المالوف لا يزال فنا نخبويا و لا يوجد خليفة لمحمد الطاهر الفرقاني
يرى المطرب و المؤلف الموسيقي توفيق تواتي بأن عرش المالوف لا يزال شاغرا بعد رحيل عميده الحاج محمد الطاهر الفرقاني، و لا يمكن لأي أحد من الفنانين ، حتى من أفراد عائلته، أن يدعي بأنه مثله، أو يفكر في أن يصبح خليفة له، مشيرا إلى أن هذا الطابع الأندلسي الأصيل لا يزال نخبويا، و وضعيته جيدة في عقر داره قسنطينة، لكن لا بد من توسيع دائرة متابعته و ضمان تعليمه و الترويج له، ليستقطب مختلف الأجيال و يتجاوز حالة الركود التي طالته في عصر أغاني السندويتش الصاخبة، كما قال الفنان الذي يحمل خبرة 35عاما في مجال المالوف، مرصعة ب54 ألبوما في حوار خص به النصر..
حاورتــه/ إلهام طالب
أنا تلميذ كل شيوخ المالوف
النصر: يصفك البعض بأنك تلميذ كل شيوخ المالوف، بمن تأثرت أكثـر؟
توفيق تواتي: صحيح.. لقد انخرطت في جمعية البسطانجية لمدة 20 عاما، ثم توجهت إلى جمعيات موسيقية أخرى، و أتيحت لي الفرص للاحتكاك بالعديد من شيوخ المالوف، على غرار عبد المؤمن بن طوبال و رشيد بن خويط و الشيخ الدرسوني و الشيخ التومي، و غيرهم ، لم أكن أكتف بما أتعلمه من شيخ واحد، بل كنت أسأل و أبحث و أنهل من الجميع، و كلما علمني شيخ أغنية ، أحفظها بسرعة و أظل ممتنا له. و أفتخر لأنني تلميذهم جميعا، لكنني تأثرت أكثر بالحاج محمد الطاهر الفرقاني، فمن خلاله أحببت المالوف و كرست حياتي له.
. من ترشح لخلافة الحاج محمد الطاهر الفرقاني على عرش المالوف، ابنه سليم، أم حفيده عدلان؟
ـ سئل الشيخ محمد العنقى ذات يوم من يرشح لخلافته، فرد « لا أحد يخلف الآخر، قد يأتي شخص أفضل مني، أو أسوأ مني ، لكن لن يأتي أحد مثلي». و أنا أؤمن بأن لا أحد يمكن أن يخلف الحاج أو يكون مثله، حتى و إن كان ابنه أو حفيده، لكن هذا لا يعني انعدام المواهب و الكفاءات الفنية العالية في فن المالوف، فهي موجودة بقوة .
. الكثير من الفنانين يورثون الفن لأبنائهم، هل توافق أن يصبح أحد أبنائك مطربا ؟
ـ أولا أبنائي لا يزالون صغارا، و إذا لاحظت بأن أحدهم يميل إلى الفن، سأشجعه على الانخراط في مدرسة لتعلم الموسيقى، و أعلمه و أوجهه، لكن بشرط أن يمارس الفن كهواية و ليس كمهنة.
. هل هذا يعني أن الموسيقى و الغناء لا يضمنان للفنان المداخيل اللازمة لتلبية احتياجاته و احتياجات عائلته؟
ـ في الماضي كان الفن يضمن العيش المريح، لكن أصبحت اليوم مداخيله ضعيفة و لا يمكن أن يعتمد عليها الفنان كمصدر رزق، كما أن إصدار ألبومات يتطلب الخضوع لشروط الناشر الذي يفرض على الفنان نوعا غنائيا تجاريا لضمان الربح، و قد عانيت في بداياتي كثيرا من هذا المشكل.
