كشفت إحصائيات للمديرية العامة للغابات، أن الحرائق تتسبب في إتلاف ما معدله 30 ألف هكتار من المساحات الغابية سنويا في الجزائر، ناهيك عن الأضرار المدمرة التي تسببها للبيئة والتوازن الإيكولوجي والخسائر الأخرى في الثروة الحيوانية فضلا عن تدمير مناطق سكنية ومواردها الاقتصادية.
وفي هذا الصدد قدم رئيس مكتب الوقاية ومكافحة الحرائق بالمديرية العامة للغابات، رشيد بن عبد الله في تصريح للنصر أرقاما مخيفة عن واقع الدمار الذي تتعرض له الثروة الغابية في البلاد سنويا، حيث أوضح أن الحرائق تتسبب كل سنة في إتلاف مساحات هامة من الغطاء النباتي، الذي يقدر بـ 4 ملايين و100 ألف هكتار والمتكون من 70 بالمائة من الإبريات ( الصنوبر الحلبي ) و30 بالمائة من الورقيات، بينها 21 بالمائة من أشجار الفلين وأنواع أخرى ممتدة على مساحة أقل مثل أشجار الأرز والفلين الأخضر والبلوط وبلوط الأفراس والعفص والكاليتوس، مبرزا بأن الإبريات ( الصنوبريات ) تعتبر أكثر الأشجار الغابية التهابا.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الحرائق قد تسببت السنة الماضية 2020 فقط، في إتلاف 43919 هكتارا وهي تتجاوز ضعف الحصيلة المسجلة في 2019 التي تعرضت خلالها مساحات غابية كبيرة تقدر بـ 21048 هكتارا عبر الوطن للتلف بعد أن التهمتها ألسنة النيران، فيما كانت سنة 2018 قد سجلت حصيلة تعد الأضعف من نوعها في ما يتعلق بخسائر الغابات بسبب الحرائق، منذ الاستقلال بـ 2312 هكتارا.
أما في 2017 فتم تسجيل حصيلة ثقيلة بإتلاف الحرائق لما لا يقل عن 53975 هكتارا مقابل إتلاف مساحات غابية هامة تقدر بحوالي 18380 هكتارا في 2016.
حرائق الغابات هي في الغالب حرائق عمدية من العوامل المدمرة للطبيعة إلى جانب بعض العوامل الأخرى التي يتعرض لها الغطاء النباتي في البلاد، كالقطع العشوائي للأشجار الغابية والاحتطاب غير المرخص، والتعرية والتفحيم غير الشرعي والاستحواذ على المساحات والرمي الفوضوي للنفايات الصلبة داخل المحيط الغابي وتشييد البنايات غير الشرعية والرعي المسبب لإتلاف الأشجار واستغلال المواد الغابية خارج القانون ، وكلها مخالفات يعاقب عليها القانون، فقد تراجع الغطاء النباتي منذ الاستقلال - حسب نفس المصدر - بحوالي مليون هكتار بعد أن كانت الجزائر تمتلك إلى غاية أواخر الفترة الاستعمارية أكثر من
5 ملايين هكتار من الغطاء النباتي المتنوع.
تجدر الإشارة إلى أنه و رغم كل التدابير الوقائية التي يتم اتخاذها سنويا من طرف الهيئات المعنية سيما وزارة الفلاحة والمديرية العامة للغابات، وحتى فعاليات المجتمع المدني إلا أن المساحات الغابية تبقى في تناقص مستمر بسبب الحرائق والحشرات الخطيرة ونقص التساقط فضلا عن التصحر الذي يزحف في صمت، ويأتي على المساحات المخضرّة خاصة السهبية منها بمعدل 100 هكتار كل عشر سنوات تقريبا وفق ما رصدته الأقمار الصناعية، حسب ما أعلنت عنه المديرية العامة للغابات في وقت سابق.
ومن أجل التصدي لهذا الوضع كانت الجزائر قد قررت منذ سنوات التركيز على ضرورة إعادة بعث المخطط الوطني للتشجير وكذا بعث وإعادة الاعتبار للسد الأخضر، من خلال إطلاق حملة واسعة للتشجير عبر كامل التراب الوطني.
