لا يفكر كل مسافر عبر المطارات الجزائرية قادما من الخارج، سوى في اجتياز نقاط التفتيش وحمل الأمتعة والمغادرة بأسرع وقت ممكن، دون أن يخطر بباله ولو للحظة، حجم العمل الكبير الذي تقوم به فرق الجمارك لتأمين الحدود من مختلف الجرائم وجعل مطاراتنا حصنا منيعا على المجرمين وناهبي الاقتصاد الوطني.
روبورتاج: عبد الله بودبابة
النصر أجرت روبورتاجا وقفت من خلاله على العمل الدقيق والمضني الذي يقوم به رجال البذلة الرمادية، والذي يحتم على أي فرد منهم المزج بين تطبيق القانون والليونة في المعاملة، ليحوّل المطار إلى ما يشبه قلعة محصنة بجدران غير مرئية لا يشاهدها إلا ذوو الاختصاص من رجال الجمارك، الذين يرصدون كل كبيرة وصغيرة، ويلاحظون أدق التفاصيل ويراقبون كل حركة من دون أن يتركوا مجالا للشك.
فمساحة 400 هكتار التي يتربع عليها مطار قسنطينة الدولي، تحتاج إلى ذلك المزيج المتكامل بين الصرامة والدقة في العمل، دون نسيان الجانب الإنساني في التعامل مع المسافرين، الذين يتفهم بعضهم طبيعة العمل ومتطلباته ويتجاوب معها، بينما يبدي البعض الآخر معارضة شديدة لأي إجراء مهما كان نوعه أو طبيعته، وهو ما يجعل هذا النوع من العمل في غاية الحساسية في نظرهم، أما في نظر أهل الاختصاص فهو روتين يومي، يجب التعامل معه مهما كانت الظروف.
دهشتنا من حجم العمل الذي ينتظر رجال الجمارك كانت كبيرة، بمجرد قيامنا بجولة ليوم واحد فقط عبر مطار قسنطينة الدولي، كيف لا وهي تتعامل مع كل صغيرة وكبيرة داخل هذا الصرح الذي يعتبر كمنطقة حدود يجب التعامل فيها بحذر ودقة، والعمل هنا لا يُقصَد به الاحتكاك بالمسافرين فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى حركة السلع والبضائع سواء المستوردة أو المصدرة، وحتى التي تنقل إلى شركات الطيران، فضلا على التعامل مع المواد الحساسة على غرار الأدوية، والتجهيزات المتطورة التي تتطلب عناية خاصة، وصولا إلى الحيوانات ووقود الطائرات.
مرافقة للرحلات الدولية لحظة بلحظة
وصلنا إلى مطار قسنطينة حوالي الساعة التاسعة صباحا، وهو الموعد المحدد لمهمتنا، و توجهنا مباشرة عبر قاعة المسافرين نحو أرضية المطار وبالتحديد نحو المدرج، حيث تزامن وصولنا مع قدوم طائرة للخطوط الجوية الفرنسية من طراز «بوينغ 320»، وقد حطت لتوها على المدرج الرئيسي وعلى متنها ما يفوق 200 مسافر قادمين من مدينة ميلوز.
لدى خروجنا من قاعة المسافرين مباشرة رفقة ضابطين في الجمارك، وجدنا مركبة رباعية الدفع يستعملها السلك في التنقل عبر المدرج، وتوجهنا مباشرة إلى الطائرة المذكورة، وهنا وجدنا بالقرب منها أيضا شاحنتين مزودتين بالسلالم لنزول المسافرين وحافلات، وبالجهة المقابلة تم نصب مركبة أخرى بها مزلاق، توضع عليها الأمتعة ليتم نقلها نحو جهاز السكانير لفحصها قبل أن يسترجعها أصحابها.
وهنا أوضح لنا الضابط الذي كان برفقتنا أن الجمارك يتعاملون فقط مع الرحلات الخارجية، أما في الرحلات الداخلية فالعلاقة تكون مباشرة مع رجال شرطة الحدود، مضيفا أنه و في مثل هذه الحالات التي تكون فيها الطائرة تابعة لخطوط جوية أجنبية، يتم مراقبة نزول المسافرين ومرافقتهم فقط نحو القاعة، مع وضع رجل جمارك بالقرب من صندوق الأمتعة لمراقبة عملية نقل الحقائب من الطائرة نحو جهاز السكانير، مع تدوين الملاحظات والتقارير في وثائق رسمية يتم منح نسخة منها للمسؤولين، وأخرى لقائد الطائرة، وهو نفس الأمر مع السلع في حال وجودها.
