يحتفل العالم بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعيّة من الأول إلى السابع من هذا الشهر ، في مناسبة سنوية لتشجيع الأمهات على أدائها وحث المحيط على توفير بيئة اجتماعية وأسرية وصحية وقانونية لدعمها، حفاظا على صحة الأطفال وضمان نموهم نموا طبيعيا نفسيا وجسديا، وهو ما يتناغم وأحكام الشريعة الإسلامية التي أمرت في نصوصها الأمهات بإرضاع أولادهن؛ بل رفعت من قيمة الإرضاع بأن جعلت المرضعة غير الأم أما للرضيع وأبناؤها إخوة له ، تجري عليهم أحكام النسب في الحل والحرمة،
فقد قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[البقرة: 233]، والأمر في الآية للوجوب حيث جاء في الموسوعة الفقهية أنه « لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه ، وفي سن الرضاع فتمام الرضاعة وكمالها حولان كاملان، والإرضاع حق للطفل واجب على أمه ابتداء؛ سواء كانت في عصمة زوجها أو كانت مطلقة أو أرملة،قال ابن رشد: (((والوالدات يرضعن أولادهن)) محمول على عمومه في ذات الزوج وفي المطلقة) وقد علل الفقهاء ذلك بقولهم: (لأن إرضاع الأم لا يعادله شيء؛ لحنوها وعطفها وشفقتها، فهي لا ترضع الطفل الحليب فقط، بل ترضعه مع ذلك الدفء والحنان والعطف والبر و حميد الخصال، وطيب الأخلاق، ثم أتبع ذلك بذكر جواز الاسترضاع للأولاد) فإن أبت أو حدث مانع يجب استرضاع امرأة أخرى ولا يترك الطفل يهلك لأن إرضاعه ضرورة حياة، والأب مسؤول عن توفير مرضعة ولو بأجر لأن هذا من مشمولات نفقة الطفل، قال الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى[ الطلاق: 6] فإن فقد الأب فإن من يتكفل بذلك هو وارث الرضيع .
وقد رتب التشريع الإسلامي أحكاما خاصة بالمرضعة غير الأم حيث رفع مكانتها إلى مرتبة الأم البيولوجية الحقيقية، فجعل الرضيع ابنا لها، فيحرم عليه الزواج بها وببناتها؛ فقال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [ النساء: 23]
ولذلك لا يجوز بحال ترك الطفل بدون رضاع وإن رفض الطفل ، حيث يتعين الإرضاع على أمه ولا يحق لها بحال الرفض، فهذه الرضاعة الطبيعية تسهم في تغذية الطفل جسميا لكنها أيضا تسهم في تغذيته عاطفيا ونفسيا حتى ينمو نموا سويا بعيدا عن الحرمان والتوتر والانطواء، فأحضان أمه ملاذ آمن يشعر فيه بالراحة والطمأنينة؛ فلا يجوز حرمانه منه، فهي راضعة يمكن للطفل الاستغناء به عن كل أنواع الأكل والشراب لكن لا يمكنه الاستغناء عنها، وقد أدركت مختلف الأمم أهمية الرضاعة الطبيعية ولذلك أنشأت ما سمي ببنوك الحليب ضمانا لتوفيره للمحتاجين للرضاعة.
الرضاعة الطبيعية أنشأت الرسول محمد على القوة والفصاحة وأعادت موسى لحضن أمه
وقد حظي رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ ولادته برضاعة طبيعية، وتعد حليمة السعدية أشهر مرضعة له كما تذكر كتب السيرة؛ حيث كانت من عادة قريش أن تسترضع لأبنائها في البوادي حتى يشبوا على الفصاحة والصحة والقوة، فكان أن رضع الرسول صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد حيث حليمة.
كما كان للرضاعة الطبيعية دور كبير في استعادة أم موسى لابنها من قوم فرعون؛ فبعد أن أمر الله تعالى أم موسى بإرضاعه أول مرة بقوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين [ القصص: 7] رفض الرضيع موسى بعد ذلك التقام ثدي كل من جاءت ترضعه من النساء، قال الله تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىأَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) [ القصص]، فعاد موسى ليتربى في حضن أمه تحت حماية ورعاية ونفقة عدوه فرعون .