ومعلوم أن المخطط الخماسي للتشجير الذي قررته الحكومة في وقت سابق برمج تنفيذه خلال الفترة الممتدة بين 2020 و 2024، وسيوكل لمؤسسات الانجاز العمومية والخاصة، بهدف إعادة تشكيل الغابات و إحيائها و هذا في إطار تهيئة الغابات و محاربة التصحر في المناطق السهبية و شبه الصحراوية و الصحراوية، و يتضمن المخطط برنامجا لغرس 30 ألف هكتار بأشجار غابية و مثمرة و رعوية بهدف إعادة تشكيل النظام البيئي الغابي الذي تعرض للإتلاف، جراء الحرائق التي تمس مساحات شاسعة كل سنة. و في سياق ذي صلة دعا رئيس مكتب الوقاية ومكافحة الحرائق بالمديرية العامة للغابات أصحاب المشاتل لتزويد مصالح الغابات بمختلف أنواع الأشجار الغابية من أجل إعادة تشجير المساحات الغابية المتلفة، نظرا لعدم توفر هذه المصالح على الامكانيات التي تمكنها من تعويض الثروة الغابية التي تعرضت للتدمير.وأشار المتحدث بالمناسبة إلى أن مصالح المديرية العامة للغابات كانت قبل حوالي 7 سنوات تتوفر على قدرات تمكنها من تغطية 50 ألف هكتار سنويا بمختلف الشجيرات قبل أن تتراجع قدراتها الحالية إلى إعادة تشجير 26 ألف هكتار فقط، سيما وأن حملات التشجير وإعادة تشجير المساحات المتلفة تتطلب متابعة دائمة وعناية خاصة، وهي عملية مكلفة.
المؤبد للمتورطين في حرائق عمدية تفضي إلى الوفاة
أما في ما يتعلق بجانب العقوبات التي يتعرض لها كل من يُثبت تورطه في الحرق العمدي للغابات فأشار السيد بن عبد الله إلى أن العقوبات في هذا الشأن تتراوح بين 10 و20 سنة وتصل إلى السجن المؤبد في حال ما إذا أفضت الحرائق العمدية إلى وفاة، وطالب في هذا الصدد بتشديد العقوبات ضد كل من يضبط في حالة تلبس أو تثبت وقائع معينة تورطه في إضرام النيران في الغابات.
أما بخصوص عمليات الإطفاء باستعمال المروحيات فأكد المتحدث أن الأمر يتوقف على مصالح الحماية المدنية، الشريك الرئيسي لمصالح الغابات والتي تمتلك حاليا 6 طائرات عمودية خاصة بإطفاء الحرائق والتي قال أنه تم استعمال 3 منها في إطفاء الحرائق التي اندلعت في غابات ولاية خنشلة.
عبد الحكيم أسابع
حــوار
الخبير التقني في المناخ و التنمية المستدامة كمال خلاص للنصر
التغيرات المناخية تفرض مراجعة سياسات توفير الأمن الغذائي
حذر الخبير التقني في مجال التنمية المستدامة و الحوكمة البيئية والمناخ، كمال خلاص، من تبعات التغيرات المناخية التي تشهدها الجزائر، على غرار باقي دول العالم، مؤكدا بأننا بلغنا مرحلة تستوجب ضبط إستراتيجية جادة لتسيير القطاعات ذات الصلة، على غرار الفلاحة و الموارد المائية والطاقة، مع إدراج الدراسات المناخية في عملية التخطيط، داعيا إلى إعادة النظر في طرق الإنتاج و الدعم الموجه للفلاحين والمستثمرين في القطاع الفلاحي، من أجل استغلال أمثل للأراضي الفلاحية و للثروة المائية، خصوصا وأن الجزائر مصنفة في خانة البلدان التي تعاني ندرة المياه و الطاقة و مصادرها.
. النصر: كيف يؤثر الاحتباس الحراري على التغيرات المناخية في العالم، و ما تأثير تداخل الفصول على بيئتنا؟
ـ كمال خلاص: أولا لابد من تحديد بعض المفاهيم، بداية بالاحتباس الحراري، الذي يعتبر ظاهرة طبيعية يتم بفضلها حبس بعض أشعة الشمس المنعكسة من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي، عبر ما يسمى بالغازات الدفيئة، وهي غازات معروفة بقدرتها على إبقاء نسبة معينة من تلك الأشعة داخل طبقة الغلاف الجوي، ما يمكن من تعديل متوسط درجة الحرارة إلى 15 درجة مئوية، وهو المتوسط الملائم لقيام الحياة على وجه الأرض، وبالتالي ظاهرة الاحتباس الحراري الطبيعية ضرورية لاستمرار الحياة، و يقدر العلماء أنه دون وجود هذه الظاهرة، فإن متوسط درجة الحرارة سيؤول إلى 18 درجة، و هي درجة حرارة تستحيل معها الحياة.
