنسانُ الطبيعة، واستعبد الحيوانَ، وقضى على مصادر عيشه الأساسية، وهدّد وجوده وكيانه وعاد إلى نقطة البداية يلهثُ مستغيثًا لاِستعادة ما فقده.
كما يتساءل الدكتور خالد في هذا الكتاب: هل يمكن إنقاذ الطبيعة من جشع الإنسان.
وبكثير من الأمل والتفاؤل يؤكد: نحن اليوم جميعًا، نحتاج أن نكون مثل طائر «الكوليبري» في مُجتمعنا وبيئتنا ومُحيطنا. نقوم بواجبنا ونصيبنا من المسؤولية أمام حرائق الضمير المتتالية ورُكـام التخلف والاِنحطاط من حولنا المُهدّد للطبيعة، نحاول أن نفرغ بمنقارنا ما أمكن من أمل وعمل وجهد من أجل إطفاء الحريق رغم أنّ الأغلبية الجامدة تعتقدُ أنّنا أغبّياء وأننا لن نُحقّق شيئًا بذلك.
للإشارة، عنوان الكِتاب «أسطورة الكوليبري»، يُحيل إلى «أسطورة الكوليبري»، (الطائر الطنّان)، حيث أنّ هناك حادثة تعود إلى سكان أمريكا الأصليين، مفادها أنَّ حريقَا ضخمًا اِندلع، ذات يوم، في الغابة، وكانت جميع الحيوانات خائفة ومذعورة، ووقفت تُشاهد الكارثة في حالة من العجز. وحده الطائر الطنّان الصغير، أو الكوليبري، لم يكن يتفرج على الحريق، بل كان يجمع بضع قطرات من الماء بمنقاره ليرميها على النار. بعد قليل، اِنزعج أحد الحيوانات (تقول الأسطورة إنّه حيوان الأرماديلو أو المدرّع) من تصرف الطائر الصغير، وحركته الدؤوبة المزعجة، وقال له: «هل أنت مجنون؟ لن تُطفئ النار بهذه القطرات القليلة من الماء!». فأجاب الطائر: «أعلم ذلك، ولكنني أقوم بدوري». وهنا جميع الحيوانات بدأت في محاولة أخذ الماء بِمَا توفر لديها لتذهب وتصبها على النار، محاولة إطفائها. والمغزى من أسطورة الكوليبري، هي أن كلّ جهد مهما كان حجمه فهو في النهاية جهدٌ محمودٌ ويمكن أن يقدم الكثير.
للتذكير، الدكتور خالد فوضيل أستاذ بجامعة قسنطينة 3، حائز على شهادة الدكتوراه في إدارة التقنيات الحضرية، وهو باحث مهتم بمجالات التخطيط الحضري والإقليم، والحوكمة، والتنمية، والبيئة. كما أنه ناشط جمعوي في حماية البيئة، وله العديد من الإسهامات في هذا الصدد، وهو رئيس مؤسس لجمعية «(Oxy-jeunes) درقينة» بولاية بجاية، وهي جمعية تأسست قبل تسع سنوات، تعمل في مجال العمل البيئي والتربوي، وتهدف إلى تعزيز وحماية التراث الطبيعي والتاريخي بالمنطقة. وهو أيضا من المساهمين في ملفات وندوات «كراس الثقافة».
نوّارة/ل