الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

معمّر بوشوكة مسيّر أحد أكبر بنوك الأدمغة في العالَم بكندا للنصر

أطمح لجعل الجزائر قلعة في جمع الأنسجة العصبية

انطلاقا من أحد أكبر بنوك الأدمغة في العالم، يقوم مُسيّره، الجزائري معمّر بوشوكة، بتشريح أدمغة بشرية تصل مركز “دوغلاس” للأبحاث بكندا، محاولا بحركات دقيقة استخراج أنسجة تُحوّل إلى العلماء لفهم أكثر الأمراض النفسية والعصبية تعقيدا. وفي هذا الحوار الذي يجريه لأول مرة مع وسيلة إعلام عربية، يتحدث خريج جامعة هواري بومدين عن أهم الأبحاث التي ساهم البنك فيها سيما المتعلقة بعلاج الزهايمر والاكتئاب، كما يكشف للنصر عن مشاريعه بالجزائر ويتطرق إلى عمله بخصوص جائحة كورونا ولمواضيع أخرى. 
حاورته: ياسمين بوالجدري
كيف بدأ شغفك بعلم الأعصاب ولماذا الوجهة الكندية وليس فرنسا مثلما كان رائجا سنوات التسعينيات؟
بدأت فكرة السفر إلى كندا منذ مرحلة الدراسة في الثانوية فقد كنت أحلم بأن أدرس بها علم البحار، لكن شاءت الأقدار أن أتحول إلى علم الأعصاب والسبب هو أن الوالدة  رحمها الله كانت تعاني من مرض الصداع  النصفي، فاتجهت إلى هذا الاختصاص لكي أفهم الداء وأجد له حلا.
بعد أن نلت شهادة البكالوريا سنة 1986 من ولاية الشلف التي أنحدر منها، درست في جامعه هواري بومدين بباب زوار وتخرجت منها بشهادة دراسات عليا في بيولوجيا السلوك سنة 1993. عشنا في التسعينيات سنوات صعبة جدا وإنهاء السنة الدراسية الجامعية في تلك الظروف كان أمرا مرهقا جدا.
لهذا السبب اخترت علم الأعصاب
خلال تحضير شهادتي تواصلت مع مخابر فرنسية وكندية لإتمام الدراسات العليا والبحث العلمي، لكن الظروف التي ذكرتُها لم تسمح لي بالانتقال إلى الخارج فبقيت في الجزائر لمدة سنة دون عمل ولا دراسة، إلى أن أتيحت لي الفرصة بالسفر إلى فرنسا أين درست في جامعة جيسيو بباريس وتحصلت على دبلوم دراسات معمقة في علوم الأعصاب  وأجريت دراسة عن التجارب السريرية.
كانت الحياة في باريس صعبه جدا ما شجعني على تجسيد مشروع كندا التي أقيم بها منذ سنة 2001، فمنذ ذلك الوقت أعمل بمخابر بحث مختصة في التجارب السريريه على الحيوان و الانسان قبل أن أنتقل إلى مركز “دوغلاس” للأبحاث المختص في الأعصاب والأمراض النفسية، والذي أعمل به منذ سنة 2009.
ما هي الألغاز العلمية الأكثـر تعقيدا التي تعمل على كشفها من خلال تشريح الدماغ البشري؟
نجري أبحاثا عن الدماغ وكل الأمراض التي تصيبه, مثل الاكتئاب، الانتحار والأمراض العصبية التنكسية كالزهايمر، الباركينسون ومرض التصلب الضموري الجانبي. من مميزات مركز «دوغلاس» احتواؤه على تشكيله من الأدمغة تفوق 2500 دماغ نستقبله من أناس مرضى أو متعافين، بعدما أعطوا موافقة موثقة في حياتهم للتبرع بأدمغتهم لغرض البحث العلمي.
نعمل على فهم أسباب الاكتئاب المؤدي للانتحار
بنك «دوغلاس» هو الوحيد والأكبر في كندا، حيث يتوفر على تقنيات التشريح اللازمة و على مختصين في علوم الأعصاب والمناجمنت، حيث يعتبر من أبرز البنوك في العالم المختصة في جمع النماذج من الأدمغة، إذ توجد 5 أخرى في نيويورك، باريس، الدنمارك اليابان والبرازيل.
فريق البحث يهتم ويعمل في ميدان جد صعب هو الانتحار والاكتئاب، ومن بين التحديات هي جلب المزيد من الأدمغة والحفاظ على الأنسجة العصبية تلبية لطلبات الباحثين على المستويين المحلي و العالمي.