اختلالات المناخ تؤثر على التنوع البيولوجي
ما حصل على مدى مئتي سنة الماضية، هو أن حجم الغازات الدفيئة المتواجد في الغلاف الجوي، تضاعف عدة مرات بفعل ممارسات الإنسان، خاصة منذ بداية الثورة الصناعية والتنامي الرهيب لاستعمال الطاقة الأحفورية لتلبية حاجيات التنمية، وكذا الاستغلال اللاعقلاني للموارد، وفق منطق اقتصادي لا يراعي التوازن بين أسس التنمية المستدامة البيئية والاجتماعية من جهة، و الأساس الاقتصادي من جهة أخرى. وعليه فقد تسببت تلك التراكمات، في تضاعف نسبة الأشعة المحبوسة داخل الغلاف الجوي، وهو ما أدى إلى تسارع في ارتفاع متوسط درجات الحرارة، مقارنة بالمستويات الطبيعية التي عرفتها الأرض منذ مئات آلاف السنين، و يقف هذا الارتفاع وراء الاختلالات المناخية في العديد من المناطق عبر العالم.
ـ هل سنشهد مزيدا من الانقلابات الفصلية أم أننا نعيش مرحلة انتقال بين مناخين؟
ـ في ما يخص تداخل الفصول، فهذا راجع إلى الاختلالات المناخية التي تبرز من خلال تذبذب عناصر المناخ كدرجات الحرارة و الرياح و التساقط و الرطوبة و الضغط الجوي، حيث أن أي تغير في هذه العناصر، يؤثر على العناصر الأخرى، و هو ما ينتج ظواهر غير مألوفة في مناطق مختلفة عبر العالم، كانت معروفة بسيادة نوع من أنواع المناخ فيها قبل سنوات، لذا أصبحنا نشهد العديد من الفيضانات وهطول الأمطار الغزيرة في غير موسمها، إضافة إلى تنامي الأعاصير وزحف الصحاري و كذا الجفاف، كل هذه «الظروف القاسية»، ناجمة مباشرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي نفس الظروف التي أثرت ولا تزال تؤثر على التنوع البيولوجي، إذ شهدنا فقدان الثروات الحيوانية و النباتية البرية والبحرية ، والضرورية لاستمرار التوازنات البيولوجية للأنظمة البيئية. بالإضافة إلى الحرائق التي تأتي سنويا على آلاف الهكتارات من الغابات التي استغرق تكونها مئات السنين، و التي سيتطلب استرجاعها نفس المدة الزمنية. لابد من الإشارة أيضا، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى ذوبان الجليد في القطبين، وهو ما يتسبب في ارتفاع مستويات المياه في البحار و المحيطات، إذ تبرز الدراسات أن هذه الظاهرة ستؤدي إلى اكتساح المياه لمدن ساحلية، بأكملها في السنوات المقبلة، مما قد يؤدي إلى اختفائها من الخريطة.
ـ ما هي آليات التكيف مع هذه التغيرات؟
ـ بخصوص آليات التكيف، فإن الأمر يرجع أولا إلى ضرورة معرفة الهشاشة المتعلقة بكل قطاع، لأن التغيرات المناخية لديها تأثير على مختلف القطاعات، فالفلاحة و الغابات و الموارد المائية و الصناعة و الصحة و السكن والتهيئة العمرانية، هي نماذج لقطاعات معرضة للتأثر بفعل التغيرات المناخية، لذلك فقد طورت هيئة الخبراء الحكوميين المعنيين بالتغيرات المناخية(GIEC)، مناهج تعنى بدراسة الهشاشة وقابلية التأثر لكل قطاع، وهي الدراسات التي لابد من إجرائها على مستوى كل القطاعات، لأنها تمكن من إدماج العامل المناخي في التخطيط على كل المستويات المركزية و المحلية، فالدراسات المنهجية تمكن من تحديد تأثير التغيرات المناخية على قطاع معين في منطقة معينة، وفق سيناريوهات علمية، لرصد تطور المناخ إلى غاية نهاية القرن. لذلك فقد أعدت دراسات مسبقة من طرف هيئة الخبراء سالفة الذكر، وفقا لاحتمالات مختلفة، لتطور متوسط ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، حيث صنفت من الأقل سوءا إلى الكثير سوءا إلى الأسوأ. تمكن هذه الدراسات أيضا، من إعادة النظر على المستويين المتوسط والبعيد في كافة الهياكل القاعدية و البنى التحتية الموجودة، إضافة إلى العمل، وفق نظرة استشرافية تسمح بالتكيف مع آثار التغيرات المناخية وتفادي تكلفة الخسائر التي قد تنتج عنها مستقبلا، جراء عدم أخذ العامل المناخي بعين الاعتبار، و هو ما يسمى ب «تكلفة عدم الفعل»، بمعنى تكلفة عدم إدراج العامل المناخي في تخطيط الاستراتيجيات والبرامج القطاعية، إذ أنه غالبا ما تكون تكلفة عدم الفعل أكبر بكثير من تكلفة الفعل.
