يدخل المسلمون مدرسة رمضان بما تحمله لهم من دروس وتفيض عليهم من عبر وعظات، يجددون فيها كل عام دينهم ودنياهم، ويعلمون فيها قيما طافحة بالمعاني نظريا وعمليا يسترشدون بها في علاتهم مع الله تعالى وعلاقتهم مع أنفسهم وعلاقتهم البينية وعلاقتهم مع الآخر، قيم تستهدف توطين النفس على الاستقامة في الفكر والسلوك، والارتقاء بها إلى مرتبة الإحسان في عبادتها ومعاملتها، وستجد هذه القيم أصولها ومستنداتها فيما يسمعه الصائم يوميا من آيا الله تعالى ووصايا رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يسترشد به من أقوال العلماء والوعاظ. السرية مراقبة الله تعالى ومراقبة الضمير الحي في كل عمل.
ولئن كان المغزى الأساس المحوري لفريضة الصيام هو تقوى الله عز وجل لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون [البقرة 183] فإن هذا يعني أن هذه العبادة تسعى لتربية الإنسان تربية شاملة شمول التقوى؛ على مستوى كل أفكاره وتصرفاته تعبدا لله تعالى ومعاملة للنفس والغير، لأن هذه الفريضة تؤدى فيما بين العبد وخالقه، فكل العبادات الأخرى تظهر للعيان إلا الصوم، وأساس التقوى مراقبة الله تعالى في السر والعلن، واستحضار رقابة الضمير على كل فعل من أفعال الإنسان.
وهذا الاستحضار يجعل من عبادة الإنسان لخالقه عبادة خالصة صحيحة مثمرة، حيث يكون تقيا لله تعالى حريصا على أداء الطاعات في أوقاتها واجتناب النواهي حيثما حل وارتحل سرا وعلانية، كما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم:( اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ) [أخرجه الترمذي عن أبي ذر]، فيراك الله تعالى حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك، وتجعل علاقته مع النفس علاقة طاهرة زكية، فيحملها على العفة وسلامة الصدر؛ حيث لا غل ولا حسد ولا عجب ولا كبر، وعلاقته مع الناس علاقة صدق ونصح وبر وإتقان وعدل وإحسان، فلا غش معهم ولا غدر ولا كذب ولا تدليس ولا مكر ولا تآمر ،و لا وشاية أو سوء ظن، بل صدق ووفاء ومودة ووئام، ومتى بلغ المسلمون مرتبة التقوى في علاقتهم مع بعضهم البعض ومع عموم الناس ستجد العالم الناصح لأمته والمعلم المخلص لتلاميذه والمهندس المتقن لعمله، والطبيب المتفاني الحريص على علاج مرضاه، والإعلامي الصادق في نشر معلوماته، والإداري المؤتمن على أموال الأمة الحريص على مصالح من أوكل للتعامل معهم، والمنتخب الأمين والتاجر البر الصدوق السمح الذي لا يغش في سلعته ولا يطفف ولا يحلف كذبا يمين غموس، والبناء المتقن لعمله ممن لا يغش ولا يقصر، والمواطن المحب لوطنه الحريص على احترام مقتضيات الفضاء العام والتعايش مع بني وطنه، والمسهم في الصالح العام بحب ووفاء، فلا تقصير ولا غدر ولا خيانة للبلد، ففي مدرسة الصيام تنمو هذه القيم ويتربى عليها الصائمون، فكلها منوطة بتقوى الله تعالى وتنمية رقابة الضمير.
بل إن قيمة التقوى تسهم حين تكون منهج معاملة داخل الأسرة في استقرارها؛ حيث يتقي الأب الله تعالى في أبنائه فيؤدي واجباته تجاههم من نفقة وتعليم وتربية، ويتقي الزوج زوجته فيؤدي واجباته تجاهها وتتقي الزوجة الله تعالى في زوجها فتؤدي حققوها التي هي واجبات شرعية عليها، وهكذا دواليك، فشهر رمضان مدرسة حقيقية ينبغي حسن الاستفادة من دروسها وتمثلها واقعيا وذلك مقصدها الأساس.
