تدمج الرياضة في خدمة البيئة

«الدراجة الخضراء» مجموعة تدخل العالمية بالعمل التطوعي
استطاعت مجموعة «الدراجة الخضراء»، دمج الرياضة في خدمة البيئة، وإطلاق حملات تطوعية لجمع النفايات،  ونجحت في جلب اهتمام  بالغ  وفرضت نفسها على أرض الواقع، بفضل النشاط اليومي والمكثف للمجموعة،  المجموعة وصل صداها إلى العالمية، لتصبح  محل إشادة من وزراء في الحكومة وجمعيات فاعلة خارج الوطن.
رغم التحديات التي واجهت المجموعة ولا تزال، استطاع صاحب المبادرة لعشيشي عبد الحكيم، وهو مدرب وطني في سباق الدراجات، وأستاذ لغة انجليزية مقيم بولاية عنابة، من خلال الدراجة، أن يُسهم في حماية البيئة والمحيط، ويحفز مختلف شرائح المجتمع  على  الانخراط ضمن النشاط التطوعي، ما انعكس بشكل ايجابي على سلوك المواطن، وأعطى منظرا لائقا،  من خلال  حملات النظافة  لبعض المواقع الأكثر ترددا لزوار المدينة، على غرار الشواطئ والشريط الساحلي، وكذا الحدائق العمومية والساحات العامة بقلب وسط مدينة عنابة.  
النصراقتربت من المجموعة في نشاطاتها الميدانية، وكان لها حديث مع مؤسس «الدراجة الخضراء» لعشيشي عبد الحكيم،  الذي قال بأن هذا العمل خرج من رحم التضييق الذي عاشه نادي الدراجات الهوائية بعنابة،  و انتهى بحل النادي وغلق مقره، وبعد سنوات حاول جاهدا  إحياء النادي، وأمام الصعوبات التي واجهته، بقي يبحث عن أفكار جديدة يجسدها.  
رياضي في السويد وراء الفكرة  
قال لعشيشي بأن تفكيره المتواصل وحبه للدراجة، جعله يفكر في دمج الرياضة مع البيئة، من خلال الدراجة الخضراء التي ولدت بفضل، رياضي سويدي شاهده وهو يمارس التمارين، ويجمع النفايات في كيس بالمساحات الغابية التي يتردد عليها، ويقوم بتصوير نفسه عبر صور « سيلفي» وينشرها عبر حسابه في الفايس بوك، حيث نالت المبادرة إشادة من قبل «مارك» مؤسس الفايس بوك، الذي أعجب بالفكرة وقام بدعمها.
كانت بداية لعشيشي عبد الحكيم في جمع النفايات فردية، من خلال حصص التدريب، يحمل معه أكياس وقفزات، لدى مروره على فضاءات تكثر فيها مخلفات المواطنين من قارورات وغيرها، يقوم بجمعها وسط دهشة المارة، وفي كل مرة ينضم إليه أشخاص غيورون على نظافة المحيط، حتى الفضوليين منهم، ما شجعه على عرض الفكرة على رياضيين سابقين معه في نادي الدراجات وكذا جيرانه في الحي، وساهم في انتشار وشهرة المجموعة مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر الفيديوهات والصور للأنشطة التي يقومون بها بشكل يومي تقريبا، خاصة في موسم الاصطياف، حيث تتردد المجموعة بالدرجات الهوائية على الشواطئ وتجمع مخلفات المصطافين وعند الانتهاء من العملية يتم تمرير رسالة حضارية عن طريق رسم بأكياس القمامة. ليصل عدد المعجبين بالصفحة في ظرف قياسي إلى 14 ألف معجب.   
دعم  محلي محدود و  تجاوب عالمي  
فرضت مجموعة الدراجة الخضراء نفسها على السلطات المحلية من خلال العمل التطوعي، كان أول تواصل مع المسؤولين المحليين في اليوم العالمي للبيئة، حيث التقى والي عنابة الرياضيين وهم يجمعون النفايات بالشريط الساحلي، فتوقف للحديث معهم وتشجيعهم، وأعطى تعليمات لمؤسسة «عنابة نظيفة» بالاستجابة إلى طلبهم لرفع الأكياس التي يجمعونها في جميع المناطق والأحياء، ومع شهرة المجموعة تلقت اتصالات دعم من هيئات دولية.