الفحم المستخرج من الغابات المحروقة الأكثر رداءة
ـ ما هي التغيرات التي طرأت على مناخ الجزائر في السنوات الأخيرة، وهل سنشهد بمرور الوقت اختفاء فصلي الربيع و الخريف بعد أن اختزلا في شهر إلى شهر و نصف؟
ـ المناخ هو متوسط حالات الطقس السائدة في منطقة جغرافية محددة على المدى الطويل (ثلاثين سنة أو أكثر) ويعتمد الخبراء على مراقبة عناصر المناخ طوال تلك المدة، من أجل تحديد نوع المناخ السائد، ويمكن الحديث عن تغير في المناخ، حينما تحدث تغيرات ملموسة في تلك العناصر على المدى الطويل، و عموما شهد متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمي ارتفاعا يقدر بـ 1 درجة مئوية، منذ الثورة الصناعية، وهي النسبة التي تعكس ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة اليومية، و تجدر الإشارة هنا، إلى أننا نتحدث عن ارتفاع في متوسط درجة الحرارة على المستوى العالمي، و ليس عن درجات الحرارة المحسوسة يوميا التي تسجلها مصالح الأرصاد الجوية، حيث يبدو ارتفاع درجة واحدة في المتوسط، قليلا جدا، لكن ما يجب معرفته هو أن أي ارتفاع في متوسط درجة حرارة الأرض، يعكس ارتفاعات متفاوتة في متوسطات درجات الحرارة عبر مناطق العالم، و هو الأمر الذي يعكس كذلك، ارتفاعات رهيبة في درجات الحرارة المحسوسة يوميا.
مثلا زيادة درجة واحدة في المتوسط، لسطح الأرض يعني ارتفاعا يقارب 04 درجات عند خط الاستواء، وبالتأكيد فإن تحرك الفترات الزمنية للفصول، مقارنة بالمعهود يعطي انطباعا أن هناك تداخلا في الفصول، وهو ما يؤثر سلبا على الرزنامات الفلاحية لكل منطقة، وهو ما يؤثر على المحاصيل مثلا.
ـ هل هناك دراسات على تأثيرات تغير المناخ محليا وما هي الحلول الممكنة لمواجهة مخاطر التصحر و تدهور الأراضي؟
ـ هناك العديد من الدراسات التي تقام عبر العالم من أجل تحديد تأثير التغيرات المناخية على مختلف مناطق العالم، وهي دراسات تصنف ضمن التقرير التقييمي الخامس (AR5) لهيئة الخبراء((GIEC في منطقة حوض المتوسط ، بوصفها منطقة ساخنة، تكون في الغالب عرضة للعديد من الظروف القاسية كالجفاف والتصحر وندرة المياه والفيضانات، وحرائق الغابات الناجمة عن فعل الإنسان أو بفعل عوامل طبيعية. يذكر أيضا، أن الإنسان هو العامل المسرع للتغيرات المناخية، بفعل مسؤوليته في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة من جهة، وكذا الاستغلال اللاعقلاني للموارد الطبيعية من جهة ثانية.
