أحضر لكتاب عن المعارك البحرية وغرق السفن وأعماق الجزائر لا تزال مجهولة
قال الغواص الجزائري المحترف طارق مختاري، المقيم بمرسيليا، بأن الجزائر لديها كفاءات عالية لتوفير التكوين المتخصص في مجال الغوص، كما لديها من المؤهلات الطبيعية الهائلة، ما يشجع على بعث مشاريع ناجحة في هذا المجال، معتبرا النوادي الجزائرية من النوادي الرائدة في الغوص العصري. الغواص تحدث للنصر عن أهم مغامراته ببحر الكاريبي و اسبانيا و الجزائر، كاشفا عن سر ولعه بهذا العالم و عن الحوادث الطريفة و المزعجة التي عاشها خلال جولاته في أعماق الأزرق الكبير، و عن كتابه الذي سيصدر قريبا و أمور أخرى تطالعونها في هذا الحوار.
النوادي الجزائرية رائدة
في الغوص العصري
النصر: بداية نود أن نعرف من هو الغطاس طارق مختاري و متى اكتشف ميله لهواية الغوص؟
طارق مختاري: عمري 41 سنة، عشت و نشأت بولاية وهران، و كان لدينا بيتا على شاطئ ساسل بعين تموشنت، كنت أقصده كل صيف و هناك تعلّمت و جربت كل الهوايات البحرية الممتعة من سباحة و تزلج على الماء و صيد و غطس..و الفضل في كل ذلك يعود لوالدي المفتون بالطبيعة. أنا محظوظ لأن لي والد منحني طفولة مفعمة بالمغامرات، فهو من علمني الغوص و الصيد بأعماق البحار، و لا زلت أركب البحر معه و هو البالغ من العمر الآن 81 عاما و أجد نفس النكهة و المتعة و أتمنى لو يستمر ذلك وقتا أطول.
لقد تمكنت من النزول على بعد 18مترا تحت الماء، بحبس الأنفاس و عمري لم يتجاوز 20عاما ، كما اكتشفت و جربت هواية الغطس باستعمال عبوات و معدات الغوص التي منحتني فرصة تأمل و استكشاف سحر الأعماق، هذا العالم العجيب الذي أسرني، و دفعني للقيام بتدريبات احترافية، و أنا اليوم في المستوى الثالث الذي سيمكنني من تحقيق عمليات غوص على عمق 60 مترا.
. حدثنا عن المستوى الذي وصلت إليه في هذا المجال و الدول التي خضت فيها تجارب الغوص؟
ـ بدأت الغوص باستعمال عبوات الهواء المضغوط عام 2004، بعد تكوين في الغوص الترفيهي من الدرجة الثالثة، بعدها حصلت على ديبلوم في الغوص، باستعمال تقنية الغاز المخصب (نيتركس) الأكثر أمانا، تلتها تدريبات متكافئة لأجل الاحتراف و التمكن من القيام بالغوص العلمي و التقاط صور و تسجيل أفلام تحت الماء. و قد حققت حتى الآن 320 عملية غوص، بعضها بالجزائر، و بعضها الآخر بالخارج بكل من فرنسا، إسبانيا، مصر، موناكو و غوادلوب بالبحر الكاريبي.
. ماهي أجمل مغامرة غوص جسدتها حتى الآن؟
ـ بالنسبة لي كل عملية غوص جديدة هي الأجمل، فسحر عالم الأعماق مذهل، فهو أكثر من رياضة، فهناك الكثير لاستكشافه و زيارته، و قائمة الأماكن التي لا زلت أحلم باستكشافها، طويلة، فمن المؤثر جدا بلوغ مواقع، تدرك بأنك وحدك من يعرفها، منها ما هو بالجزائر، مثل ذلك الموقع الذي زرته عام 2014 مع أمين روبا، مدرب الغوص بجزيرة بالوما بوهران، هذا الموقع الفردوسي في عرض البحر على بعد كيلومترين اثنين من الجزيرة، حيث غطسنا بين الأغوار على عمق 42 مترا و الشعاب البحرية بمختلف ألوانها، و كذا السمك الملتحي الصخري الذي لم يسبق لي مشاهدته من قبل، بالفعل كانت مغامرة شّيقة، كما رسخت مغامرتي في بحر الكاريبي، في إطار إعداد روبورتاج حول أعوان الحظيرة الوطنية بالغوادلوب، أين تلقيت دعوة لمشاهدة حوت العنبر، و خلال طريق العودة غطسنا بمحمية «كوستو» ، أين التقطت الكثير من الصور التذكارية و سبحت مع السلاحف و سمك الأخفس، و أسماك غريبة بشتى الألوان و الأصناف و كأنك بحوض للأسماك.
. ماذا عن أهم عملية غوص حققتها؟
ـ كان ذلك عام 2009 بوهران، رفقة مدربي الغواص المحترف فوزي خلوفي، حيث استكشفنا حطام سفينة على عمق 52 مترا عرض البحر، و أظنها آثار سفينة إنجليزية كانت ضحية ألغام بحرية ألمانية عام 1916، و قمت بعملية مشابهة في جويلية 2016 ، لكن لرؤية حطام طائرة على عمق 58 مترا بمنطقة كافالير بفرنسا، و هي بقايا طائرة من نوع «هيلكات» حربية، سقطت عام 1956، و الممتع في كل عملية غوص، هو وقوفنا على قصة إنسانية مأساوية، مؤثرة تارة و بطولية تارة أخرى.
