أطمح أن أكون مترجما ذا شأن لخدمة الضّاد
يطمح المترجم الشاب عمار قواسمية، الفائز مؤخرا بالمرتبة الأولى في مسابقة أسبوع ترجمان العرب الدولية لهذه السنة، إلى أن يصبح مترجما ذا شأن و يسعى لخدمة لغة الضاد و إعادة الاعتبار للترجمة في الجزائر و العالَم العربي، كما قال في حواره مع النصر، مرجعا سبب تراجع دور الترجمة، إلى تراجع الاهتمام بها و عدم دعم المترجمين، مشيرا إلى أن ازدهار المشهد الثقافي في بلادنا، يتطلب الاهتمام بالترجمة و ربطها بمشروع اقتصادي تنموي كامل، يدخل ضمن خطة الدولة بعيدة المدى، كما تحدث عن نشاطه عبر موقع التواصل، كمعلم لغة إنجليزية، وعن آخر الأعمال التي قام بترجمتها، ذكر الأنشودة الثورية «جينا من عين مليلة» بمناسبة يوم الشهيد، و نشر الفيديو المترجم عبر الفضاءات الافتراضية يوم الجمعة الفارط.
حاورته / أسماء بوقرن
. النصر: بداية حدثنا عن مشاركتك في مسابقة ترجمان العرب لهذه السنة؟
ـ شاركت في مسابقة «تُرجمان العرب» المنظمة من قبل المدرسة العربية للترجمة بجمهورية مصر، و التي تهدف إلى تطوير المهارات و القدرات المعرفية، للمترجمين العرب، في مختلف اللغات و المجالات، و كذا اكتشاف المواهب المتميزة و دعمها.
و قد جرت العادة أن تنظم هذه المسابقة سنويا، منذ 2014، حيث أخبرني الكثير من الأصدقاء في البلدان العربية عنها، إلا أن الفرصة لم تواتني إلا هذا العام، و من حسن حظي كانت نسخة مميزة و مختلفة عن سابقاتها.
بخصوص عدد المشاركين فقد كان في نسخة هذا العام الأكبر على الإطلاق، حيث قدر بـ 614 متسابقا من 28 دولة، تنافسوا بترجمات من العربية إلى 10 لغات أجنبية، على غرار الإنجليزية و الإسبانية و الألمانية و الفرنسية و الروسية و الأردية و التركية وغيرها، و ذلك بترجمة نصوص من اللغة العربية من مختلف التخصصات، على غرار الترجمة العامة و الأدبية و العلمية و الصحفية و القانونية و الدينية، حيث فاز في هذه المسابقة 40 مشتركا من مختلف الدول العربية، و الحمد لله الذي من علي بافتكاك المركز الأول.
. ما سر افتكاكك المرتبة الأولى؟
ـ يكمن سر تفوقي في الإلمام الجيد بالأنواع الستة للترجمة، وهذا من منطلق ممارستي لها خلال السنوات الأخيرة، و الفهم الجيد للنصوص التي طلب منا ترجمتها و فهمها جيدا و البحث عن المعاني التي تضمنتها، و محاولة تقمص شخصية كاتب النص، إلى جانب الصياغة الجيدة للتراكيب، بما يناسب اللغة، حيث اخترت الترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وهذا يعني الابتعاد عن الحَرفية و الاقتراب من الحِرَفية، بغية تحقيق السلاسة المطلوبة، و كذا الاعتماد على خبرات الناجحين سابقا في المسابقة و الأخذ بنصائحهم.
التفكير العلمي يساعد في الترجمة
. أنت خريج جامعة قاصدي مرباح بورقلة، و درست تخصصين جامعيين، حدثنا عن ذلك؟
ـ أنا متخصص في الترجمة، و متحصل على شهادة ليسانس في المحروقات، درست كلاهما في جامعة قاصدي مرباح بولاية ورقلة، بالنسبة لتخصص الترجمة، ليس لدينا معهد ترجمة في بالجامعة التي درست بها، وإنما تخصص فقط تابع لقسم اللغة الإنجليزية ولاآدابها، فتخرجت بشهادة ليسانس في اللغة الإنجليزية، ثم واصلت طور الماستر في تخصص ترجمة إنجليزية-عربية-إنجليزية. الحمد لله كثيرا أنني أعيش حلمي بكل حب وشغف.
أما بخصوص دراستي لتخصص المحروقات، فقد كان له أثر إيجابي على مساري المهني، لأن التفكير العلمي يساعد في الترجمة، خاصة و أنني كنت متفوقا في الرياضيات.
. هل تطمح لمواصلة الدراسات العليا لنيل شهادة دكتوراه؟
ـ مواصلة الدراسات العليا و التدريس في الجامعة و البحث العلمي والتأليف، ضمن طموحاتي المستقبلية.