وهناك عدة أمثلة على ذلك، فمثلا الاستغلال اللاعقلاني للأراضي الزراعية والمياه لإنتاج مواد غير إستراتيجية غالبا، تستنزف المياه الجوفية وتنهك الأراضي الفلاحية، ما يؤدي إلى ضياع آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة، خاصة وأن الظروف القاسية حاضرة لتسهيل وتسريع ضياعها. أضف إلى ذلك الخسائر الكبيرة في الثورة الغابية، بسبب إتلاف آلاف الهكتارات سنويا، لتلبية حاجيات الصناعة الورقية وصناعة الأثاث وغيرها، ناهيك عن الحرائق المفتعلة من أجل استرجاع الفحم، الذي يؤكد عارفون في المجال، بأن نوعيته تعد الأكثر رداءة على الإطلاق.وعليه فإن التربية والتوعية ضروريتان لمواجهة التحديات البيئية، لذلك وجب إدراج هذا الشق في مناهجنا الدراسية لتنشئة الفرد، وفق ثقافة استهلاكية عقلانية و صديقة للبيئة، من شأنها إحداث توازن على المدى المتوسط والبعيد من أجل تحكم أكثر في تنميتنا، وفق أسس التنمية المستدامة.
68 بالمئة من الثروة الحيوانية فقدت في نصف قرن
ـ هل تتطلب الحرارة القياسية المسجلة منذ سنوات، تكيفا في جوانب حياتية معينة؟ وهل ستواجه بعض الكائنات خطر الانقراض؟
ـ أجل، أصبحنا نشهد ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة، وكما أسلفنا، فإن ذلك لا يمر دون نتائج سلبية في شتى المجالات، ففي مجال الصحة مثلا، نجد أن العديد من العقارب المعروفة بتأقلمها في الأوساط ذات الدرجات الحرارية المرتفعة، كالصحاري أصبحت تتأقلم في مناطق لم تكن معهودة فيها، ولا تمثل بيئتها الطبيعية ، كالمناطق الشمالية في الجزائر، أي أن تغير المناخ أصبح يوفر نفس الظروف لتلك الحشرات وهو ما يفسر ظهورها بين الفينة والأخرى في المناطق الشمالية، ما يستدعي التكيف مع هذا الوضع الجديد، الذي يشمل أيضا العديد من الحشرات الناقلة للأمراض، وكذلك الحشرات المضرة للمحاصيل الفلاحية المغروسة والمزروعة منها.أما في ما يخص الكائنات الحية، فإنها مهددة حقا بالانقراض وهذا واقع ملموس، إذ تشير الدراسات إلى فقدان ما يعادل 68 بالمئة من الثروة الحيوانية خلال 50سنة الماضية في كل الأوساط، وهو رقم رهيب، تشير أرقام الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة UCIN وهي منظمة تنخرط فيها هيئات حكومية وغير حكومية، إلى أن 35 بالمئة من الطيور و52 بالمئة من البرمائيات و71 بالمئة من الشعاب المرجانية، ستتأثر بفعل التغيرات المناخية في السنوات القادمة، وعليه فإن الوضع سيكون كارثيا في ما يخص التوازن البيئي، حيث أن فقدان هذه الكائنات يعني غياب وظيفتها في محيطها، وبالتالي اختلال التوازن البيولوجي للنظام البيئي .
مشروع جزائري لتخفيف انبعاثات الغاز إلى 7 بالمئة
ـ هل أمننا الغذائي مهدد؟
ـ من آثار التغيرات المناخية المباشرة على الدول، تهديد أمنها الغذائي، و نقصد هنا إمكانيات الدول في توفير حاجياتها الغذائية الأساسية، في ظل الظروف الملائمة لإنتاجها محليا ، بطرق مستدامة في ظل تسارع التغيرات المناخية.
و بالتالي نحن نتحدث هنا على الأقل عن ثلاثة قطاعات مهمة ومتداخلة في طرق إنتاج الغذاء، ويتعلق الأمر بقطاعات الفلاحة و الموارد المائية و الطاقة، لذا فأمننا الغذائي متعلق بفعاليتنا في تسيير هذه القطاعات بطرق مستدامة، حيث أنه لا بد من إعادة النظر في طرق الإنتاج و الدعم الموجه للفلاحين والمستثمرين في القطاع الفلاحي، مع مراعاة الخيارات الإستراتيجية في ما يخص المواد المنتجة «كميات المياه اللازمة لإنتاجها»، خاصة و أن الجزائر تصنف في خانة البلدان التي تعاني ندرة المياه ، وكذلك الطاقة ومصادرها.