اتحاد عنابة ينخرط
في « لعب نظيف في ملعب نظيف «
أمام الإعجاب الباهر لما تقوم به الدراجة الخضراء، من عمل تطوعي في مجال تحسين واقع البيئة والمحيط، قامت المجموعة بالتواصل مع أنصار فريق اتحاد مدينة عنابة، الذي يملك قاعدة جماهيرية عريضة بالولايات الشرقية، من أجل إطلاق مبادرة لتنظيف الملاعب تحت شعار « لعب نظيف في ملعب نظيف « والتي لقيت نجاحا منذ بداية الموسم الكروي، بتجاوب أنصار ومحبي إتحاد عنابة مع الحملة، وذلك بتنظيف مدرجات الملعب داخل و خارج الديار، كما حدث في ملعب مروانة والشاوية، وكذا قسنطينة عند مواجهة المولودية المحلية، ما ترك انطباعا جميلا لدى الضيوف في سلوك حضاري، لم يحدث في أي ملعب أو بطولة وطنية. وتوسعت المشاركة إلى اللاعبين والطاقم الفني و الإداري لاتحاد عنابة، الذين قاموا بمبادرة لافتة، بغرس بعض الأشجار في محيط ملعب 19 ماي 1956، شارك فيها المدرب كمال مواسة، وأشباله، في مقدمتهم القائد عادل معيزة، وكذا رئيس النادي عبد الباسط زعيم.
كانت نتائج حملات جمع النفايات ومخلفات المترددين على الشواطئ و فضاءات النزهة بعنابة، في شهر رمضان الماضي صادمة، أكد لعشيشي بأن المجموعة جمعت 1000 كيس من قنينات وقارورات الخمر بمختلف الأنواع والأحجام، خاصة بمرتفع المنارة  بالواجهة البحرية، المعروف باسم «رأس الحمراء» التي تعرف ترددا للزوار من أجل النزهة ليلا، غير أن مستهلكي النبيذ يقومون بسلوكيات سلبية برمي القارورات في الأحراش وحواف طريق الكورنيش، ورغم الجمع اليومي يتكرر نفس السلوك، غير أن المجموعة حسب المتحدث، واصلت حملاتها اليومية ولم تثنها المظاهر غير الحضرية لمستهلكي المشروبات الكحولية في التوقف عن الجمع.   
احتضنت عديد الأحياء والتجمعات السكنية مجموعة الدراجة الخضراء، والتفت حولها لجمع النفايات المنتشرة في الشوارع و وسط المباني، بهدف إعادة الاعتبار لها، وإعطاء نظرة جمالية مغايرة، بعد أن شوهت النفايات لسنوات المحيط، وساهم هذا العمل التطوعي في خلق نوع من التنافسية، وإحياء روح المبادرة والغيرة على المحيط، وكانت المدينة القديمة الأكثر تجاوبا مع الدراجة الخضراء، بتنظيم حملة نظافة كل يوم جمعة، بمشاركة مختلف الفئات ،  حيث عكف المتطوعون لعدة ساعات على تنظيف أزقة الحي العتيق، وأمام منازلهم،  وقاموا في آخر حملة تطوعية بتنظيف مسجد الباي بمساعدة عمال البلدية.
وقدم سكان المدينة القديمة أحسن صورة على حيهم، ففتحوا أبواب منازلهم لأعضاء المجموعة،  وقدمت لهم مختلف أنواع المأكولات التقليدية، كما ساهمت المحلات التجارية بدعم المبادرة وشراء الأكياس البلاستيكية، في صورة تضامنية غابت لسنوات على القلب النابض لبونة القديمة.  .
رفعت الدراجة الخضراء تحدي تحفيز الأطفال على حماية البيئة والحفاظ عليها، بإشراكهم في الأعمال التطوعية، لغرس هذه الثقافة في النشء، ليكون مواطنا ايجابيا وواعيا بأهمية جعل المحيط نظيف. وتقول المجموعة في منشور عبر صفحتها الرسمية « حماية البيئة والحفاظ عليها واجب على كل شخص يعيش على هذا الكوكب، مهما كان عمره أو نوعه أو جنسيته وثقافته، بالتالي يجب على كل أب وأم تحفيز الأطفال للحفاظ على البيئة وحمايتها وغرس هذه القيم بداخلهم منذ نعومة أظافرهم، إيماناً منا بأهمية هذا الأمر وضرورته التي باتت ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى».
