نسبة متابعة المؤثرين ليست معيارا لنجاحهم في عالم التمثيل
تعتبر الممثلة الشابة صبرينة بوقرية، دور زهية الذي قدمته في السلسلة الفكاهية و الاجتماعية «قعدة خداوج» التي بثها التليفزيون الجزائري في شهر رمضان الفارط، تكريما و تخليدا لمطربي الشعبي و التراث العمراني و الثقافي العاصمي، و محطة نوعية بارزة في مسارها الفني الذي بدأته قبل 23عاما، فقد أعادها إلى الشاشة الصغيرة، بعد غياب أربع سنوات، ، داعية المسؤولين و المنتجين إلى منح فرص للمواهب الفنية المهمشة، عبر كافة ولايات الوطن، و عدم التركيز على القاطنين في العاصمة فقط، أو اتخاذ نسبة متابعة المؤثرين، معيارا لنجاحهم في عالم التمثيل و استبعاد الممثلين الحقيقيين.
حاورتها: إلهام طالب
أحببت زهية في «قعدة خداوج»
. النصر: شاركت في سلسلة «قعدة خداوج» للمخرج حسين مزياني، بدور زهية، و هو دور بطولة، ماذا يمكنك قوله عن دورك، و عن هذا العمل الذي بثه التلفزيون الجزائري؟
ـ للتوضيح قدمت بمعية الفنانتين نوال زعتر و نورة بن زراري، الأدوار الرئيسية في هذا العمل الاجتماعي، الدرامي و الهزلي في نفس الوقت، و لم أقدم بطولة فردية، و هو يدور حول يوميات خداوج، تقمصت الشخصية نوال زعتر، أرملة فنان كان يؤدي الطابع الشعبي، و بقيت في المنزل العائلي بمفردها، تستحضر ذكريات الماضي الجميل، و تتلقى من حين لآخر زيارات جارتيها زهية، المتحدثة، و نورة بن زراري، لتجاذب أطراف الحديث و تبادل الآراء حول شؤون الحياة و مختلف الظواهر الاجتماعية، في قعدات توفر المتعة و الفرجة و الضحك، مع تمرير رسائل تحسيسية للمشاهدين. السلسلة التي تتكون من 16 حلقة، تم اختيار قصر رياس البحر بالعاصمة، لتصويرها، طبعا بعد إضفاء لمسات خاصة على أماكن التصوير، لتحاكي مساكن حي القصبة العتيق، و تبرز جماليات النمط العمراني العاصمي القديم و ديكوره التراثي، كما يعكس العمل عادات و تقاليد سكان القصبة بالعاصمة.
. الملاحظ أن العمل الذي قلت إنه يجسد نمط الحياة في حي القصبة بالعاصمة، لا يتحدث جميع الممثلين المشاركين فيه باللهجة العاصمية أو لهجة بيضاء..
ـ نعم.. المخرج حسين مزياني لم يفرض على الممثلين لهجة معينة في الحوار، من منطلق أن سكان القصبة، ينحدرون من مختلف المناطق و يتحدثون مختلف اللهجات.
. هل تابعت «قعدة خداوج» عندما تم بثه في التليفزيون و هل أعجبك أداءك لشخصية زهية؟
ـ تابعت السلسلة، فقد تعودت على متابعة كافة أعمالي، لأقيم أدائي و أرصد نقاط ضعفي لأتجنبها، و أعزز و أطور نقاط قوتي في أدواري القادمة، عموما أحببت شخصية زهية، و استمتعت بالعمل مع طاقم «قعدة خداوج».
. لدى استضافتك في بلاطو حصة فنية، قلت إن الفنانين الذين لا يسكنون العاصمة، ينسون و يهمشون من قبل المخرجين و المنتجين..
ـ لدينا مواهب كثيرة في المسرح و مختلف الفنون، موجودة عبر كافة ولايات الوطن، لكن التركيز من قبل المسؤولين و المنتجين و المخرجين، يكون عادة على فناني العاصمة، فتظلم بقية المواهب و تحرم من فرصة الظهور و التميز. يحدث هذا.. رغم أنه من الممكن جدا وضع قائمة بأسماء الفنانين الموهوبين، فعددهم ليس كبيرا، و هم معروفون، و من المفروض أن يتم الاتصال بهم للعمل. أنا شخصيا أقيم بقسنطينة، و لن أغير عنواني، أو أطرق الأبواب لأقول أنا هنا..