يتوجب علينا أيضا، حماية المنتوج الفلاحي وتطويره، خصوصا بعدما أدت أزمة جائحة كوفيد 19، إلى غلق تام للحدود، ما أعاق عمليات الاستيراد وقدم فرصة للجزائر للعمل على تكريس إنتاج احتياجاتها الغذائية، بما في ذلك المنتجات الإستراتيجية، مثل القمح الذي يستمر استيراده، رغم المجهودات المبذولة.
ـ كثـر الحديث في السنوات الأخيرة عن موضوع الحوكمة البيئية، ما هي هذه الآلية تحديدا وكيف تطبق في الجزائر؟
ـ تعنى كل الدول بتطوير آليات الحكومة في جميع المجالات، بما فيها الحوكمة البيئية، من خلال تحسين الآليات المؤسساتية و القانونية والتي بدورها تسمح بتحسين الأداء المؤسساتي لهياكل الدولة ومؤسساتها، وكذا تعزيز آليات الشفافية عبر إرساء قواعد التشاركية، بإشراك الفاعلين في المجال البيئي، وفق المبادئ العامة التي كرستها المواثيق و الإعلانات الدولية كإعلان ريو دي جانيرو سنة 1992، الذي أقر مجموعة من المبادئ التي تعطي الإطار العام للحوكمة البيئية، وهي نفس المبادئ التي تستعمل كمرجعية في التشريعات الوطنية، على غرار القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في ظل التنمية المستدامة بالجزائر.
الفيضانات والأعاصير والتصحر ناتجة عن الاحتباس الحراري
وتمتد الحوكمة البيئية إلى المستوى المحلي، من أجل ضمان أكثر فاعلية في إدماج القواعد البيئية على كل المستويات، فمثلا تتجه أغلب بلدان العالم إلى إعطاء دور مهم للمستوى المحلي في مجابهة آثار التغيرات المناخية، حيث يعتبر المستوى المحلي الأقرب للمواطن، إضافة إلى كونه الأقرب من آثار التغيرات المناخية، كما يشكل الفاعل الأساسي لتطوير البنية التحتية لكل البلدان، وهو ما تعكسه الأهمية التي توليها العديد من الدول لإدماج التغيرات المناخية في مخططات التنمية المحلية، بما فيها الجزائر، من خلال إطلاق مشاريع نموذجية في هذا المجال.
ـ هل تملكون تفاصيل بخصوص المشروع الجزائري الألماني الرامي إلى تخفيض انبعاث الغاز إلى 7 بالمئة؟
ـ لست مخولا للحديث باسم المشروع، لكن ما يمكن قوله هو أن الجزائر من البلدان الموقعة على اتفاق باريس بموجب المرسوم الرئاسي رقم 16-262 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 2016. وتنص الاتفاقية على أن تبلغ البلدان عن مساهماتها في المجهود الدولي في الحد أو التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة، وكذلك التكيف مع آثار التغيرات المناخية، حيث بلَّغت الجزائر عن مساهمتها المتوقعة المحددة على المستوى الوطني في سبتمبر 2015 ، أي قبيل انعقاد مؤتمر باريس للأطراف (COP21) في شهر ديسمبر 2015، وهو الأمر الذي يؤكد تمسكها بالعمل إلى جانب المجتمع الدولي، من أجل الحد من آثار التغيرات المناخية.
كما سبق وأن تعهدت بلادنا، في إطار هذه المساهمة، بالتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة بـنسبة7 بالمئة، مع الاعتماد على الإمكانيات الذاتية للدولة بـنسبة 22 بالمئة، مشروطة بالدعم المالي والتكنولوجي والخبراتي من الدول المتقدمة، وذلك وفق سيناريو الإبقاء على وتيرة التنمية على حالها. وهو التعهد الذي تعكف جميع القطاعات المعنية على تجسيده، ابتداءمن السنة الحالية (2021) وهي سنة دخول المساهمة حيز التنفيذ، إلى غاية سنة 2030.
قــــف
حرائق الغابات في الجزائر
جريمة ضد الصحة و البيئة و الحياة البرية
تتعرض غابات الجزائر هذه الأيام إلى حرائق مهولة اندلعت بعدة مناطق من الوطن ، مخلفة دمارا كبيرا بالغطاء النباتي، و منذرة بآثار صحية و بيئية، لا تقل خطورة عن الآثار الاقتصادية و الاجتماعية التي ستظهر في المستقبل القريب.