كيف يُمكن لدراسة الدماغ أن تجعل العلماء قادرين على فهم الخلفيات البيولوجية والبيئية للأمراض العقلية من خلال دراسة الجينوم؟
دراسات الجينوم هي تخصص في حد ذاته. على سبيل المثال، يعمل فريقنا على فهم أسباب الاكتئاب والوصول إلى الانتحار، والعمل يكون على عده مستويات تنطلق منذ المرحله الأولى عند تلقي الدماغ، فتُجرى دراسة سيكولوجيه لمحيطه الاجتماعي ثم تؤخذ عينات من الدماغ للدراسة المعمقة، وهنا تظهر الصعوبة والتحدي أمام الباحث.
عملي ليس سهلا وهذه التحديات التي نواجهها
كل هذه المراحل، تشكل عنصرا واحدا من بين عدة عناصر للوصول إلى فهم المشكل ونقطة انطلاقه، وذلك بالمشاركة مع عدة فرق بحث حول العالم للوصول إلى حل لهذه الآفة الاجتماعية.
تؤدّي عملا يبدو معقدا وحساسا للغاية. ما مدى صعوبته؟
دراساتي العليا بالجزائر كانت حول بيولوجيا السلوكيات، وهي تتمحور حول بيولوجية الدماغ في حد ذاته والسلوكيات الناجمة عنها.
بالفعل، عملي صعب لكنه مشوق، إذ يمثل الخط الأول للمغامرة العلمية التي تبدأ من استقبال الدماغ مباشرة من غرفه التشريح، إلى غاية تهيئته لعملية الحفظ وإدخال معطيات النتائج والتفاصيل التشريحية.
الصعوبة الأولى تتعلق بالجانب النفسي، إذ من الصعب استقبال دماغ مراهق منتحر عمره 14 أو 15 سنة. لن أكون صادقا لو قلت لكِ إن الأمر هين، فهو يترك في ذهني عدة تساؤلات، لكن ينبغي أن أظل متفائلا و أرفع التحدي للإجابة عنها.
أطمح لاستحداث بنك للأدمغة ببلادي
الصعوبة الأخرى تقنية من خلال التحدي الذي نواجهه للوصول إلى تلبية طلبات فرق البحث، فالعينات تؤخذ بالعين المجردة، حتى لو استعملنا كل الأدوات التي تسهل التشريح, حيث يبقى التنقيب على المنطقة المستهدفة صعبا، وهي صعوبات تحفزني على المضي قدما للأمام.
ما هي أهم الإنجازات والاكتشافات التي استطعتم المساهمة في التوصل إليها في مجال علاج الاكتئاب والأمراض العصبية؟
تعمل فرق المتخصصين والباحثين باستمرار على تطوير المعرفة العلمية ودمجها في الرعاية المقدمة للمرضى ومشاركتها مع المجتمع، لزيادة الوعي وبالتالي القضاء على الأحكام المسبقة المحيطة بالأمراض العقلية.
من بين الاكتشافات، كان توصل فريق بحث إلى أن المتغير الجيني الشائع نسبيًا بين السكان، يمنح حماية كبيرة ضد الشكل الأكثر شيوعًا لمرض الزهايمر ويمكن أن يؤخر ظهور هذا الداء لمدة تصل إلى أربع سنوات، ما سيسمح باستكشاف طرق علاجية جديدة لهذا المرض الرهيب وإعطاء آفاق بحثية للفرق الأخرى في العالم.
تم أيضا التوصل إلى أن وجود مستويات معينة من جزيء صغير في الدماغ يسمى علميا miR-1202، قد تكون علامات على الاكتئاب، وبالتالي تساعد في فحص الأشخاص الذين من المحتمل أن يستجيبوا لمضادات الاكتئاب.
هل شرعتم في جمع أدمغة أشخاص توفوا بمرض كورونا؟
لحد الساعة، نحن في مرحلة تكوين مجموعة أدمغة كوفيد 19.
هل توصلتم إلى إثبات تأثيرات فيروس كوفيد 19 على الصحة النفسية والعقلية للأشخاص؟

لم يقم المخبر بعد بأية تجربة على أدمغه مصابة  بفيروس كوفيد 19، لكن في المستقبل القريب سوف تكون هناك أبحاث عن هذا الوباء.
البيروقراطية تعيق التبرع بالأدمغة في الجزائر
نحن نعمل عبر فرق طبية يرأس كل منها بروفيسور وتختص في مرض معين، مثل باركينسون، الزهايمر، وحاليا استحدثنا فرقة كوفيد التي تجمع فيها أدمغة الأشخاص الذين توفوا بسبب كورونا، حيث ستكون أنسجة المخ في خدمة الباحثين حول العالم ومنهم الجزائريون.
