الرواية التاريخية تحفظ الذاكرة في إطار الأدب
اعتبرت الكاتبة ليلى عامر، المتوجة بجائزة الإبداع الروائي للمجلس الأعلى للغة العربية، عن روايتها «حواف مينا»، نجاحها بمثابة دفع قوي لها ككاتبة، مشيرة إلى أن قلمها يميل إلى الرواية التاريخية، التي ترى بأنها مهمة لخدمة التاريخ الجزائري، من خلال تناول الأحداث من منظور فني وأدبي.
حاورتها: إيمان زياري
النصر: حدثينا قليلا عن عملك الفائز بجائزة المجلس الأعلى للغة العربية؟
ليلى عامر: شكرا على الاهتمام، شكلت هذه الرواية بدايتي مع التاريخ رغم أني انطلقت من قصة اجتماعية، فحين كتبت أول فصلين منها أردت تدعيمها بمادة تاريخية عن منطقة تيارت، وهكذا قادني البحث إلى التوقف مؤقتا و الانتقال إلى العمل على مذكرات تاريخية «للمجاهد حنيش بن عيسى»، بعدها أكملت الرواية و أنا متشبعة بخلفيات عن أحداث كثيرة وشهادات حية استقيتها من مجاهدين من وهران و معسكر كذلك، وهو زخم شعب الحبكة في رأسي فوجدتني أكتب رواية تاريخية خالصة.
قمت بتدقيقها لاحقا، و شاركت بها في مسابقة المجلس الأعلى للغة العربية التي علمت عنها من الفيسبوك، وهكذا كان النجاح حليفي.
ـ ما الذي أضافته لك الجائزة؟
ـ تضيف الجوائز رصيدا معنويا و ماديا لأي كاتب، فهي حافز للعمل والإبداع أكثر، مع ذلك فإنها ليست هدفا، إن ما نقدمه اليوم هو رصيد للأجيال القادمة التي قد تكون أقدر على التحليل و مقارنة الأحداث، وهو واجب علينا تجاه شهدائنا، كذلك الشهيد الذي قدم من سطيف إلى تيارت واسمه سي الربيع زاويد، فنشط كقائد كتيبة في الجهة الجنوبية بالرشايقة، و استشهد هناك دون أن تعلم عنه عائلته شيئا، وحين قابلت ابنه وزوجته كان الابن يبكي بحرقة كالطفل لأنه وجد قبر والده صدفة، بعدما اعتقد أنه توفي في تونس، وبفضل البحث التاريخي استطاع أن ينقل رفاته إلى تيارت.
ـ تروي تفاصيل الرواية، أحداثا واقعية عرفتها منطقة مشرة عصفة و رحوية التابعة لولاية تيارت، وقد قمت فقط بتغيير أسماء الشخصيات و الأماكن هي قصة عائلة تعيش في دوار قريب من واد اسمه «مينا» و هو واد ينبع من جبل غزالة و مناطق أخرى مشكلا سدا يقابل هذا الدوار، تتشابك الأحداث لتصنع قصة ضاوية، التي شاركت في أحداث 8 ماي 1945، وسجنت فضاع ابنها و تبنته عائلة فرنسية.
ـ لماذا وقع اختيارك على هذا النوع من الروايات تحديدا؟
ـ إن دخولي لمجال الرواية التاريخية محض صدفة، فحين بدأت الكتابة قادتني الأحداث إلى المنطقة الأصلية، وهكذا قابلت مجاهدين و زرت أحد ضباط المنطقة السابعة للولاية التاريخية الخامسة، فزودني بمعلومات كثيرة و مهمة، و هنا وجدت أن العمل يحتاج إلى إعادة نظر، لأن الشهادات التي جمعتها حملتني أمانة ثقيلة، وقد قضيت قرابة سنة و أنا أجمع المعلومات من مجاهد طاعن في السن مقعد و مريض، لأقوم بالتسجيل و التفريغ و الكتابة.وعلى الرغم من صعوبة المهمة، إلا أنها رسمت بداياتي مع التاريخ وسمحت لي بكتابة مذكرات للمجاهد بعنوان «السابعة بحدود النار».
