الأربعاء 30 أفريل 2025 الموافق لـ 2 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

الأجبان الجزائرية: صناعة تقليدية تبحث عن الاستثمار الاقتصادي


* باحثون إيطاليون انبهروا بذوق «بوهزة»
تشتهر الجزائر بأنواع عديدة من الأجبان التقليدية التي مازال مصنعوها من مربي المواشي يحافظون على هذه الحرفة، فيما يسعى باحثون مختصون في المجال للتعريف بها وتقديمها للمستهلك الجزائري وذلك لتوسيع دائرة الاستثمار فيها والترويج لها على المستوى العالمي، وفقا للدكتورة وردة عيساوي حمامة الأستاذة الجامعية الباحثة في مجال الأجبان.

إيناس كبير

وتعد صناعة الأجبان في الجزائر تقليدا تم توارثه منذ القدم لكنه تراجع بسبب عدة عوامل، فيما يحاول المهتمون بهذه الحرفة إعادتها إلى الواجهة حفاظا على هذا الموروث، فضلا عن القيمة الصحية التي يتمتع بها الجبن التقليدي وذوقه المميز، ناهيك عن الفائدة الاقتصادية المحققة منه عند الترويج له والاستثمار فيه، وفي هذا السياق فقد تحقق توثيق جبن «بوهزة» سنة 2022 من طرف وزارة التجارة كنوع خاص بمنطقة أم البواقي بعد مساع حثيثة ودراسات قام بها باحثون متخصصون في علوم التغذية والتغذي وذلك بالنظر إلى أن هذا النوع تتفرد به الجزائر دون غيرها من بلدان العالم.
أنواع تمثل تقاليد كل منطقة
وتوجد في الجزائر حوالي 13 نوعا من الأجبان تختلف طريقة صنعها، وتسميتها، ومذاقها حسب المناطق التي تنتجها، وذكرت الباحثة في البيوكيمياء والتكنولوجيات الغذائية، أستاذة في معهد التغذية والتغذي والتكنولوجيات الفلاحية الغذائية بجامعة منتوري قسنطينة، البروفيسور وردة عيساوي حمامة، أجبان طازجة، وحوالي ثلاث أنواع أخرى مخمرة، ومنها المعروفة في كل التراث الوطني وذكرت «لكليلة، لَجْبَنْ»، و»اللبة» وهو سائل تنتجه الأبقار أول أيام وضع حملها يُطهى قليلا ثم يضاف له البيض بعدها يُترك ليتماسك ويتحول إلى جبن.
أما منطقة الأوراس وفقا للأستاذة، فيتوفر فيها عدد من الأجبان النابعة من العادات والتقاليد الغذائية للمنطقة وهي «بوهزة، ميشونا، مدغيسة، ايمدغس، لادغس»، فيما ينتشر جبن «إغيوغلي» في ولاية تيزي وزو، أما «لقفص» الذي تحصل على جائزة منذ سنتين في فرنسا فيتواجد في الجلفة وبوسعادة، ويعرف الجنوب الجزائري بجين «لالوس» في الهقار، «تاكماريث» في غرداية، «تيكمارين» في تمنراست.
وتبين الاختلافات الموجودة بين هذه الأنواع عن ثراء تقاليد كل منطقة خصوصا في نمط التصنيع، وأفادت البروفيسور وردة أن بعض الأنواع تستخرج من تخثير اللبن، مثل «لكليلة، لاولس» وأجبان منطقة الأوراس، أما المصنعة من الانزيمات فهي «لقفص، تاكماريت، تيكمارين»، مضيفة أنها تملك خصائص مختلفة.
وتحدثت عيساوي حمامة أن هذه الأجبان متواجدة في الجزائر منذ القدم لكن صناعتها تراجعت بسبب الاحتلال وانحصرت في القرى فقط التابعة لبعض الولايات، أيضا النزوح الريفي وتغير عادات الأكل خصوصا لدى الجيل الجديد، ناهيك عن وفاة أغلب الحرفيين الكبار في السن، لذلك دعت إلى الحفاظ عليها والعودة إليها خصوصا لما لها من قيمة غذائية وصحية، ومشبعة بالبروتين، الكالسيوم، والبكتيريا النافعة.
الجزائر تنفرد بصناعة جبن «بوهزة»
وأكدت الباحثة في مجال الأجبان، أنه لا يوجد جبن يُصنع بالطريقة التي يحضر بها «بوهزة» بالجزائر، والذي تعد «الشكوة» المصنوعة من جلد الماعز أو الظأن آداة أساسية لتحضيره، مشيرة إلى نوعين من الجبن وهما جبن «التولوم» في تركيا، و»الضرفية» في لبنان تصنع بوسيلة تشبه «الشكوة» شكلا لكنها تختلف من حيث المادة المصنوعة بها، كما تختلف طريقة تحضيرهما عن جبن بوهزة، نتيجة استخدام الإنزيمات لاستخلاص الجبن، على خلاف بوهزة المستخلص من اللبن فقط.
وتحدثت الأستاذة وردة عن الدراسة التي قامت بها حول جبن «بوهزة» والتي استغرقت حوالي 25 سنة، بحثت خلالها في طريقة التصنيع، الخصائص الفيزيائية والكيميائية والميكروبيولوجية، وتفاصيل أخرى مثل الذوق، البكتيريا النافعة، وخصائص «الشكوة»، قائلة إن الدراسة انطلقت من استطلاع في ولاية أم البواقي وبناء على المعلومات التي تم تسجيلها، تعرفوا على هذه التفاصيل، فضلا عن خصائص اللبن، ونسبه بالإضافة إلى الملح، ولفتت الأستاذة أنها كلها معايير مضبوطة للحصول على المذاق والقوام ذاته.
وأضافت المتحدثة، أنها أجرت تحاليل مخبرية أيضا على العينات التي تحصلت عليها من عائلات المنطقة ورصدت التغيرات التي تحصل على مدى 70 سنة من ناحية التشابه في الخصائص الفزيوكيميائية والميكروبيولوجية، وتحديد طريقة التصنيع وقد نُشر أول مقال علمي حول هذا الجبن سنة 2011، كما تم تصنيف البكتيريا الموجودة فيه، والنكهات سنة 2012، مردفة أن الدراسات لا تزال جارية، وآخر ما توصلت إليه، هو ضرورة احترام المعايير التقليدية لصناعة «الشكوة» لتجنب أضرار أو جراثيم تهدد صحة المستهلك. أخبرتنا الأستاذة أنها نقلت معها عينات من جبن «بوهزة» إلى إيطاليا من أجل إجراء تحليلات له في مخابر مختصة خصوصا وأن الدولة تشتهر بهذه الصناعة التقليدية، وأعقبت أن الايطاليين في البداية رفضوا تذوقه خصوصا عندما عرفوا أن الوسيلة المستخدمة في استخراجه مصنوعة من جلد الماعز، لذلك أرادوا التأكد من خلوه من أي بكتيريا ضارة وقد كشفت التحليلات التي قاموا بها ذلك وأرجعت هذا إلى أن الوسط المصنع فيه لا يسمح بتشكلها، مشيرة إلى أنهم انبهروا بالذوق.
وعن توسيمه أفادت الدكتورة أنهم قدموا المساعدة لجمعية «إمسندا» الذين أنجزوا معهم بحث في إطار وطني عندما قرروا وضع ملف التوسيم حتى يكون له مرتكزات علمية تحدد طريقة الإنتاج، خصائص الجبن، طريقة الحفظ، تضيف أنهم كانوا متواجدين إلى جانبهم أيضا في الاجتماعات المنعقدة مع الوزارة إلى أن تحصل «بوهزة» على التوسيم.
استخلاص جبن للدهن وكريمات من «بوهزة»