ع/خ
فوائد الرضاعة الطبيعية حسب منظمة الصحة العالمية
أوصت منظمة الصحة العالمية الأمهات الوالدات بالبدء في الإرضاع من الثدي في غضون ساعة واحدة من الولادة، والاقتصار على إرضاع الطفل رضاعة طبيعية خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم لتحقيق المستوى الأمثل من النمو والتطور والصحة.حيث يؤدي الاقتصار على الرضاعة الطبيعية غير المقيدة إلى إنتاج كميات وفيرة من الحليب. وعددت فوائد كثيرة للرضاعة الطبيعية هي:
يوفر حليب الأم كل الطاقة والمغذيات التي يحتاجها الطفل خلال الأشهر الأولى من حياته، ويستمر في توفير ما يصل إلى نصف احتياجات الطفل الغذائية أو أكثر خلال النصف الثاني من العام الأول، وما يصل إلى الثلث خلال العام الثاني من عمره.
وتقلل الرضاعة الطبيعية من خطر العدوى الحادة مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والتهاب الأذن والمستدمية النزلية والتهاب السحايا وعدوى المسالك البولية.
كما أنه يحمي من الأمراض المزمنة في المستقبل مثل السكري من النوع الأول والتهاب القولون التقرحي ومرض كرون.
وترتبط الرضاعة الطبيعية خلال فترة الرضاعة بانخفاض متوسط ضغط الدم والكوليسترول المَصلي الكلي في الدم.
ويتفوق الأطفال الذين رضعوا رضاعة طبيعية في اختبارات الذكاء، وهم أقل عرضة للإصابة بزيادة الوزن أو السمنة، وأقل عرضة لمرض السكري من النمط 2 خلال مرحلة المراهقة والبلوغ.
وكذلك النساء اللواتي يُرضعن أطفالهن أقل عرضة لمخاطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض.
وتؤخر الرضاعة الطبيعية عودة خصوبة المرأة وتقلل مخاطر النزيف بعد الولادة وسرطان الثدي قبل انقطاع الطمث وسرطان المبيض.
‘دعم الرضاعة الطبيعية للجميع’ شعار الاحتفال هذا العام
اختارت منظمة الصحة العالمية ‹دعم الرضاعة الطبيعية للجميع› شعارالاحتفال هذا العام
تدعوان إلى المساواة في دعم الرضاعة الطبيعية.
و دعت هذه المنظمة بمعية اليونيسف إلى المساواة في دعم الرضاعة الطبيعية وكشفتا أنَّ 48 بالمئة من الأطفال الصغار في العالم يستفيدون حالياً من هذه البداية الصحية للحياة. ويُترجم ذلك إلى مئات الآلاف من الأطفال أنقذت الرضاعة الطبيعية أرواحهم. واستبشرتا خيرا بأن هذه القفزة من هدف منظمة الصحة العالمية بزيادة الرضاعة الطبيعية الخالصة إلى 50 بالمئة على الأقل بحلول عام 2025، تبقى هناك تحديات عنيدة لا بد من التصدي لها. وأشارتا إلى أنه عندما تحصل الأمهات على الدعم الذي يحتجنه لتقديم الرضاعة الطبيعية لأطفالهن فإنَّ الجميع يستفيدون. ويمكن لتحسين معدلات الرضاعة الطبيعية أن ينقذ أرواح أكثر من 820,000 طفل سنوياً، وفقاً لآخر البيانات المتوفرة، وأوصتا الدول ومختلف الفاعلين والمتدخلين ممن به صلة بهذا الأمر بضرورة، من خلال:
زيادة الاستثمار في البرامج والسياسات التي تحمي الرضاعة الطبيعية وتدعمها عبر موازنات وطنية مكرسة لهذه الغاية.
تنفيذ ورصد سياسات ملائمة للأسرة في أماكن العمل، من قبيل إجازة الأمومة المدفوعة الأجر، وتخصيص استراحات لتقديم الرضاعة الطبيعية، وإمكانية الحصول على رعاية نهارية للأطفال تكون جيدة وميسورة الكلفة.
ضمان أن النساء المعرضات للخطر في أوضاع الطوارئ أو في مجتمعات محلية منقوصة التمثيل يحصلن على حماية ودعم لتقديم الرضاعة الطبيعية، وبما يتماشى مع احتياجاتهن الفريدة، بما في ذلك الاستشارات الفاعلة وفي الوقت المطلوب بخصوص تقديم الرضاعة الطبيعية، وذلك كجزء معتاد من التغطية الصحية.
