تعتبر ولاية جيجل من بين الولايات الرائدة في صناعة و بناء و إصلاح السفن منذ حقب و تحديدا منذ الوجود العثماني في الجزائر، و تم تداول الحرفة على مر السنوات، لتكون بعد الاستقلال من بين الولايات المتميزة في صناعة السفن بالخشب و صولا إلى تطوير إنجازها بالألياف الزجاجية من قبل شباب احترفوا المهنة، و أضحت مقصدا و مجمعا لمختلف الشباب القادمين من ولايات عديدة لتعلم الحرفة أو نقل تجاربهم، و كذا فتح تخصصات بقطاع التكوين للتمرس و تكوين الشباب في المهنة.
نشاط بناء و إصلاح سفن الصيد البحري من الحرف القديمة الممارسة بولاية جيجل التي تخصصت في بناء سفن الصيد البحري من الخشب و كانت المادة الأولية تجلب من غابات الزان بولاية جيجل و الولايات المجاورة، كما تجدر الإشارة إلى وجود ملحقة المؤسسة الوطنية لبناء السفن على مستوى ميناء الصيد القديم ببلدية جيجل، و تم حلها سنة 2006.
بلال من حرفي إلى مستثمر في بناء السفن الجزائرية مئة بالمئة
يعتبر، المستثمر بلال طافر من بين الشباب الذين اقتحموا مجال صناعة السفن منذ أن كان صغيرا،عندما كان يبلغ من العمر 16 سنة و تحديدا سنة 1991، بدأ تعلم الحرفة من الصانع المرحوم السعيد بوهنة، و الذي يعتبر أحد أبرز الحرفيين في مجال صناعة و إصلاح السفن الخشبية، بدايته كانت بتعلم إصلاح السفن و بعدها و على مر السنوات، استقل بنشاطه و أصبح يملك ورشة لصناعة السفن بالخشب بالميناء، و قام بالتدرج في عمله وصولا إلى بناء السفن بالألياف الزجاجية منذ ما يقارب أربع سنوات، وقد وصل لمرحلة الإنتاج، وقال للنصر إن صناعة السفن بالخشب "حرفة تعلمناها على أصولها و أتقناها تدريجيا، و قمت بتعليم شباب في الحرفة الصناعة بالخشب، من بينهم شباب قدموا من عدة ولايات، و بالنسبة للألياف الزجاجية، فقد استعنت بخبرة شباب من ولايات أخرى، أشرفوا على تكوين الشباب العاملين بالورشة و مختلف الورشات"، و قال، بأن ورشته تعتبر من بين الورشات الرائدة في المجال، فقد تحصل على قطعة أرضية في إطار عقد امتياز سنة 2019، بمنطقة نشاطات الصيد البحري و تربية المائيات بكسير بالعوانة، و أنجز بها ورشته، قائلا: " لقد عانيت لسنوات في البحث عن ورشة ثابتة، أين قمت بتحمل تكاليف كراء مستودع وسط تجمع سكاني لدى أحد الخواص، وقد أثر سلبا على عملي، خصوصا مع تكاليف و أعباء الكراء، و لكن مع منحي العقار، حققت استقلالية، سمحت لي العمل بخطى ثابتة لتحقيق هدفي المنشود".
ويقول بلال، بأنه يعمل في الوقت الراهن على تلقين الحرفة و الصنعة بطريقة احترافية عبر عقد اتفاقية مع مركز التكوين و التمهين بالعوانة من أجل تكوين الشباب الراغبين في اقتحام المجال، بحيث حاول ضمن ورشته تأهيل اليد العاملة، لتصبح جزءا من مشروعه، فجل العاملين عنده يعتبرون جزءا من مشروعه، كونه يؤمن بأهمية العامل المؤهل، من باب تجربته و تدرجه في العمل، يحاول الحفاظ على العمال بالقدر المستطاع و يوفر لهم كافة الاحتياجات اللازمة.
وفي الوقت الحالي يعمل بلال بورشته المتخصصة في الصناعة بالألياف الزجاجية، على صنع بصمة خاصة به، صناعة جزائرية مئة بالمئة من ناحية الشكل و المحتوى، قائلا: " قمت بصناعة و إنشاء قوالب للسفن خاصة بي وفق شكل هندسي جسدته من الخبرة المكتسبة، ووفق معايير عالمية، و تم اعتماده من الجهات المختصة، وقد وجد استحسانا كبيرا لدى الزبائن، الذين قدموا من مختلف الولايات الساحلية، و وجهوا طلبات عديدة لإنجازها"، ويقوم بلال بإنجاز سفن " من 21 مترا حتى 28 مترا" و " 15 مترا وصولا إلى 19 مترا".
مسعود يطوّر حرفة والده التي أحبها
و من بين المستثمرين الناجحين، مسعود بوهنة، الذي ورث الحرفة و الصنعة عن والده المرحوم الذي تعلمها ببوسماعيل، و التحق بها سنة 1993 بعد انقطاعه عن الدراسة، قائلا: " العائلة كلها، تمتحن الحرفة، و تعلمت عن والدي إصلاح السفن الخشبية، وفي سنة 2012، قمت بفتح ورشة خاصة بي، و بعدها قمت بفتح ورشة في بناء السفن بالألياف الزجاجية في مختلف الأحجام"، و تعتبر صناعة السفن بالألياف الزجاجية من بين الصناعات المطلوبة حاليا من قبل المهنيين و أصحاب السفن، كون تكلفة الصناعة بالخشب مرتفعة، و بالرغم من أن اليد العاملة بصناعة الألياف الزجاجية تشهد نقصا، و يقول مسعود، بأن صناعة السفينة و تركيب المحركات تتم بالورشة "من عملية الإنجاز إلى تركيب الكهرباء و كذا وضع المحرك، وصولا إلى وضعها في الماء عبر ميناء بوالديس"، و يملك المستثمر ورشتين، الأولى بمنطقة بني أحمد و الأخرى داخل ميناء بوالديس مختصة في صناعة السفن بالخشب.