أذكر هنا أيضا، أني كتبت عن السياحة في ولايتي تيارت، في مذكراتي «امرأة افتراضية»، وذلك لأشجع على الاهتمام بالتراث المادي للمنطقة ولعاداتها و تقاليدها.
ـ بين التعليم و الإدارة و الأدب كيف تتنقل الكاتبة؟
ـ الكتابة كما تعلمون شغف و هواية، وقد أردت خوض التجربة منذ سنوات التسعينيات وأنا طالبة جامعية، حيث نشرت بعض التجارب، و قبل ذلك كتبت و أنا في مرحلتي التعليم المتوسط و الثانوي، فقد كنت أحب الشعر ومغرمة جدا بكتابات محمد درويش، وشاءت الأقدار أن ألتحق بسلك التعليم ثم الإدارة، قبل أن أقرر التفرغ للكتابة سنة 2017، وقد نشرت إلى الآن سبعة كتب.
في الجزائر شباب يكتب بحماس، و مواهب جديرة بالاهتمام و محاولات تستحق التشجيع، ومن الجميع أن نشهد هذه الصحوة الثقافية وأن ينمو الانشغال بالأدب وأن نمنح الوقت لكل التجارب كي تنضج، و الزمن كفيل بغربلتها كما قال واسيني الأعرج.
ـ كمدققة لغوية أي نصيحة تقدمينها للكتاب الشباب؟
ـ مارست التدقيق اللغوي لفترة مع دور نشر، ولاحظت أن هناك أعمالا ممتازة، لكن تشوبها أخطاء نحوية و إملائية كثيرة، و الحل حسب رأيي في المطالعة و مراجعة قواعد اللغة، و تدقيق العمل قبل تقديمه لدار النشر من قبل شخص قريب ربما أو عارف باللغة، مع ذلك يبقى الأمر عاديا ولا يعد عائقا في طريق الكتابة، حتى وإن كانت الأخطاء كثيرا ما تفسد جمالية الأدب.
ـ هل تعكس الإصدارات و كثـرة دور النشر النجاح و التميز في ميدان الكتابة أم أن هناك معايير أخرى؟
ـ عدد الإصدارات و دور النشر في أي بلد، ليس دليلا على جودة الأعمال خاصة أن هناك من يتسرع في الطباعة و النشر، وقد يحدث أن يندم الإنسان لاحقا على عمل كان يتطلب صدوره وقتا ونضجا، لذلك وجب أن نركز في ما نكتب ونتأكد من جاهزية العمل أولا، لأن الرصيد لا يعني التميز، وأن يطبع لك كتاب فذلك لا يعني أنك روائي بالضرورة.
صحيح أن الرواية الجزائرية أصبحت رائدة اليوم و تنافس على جوائز عربية و عالمية، كالبوكر و كتارا، لكن الرواية التاريخية لم توف حقها، لأننا لم نكتب القدر الكافي عن أجدادنا و تاريخنا، فكثير من حكايات الشهداء تستحق أن تروى، لهؤلاء حق علينا لأنهم يبعثون من خلال نصوصنا، خصوصا العائلات التي أبيدت عن آخرها مثلما حدث في تيارت خلال مجزرة «دوار الحاشية»، في 8ديسمبر 1957، كما يوثق له الأرشيف الفرنسي.
مهما بالنسبة لي أن نضع التاريخ في إطار أدبي يركز على القصة الإنسانية ويحكي عن تضحيات من رحلوا في حربنا الكبيرة لأجل الاستقلال.
ـ ما جديدك؟
ـ كما قلت، سبق أن دونت مذكرات المجاهد «حنيش بن عيسى»، و مذكرات ضابط جيش التحرير الوطني بيوض الحاج و هو كتاب سردي بعنوان « إلى شهيد لم يدفن»، و فيه الكثير لنقوله للأجيال القادمة.