الممثلون هم سر استمرار سلسلة نجاحات «جي بي آس»
. عرضت مؤخرا مسرحية «جي بي آس» للمخرج محمد شرشال التي تصنف ضمن المسرح الصامت، عبر تقنية الزوم خلال فعاليات اللقاء المسرحي العربي بهانوفر في ألمانيا، لتعذر تنقل أسرة العمل إلى المهرجان بسبب التأشيرة، و قد سبق و أن شاركت المسرحية و توجت بعديد الجوائز ببلادنا و في عديد الدول العربية، هلا حدثتنا عن دورك في أول تجربة لك في هذا النوع المسرحي، و ما هو سر التألق المستمر ل»جي بي آس» في رأيك؟
ـ قدمت في هذه المسرحية ذات البعد الفلسفي التي تتطرق لجدلية الوقت و الانتظار، و تناقش عديد القضايا العميقة، دون الاعتماد على لغة الحوار أو نص، ثلاث شخصيات و هي القابلة، مسؤولة مشرحة، و مخبر، و هذه أول مرة في مساري الفني أقدم فيها دور رجل. واجهت في البداية صعوبة الخروج من شخصية و تقمص أخرى مباشرة، لأن هناك خيطا دقيقا فاصلا بينها، لكنني اشتغلت على التفاصيل، و تحديت نفسي، و بمرور الوقت تلاشت الصعوبات. هذا العمل أعتبره نقلة نوعية للمسرح الوطني، و سر نجاحه يكمن في الممثلين أكثر من أي شيء آخر، فقد عملوا كفرد واحد، في تناغم و انسجام و تجردوا من الأنانية لإنجاحه، متحدين الإمكانيات و الظروف.
علما بأن «جي بي آس» ليست أول تجربة لي في المسرح الصامت، فقد انخرطت في 1999، و أنا طالبة بالجامعة، في إطار النشاطات الثقافية الجامعية في ورشة المسرح، التي أطرتها جمعية البليري، و اخترت نوع «البانتوميم»، و قررت أن أكون نفسي بنفسي فيه، و تعمقت في الدراسة و البحث، و صقلتهما بالتدريبات و توجيهات أساتذة الجمعية، فتشكلت لدي أول أرضية معرفية مسرحية.
. هل «جي بي آس» أول مسرحية برصيدك في المسرح الوطني؟
ـ إنها الثالثة، فقد شاركت في مسرحية «حلم الأب» في 2011 مع المرحوم امحمد بن قطاف و حمة ملياني، و حصلت عن دوري على جائزة أحسن دور نسائي في المهرجان الوطني للمسرح المحترف و مسرحية «طرشاقة» في 2016 ، لأحمد رزاق التي توجت بجائزة أحسن عرض متكامل في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، و أشير هنا إلى أن برصيدي 16 مسرحية .
أفتخـر بأدواري الثلاثـــــــــــــــة في «جي بي آس»
. أنت ابنة قسنطينة و تقيمين بها، لماذا لا نراك في عروض مسرحية من إنتاج مسرح قسنطينة الجهوي؟
ـ الحديث عن هذا الموضوع، يعيدني مرة أخرى إلى سنوات الدراسة، عندما كنت أدرس علم الاجتماع، تخصص اتصال، بجامعة منتوري بقسنطينة، آنذاك انخرطت في مختلف النشاطات الرياضية و الورشات الفنية، و في 1998 كنت عضوا في أول مجموعة صوتية للجامعة، لكنني ظللت أبحث عن ذاتي و أنقب عن قدراتي الكامنة، و عندما فتحت ورشة للمسرح، أطرها أعضاء جمعية البليري، شاركت في الكاستينغ، فكانت الانطلاقة التي جعلتني أكتشف نفسي و أطور قدراتي. . و في 2002 ساعدني كل من الفنانين نور الدين بشكري و عزوز عياد على ولوج مسرح قسنطينة، و أول عمل قدمته هناك عنوانه «هدية القرقوز» ، نص و إخراج ياسين تونسي، و هو إنتاج مشترك بين ذات المسرح و جمعية مسرح الليل، ثم شاركت في عرض «بقرة ليتامى»، و اختارني بعد ذلك حمة ملياني للمشاركة بدور هام بالعربية الفصحى في مسرحية «غضب العاشقين».. و أصبحت أتلقى عروضا من خارج قسنطينة، بينما لا يتصل بي أحد للمشاركة في عمليات كاستينغ بمدينتي. تقدمت بطلب توظيف لإدارة المسرح بشهادتي الجامعية، كمكلفة بالإعلام و الاتصال، و تمت الموافقة عليه، لكن بعد ذلك تم تحويلي للعمل كممثلة في ذات المسرح. و في 2014 أسند إلي دور في مسرحية «نساء المدينة» و فزت بجائزة أحسن ممثلة، ثم شاركت في مسرحية «صالح باي».. و أثناء انشغالي بتصوير سلسلة تليفزيونية، تم فصلي من العمل، و استبعدت من مسرح قسنطينة و كل أعماله..
ولايات الوطن تزخر بمواهب فنية تحتاج فقط إلى فرص
. هل استفدت من تخصصك الجامعي في مسارك الفني؟
ـ أكيد، لقد علمني دقة الملاحظة و جمع مخزون من المعلومات حول خصائص مختلف الشخصيات التي أصادفها في المجتمع، و بالتالي أنا لا أمثل لأكرر كلاما قدم لي على الورق، بل أشتغل على تفاصيل كل شخصية، قبل أن أتقمصها، و كذا مميزات الوسط الذي تعيش فيه. و أشير هنا إلى أنني لا أوافق على أي دور، إلا إذا أحسست به و أحببته و لا يهمني حجمه.
. لماذا تأخر ظهورك في التليفزيون؟
ـ وقفت لأول مرة أمام كاميرا التليفزيون في 2001 ككومبارس، في سلسلة «أعصاب و أوتار» لمحمد حازرلي، ثم قررت أن أنسحب إلى أن أثبت قدراتي و أحقق ذاتي كممثلة مسرحية.
و في 2019، أسند إلي المخرج مهدي عبد الحق دورا في سلسلة «على الخط»، فوافقت، و كان أول عمل تليفزيوني أمثل فيه، لم أواجه لا أنا و لا المخرج صعوبات، لأنني تدربت في المسرح على الأداء، فالأساس في المجالين، هو حسن الأداء و الصدق فيه، لكن هناك فروق في المصطلحات و التقنيات و غيرها، ما جعلني أبحث عن مراجع و أدرس و أبحث.. برصيدي اليوم 15 عملا تليفزيونيا، إلى جانب مشاركات سينمائية على غرار «البوغي».
. هل ترين أن عمليات الكاستينغ لاختيار الممثلين تعتمد على معايير موضوعية؟
ـ معظمها شكلية، و لا تعتمد على الموضوعية و تكافؤ الفرص.
يجب استخدام وسائل التواصل لتمرير الفن الراقي للجمهور
. ماذا عن دخول المؤثرين على الخط؟
ـ أنا لست ضد دخول وجوه جديدة تثري الميدان الفني، لكن بشرط أن تكون موهوبة حقا و خضعت للتكوين، و لا يتم اختيارها، بالاستناد إلى نسبة المشاهدة عبر مواقع التواصل، و كأنها معيار للنجاح..
. نشرت في صفحتك في فايسبوك حلقات من سلسلة «قعدة خداوج» وشاهدناك في بعض الفيديوهات عبر انستغرام و تيك توك، تقلدين بعض الفنانات،هل تتخذين مواقع التواصل وسيلة للترويج لفنك، أم أنك ترغبين في الانضمام إلى شريحة المؤثرين؟
ـ أنا ضد استخدام وسائل التواصل كغاية بحد ذاتها، بل يجب استعمالها كأداة لتمرير و إيصال الفن المحترم و الراقي للجمهور بصورة جيدة، و في نفس الوقت تهذيب الذوق و الارتقاء به، لينفر المشاهد من الأعمال الرديئة، و بإمكان الفنان أن يساهم في ذلك، و يروج لأعماله على أوسع نطاق. قيل لي لتيك توك أهله، و من هذا المنطلق جربت تصوير فيديوهات لمدة ثلاثة أشهر، لأرى رد فعل الجمهور، اعتمدت في ذلك على دبلجة بعض المشاهد بمختلف اللهجات العربية من أفلام و مسلسلات كوميدية، و إعادة أدائها بنفسي بالصورة و الصوت، كما أقوم بتركيبها.
ـ ماذا تتمنى صبرينة الإنسانة و الفنانة، و ماهي مشاريعها؟
ـ أتمنى العودة للعمل في مسرح قسنطينة الجهوي، و مواصلة الدراسات العليا في تخصص النقد المسرحي، وقد كان موضوع مذكرة تخرجي «التكوين المسرحي، وسيلة إعلام و تواصل اجتماعي».كما أتمنى أن تتغير نظرة الجميع إلى المسرح، فهو إبداع يتطلب فنانا و خشبة، أعيدوا الفن الرابع إلى الفنانين، لتتلاشى المشاكل، فهم يعتمدون على الموهبة و الخبرة و العطاء المتبادل، لتحقيق النجاح. بالنسبة لمشاريعي، تلقيت بعض العروض الفنية، و أفضل عدم الحديث عنها إلى حين تجسيدها.