ع/خلفة
وزارة الأوقاف الفلسطينية ترد على محاولات الاحتلال سحب صلاحياتها
الحرم الإبراهيمي ملكية وقفية خالصة للمسلمين
أكدت الأوقاف الفلسطينية أن الحرم الإبراهيمي ملكية وقفية خالصة للمسلمين ولا يحق لأحد العبث فيه وأنها صاحبة السيادة فيه.
وفي بيان نشر عبر موقعها بخصوص الخبر المتداول بشأن سحب صلاحيات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ونقلها إلى الاحتلال الاسرائيلي لمباشرة العمل بسقف صحن الحرم الإبراهيمي الشريف،أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنها هي صاحبة السيادة على الحرم الإبراهيمي الشريف، وإن أي محاولة لتغيير هذا المعلم الديني والتاريخي تعد انتهاكًا واعتداءً على هذه السيادة والولاية القانونية والدينية والسياسية على مقدس من المقدسات الإسلامية، وعلى معلم تراثي هام وحسّاس يمسّ كل المسلمين ما يتعرض له من اعتداءات.
مؤكدة في السياق ذاته أن الحرم الإبراهيمي هو ملكية وقفية خالصة للمسلمين ولا يحق لأيٍّ كان، مهما امتلك من قوة، العبث فيه وتغيير معالمه، أو يسعى بأي شكل من الأشكال لطمس هويته الدينية وتهويد ما تبقى من أجزائه. وإن الاحتلال، وهو يمارس انتهاكاته واعتداءاته اليومية، يضرب بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية والتي وضعت الحرم على قائمة الموروث الحضاري عام 2017. في محاولاته لسقف صحن الحرم التي حاول تمريرها قبل عدة أشهر، إلا أنه، بوقوف أبناء مدينة الخليل ومؤسساتها الرسمية والأهلية خلف الحكومة الفلسطينية في الدفاع عن الحرم، تراجع الاحتلال عن هذه المحاولات.
وعبرت في الختام عن رفضها بشكل قاطع ممارسات هذا الاحتلال بأشكالها كافة.
فتاوى
زوجتي حامل وقررت الصيام ولكن في بعض الأيام يغلب عليها القيء فتستفرغ فهل تفطر في هذه الحالة أم تكمل صومها مع العلم أن لا يعود القيء إلى بطنها بل تستفرغ. هل صومها صحيح ؟
الحامل التي غلبها القيء في نهار رمضان، لا قضاء عليها لا وجوبا ولا استحبابا، لأنها لم ترجع منه شيئا بعد وصوله إلى فمها، وعليها أن تتم صومها.أما إذا علمت برجوع شيء منه بعد وصوله إلى فمها فعليها القضاء إذا لم تتعمد.
زوجتي لم تصم شهر رمضان للعام الثالث على التوالي بسبب أنها كانت حامل في العام الأول ثم مرضعة لعامين. هل يجب عليها القضاء والفدية معا أم الفدية فقط؟ وكيف ذلك؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،من خصائص الشريعة الإسلامية الغراء اليسر والسماحة وعدم التكليف إلا بما يطاق ويستطاع مصداق ذلك قوله تعالى:(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقوله:(فاتقوا الله ما استطعتم)، والحامل والمرضع عند فقهائنا مريضة، فهي مشمولة بنص قوله تعالى:(فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)،وعليه فالواجب على زوجتكم القضاء والفدية عند شفائها، بسبب تأخيرها القضاء إلى حلول رمضان آخر عليها،كما يجب عليها أن تسرع في أداء ما عليها من دين بعد شفائها من المرض.