تحسين رصد البرامج والسياسات المعنية بالرضاعة الطبيعية، لتوجيه الإجراءات المعنية بمعدلات تقديم الرضاعة الطبيعية وتحسينها أكثر.
تطوير وفرض قوانين تقيّد تسويق بدائل لبن الأم، بما في ذلك ممارسات التسويق الرقمي، مع وجود آليات رصد من أجل الإبلاغ المنتظم عن انتهاكات القانون».
المؤتمر التاسع للإفتاء يدعو إلى دعم الشعب الفلسطيني
دعا المؤتمر التاسع للإفتاء المنعقد بالقاهرة في اختتام أشغاله مساء الثلاثاء إلى الأربعاء جميعَ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ إلى تعزيزِ التعاونِ والتنسيقِ فيما بينها لدعمِ القضيةِ الفلسطينيةِ عبرَ الجهودِ الدبلوماسيةِ في المحافلِ الدوليةِ أو من خلالِ المساعداتِ الإنسانيةِ والتنمويةِ للشعبِ الفلسطينيِّ، تأكيدًا على وحدةِ الصفِّ والتضامنِ الإسلاميِّ.
وأكد المؤتمر الذي دام يومين وعالج موضوع: الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متغير› وشارك فيه 104 دول ومثل الجزائر كلا من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بوعبد الله غلام الله ووزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي على أهمية الدور الذي تلعبه التعاليم الإسلامية السمحة في الارتقاء بالأفراد والمجتمعات البشرية، وهي التي نجدها منصوصًا عليها في كافة الشرائع السماوية، ومن ثم فإن المؤتمر يهيب بالمجتمع الدولي بضرورة احترام هذه التعاليم والعمل من خلالها على ضبط التسارع في الحركة العالمية، وتنامي النزعة الفردية على كافة المستويات؛ من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية الرئيسية مثمِّنا كافة المخرجات التي صَدَرت وعُرِضَت في فعالياته، ويدعو الباحثين والمختصين للإفادة منها.
كما دعا المؤتمر جميع المؤسسات الإفتائية الوطنية إلى التعاون والتكاتف لمواصلة التجديد الفقهي والإفتائي، وتقديم خطاب فقهي وإفتائي يناسب العصر انطلاقًا من مقاصد الشريعة وغاياتها العليا مؤكدا على أن ما نملكه من ثروة فقهية وتشريعية غزيرة قادرة على صناعة فتوى تتناسب وحجم التسارع والمتغيرات العالمية في كافة المجالات.وأكد على أهمية مواصلة العمل في مجال التأهيل الإفتائي، وبناء المزيد من جسور التفاهم والتعاون بين القائمين على صناعة الفتوى في العالم من مؤسسات وهيئات وطنية؛ لمواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها علينا العالم المعاصر بتغيراته وأحداثه المتسارعة.وألح على أهمية تعاون المتخصصين في مجالات التقنية ووسائل التواصل الرقمية مع مؤسسات الإفتاء لمساعدتها على تدشين بيئة آمنة عبر وسائل الاتصال لأتباع الدين الإسلامي يتم خلالها احترام خصوصياتهم، ومساعدتها في الترويج عالميًا لرقي وسماحة الدين الإسلامي لباقي الشعوب.
وفي السياق ذاته دعا المؤتمر المجتمع الدولي للبعد عن توظيف التفسيرات والتأويلات المتطرفة للتعاليم الدينية السماوية السمحة في شن الحروب وإذكاء الفتن والنزاعات العِرقية والطائفية، بما يهدد أمن وسلامة المجتمعات البشرية لا سيما الإسلامية، ويحذر المؤتمر من أن هذه التوجهات تمثل وقودًا لتغذية تطرف مقابل لها قد لا يقل خطورةً عنها، وبما قد يدخل منطقتنا والعالم أجمع في أتون صراعات لا تنتهي. وحث المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية في العالم كله إلى تكثيف جهودها في نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان، وتعزيز التعايش السلمي، وتضمين مناهجها الدراسية مواد تعليمية تنشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي.