• انعدام الصناعة التحويلية يكسر الأسعار
تمكّن فلاحو ولاية الوادي في ظرف سنوات قليلة من احتلال الريادة في إنتاج الفول السوداني لتصبح الولاية الممون الأول للسوق الوطنية بهذه المادة وبنسبة تقدر بثمانين بالمئة من الإنتاج الوطني، حيث أنتجت الولاية الموسم الماضي 160 ألف قنطار وأصبحت دائرة حاسي خليفة أكبر قطب لهذه المادة، لكن يبقى التسويق هاجسا بسبب تسجيل فائض أدى إلى انهيار الأسعار.
روبورتاج: بشير منصر
80 بالمئة من الإنتاج الوطني يخرج من الوادي
اعتبر عدد من الفلاحين منتجو مادة الفول السوداني بالوادي، أن الموسم الذي قرروا فيه التحدي و تصدر قائمة الولايات المنتجة على مستوى التراب الوطني، حيث تفاجؤوا بانهيار الأسعار في السوق المحلية و الوطنية، في ظل استمرار الجائحة و غلق الحدود البرية منها و الجوية التي كانت تمتص كميات معتبرة و انعدام هياكل الصناعة التحويلية التي تساهم في تشجيع الفلاح على مواصلة الرفع من قيمة إنتاجه.
حيث ذكر “الفلاح عادل”، أنه قام هذه السنة بزراعة أزيد من 20 هكتارا من الكاوكاو من فئة البذور العادية التي يتم جنيها في 6 أشهر و المستوردة التي تدوم نحو 4 أشهر، بهدف المساهمة في المحصول المحلي و الهروب هذا الموسم من زراعة البطاطس التي كبدته السنوات الماضية خسائر بالجملة، إلا أن الفول السوداني كان أكثر خسارة، كونه يقضي مدة أطول تحت الأرض و هو ما يضاعف مصاريف سقيه و العناية به، ناهيك عن الجني اليدوي للمحصول الذي يتطلب أكثر عدد ممكن من العمال.
و قام “حسين.غ” و هو فلاح من منطقة حاسي خليفة، زارته “النصر” في مزرعته، بتحويل جزء كبير من المحصول إلى بذور لغرسها خلال الموسم المقبل، باختيار يدوي لأفضل حبات الفول السوداني و تخزين حاجته و بيع ما يزيد عنها لفلاحين آخرين، بالإضافة إلى بيع كميات معتبرة لمتعاملين من ولايات شمالية، بغرض تحميصه و بيعه في وجهات عديدة عبر الوطن.
أما «علي.ج» الفلاح بمحيط «عراعير» في البياضة، فمازالت لديه كميات معتبرة من محصول موسم السنة الماضية الذي حاول بيع جزء كبير منه هذه السنة لترك مساحة للكميات الجديدة، مشيرا إلى تحمل هذه المادة للتخزين في ظروف عادية دون الحاجة لغرف التبريد، شريطة إبعادها عن الرطوبة، مع رش بعض المبيدات في أماكن التخزين لمنع وصول بعض الحشرات و القوارض التي قد تفتك بمخزونه.
كما استغل عدد من مربي الماشية و الفلاحين، أشجار و ورق الكاوكاو اليابسة منها و الخضراء طيلة فترة جنيه، كأعلاف لأغنامهم، مساهمة في التقليل من النفقات التي يصرفونها في اقتناء مواد أعلاف أخرى مثل الشعير، النخالة و التبن، ناهيك عن قابليتها للتخزين بعد تجفيفها تحت أشعة الشمس.
و أشار فلاحون إلى أن عددا من مربي الأغنام، ساهموا معهم في تنظيف مزارعهم من مخلفات أشجار الفول السوداني، مقابل الاستفادة منها و نقلها إلى إسطبلاتهم سواء بجلب عمال للجمع و التنظيف على حسابهم الخاص أو تسديد مبالغ مالية للفلاح مقابل اليد العاملة التي يوفرها للجمع و التخزين.
تجربة «الكاوكاو» العملاق تحقّق 50 قنطارا في الهكتار
كما كان لهذا الموسم فرصة تجربة بذور جديدة مستوردة بمنطقة حاسي خليفة رغم قلتها، يطلق عليها محليا «الكاوكاو العملاق»، حيث حقق نجاحا كبيرا من حيث المردود، حسب بعض من جربوه بكميات تخطت 50 قنطارا في الهكتار الواحد لكبر حجم الحبة الواحدة و ارتفاع سعره في السوق، حيث تم بيعه كبذور للموسم المقبل بأسعار بلغت 400 دج، مقابل العادية التي وصلت أسعارها في ذروة الموسم إلى ما دون 100 دج، مؤكدين عل أهمية البذور الجيدة في تحسين المنتج و الرفع من مردود الهكتار الواحد.
و ذكر «إدريس ح» فلاح و متحصل على شهادة جامعية في التخصص، على أن جل المحاصيل التي جربها في مزرعته، يركز دائما فيها على أن تكون البذور أو الشتلات مستنبتة محليا بالمنطقة التي ستزرع فيها حتى لا تتأثر سلبا حسبه بعوامل المناخ، بما فيها الكاوكاو الذي ينتجه منذ أكثر من 4 مواسم و يستعمل بذورا محلية حقق منها أرباحا وفيرة عدا الموسم الحالي، أما البذور المستوردة، فيفضل أن يزرعها على مساحة محدودة كتجربة حتى تتأقلم مع المناخ و يوفر منها بذورا أو شتلات محلية.
كما كانت أول تجربة لعمي محمود 83 سنة، في زراعة الفول السوداني مطلع التسعينيات، لما استقدم له أحد أقاربه نحو كيلوغرام من بذوره اقتناها من جمهورية مصر العربية أثناء عودته برا من أداء فريضة الحج، حيث قام بزراعتها في أحواض أو ما يعرف محليا “بالميزاب” بين أشجار النخيل و حققت نجاحا باهرا كأول تجربة له بما وفرته له من بذور خزنها للموسم الذي تلاه، مشيرا إلى أنه في ذلك الوقت كانت جل كميات الفول السوداني المستهلك بالمنطقة، تجلب من مصر عن طريق ليبيا و تونس.
في حين ذكر «الحاج مسعود»، أنه قام بأول تجربة لزراعة الكاوكاو منتصف التسعينيات، بعد أن استفاد من قطعة أرض بأحد المحيطات الفلاحية، ببذر هكتار و نصف من مزرعته، محققا وقتها ربحا وفيرا بمردود وصل إلى نحو 25 قنطارا في الهكتار الواحد، دون اللجوء لاستعمال الأدوية و الأسمدة الكيميائية، مكتفيا بالطبيعية منها التي تجمع من مخلفات الماشية، منوها بسعره آنذاك أكثر من السعر الحالي بمبلغ 200 دج للكيلوغرام الواحد في سوق الجملة.
مبادرات تحويل محتشمة تمتص جزءا من المنتوج
أكد عدد من تجار بيع الكاوكاو، على أن هذه السنة ساهمت الأفراح و المناسبات رغم جائحة «كورونا» في امتصاص جزء من المحصول، بتحويله للاستهلاك ، فيما تبقى الصناعة التحويلية كزيت أو زبده قليلة، عدا اجتهادات فردية لماكثات في البيوت استغلين فرصة وفرته.
كما أكدت السيدة «صليحة» من عاصمة الولاية و هي حرفية وصانعة حلويات، على أنها استغلت الوفرة و انخفاض سعر المادة ، لاقتناء كميات معتبرة لصنع حلوى البقلاوة التي تتفنن بتحضيرها على مدار السنة لأفراح الزبائن و مناسباتهم أو حتى للاستهلاك المنزلي، إضافة إلى المقاهي و المحلات التجارية المتعاقدة معها. و قالت السيدة «فضيلة» ربة بيت، بأنها قامت بتجربة تحويل عشرات الكيلوغرامات إلى زبدة الفول السوداني الطازجة، دون أي إضافات، ثم تعليبها و تقديمها صباحا لأطفالها و توزيع الكميات الباقية على أقاربها ، مؤكدة على أنها تفكر في الاستثمار المنزلي في ذات المادة، مع إضافة بعض النكهات.
كما ذكر عدد من أصحاب محال بيع الأعشاب و خلطات الطب البديل، أن للفول السوداني أو زيته فوائد كبيرة للصحة و التجميل، داعين إلى تشجيع الاستثمار في الصناعات التحويلية لهذه المادة المهمة التي يستوردون الكثير من المواد المستخلصة منها بالعملة الصعبة من بلدان تستوردها بدورها قبل إعادة تسويقها في شكل مواد أخرى وبأضعاف مضاعفة مقارنة بسعر شرائها، خاصة مواد التجميل ومواد تدخل في صناعة الحلويات.
المكننة لزيادة الإنتاج و تخفيض التكاليف
و يرى الدكتور “أحمد علال” الأستاذ بكلية العلوم الطبيعة و الحياة بجامعة الوادي، أن التركيز على الطرق التقليدية لزراعة الفول السوداني و الاعتماد على بذور واحدة فقط، ستصبح غير مجدية في غضون السنوات القريبة المقبلة مثل البطاطس، الطماطم و البصل، مشيرا إلى أهمية إدخال المكننة لخفض تكاليف اليد العاملة في البذر و جني المحصول، بما يشجع المستثمرين على فتح مؤسسات للصناعة التحولية بدل الاستيراد.
كما أكد الدكتور” أحمد علالي”، على أهمية إدخال أصناف جديدة من بذور الفول السوداني المنتجة في بعض مناطق العالم و التي أثبتت التجارب العلمية و الدراسات، أن لها مردود أكثر من حيث وزنها أو مردودها بعد تصنيعها و تحويلها إلى زيت أو زبدة تباع في السوق بأسعار مرتفعة جدا.
كما أشار ذات المتخصص، إلى بقاء الكثير من الفلاحيين في الزراعة التقليدية بعيدا عن تطبيق ما يستجد من تطورات علمية على مستوى الجامعات و مخابرها و ما تقدمه من بحوث و دراسات ساهمت في تقدم العديد من بلدان العالم رغم قلة توفر المساحات الزراعة مقارنة بما تمتلكه البلاد من تنوع في التربة و المناخ.
في حين أكد “أحمد عاشور” الأمين العام لغرفة الفلاحة، على أن توجه عدد من فلاحي المنطقة المنتشرين عبر مختلف المحيطات الفلاحية إلى زراعة الفول السوداني، راجع للخسائر الكبيرة التي تكبدوها خلال العامين الأخيرين في محصول البطاطس و الطماطم بغرس نحو 5 آلاف هكتار منه ذات المادة، إلا أن الوفرة الكبيرة للمحصول ساهمت في تدني أسعاره، مشيرا إلى الشيء الإيجابي في هذا المحصول هو تحمل التخزين العادي دون الحاجة لغرف تبريد.
كما أضاف أمين عام الغرفة الفلاحية، بأن مردود 32 قنطارا في الهكتار الواحد، يعد ضعيفا مقارنة ببعض الدول المنتجة لهذا المحصول، فهذه الشعبة بحاجة لعملية تطوير و إتباع مسار تقني و جلب بذور ذات مردود أعلى في الهكتار و عدم الاقتصار على ما هو محلي، لوجود الكثير من الأصناف و التجارب لزراعة الفول السوداني، سواء في الدول الشقيقة أو الصديقة التي تتصدر الدول المنتجة له.
و أشار ذات المتحدث، إلى أن نقص الصناعة التحويلية محليا، أدى إلى تضرر الفلاح بالدرجة الأولى، بما يتحمله من خسائر جراء وفرة المنتج و غياب سوق تمتص الفائض بتصديره طازجا أو مصنعا مثل الفول السوداني الذي يمكن أن تستخلص منه عديد المنتجات الموجهة للاستهلاك البشري أو كمواد تستعمل في التجميل، إذا ما تم الاستثمار في جلب خطوط إنتاج عصرية تساهم في فتح مناصب شغل و حماية الفلاح من الخسارة.
و يبقى على الفلاح السوفي، وفق ممثل الغرفة الفلاحية أن يطور من مجهوده داخل حقله، بالاستعانة أكثر بالخبراء الزراعيين من مهندسين و أساتذة بالجامعة و معاهد التكوين التي فتحت أبوابها لمختلف أنواع التكوين و المرافقة الميدانية، للمساهمة في جودة المنتوج كما و كيفا. ب/م