اكتشفت آثار سفينة إنجليزية تعود إلى الحرب العالمية الأولى
. التقيت حتما بغطاسين محترفين و مشهورين، حدثنا عن ذلك؟
ـ أنا معجب كثيرا بالغطاسين القدامى، و أجد بأن لديهم الكثير لسرده علينا، و العديد من النصائح لتقديمها لنا، فهم قد يرحلون و يأخذون أسرارهم معهم، ومن الشخصيات التي تأثرت بها محمد بن عبورة 84 سنة، الذي طلبت مقابلته عام 2013، باعتباره أحد رواد الغوص بالجزائر، و الذي قدم الكثير للرياضة و الوطن و الغوص بصفة خاصة، لقد كان مديرا للشباب و الرياضة بوهران، كما كان لي شرف الغوص عديد المرات مع «جون جورج هارميلانن» ،غواص عالمي مختص في الغوص الاحترافي العلمي، و صاحب عديد المؤلفات حول علم الأحياء البحرية و أنا معجب بتواضعه و استعداده الدائم لتقديم المساعدة و تبادل الخبرات مع الغواصين الجزائريين.
. هل فكرت في إطلاق مشروع للغوص بمسقط رأسك وهران؟
ـ لدي الكثير من الأفكار، لكن من الصعب إيجاد شركاء مناسبين لتجسيدها، فلا يزال هناك الكثير لفعله في هذا المجال ببلادنا، خاصة و أن نشاط الغوص مثل باقي الرياضات المائية في تطوّر مستمر، و تعرف طلبا متزايدا للراغبين في ممارستها، صراحة لا أنوي الاستثمار في نادي غوص، لأن ذلك يتطلّب حضورا دائما، لكنني مستعد لنقل الخبرات التي اكتسبتها من خلال مغامراتي و أسفاري الكثيرة و احتكاكي بالمحترفين و استغلال ذلك للتعريف بأعماق الجزائر التي لا زالت مجهولة،رغم جمالها و سحرها، و هذا من خلال القيام بروبورتاجات كتلك التي جسدها البرنامج الشهير «طالاسا» على قناة «فرانس 3» و الذي كان لي حظ المشاركة فيه و التقاط صور تحت الماء بجزء من جزيرة حبيباس بوهران، كما أتمنى القيام بالمزيد من الأفلام في هذا المجال، لإيماني بالثراء النباتي و الحيواني البحري الذي تزخر به الجزائر.
. باعتبارك تعمل في السلك الطبي، هل حدث و أن قدمت إسعافات لرفاقك خلال هذه المغامرات؟
ـ غالبا ما تكون هناك مغامرات طريفة و أخرى مزعجة، و كل غواص أو صياد لديه ما يرويه بهذا الشأن، فيمكن أن يصاب محرك القارب أو السفينة بعطب، أو تعصف الرياح و نجد أنفسنا محاصرين و نعيش حينها كوابيس حقيقية، تتحوّل مع الوقت إلى ذكريات طريفة. و من الحوادث التي أتذكرها تلك التي عشناها مع صديق لنا يدعى كريم، عام 2008 و الذي بعد نزولنا على عمق 40 مترا، تفاجأ بعدم تجاوز مؤشر كمية الهواء المضغوط لديه الـ30 وحدة و هي كمية قليلة جدا، في حين كنا جميعا في الحد الآمن أي أكثر من 80 وحدة، الشيء الذي جعله يرتبك و يحاول الصعود بسرعة إلى السطح و هذا خطأ، لأن ذلك سيعرّض حياته حتما للخطر، كون الآزوت يتراكم في الجسم، و من إجراءات الأمان الصعود ببطء ،مع التوّقف من حين إلى آخر، و بالفعل دخل في حالة غيبوبة، استدعت إنعاشه و قد نجحنا في ذلك و نجا بعدما نقلناه في صندوق للتنفس الاصطناعي مهيأ لمثل هذه الحوادث.
الغوص شاهد على قصص إنسانية بطولية ومأساوية
. ألم تفكر في نشر كتاب حول مغامراتك في الأعماق؟
ـ بلى، حاليا أنا بصدد وضع الروتوشات الأخيرة على كتابي الموسوم»الساحل الوهراني بين الأمس و اليوم و الغد»و الذي يتكوّن من 31 فصلا، سيشمل مختلف الأحداث المهمة كالمعارك البحرية، حوادث غرق السفن، الأماكن الساحلية الفاتنة، و كذا بورتريهات شخصيات لها علاقة وطيدة بعالم البحار، من رواد الغوص و أبطال الصيد في الأعماق، و قد كتبته بأسلوب روائي، حتى تكون قراءته ممتعة، و أنا أبحث عن ناشر، قبل أن أنطلق في تأليف كتابي الثاني، أما في ما يخص السمعي البصري، فأنا أعكف على تجسيد فيلم حول الساحل الجزائري دائما، مع مخرج معروف و سنكمل التصوير في 2017.
. ما رأيك في نوادي الغوص الجزائرية؟
ـ لدينا كفاءات عالية لتوفير التكوين في مجال الغوص، و ثمة طلب أيضا.. و هناك نواد تقدّم خدمات جيّدة بمختلف المناطق الساحلية، و في رأيي الجزائر ستنفتح على السياحة أكثر ، و سيزيد الطلب على الغوص و الرياضات المائية، سواء من قبل السياح الخارجيين أو الداخليين و يمكن استغلال ذلك في الاقتصاد ، لكن مع ضرورة ترشيد السياحة و نشر التوعية و الثقافة البيئية. على هذه النوادي الإسهام في التنمية و في رأيي هذه النوادي رائدة في مجال الغوص العصري بجزائر الغد.
حاورته مريم بحشاشي