قانون الفنان غير كاف في حال المرض و البطالة
. و ماذا بعد أن أسست دار نشر خاصة بك؟
ـ في سنة 1998 تخلصت من هذا العائق، و أسست دار المالوف، لكنني أواجه نقص الإنتاج بسبب الخوف من القرصنة التي يسرتها التكنولوجيا الحديثة، فقد أصبحت الأغاني تقرصن و تبث عبر الإنترنت و تسمع على نطاق واسع مجانا بمجرد تسجيلها، و بالتالي لا يشتري الجمهور الألبومات إلا نادرا، لكنني أحاول قدر الإمكان تشجيع الفنانين الراغبين في إصدارها، و مساعدتهم في تقديم أعمال ذات نوعية جيدة، من حيث اللحن و الكلمات بحكم خبرتي، كما أتقاسم معهم التكاليف، أنا لست تاجرا ، و هدفي فني بالدرجة الأولى.
. هل تعرضت للقرصنة؟
ـ قبل عشر سنوات ، أحييت حفلا بمدينة ليون الفرنسية، و أثناء إجراء حوار إذاعي، أحضر لي المذيع شريط كاسيت يحمل غلافه صورتي و اسما غير اسمي، و يضم أغنياتي، فأدركت خطورة الظاهرة.
. ما رأيك في قانون الفنان ؟
ـ إنه يساهم في إعادة الاعتبار للفنان الجزائري، لكنه غير كاف في نظري، لا بد من الاهتمام أكثر بالفنان و التكفل به عندما يمر بظروف صعبة كالمرض و عدم القدرة على توفير الأدوية و العلاج أو انعدام فرص العمل.
. هل تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الموسيقية للترويج لألبوماتك؟
ـ لست نشطا في هذه المواقع، و لحد الآن لم تخدمني التكنولوجيا، لكنني بصدد البحث عن فكرة للترويج لأعمالي و لما لا بيع ألبوماتي إلكترونيا.
. هل تعتمد على جهة أخرى في الإشهار لأعمالك و نشرها؟
ـ نعم..أنا منخرط في الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، كمطرب و مؤلف موسيقي و كاتب كلمات، و تربط الديوان اتفاقيات مع القنوات التليفزيونية و الجزائرية في ما يخص حقوق البث، و بالتالي يضمن ترويج أعمال الفنان المنخرط و يدعم إبداعاته و مساره.
. هل تؤدي طبوعا موسيقية أخرى غير المالوف؟
ـ نشأت و ترعرعت على أنغام المالوف، لأن أخي الأكبر من عشاقه، و في 1979 ـ 1980 شجعني على الانخراط في دار الشباب بحي فيلالي بقسنطينة، و التقيت هناك بعديد الفنانين الشباب و تعلمت الصولفاج و المالوف و العزف على مختلف الآلات الموسيقية الوترية من باب الهواية، و في 1986 غنيت لأول مرة بمفردي في عرس، و أكد لي أصدقائي و الحضور بأن صوتي جميل، فقررت أن أصقل موهبتي عن طريق الجمعيات و على يد كبار شيوخ المالوف، و شاركت معهم في عديد الجولات الفنية
، و بقيت وفيا لهذا الطابع إلى يومنا هذا، علما بأنني متفتح على ألوان أخرى و أعشق أغاني وديع الصافي و صباح فخري.
المالوف فن الملوك و الأمراء
. لماذا يعاني المالوف من الركود في عقر داره و لم يحظ بالمكانة التي يستحقها في رأيك؟
ـ المالوف كان في السابق فن الملوك ، يسطر يومياتهم و نشاطاتهم و يزين قعداتهم، و لا يزال نخبويا راقيا، له عشاقه الأوفياء، و أؤكد بأنه بخير في مدينته، بدليل أن الكثير من الجمعيات لا تزال تحتضنه و العديد من الشبان يتعلمونه و هناك مواهب تبرز باستمرار، لكن هذا غير كاف، لا بد أن ينتشر أكثر و يجد فنانين يقودونه إلى العالمية، لأنه يستحق ذلك.