. كمترجم، ما هي العناوين التي قمت بترجمتها؟
ـ في الوقت الراهن، أترجم المقالات وملخصات الأبحاث و كذا الأطروحات، والقصص القصيرة ومقتطفات من هنا وهناك. ترجمت عملين أدبيين من الإنجليزية إلى العربية، هما» Dialogue Heroes» الصادر عن مركز كايسيد العالمي للحوار بين أتباع الأديان و الثقافات، والديوان الشعري «Soul’s Esctasy « ، ما عدا هذين العملين الكاملين، فأنا أترجم مقاطع شعرية ونثرية بين الفينة والأخرى، كما أنني أصنع محتوى يعنى باللغات و الترجمة في حسابي على فايسبوك وقناتي على يوتيوب.
أصنع محتوى يعنى باللغات و الترجمة
. هل سبق و أن تعاملت مع أسماء أدبية مشهورة في ترجمة أعمالها؟
ـ بالنسبة للأسماء الأدبية المشهورة، لم أتعامل معها بعد، رغم أنني أترجم لشعرائنا العرب القدامى، لكن المستقبل يبدو واعدا بإذن الله، خاصة بعد تعيين السيدة صورية مولوجي وزيرة للثقافة، وهي دكتورة في الترجمة، على أمل أن تزدهر حركة الترجمة في بلادنا على يديها، و يمكننا أن نتفاءل اليوم، لأن جهود بعض أساتذة الترجمة في جل جامعات الوطن، تهدف إلى تحريك عجلة الترجمة، من خلال برمجة اللقاءات و المؤتمرات والندوات حضوريا و افتراضيا، بتأطير مخابر البحث في معاهد الترجمة خاصة.
كما أن معهد الترجمة بجامعة وهران أطلق مؤخرا مسابقة في الترجمة هي الأولى من نوعها في الجزائر، و هي «جائزة المترجم الناشئ» التي ترصد مكافأة و تشجيعا للفائزين فيها، وهذه من المبادرات المحمودة التي يجب تثمينها وتعزيزها.
بدأت الكتابة و أنا في الطور المتوسط
. أنت مترجم و كاتب في الآن ذاته في مجال القصة القصيرة، متى بدأت الكتابة و هل لك إصدارات؟
ـ بدأت الكتابة منذ أن كنت في طور التعليم المتوسط، و هذا بفضل أساتذتي الذين حرصوا على تكويننا جيدا في اللغة العربية، وفي الوقت نفسه، كانت تلك الفترة تزخر بالأعمال التلفزيونية التاريخية و الدرامية التي تعتمد اللغة العربية الفصحى، كل هذا ساهم في تكوين شخصياتنا و ملكتنا اللغوية، وأذكر أنني كتبت «مسرحية إعدام صدام حسين» و أنا في 14 فقط من عمري.
بالنسبة للمؤلفات، كلها ستصدر قريبا إن شاء الله، في الكتابة، 3 مسرحيات و ديوان خواطر، أما في الترجمة، فأربعة كتب هي «التَّرجَمَاء» و «نُصوصٌ مُسافِرَة» و «رُباعِيَّات المُتَرجِم» و «تَحتَ مِجهَر المُتَرجِم»، بالإضافة إلى كُتيب أعمل عليه الآن، وسيكون في شكل مسرد، أعرض فيه بعض الكلمات المستحدثة في اللغة الإنجليزية و اجتهاداتي في إنتاج مقابلات ومُكافِئات عربية لها، كما أطلقت مبادرة المجلة الطلابية الأولى من نوعها، التي تعنى بمسائل الترجمة واجتهادات الطلبة فيها.
. الترجمة كانت سر القوة الفكرية للعرب، ما رأيك فيها اليوم؟
ـ نقل العرب العلوم عن الشعوب الأخرى بفعل الترجمة، و كانوا يدفعون الغالي و النفيس، مقابل الحصول على المخطوطات، ثم إن القائمين على الثقافة في تلك الحقبة، كانوا يكافئون المترجمين وزن ما يترجمون ذهبا، وهذا تثمينا لمجهوداتهم، مما عزز الدور الحضاري للترجمة، أما اليوم فقد تراجع دور الترجمة، نتيجة تراجع الاهتمام بها و دعم المترجمين، فعلى سبيل المثال، فإن عدد الكتب التي تترجمها إسبانيا فقط سنويا، يعادل عدد الكتب التي ترجمها العرب منذ عهد الخليفة المأمون! هذا إحصاء مخيف حقا، لهذا يجب إيلاء أهمية أكبر للترجمة و المترجمين، حتى يزدهر المشهد الثقافي في بلادنا، كما يجب أيضا ربطها بمشروع اقتصادي تنموي كامل، يدخل ضمن خطة الدولة بعيدة المدى، مع ضرورة الحد من التطفل على الميدان و تجريم المتطفلين.