ما حكم من مات وعليه صيام؟
اختلفت المذاهب فيه، فمالك رحمه الله ذهب إلى أنه لا يصام عنه ولا يطعم عنه إلا أن يوصي بذلك. وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن وليه يطعم عنه ولا يصوم، وذهبت الحنفية إلى أن وليه يصوم عنه فإن لم يستطع انتقل إلى الإطعام. وفرق قوم بين صوم رمضان والنذر، فرأوا صوم وليه عنه في النذر دون رمضان. وسبب اختلافهم هذا تعارض القياس مع الآثار، وذلك أن الأثر ثبت فيه صوم الولي عن الميت، فمن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:«من مات وعليه الصيام صام عنه وليه» [متفق عليه]، وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفقضيه عنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء»، وجاء أيضا «أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه؟ قالت: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء». ونقل الشوكاني عن البيهقي أنه قال: والجمهور على أن صوم الولي ليس بواجب، وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا، وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: إنه لا يصام عن الميت إلا النذر، وتمسكوا بالمنع بما روي عن ابن عباس أنه قال: (لا يصلي أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد). فهذا ما جاء في الآثار، وأما القياس فالصوم من الأصول التي لا ينوب فيها أحد عن أحد، فكما أنه لا يصلي أحد عن أحد، ولا يتوضأ أحد عن أحد، فكذلك لا يصوم أحد عن أحد، فمن رجّح القياس قال: لا صيام على الولي، ومن أخذ بالنص في ذلك قال بإيجاب الصيام عنه. ومنهم من صرف النص إلى صيام النذر حتى لا يصدم بالقياس، ومنهم من خير بين الصيام والإطعام محاولا التوفيق بين الآية وهي: «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين»، والأثر. أورده ابن رشد في بداية المجتهد. قلت: من المعلوم لدى الأصوليين أنه إذا تعارض النص والقياس قدم النص، إذ لا معدل عنه وخصوصا إذا كان صحيحا قد توفرت فيه شروط الصحة التي اشترطها الأصوليون، وعليه فالنص يقضي بالصيام ولم يخص نذرا من غيره، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن مطلق الصيام الفرض فقضى بأداء الولي عن ميته، وسئل عن صوم النذر فلم يختلف الحال عن الأول، فلم يدخل في باب المطلق والمقيد. موقع وزارة الشؤون الدينية والاوقاف
صدى المنابر
الأقصى صورة حية في قلب كل مسلم وجزائري
سيظلّ هذا المسجد الأقصى المبارك صورة حيّة في قلب كلّ مسلم يستحضر من خلاله نزول نبيه صلى الله عليه وسلم فيه،لتبقى أهميته الدينية والتاريخية قائمة إلى قيام الساعة، وأنّ الوصاية الشرعية للمسجد الأقصى المبارك للمسلمين لا لغيرهم، وهذا يعكس العلاقة الدينية والروحانية والعقيدة التي تربط المسلمين والفلسطينيين بالمسجد ذاته، والأرضِ المباركة حوله من فلسطين. وهو ما يفسّر سلوك إخواننا المرابطين فيه، وفي أطرافه من أرض غزة وغيرها، وإصرارهم على حمايته بأرواحهم وبكلّ ما يملكون.
وإنّ الجزائريين أدركوا مكانة الأقصى على مرّ التاريخ؛ فكان لهم موجات من الهجرة إليه جهادا في سبيل الله لتحريره، وشدَّ الرّحال إليه لتعميره، وعقدا لحلق العلم فيه لنشره وتبليغه، ولهم فيه أوقاف شاهدة على ذلك، على غرار زاوية أبي مدين الغوث في مدينة القدس. وزاوية الأشراف في مدينة الخليل. والأراضي الزراعية والعقارات السكنية، وهي كثيرة في مدن فلسطينية عديدة. ويعتبر الشيخ أبو مدين شعيب (الغوث) من أوائل من لبّى النداء عندما استغاث صلاح الدين لتحرير الأقصى وفلسطين من الاحتلال الصليبي، وارتحل أبو مدين إلى بيت المقدس وساهم في إنشاء رباط للجنود. وشرّفه الله تعالى بقطع إحدى ذراعيه خلال المعارك الجهادية ودفنت بأرض بيت المقدس.
أيها المسلمون: هذا الحبّ الكامن في أفئدة الجزائريين للأقصى وفلسطين وهواهم إلى بيت المقدس وأكنافه، لعلّ ما يفسره: هو بشارة النبي صلى الله عليه في حديثه بقوله: « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ – أي أذى – حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس». (قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله ثقات).
الإمام/د. إسماعيل نزاي