أكد المفكر التونسي الأستاذ الدكتور عبد المجيد النجار أن حقوق الإنسان في الإسلام تتصف بالثبات والإنسانية وترتقي إلى مرتبة الضروريات الواجبة وأنها جاءت من قبل الشارع ابتداء دون أن تكون نتيجة توازنات أو أحداث تاريخية معينة، وهي تراعي مطالب الإنسان ومصالحه بواقعية جسدا وروحا، بخلاف ما هي عليه في المنظومة الغربية حيث تتصف بالاستقرار وتخضع لتوازنات ومراعاة الإنسان الغربي الأبيض، لكنه تأسف لكون الواقع الإسلامي لا يعكس نظرة الإسلام لحقوق الإنسان؛ مشيرا إلى أن منظومة حقوق الإنسان ستعرف تحولات جذرية بعد نهاية أحداث غزة نتيجة تحرك مفكرين أحرار طرحوا تساؤلات عميقة نقدية تجاه هذه المنظومة.
وفي محاضرة تأطيرية ألقاها مؤخرا بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة أكد الأستاذ الأسبق بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة (85-1987) أن حقوق الإنسان تراعي مصلحة الإنسان في عالمي الشهادة وعالم الغيب في الدنيا والآخرة، وهي تهدف لسعادة الإنسان ومصلحته، وكل الأحكام الشرعية تهدف لتحقيق هذا المقصد الأعلى، وقد جعل الله تعالى الإنسان سيد الكون وأسجد له الملائكة وكرمه وسخر له الكون كله، وآيات التسخير في القرآن الكريم كثيرة، ولم يخلقه ويتركه هكذا دون مشروع؛ بل جعل له مهمة في الحياة ليستشعر قيمته؛ فكلفه بالعمارة وفق منهج الخلافة ومنهج العبادة، وعمارة الأرض عمارة مادية باستثمار مقدرات الطبيعة وثرواتها، وعمارة أدبية لترقية الذات الإنسانية في سلم الفضيلة والخير وترقية الجماعة بالتراحم والتعاطف، ولهذا اعتنى بالإنسان بواقعية، فوصفه وصفا واقعيا وليس مثاليا، فهو إنسان ذو بعدين بعد مادي وبعد روحي، ولكل من هذين البعدين طبيعة وأشواق ومطالب شرحها القرآن الكريم وبينها وجاء التشريع بحسبها؛ فلم يأت التشريع ليقول إن الإنسان مستغني عن الشهوات بل للإنسان شهواته، فجاءت التشريعات لتبنى على هذا،لكننا نجد مذاهب وديانات أخرى بنت تشريعاتها على أساس مثالي؛ فنظرت للإنسان بأنه روح، وأن مطالبه المادية ينبغي أن تقاوم؛ مثل مذاهب الشرق القديم، وأن يسعى لتخليص الروح من الجسد المادي؛ لكن الإسلام جاء بتشريع بني على واقع الإنسان كما هو روحا وجسدا وكل الأحكام الشرعية جاءت تبني على هذا الأساس.وأشار المتحدث إلى أن التشريع الإسلامي يصب في حقوق الإنسان لأن حقوقه هي مصلحة الإنسان؛ بل جعلها الإسلام ضرورات و واجبات كما يقول محمد عمارة، فهي ضرورية و واجب على المجموعة البشرية أن تحقق للإنسان حقوقه، وهذه النظرة قفزة نوعية في النظر لحقوق الإنسان من كونها حقوقا إلى كونها واجبات كما قال محمد عمارة، ولهذا فإننا نجد في مؤلفات المقاصد الكليات الخمس التي هي الضروريات الكليات الكبرى هي في حقيقتها حقوق، فحفظ النفس حق ضروري وكذا حفظ الدين والمال والنسل و العقل؛ فقد جاء التشريع لتكون حقوق الإنسان ضرورات ينبغي أن تتحقق ومن ينكرها يخرج من الإيمان ومن يتكاسل فيها يعد عاصيا، ناهيك عمن لا يعطي الإنسان قيمته في التكريم لأن هذا معلوم من الدين بالضرورة، فقد جعل المقاصد تنبني على مصلحة الإنسان.