من الصناعة بالخشب إلى سفن بالألياف الزجاجية
و قد، عرفت الولاية نقلة نوعية في صناعة السفن، عبر الانتقال من صناعة السّفن الخشبية إلى المصنوعة من الألياف الزجاجية، كون الأخيرة تمتاز بخصائص عديدة و متميزة، تتماشى والسياسة العالمية في الحفاظ على الطبيعة، بالتخلي عن استعمال الأشجار في إعداد خشب السفن، و حسب المهنيين و المختصين، عملية بناء السفينة بالألياف الزجاجية تقتصد الجهد، الوقت والمال، على عكس السفن الخشبية التي تتطلّب عمليات صيانة متجدّدة ومكلّفة، إذ يضطر أحيانا صاحبها إلى نزع قطع منها وتعويضها في حال تلفها بفعل العوامل البحرية، كما، أنّ السّفينة المصنوعة من الألياف الزجاجية ومادة «لاريزين» أكثر أماناً لكن و حسب مهنيين لا يمكن الاستغناء بشكل كامل عن الخشب، لأنّ بعض القطع والأجزاء في السّفينة تظل تصنع منه، و ما استنتج من خلال حديثنا مع المهنيين و حرفي صناعة السفن، فقد كان إصلاح السفن الخشبية، معروفا في فترة الثمانينات و وصولا إلى سنة 2010 ، لتدخل بعدها عهداً جديداً يتمثّل في استعمال تكنولوجيا الألياف الزّجاجية ومادة الراتنج الاصطناعي ، وهي مادة تنقسم إلى أنواع عديدة وتستعمل في مختلف النّشاطات الصّناعية، حيث تستغل في صناعة السفن الحالية، مع تقويتها بالألياف الزّجاجية.
ثماني ورشات لبناء و إصلاح السفن عبر إقليم الولاية
ذكر، عمر سايح حبور مدير الصيد البحري و تربية المائيات بجيجل، بأن بناء و إصلاح سفن الصيد البحري، يعتبر من المهن الإستراتجية و المتوارثة أبا عن جد بالولاية، أين تحملت عائلات عبء نقل الحرفة و أبناء طورها عبر سنوات، و وتوجد حاليا على مستوى ولاية جيجل ثماني ورشات لبناء و إصلاح السفن، ثلاث منها مختصة في بناء و إصلاح سفن الصيد البحري من مادة الخشب.
خلال السنوات الأخيرة تم تطوير هذه الشعبة و التوجه نحو بناء السفن بمادة البوليستر و في إطار الإستراتجية الوطنية لتطوير شعبة بناء السفن لأجل تجديد أسطول سفن الصيد البحري ودعم نشاط الصيد البحري بأعالي البحار و بناء سفن تربية المائيات لتقليص التبعية فى هذا المجال، وبقية الورشات تختص أغلبها في إنجاز سفن صغيرة جلها بمادة البوليستر و تخدم نشاط النزهة بسفن صغيرة مابين 4.80 م و 6 أمتار .
ورشات توفر 130 منصب عمل مباشر و غير مباشر
و بعد إنشاء مناطق نشاطات تربية المائيات بولاية جيجل نهاية سنة 2018 و نظرا لطبيعة النشاط الذي يستدعي القرب من السواحل و ارتباطه المباشر مع نشاط الصيد البحري و نظرا لشح العقار المخصص للاستثمار بولايـــة جيجل، تم منح ثلاث رخص لاستغلال قطع أرضية على مستوى مناطق نشاط الصيد البحري و تربية المائيات بكل من منطقتي الجناح و كيسير، اثنين منها يعتبر توسيع لنشاط مؤسستين مختصتين في بناء السفن بمادة الخشب متواجدتين على مستوى ميناء بوالديس، إلا أنه و نظرا لعدم تهيئة هذه المنطقتين قام أصحاب الرخصتين باستئجار ورشات خارج المنطقتين، كما قام مستثمر بالانطلاق في إنجاز مشروعه بمنطقة كسير رغم عدم الانطلاق في أشغال تهيئة منطقة النشاطات، و ينتظر المستثمر الترخيص له بإطلاق السفن المنجزة عبر الشاطئ كما تم الإشارة إليه في دراسة المشروع و خاصة للسفن الكبيرة الخاصة بأعالي البحار و التي لا يمكن نقلها عبر الطريق لوضعها في الخدمة عبر الميناء. و قال، المدير، بأن بناء السفن و إصلاحها ضمن توفير العديد من فرص التوظيف المباشرة و غير مباشرة، و يبلغ عدد مناصب الشغل التي توفرها ورشات بناء و إصلاح السفن بـ 75 منصب عمل دائم و 55 منصب عمل مؤقت موسمي ، و من أجل توفير اليد العاملة المؤهلة و بالتنسيق مع مديرية التكوين المهني لولاية جيجل تم فتح تخصص في مجال إصلاح سفن البوليستير على مستوى مركز التكوين بالعوانة، في حين تعمل ورشات بناء وإصلاح السفن على توفير التكوينات التطبيقية لطلبة مراكز و معاهد التكوين المهني في مجال بناء
و إصلاح السفن. كـ. طويل