«عمي الهادي» متطوع على رجل واحدة
بادر مؤسس مجموعة الدراجة الخضراء لعشيشي عبد الحكيم، بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة المصادف لتاريخ 3 ديسمبر، إلى تكريم المتطوع والناشط «عمي الهادي» بتقديم له باقة من الورد، بمكان عمله بحديقة الايذوغ المحاذية لملعب العقيد شابو بوسط المدينة، وجاءت الالتفاتة نظير المجهود الذي يقدمه عمي الهادي، في كل الخرجات التطوعية التي تقوم بها المجموعة، متحديا إعاقته، فرغم وقوفه على رجل واحدة  تجده يحمل كيسا، ويجمع النفايات التي يجدها أمامه، ويحرص على التنقل بدراجته النارية ولو لمسافة طويلة ليكون حاضرا ويساعد المجموعة، في مشهد  يعد محفزا لأشخاص آخرين لا يعانون من أي إعاقة.
  مبادرات لفائدة  النساء والأطفال
ستتوسع المجموعة  في  العمل التطوعي ودمج الرياضة مع البيئة وإدخال الفرحة والبسمة وسط جميع شرائح المجتمع من خلال  قيامها بإطلاق الدراجة الحرة، الهدف منها إعطاء الفرصة لأطفال الأرياف والفئات المحرومة، لقيادة درجات السباق لساعتين من الزمن مجانا، مع القيام بعمل بيداغوجي لتعليمهم مبادئ القيادة وطريق المرور، حيث لمست المجموعة،  أثناء تنظيم نشاط مماثل ببلدية برحال غرب مدينة عنابة إقبالا كبيرا وفرحة لا توصف لدى الأطفال.
الدراجة النسوية أيضا من بين الفروع التي استحدثت، تم الانطلاق في تنظيم لقاء نسوي في إطار مغلق داخل القاعة، تحت إشراف امرأة مدربة و مؤطرين من النساء، لإتاحة الفرص للعنصر النسوي والماكثات في البيت لتحقيق حلم ركوب أو قيادة الدراجة ولو في سن متقدمة.  
 إضافة إلى الدراجة الليلية والشاطئية التي تم تجربتها بالمرسى  في ولاية سكيكدة . كما اقتنت المجموعة دراجات  موجهة للأطفال ما بين عامين و5 سنوات، يستطيع الطفل تحقيق التوازن برجليه في غياب الدواسات، كتدريب مبكر  . كما طرحت فكرة منح الدراجات الهوائية للسياح، على مسؤولي قطاع السياحة، بهدف التعريف بالمدينة   و مواقعها السياحية والأثرية.       
تلقت مجموعة الدراجة الخضراء دعما معنويا وإشادة من وزيرة البيئة فاطمة الزهراء زرواطي، وكذا وزير الشباب والرياضة الهادي ولد علي،  وتحدث الوزيران عن نشاطها في عدة مناسبات،  كما كرمت   في تونس خلال البطولة العربية للدراجة الجبلية    .
الدراجة   تقطع مسافة 1040 كلم من تلمسان إلى عنابة
 و قام أعضاء المجموعة بتنظيم عدة أعمال تطوعية، على غرار تنظيف الموقع الأثري هيبون، وعدة مقابر وشواطئ والمشاركة في  تظاهرات عالمية وإحياء مناسبات وطنية، تجمع فيها النفايات ، ودائما يجدون أنفسهم يقتنون الأكياس والقفزات الوقائية لجمع النفايات من حسابهم الخاص، إلى جانب الملصقات ولافتات، مع دعم محدود من مختلف المتعاملين، حيث بادر رئيس الأمن الولائي لولاية عنابة بتزويد المجموعة بكمية معتبرة من الأكياس البلاستيكية والقفزات ، من أجل جمع مخلفات الأنصار بالملاعب التي يستقبل فيها اتحاد عنابة.
وأكد مؤسس المجموعة أنهم حريصون على توظيف الدراجة في خدمة البيئة، وإدماج المجتمع في العمل التطوعي، من أجل «مواطن نظيف».
وأشار المتحدث إلى تمثيل ثلاثة دراجين، في المنتخب الوطني «الدراجة الخضراء» بقطع مسافة 1040 كلم من تلمسان إلى عنابة، يقومون خلالها  بجمع النفايات في النقاط التي يتوقفون فيها،  وأينما حلوا يحتضنهم المواطنون ويفتحون لهم منازلهم للمبيت،  منوها بانخراط مختلف الفئات في المجموعة بينهم أطباء و  أساتذة جامعيين، وفنانين، من أبرزهم الموسيقي سالم محمد الهادي، الذي يعد أبرز الأعضاء الناشطين.
    حسين دريدح