باعتقادك، كيف تكون كورونا قد أثرت على دماغ الإنسان وصحته النفسية؟
لست مختصا في مرض كوفيد، لكن ما نعرفه إلى حد الساعة هو أن الحجر الصحي لم يساعد الإنسان سيكولوجيا، فطيلة فترة الحجر كان ممنوعا عليه أن يتواصل بأحبائه أو أقاربه أو حتى الأشخاص الذين يعملون معه، مما  شكل حالات الاكتئاب التي تفاقم عددها خصوصا هنا في أمريكا الشمالية، ما أدى إلى ارتفاع عدد المنتحرين.
أثير خلال فترة الجائحة، نقاش حول مدى قدرة البيانات الضخمة «بيغ داتا» على تعويض التجارب السريرية. ما هي وجهة نظرك؟
البيانات الضخمة لها مزاياها وعيوبها. يمكن أن تكون الاستفادة من كمية كبيرة من البيانات من السجلات الطبية للمرضى مصدرًا استثنائيا للإجابة على سؤال طبي، في محاولة لمعرفة فعالية الدواء الذي يتناوله المرضى، ومع ذلك، فإن البيانات المدخلة في الملف الطبي للمريض أثناء علاجه قد تحتوي على أخطاء ولا يمكن تصحيحها في تلك اللحظة.
العكس هو ما يحدث أثناء التجربة السريرية حيث يتحقق المختبر من البيانات وإذا لزم الأمر يطلب التصحيح. ما يمكنني قوله هنا هو أن استغلال البيانات الضخمة يمكن أن يكون محدودًا ولكن التجربة السريرية ستبقى برأيي الطريقة المناسبة بالتوازي لتحقيق نتائج علاجية فعالة ومفيدة للمريض.
النقاش بهذا الشأن لا يزال مفتوحًا والتكنولوجيا تتقدم بوتيرة سريعة يمكن أن تساعد في القضاء على عيوب البيانات الضخمة.
هل تفكر في نقل خبرتك للجزائر؟
يد المساعده لم تنقطع أبدا مع إخوتي وأخواتي في الجزائر، فقد شرعت سنة 2012 في إنشاء شركة متخصصة في التجارب السريرية مع اثنين من أصدقائي المقيمين في كندا، لكن  البيروقراطية أثرت على المشروع مما دفعنا إلى غلق الشركة سنة 2017، وهو ما حز في نفسي كثيرا.
سنوفر الأنسجة العصبية للمتوفين بكورونا للباحثين
كنت أنتمي كذلك إلى جمعية «ليكوديف» المكونة من نخبة من الجزائريين المقيمين في كندا، حيث كان هدفهم نقل المعرفة من أمريكا الشمالية للجزائر كل في اختصاصه، وذلك لفائدة طلبة الجامعات الذي يحضرون الماستر والدكتوراه. قررنا وقتها اختيار الألمع بين هؤلاء الطلبة الجزائريين لكي يستفيدوا من تربصات في جامعات كندية بعد أن نتكفل بهم هناك ليعودوا للجزائر لنقل خبراتهم.
وبالفعل أرسلنا سنة 2016، طالبين من بومرداس لجامعتي أوتاوا و تورونتو، حيث احتكا بمخابر أمريكا الشمالية وكان ذلك بالنسبة لهم مغامرة علمية رائعة، لكن الظروف التي كانت تعيشها الجزائر منعتنا من الاستمرار في هذه المبادرة.
رغم كل هذا لم نيأس وبحول الله سوف نعود  للمشاركة في مشروع لبناء بلادنا و رد الجميل لأنني لم أنكر أن ما وصلت إليه حتى الآن، كانت انطلاقته من الجزائر بلدي.
ماذا عن مشاريعك العلمية؟
أبقى في حالة تعلّم دائم ولن يضع السنّ حدودا لي في تطوير نفسي في مختلف التقيات والتجارب. ما أطمح له هو استحداث مؤسسة في مجال البحث العلمي السريري بالجزائر، ولما لا بنك للأدمغة، فقد اتصلت بمختصين في التشريح بالجزائر، وتأسفت عندما علمت منهم أن هناك بيروقراطية إدارية تعيق حتى التبرع بالكلى، في حين أننا أناس عملّيون نريد إرساء مشاريع علمية لا أن نغرق في ملء الوثائق وختمها. نعلم أنه يمكن للجزائر أن تكون قلعة في العالم في مجال البحث بتأسيس بنك للأدمغة للبحث في الأنسجة العصبية.
ي.ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com