فريد.غ
كل عام تأتي الحرائق على مساحات واسعة من الغابات الجزائرية، لتضيف عبئا آخر على البلاد التي تمر بتغيرات مناخية مثيرة للقلق، كالحرارة و الجفاف و التصحر القادم من الجنوب باتجاه الشريط الشمالي الأخضر، الذي بدأ في الانحصار و الانهيار بسبب الموائل البيئية، و يد الإنسان التي لا تتوقف عن إلحاق الأذى بالحياة البرية، و القضاء على التنوع البيئي و تصحير ما تبقى من مساحات خضراء.
و من صيف لآخر تقضي الحرائق على جهود التشجير المكلفة، و تضع عقبة كبيرة أمام برنامج التجديد الغابي و توسيع الحزام الأخضر، لصد الصحراء الزاحفة نحو الشمال، و التقليل من آثار التغيرات المناخية، و موجات الجفاف المتعاقبة على البلاد.
و تحتاج الغابات المحترقة إلى سنوات طويلة حتى تتعافى من جديد، لكن الحياة البرية فيها قد تتعرض للدمار السريع، و من الصعب جبر الأضرار و ترميم الموائل البيئية الناجمة عن الحريق، كما حدث بمحيمة جبال بني صالح بقالمة عندما تضررت بيئة الأيل البربري، و اختفى هذا الحيوان النادر من المحمية موتا و هجرة إلى بيئات أخرى، بينها الغابات التونسية المحاذية للحدود الشرقية للبلاد.
و في كل حريق تموت أعداد كبيرة من الطيور و الحيوانات البرية و الزواحف، و الحشرات المفيدة للتوازن الإيكولوجي، و تزداد مخاطر الانبعاثات الغازية و الاحتباس الحراري الذي يعد السبب الرئيسي في تراجع التساقطات المطرية بشمال البلاد.
كما تؤدي الحرائق أيضا إلى الإضرار بالتربة الزراعية، و القضاء على مصادر عيش السكان الذين يعتمدون على الغابات و بساتين الأشجار المثمرة، و تربية المواشي لتأمين مصادر الدخل.
و في ظل الانتشار المتواصل لجائحة كورونا فإن حرائق الغابات التي تعرفها الجزائر هذه الأيام قد تزيد من خطورة الوضع الصحي بسبب تلوث الهواء، و مشاكل التنفس و التوتر و القلق و حتى الانهيار النفسي الذي يصيب السكان المتضررين من الحريق، و خاصة أصحاب المحاصيل الزراعية و الثروة الحيوانية التي تعتمد على الغابة، حيث الغذاء و الماء و الظل الواقي من موجات الحر القوية.
و تعد الحرائق من بين أسباب انهيار السد الأخضر بالجزائر، و أصبح الطريق مفتوحا امام رمال الصحراء لتزحف نحو الشمال مهددة بالقضاء على ما تبقى من غطاء نباتي و حياة برية، كما يحدث هذه الأيام بغابات خنشلة و تبسة التي تعرضت لما يشبه العاصفة النارية التي قضت على مساحة واسعة من الغابات، و ألحقت أضرارا كبيرة بمكونات الحياة البرية و التنوع الإيكولوجي، الذي ظل يميز تلك الأقاليم الخضراء التي تحولت مساحة كبيرة منها إلى رماد، و اختفت منها مظاهر الحياة.
ولا تقتصر الآثار الصحية لحرائق الغابات على الإنسان فقط، بل تصيب كل مكونات الحياة البرية و في مقدمتها الحيوانات و الطيور الناجية من الحرق، و قطعان المواشي، و هذه خسارة كبيرة للاقتصاد و للتنوع البيئي في الجزائر التي تعرف نزيفا حادا في الثروة الحيوانية المهددة بالانقراض. و يتوقع المهتمون بشؤون البيئة و المناخ في الجزائر أن تزداد درجات الحرارة بالأقاليم التي طالتها الحرائق، و تتراجع معدلات تساقط الأمطار الموسمية، مما يزيد من مخاطر الجفاف و تراجع مصادر المياه السطحية و الجوفية. و تقضي الحرائق كل صيف على جهود التجديد الغابي المكلف للمال و الجهد، رغم إجراءات الحماية و الوقاية التي تقوم بها المديرية العامة للغابات، من خلال محافظاتها الولائية التي تقف اليوم على خط النار لمواجهة الدمار المتواصل.
فريد.غ