وتابع محدثنا أن عمل رجال الجمارك في هذه المنطقة منوط بفرقة خاصة، يطلق عليها اسم الفرقة متعددة الخدمات، حيث تقوم أيضا بمراقبة عملية تزويد الطائرات الأجنبية بالوقود، وتدوين الكمية بدقة و بعناية شديدة في كشف خاص، ومن ثم ايداعها لدى المصلحة المختصة، وهذا الأمر له ضوابط محددة لأنه يحدد في النهاية الأموال التي يتعين على الشركة المعنية تسديدها لدى شركة نفطال.
أما عن عملية تفتيش الطائرات الأجنبية، فقد أوضح محدثنا أن ذلك غير متاح بتاتا، و يحتكم للقوانين الدولية المعمول بها، حيث يتوقف عمل رجال الجمارك على الوقوف بالمدرج فقط، وعدم الاحتكاك بتاتا بالطائرة أو طاقمها الذي يبقى داخلها ولا يغادرها أبدا، حيث ينتظر الطيارون والمضيفون داخلها إلى غاية إقلاعها مرة أخرى، أما في حال نزولهم إلى أرضية المطار أو مبيتهم في الجزائر، فإنه يتم التعامل معهم مثل أي مسافر آخر.
وفور نزول كامل الركاب، يتم مرافقة الحافلات التي تقلهم نحو قاعة المسافرين، حيث يدخلون عبر ممر خاص، يكون المرور من خلاله عبر المراقبة الطبية أولا، ثم يتم اجتياز منطقة شرطة الحدود للتأشير على جوازات السفر، ثم بعدها يصلون إلى منطقة الجمارك الأولى، والتي من خلالها يصرح المسافرون بما لديهم من أموال أو مواد ذات قيمة مثل الذهب وإلى ما ذلك، ومع إنهاء الإجراءات الروتينية يمر الجميع عبر جهاز سكانير لفحص ما يحملونه، إلى جانب وضع الحقائب اليدوية داخل جهاز آخر.
حجاب لتهريب المجوهرات والشعر لتمرير الممنوعات
وتعتبر هذه النقطة حساسة جدا، بالنظر إلى أن أهم العمليات الناجحة التي نفذها رجال الجمارك قد تمت هنا، حيث تكتسي عملية مراقبة الأعوان لحركات المسافرين أهمية كبيرة في اكتشاف أي محاولات للقيام بأفعال يعاقب عليها القانون، و لاحظنا في هذه النقطة بالذات، احتفاظ أعوان الجمارك نساء أو رجالا، بابتسامة لطيفة مع كافة المسافرين القادمين توا، مع الترحاب بهم، وهنا أوضح لنا أحد الوافدين أنه كثير الترحال عبر عدد من المطارات الجزائرية وقد لمس لطفا كبيرا من أعوان الجمارك.
يقاطعنا الإطار المرافق لنا ويشير بأصبعه إلى غرفة قريبة تسمى غرفة العزل قائلا: «هذه الغرفة الصغيرة الخاصة بتفتيش النساء شاهدة على الكثير من العمليات الناجحة لعناصرنا، آخرها كان منذ أسابيع قليلة عندما لاحظت إحدى الزميلات تصرفات مريبة من مسافرة من جنسية تركية، وقد حاولت في البداية الاستفسار معها عن أي مشكل قد صادف الرعية الأجنبية أو معاناتها من أي مرض، قبل أن تطلب منها مرافقتها إلى الغرفة لتفتيشها بشكل أدق، وهنا كانت المفاجأة عندما اكتشفت العون كمية كبيرة من الأساور تحت حجاب المرأة المذكورة، التي حاولت تضليل الأعوان بارتدائها الحجاب»، وتابع محدثنا بالقول أن عون الجمارك تمكنت بحنكتها الكبيرة من كشف مخبأ آخر لا يخطر على بال أحد، بعد أن حولت المسافرة شعرها إلى مكان لإخفاء عدد كبير من الخواتم الذهبية، ليتم تحرير مخالفة في حقها ومن ثم تسليمها لشرطة الحدود من أجل استكمال التحقيق.
بعد انتهاء كامل المسافرين، أكد لنا أعوان الجمارك أن هناك طائرة ثانية للخطوط الجوية الجزائرية قادمة من وجهة أجنبية وبالضبط فرنسا، وقد رافقنا الفرقة المتعددة الخدمات في مهمتها التي لم تختلف كثيرا عن رحلة الشركة الفرنسية السابقة، عدا أن الطائرة وما إن تتوقف ويتم وضع سلالم النزول، فإن أول من يصعد على متنها بعد نزول كامل الركاب، هما عونا الجمارك حيث يدخل كل فرد منهما من باب، ويقومان بتفتيش دقيق للرحلة، من أي أشياء يكون الركاب قد نسوها بالداخل، ثم القيام بنفس العمل المتعلق بمرافقة المسافرين إلى قاعة المطار متابعة لنفس الإجراءات السابقة، فيما تسقط عملية متابعة تزويد الطائرة بالوقود كون العملية تجارية بحتة بين شركتين جزائريتين هما الخطوط الجوية ونفطال.
مراقبة السلع والبضائع مهمة أخرى تستوجب الحذر
زيادة على هذا فقد كانت لنا جولة بالفرقة التجارية لمديرية الجمارك بمطار قسنطينة والتي تعنى بمراقبة وتفتيش السلع والبضائع المستوردة والمصدرة، وهنا أوضح قائد الفرقة أن الجزائر لا تتوفر على طائرات خاصة لشحن السلع و بأن العملية تعتمد في الأساس على البواخر، معتبرا السلع القادمة جوا قليلة جدا مقارنة بالموانئ البحرية، غير أن هذا لا يمنع الأعوان من القيام بمهامهم بشكل جدي، أضف إلى ذلك التسهيلات التي أقرتها الدولة في السنوات الأخيرة، حيث أكد أنه يتم التدقيق في وجهة البضائع وتعيين أعوان لتفتيشها وفق نظام خاص بالإعلام الآلي، كما أن مدة مكوثها بالمخزن لا تتوقف على إدارة الجمارك بل على صاحبها وكذا ممثله القانوني لدى الجمارك.
وفي هذه المنطقة أوضح محدثنا أن الأعوان يتعاملون مع كافة أنواع السلع، حتى الحساسة منها على غرار الأدوية التي تتطلب شروط حفظ خاصة، حيث يتوفر المخزن على غرفة تبريد خاصة، أما باقي البضائع على غرار الحيوانات التي يتم استيرادها مثل الكتاكيت، فقد أكد محدثنا أنها ترحل لدى وصولها فورا ولا يتم التحفظ عليها حتى لا تصاب بأي مكروه، كما أن هنالك رواقا أخضرا خاصا بالمتعاملين الاقتصاديين الذين يحوزون على موافقة الدولة الجزائرية بتمرير سلعهم فور وصولها، شأنهم في ذلك شأن السلع المصدرة والتي تمر مباشرة.
في حصيلة تدخلات بمطار قسنطينة في 3 أشهر
حجز أزيد من 10 آلاف قرص مهلوس و 22 وحدة من ملحقات أسلحة
كشف المفتش الرئيسي للجمارك بمطار محمد بوضياف بقسنطينة مومني سهيل، أن الفرق الأربع المتواجدة على أرضية المطار، تقوم بدور كبير وتعمل بجد لضمان مرور المسافرين بطريقة عادية، وبالمقابل السهر على إحباط أي محاولات للإضرار بالاقتصاد الوطني، أو القيام بمخالفات يمنعها القانون، وفي هذا الإطار أوضح ذات المتحدث أن الأعوان تمكنوا منذ بداية السنة من تسجيل عديد المخالفات التي تم التصدي لها بمهنية عالية.
وذكر ذات المتحدث أن أعوان الجمارك تمكنوا خلال الثلاثي الأول من العام الجاري، من تسجيل 14 قضية تتعلق بمحاولة إدخال حوالي 10 آلاف قرص مهلوس، كما تم أيضا الحيلولة دون إدخال عدد كبير من الملابس بطريقة غير قانونية، حيث تم حجز 351 وحدة، أما فيما يتعلق بالهواتف النقالة فقد تم ضبط حوالي 40 هاتفا، مع تسجيل عدد من المخالفات المصنفة قانونيا ضمن الغش الطفيف. زيادة على هذا فقد سجلت فرق الجمارك بمطار قسنطينة محاولات تمرير حوالي 22 وحدة من ملحقات أسلحة، فضلا عن ألبسة عسكرية بـ 18 زيا، و18 قطعة من النظارات الشمسية.
وفي ما يتعلق بالمواد الغذائية التي دخلت حيز المنع من الاستيراد في الاطار التجاري، فقد تم منع إدخال ما يقارب 300 قطعة شكولاطة، فضلا على 300 قطعة من مواد غذائية متنوعة ممنوعة من الاستيراد، 218 خرطوشة سجائر، 67 وحدة من الهلالية «الشمة»، زيادة على 36 قطعة غيار مستعملة، و829 من المكملات الغذائية متمثلة في علب المنتج المثير للجدل المسمى «رحمة ربي»، وأزيد من 500 وحدة من مواد التجميل.
كما تعكف إدارة الجمارك بمطار قسنطينة على احترام بروتوكول تعاون يربطها بشريكها الأساسي في الجانب الأمني ممثلا في جهاز شرطة الحدود، حيث أكد محدثنا مشاركة إطارات وزارة المالية في اجتماع تنسيقي دوري إلى جانب الشريك الأمني، كما تتم اجتماعات تنسيقية أخرى مع مؤسسة تسيير المطارات.
ع.ب