وكشف النجار الأمين العام المساعد السابق لرئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أن حقوق الإنسان في الإسلام كحق الحياة والحرية والتملك والتنقل وعناوينها الكبرى هي مصالح ومقاصد للشريعة من خصائصها الثبات فلا تتغير،فلا يمكن أن يأتي عصر يقال فيه هذه الحقوق نتنازل عنها أو ننقص منها، لا يمكن ذلك لأنها جاءت في الدين قطعية لا تتغير؛ بينما حقوق الإنسان كما هي في القوانين الغربية هي حقوق متغيرة؛ فما يعد بالأمس حقا قد لا يكون كذلك غدا وهكذا، وما لم يكن حقا قد يأتي زمن ويغدو حقا فهي متغيرة، كما أن هذه الحقوق ضرورات واجبة وليست ثانوية، من قطعيات الدين، كما أنها حقوق إنسانية جاءت للإنسان باعتبار إنسانيته بغض النظر عن عوارضه من جنس أو غيره، فكل من يحمل معنى الإنسانية فهو مكرم فالخطاب في قوله تعالى: ((ولقد كرمنا بني آدم)) وليس فقط المسلمين، فحيثما يوجد إنسان فهو مكرم؛ ولهذا نجد في حضارتنا الإسلامية أي إنسان يعيش في دائرة الأمة فهو مكرم، وبعض التصرفات لا تؤثر على الفكرة العامة والمبدأ العام، أما الحقوق في الغرب فهي حقوق الرجل الأبيض في الشمال أم الجنوبي فلا حقوق، وقد أسقطت أحداث غزة شعارات حقوق الإنسان؛ حيث تباد جماعة ولا تذكر حقوق الإنسان فهي حقوق بعض البشر وليس كلهم، وهي حقوق نتجت نتيجة صراعات بعد قرون من الزمن وحروب دينية،وبين دول، فهي نتيجة ظروف معينة وزمان معين ونتيجة لتوازنات فلما يختل التوازن تسقط هذه الحقوق بدليل ما حدث في القرن الماضي عندما اختلت الموازين حيث وقعت حربان عالميتان، فحقوق الإنسان في الغرب حقوق هشة جزئية انتقائية، وهم يعطون حقوق غيرهم المقيمين هناك ما داموا بينهم ضمانا بأن لا تكدر على حياتهم، أما إن غادرت بلدهم فلا تبقى لك حقوق؛ لذلك نجد في بعض دول هؤلاء المقيمين الاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي ولا يهتمون بحقوقهم.واقع المسلمين لا يعكس مستوى نظرية حقوق الإنسان في الإسلام
وقال النجار إن نشرح أن حقوق الإنسان للإنسان المطلق وأنها لاتتغير بتوازنات أو مصالح أو زمان؛ لكنه تأسف أن هذه النظرة هي ما في ديننا لكن ما في واقعنا ليس كذلك وهم يحتجون علينا بهذا الواقع، ونحن نقول حياة المسلمين ليست حجة على الإسلام، فينبغي أن نقدم الحقوق للعالم كما جاءت في ديننا، وسيكون البعض في بلاد الغرب مستعدا للسماع من مفكرين أحرار؛ حيث يتساءلون انطلاقا من أحداث غزة عن أي حقوق إنسان تتحدثون، وعندما تهدأ الأمور سيراجع الناس منظومة حقوق الإنسان مراجعة حقيقية، وهنا يأتي دورنا نحن فعندنا الكثير الذي نقدمه؛لأن ديننا دين المصلحة الإنسانية، فعندنا ما نضيف للعالم اليوم إذا كنا واعين وتوفرت لدينا الإرادة والفهم الصحيح، وعلينا أن نحرر مفاهيمها ابتداء قبل أن نتقدم بها وفق مصادرنا الصحيحة، ونضعها في قالب مقبول ونخاطب بها العلم باللغة والمنهجية التي يفهمها التي تتقبلهاعقلية العالم اليوم، والمزاج الثقافي ليس ذاته كماكان قبل قرون،فقديما كان الخطاب يقوم على المنطق المجرد لكن اليوم العالم ذرائعي مصلحي فينبغي أن تكلمه بما ينفعه ويحقق مصلحته،وهذا منهج قرآني، فنجد القرآن حين يعرض العقيدة يعرضها ثم يذيلها بما تنتج عنه من مصلحة، وهي مسؤولية الأجيال المسلمة القادمة بأن تعد مفاهيم حقوق الإنسان بما يجعلها مفهومة، وسيجد العالم نفسه مصغيا لأنه يعاني من مشاكل؛ فتقدم الحقوق في ثباتها وإنسانيتها وفي ضروريتها و إلزاميتها، و يمكن أن يستمع العالم لهذه الحقوق والأزمات التي يعيشونها تجعلهم يتساءلون ويتقبلون، وهذا متوقف على عرضنا نحن وبطبيعة بلاغنا.
ع/خلفة
مجلة رسالة المسجد تنجح في تحقيق معايير اعتماد مُعامل التأثير (أرسيف)
نجحت مجلة «رسالة المسجد» الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في تحقيق معايير اعتماد مُعامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي (أرسيف-Arcif )المتوافقة مع المعايير العالمية، والتي يبلغ عددها (32) معياراً.حيث صُنفت في تخصص الدراسات الإسلامية من إجمالي عدد المجلات (103) على المستوى العربي ضمن الفئة (Q3) وهي الفئة الوسطى والذي نجحت فيه (1201) مجلة عربية، وهذا ما أصدرته مؤسسة (أرسيف) ضمن تقريرها التاسع للعام 2024.
للإشارة فإن معامل التأثير و الاستشهادات المرجعية للمجلات العلمية العربية (أرسيف (هو أحد مبادرات قاعدة بيانات «معرفة» للإنتاج والمحتوى العلمي، الذي يعمل على إجراء تقييم سنوي للإنتاج الفكري في العالم العربي ويصدر تقريرا سنويا بنتائج التقييم، حسبما كشفت عنه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
صــــــدى المنـــابـــــــــــر
تحصين أبنائنـــــا مـــــن خطـــــر المخـــــدرات والمهلوســـــــات
إن من أخطر الآفات التي تهدد شبابنا، وتدمر أبناءنا، آفة المخدرات، والأقراص المهلوسة، فلقد أضحى شبابنا اليوم مستهدفين من قبل المهربين والمروجين المجرمين، يدمرون عقولهم ودينهم، ويحطمون صحتهم ومستقبلهم، كم من شاب كان مستقيمُ الخلق والدين، مهتما بدراسته، وبناءِ مستقبله، ولما وقع في وحل المخدرات انحرف خلُقُه، وضاعت حياتُه ومستقبلُه، وفشل في دراستِه.
أيها المؤمنون: كلنا يعلم آثار وأضرار المخدرات على الصحة والأسرة والمجتمع، الكثير منا يَذْكُرُ أحداثا مؤلمة، وقصصا مفجعة، ونهايات مأساوية للمدمنين، لكن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه، ما الذي يجعل فئة من شبابنا تنجرف وراء هذا الداء، رغم أنهم يعلمون عظيم مخاطره، وتحقق مهالكه، إنه سؤال نملك الإجابةَ عليه، ونعرفه، ألا وهو أننا نحن المسؤولون عن ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار المهلوسات والمخدرات.
نعم نحن المسؤولون عنهم، حينما أهملنا تربيتهم، وغفلنا عنهم، وتركنا مجالستهم، وجعلناهم فريسة لأصدقاء وقرناء السوء، وضحايا لبث قنوات الفسق والفجور، وغرقى في دهاليز وسائل التواصل المفتوحة بلا حسيب ولا رقيب.
نحن المسؤولون عنهم حينما غيَّبنا البُعْدَ الدينيَ والإيمانيَ في تربيتهم، فلم نغرس في قلوبهم خشيةَ الله سبحانه ومحبتَه، ومحبةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم نعودْهم على تحري الحلال وتوخي الحرام، منذ نعومة أظفارهم، ولم نعلقهم بالقرآن وحلق تحفيظه، ولم نربطهم بالصحبة الصالحة، ومجالس الصالحين منذ صغرهم، وفي أول نشأتهم.
نحن المسؤولون عنهم إذ لم نجعل المسجد مكانا عظيما في قلوبهم، يألفونه ويرتادونه في اليوم خمس مرات. قال الله تعالى ((وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)).
نحن المسؤولون عنهم، إذْ لم نكن لهم قدوة صالحة، فالأطفال بطبيعتهم يتأثرون بوالديهم ويقلدونهم في تصرفاتهم، أما ترونهم كيف يقلدون آباءهم في عباداتهم وعاداتهم الحسنة كما يقلدونهم في المقابل في العادات السيئة
نحن المسؤولون عنهم، إذ أهملناهم وانشغلنا عن مجالستهم وتربيتهم، فهذا أب مشغول بتجارته وصفقاته، وآخر بأسفاره أو بسهراته مع رفقائه؛ ألا فليعلم الآباء والأمهات أن انشغالهم عن أولادهم لهو من أعظم الأسباب المؤدية إلى ضياعهم وانحرافهم.
نحن المسؤولون عنهم حينما نهمل تعليمهم ثم تكون البطالة نصيبهم، ونحن المسؤولون عنهم إذا علمنا بأن أحد الأقارب متورط في الإدمان وله علاقة بهم، أوأننا لا نعرف رفقاءهم، وقد نتركهم في الخارج يسهرون، ولا نعلم مَن يجالسون، ومع مَن يذهبون، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن دورنا كآباء ومربين، هو الدور الأكبر في تحصين أبنائنا وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات، من قبل أن يأتي يومٌ نعض فيه أصابع الندم، ونتحسر فيه على أكباد ضيعت، وأصبحت فريسة للمفسدين، نسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء وشر ومكروه.
إن ظاهرة المخدرات والأقراص المهلوسة انتشرت في مجتمعنا برعاية منظمات وعصابات مجرمة، همها جمع الثروات.
على حساب صحة وعقول الآخرين، ففي كل شهر أو أسبوع، نسمع من وسائل الإعلام، إحباط الكثير من محاولات التهريب، وللأسف الشديد، فإن الكثير من هؤلاء المهربين يريدون أن يستكثروا من جمع المال، على حساب صحة الآخرين وحياتهم،ألا فليعلم هؤلاء المفسدون، أن الله سبحانه لهم بالمرصاد، وسيفضحهم لا محالة في الدنيا قبل يوم المعاد، وستصيبهم الذلة والمهانة، أما ما يجمعونه من مال، هو سحت لا بركة فيه. فإن أنفقوه لم يبارك لهم فيه، وإن خلفوه وراءهم، كان زادا لهم إلى النار، فعليهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم، ويبادروا بإنقاذ أنفسهم، فباب التوبة مفتوح.
الشيخ عبد الرحمان مهيدي، ولاية بشار