. ماهي الحلول في رأيك؟
ـ التركيز على تكوين الأجيال الصاعدة ، و من هذا المنطلق سنعيد أنا و مجموعة من الفنانين و المهتمين بالمالوف إحياء جمعية أوتار قسنطينة عن قريب، مشروعها الرئيسي فتح مدرسة لها فروع بمختلف دور الشباب بولاية قسنطينة ، لتعليم المالوف لمختلف الفئات العمرية و من ثمة الحفاظ على كنوزه و اكتشاف المواهب و توجيهها ، و ساهمت في توثيق جزء كبير من تراث المالوف عن طريق تسجيلات كثيرة في إطار عاصمة الثقافة العربية، و لدي مشاريع بحث عديدة في هذا المجال.
. ألا ترى بأن إضفاء كلمات جديدة تعالج انشغالات أبناء العصر الحالي من بين الحلول؟
ـ المالوف يركز على المديح و الغزل و الزجل و وصف جمال الطبيعة في جوهره، و قد بادرت بإضفاء كلمات جديدة من تأليفي في إطار المحجوز و الحوزي ، كما ألفت بعض الألحان ، مع الحفاظ على روحه و كانت تجربة جميلة، و أنا أشجع مثل هذه المبادرات، لست ضد تقديم الجديد من القديم، دون أن نفقده هويته و أصالته، و لدي أغان من هذا النوع لم أسجلها بعد.
دمج المدارس الأندلسية يفقدها أصالتها
. ما رأيك في فكرة دمج المدارس الأندلسية الثلاث ببلادنا: الصنعة و الغرناطية و المالوف، للخروج بطابع موحد و قوي يستقطب كافة عشاق التراث و الأصالة؟
ـ لو فعلنا ذلك بشكل مستمر ستفقد كل مدرسة طابعها و هويتها و أصالتها و تراثها و أيضا قيمتها، و بالتالي أنا ضد تعميم فكرة دمج المدارس، لكن يمكن أن يتفق فنانو المدارس الثلاث على برنامج موحد لحفل في إطار مناسبة معينة، لا غير. .
المالوف أضاع أجزاء من نوباته
. يعتقد الكثيرون أن المالوف يضم 24 نوبة..
ـ صراحة لا أدري إذا كان ذلك صحيحا، لكن الواقع يقول أنه يضم حاليا بين 11 و 12نوبة، لكنها غير كاملة، و لا تزال الكثير من كنوز المالوف مغمورة.
. هناك بعض الفنانين يؤدون كلمات أغاني و نوبات المالوف بشكل مشوه و خاطئ، هل «السفينة» مرجعية تراث المالوف طالها التزييف؟
ـ لا ..السفينة الأصلية لم تتغير منذ عقود ، و كل شيخ يوثق سفينته، و ربما هناك من يخطئ في تسجيلها أو طبعها في هذا العصر و عليه تصحيحها بالعودة إلى الشيوخ.
. لم تشارك في حفلات عمومية منذ سنوات، لماذا هذا الغياب؟
ـ ليس غيابا بل هو تغييب و تهميش، منذ ثلاث سنوات لم أتلق أي دعوة من مديرية الثقافة لولاية قسنطينة أو الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، بعد أن كنت أحيي كل الحفلات الرسمية.
. ما هو جديدك ؟
ـ جديدي هو المشاركة في تجسيد مشروع جمعية أوتار قسنطينة للمواهب الشبانية، من أجل تعليم المالوف و الحفاظ على التراث، و قد أصدرت منذ شهور ألبومين، الأول عنوانه مأخوذ من أغنيته الرئيسية و هو «يا خاتم مبهاك»و يضم 6أغان، ألفت لحنين منها، و الثاني من نوع الزجل يحمل عنوان أغنيته الرئيسية أيضا و هو «رق جسمي»، و أنوي تصوير بعض الأغاني من الألبومين على شكل فيديو كليبات لأبرز المناظر الطبيعية و الجوانب السياحية و التراثية لقسنطينة.
إ/ط