أسعى لخدمة لغة الضاد
. ما هي أهدافك المستقبلية، خاصة في ما يتعلق باللغة العربية؟
ـ أهدافي المستقبلية هي الأهداف التي سطرتها منذ أن اكتشفت شغفي بالترجمة وسعيي لخدمة لغة الضاد، أطمح إلى أن أكون مترجما ذا شأن، وأن أسعى لخدمة الضاد و إعلاء شأنها، كما أسعى جاهدا لإعادة الاعتبار للترجمة في الجزائر و العالم العربي .
. تعتبر من المؤثرين الذين يقدمون محتوى هادفا في زمن طغت فيه الرداءة، كيف استطعت أن تفرض مكانتك في العالم الافتراضي؟
ـ الساعون لتكريس الرداءة لن يدخروا جهدا في سبيل مسعاهم، فهل نفعل نحن ذوو الأهداف النبيلة مثلهم؟ من هذا المنطلق، سطرت هدفي و سعيت إلى تحقيقه، الخطوة الأولى هي تقديم محتوى تعليمي في مجال تخصصي، و أحاول دائما أن يكون أسلوبي في التقديم ممتعا و غير ممل، فقد استفدت من وسائط التواصل الاجتماعي، و ذلك باستخدام صفحتي على فايسبوك، لنشر محتوى هادف و بث الفيديوهات التعليمية التي أقدمها عبر قناتي على يوتيوب، وأتجنب عرض سيرتي الذاتية أو الحديث عن إنجازاتي، كل هذا ساعدني في فرض مكان لي، بين الكثيرين ممن يصنعون محتوى تعليميا مطلوبا، و رغم أنني لم أنل ما أستحقه إلى غاية الآن، إلا أنني عازم و مصمم على المضي في مشروعي.
جمهوري من الطلبة الجامعيين و الكتاب و المترجمين العرب
. ما هي الفئة الأكـثـر متابعة لمحتواك؟
ـ في العادة، يُتابعني الطلبة الجامعيون المتخصصون في الترجمة واللغات، وهذا بحكم المحتوى الذي أقدمه، كما تزخر قائمة أصدقائي بالأساتذة الجامعيين والكتاب والمترجمين من مختلف الدول العربية، مؤخرا، أصبح يتابعني تلاميذ الطور الثانوي، لأني أنشر بين الفينة والأخرى ما يفيد المقبلين على الامتحانات النهائية، خاصة البكالوريا، كما يتابعني أصدقاء الجامعة و الطفولة، و حتى الجيران وأبناء المدينة و الولاية.
ترجمت أنشودة «جينا من عين مليلة» بمناسبة يوم الشهيد
. اشتهرت بترجمة محتوى مقاطع فيديو لأناشيد وطنية و مواضيع في مجالات مختلفة، حدثنا عن التجربة؟
ـ منذ فترة ليست بعيدة، خضت تجربة جديدة علي نوعا ما، وهي ترجمة مقاطع الفيديو التي تقدم أغاني و أناشيد، مواضيعها في العموم وطنية و اجتماعية ودينية، وهذا النوع من النصوص يتطلب ملكة لغوية وحسا فنيا كبيرين، لأنه يتميز بالزخرف اللفظي و الوزن والقافية والتلاعب اللفظي و تعدد المعاني.
كنت أحمل الفيديو أو أصممه أحيانا، ثم أشرع في الترجمة إلى الإنجليزية، إذا كان بالعربية، وإلى العربية، إذا كان بالإنجليزية، و أستطيع القول أنها تجربة ممتعة حقا، و أدعو كل الزملاء لخوضها، خاصة الأغاني والأناشيد التي تعالج قضايا وطنية وعربية، كالقضية الفلسطينية، من أجل الترويج لها و إسماع صوتها، فالترجمة تعطي حياة جديدة للنصوص و مرئية أوسع لها في الثقافات الأخرى.
و قد نشرت يوم الجمعة الفارط ترجمتي للأغنية الثورية الجزائرية «جينا من عين مليلة» بمناسبة يوم الشهيد ، إلى الإنجليزية، تذكيرا لنا و لكل الأجيال، بالتضحيات الجِسام التي قدمها الشهداء الأبرار، لتحيا الجزائر ويرفرف علمها عاليا.
. كلمة أخيرة..
ـ أهدي كل نجاح حققته وسأحققه، لكل من عرفني، و أنصح كل من شعر بخيبة أو فشل بهذا القول «مَـا «الأَلَـم» إلَّا سَعادَةٌ مُبَعثَرَة. فَإن رَتَّبتَ حُروفَهُ بِتَقدِيم «المِيم» وَتَأخيرِ «اللَّام»، بَانَ «الأَمَـل»، فهَـيَّـا إلَى الـعَـمَـل».
أ ب