وكشفت وردة عيساوي حمامة، أنهم يعملون حاليا على استخراج سلالات بكتيرية تتمتع بخصائص تكنولوجية و»بروبيوتيك» من البكتيريا الحية الموجودة في الجبن، وقد قاموا بتجريبها في إنتاج اللبن، الزبدة، وأنواع أخرى من الأجبان بهدف تخريج منتجات أخرى للمستهلك حتى يتذوق هذا الطعم المميز، فضلا عن التسويق له على المستوى الوطني، وفي هذا السياق ذكرت أنهم استخرجوا من «بوهزة» جبن للدهن، كريمات، و»بسكويت مالح».
ومن الأجبان التي ترى الأستاذة أنها تستحق التوسيم أيضا، قالت إنها اقترحت العمل على «مدغيسة»، «تكماريث»، و»لقفص» الذي يعملون عليه منذ ثلاث سنوات وتوصلوا إلى تحديد خصائصه وطريقة تصنيعه، في انتظار تبني الملف مع فتح الأبواب للجهات المختصة للعمل على توسيمه.
الترويج أساس فتح باب الاستثمار
وترى الدكتورة والباحثة في مجال الأجبان، أن الترويج للأجبان التقليدية في الجزائر يحتاج أولا إلى التعريف بها، وبطريقة تصنيعها، والمناطق التي تتواجد بها فضلا عن خصائصها الغذائية حتى تقبل عليها المحلات المختصة في بيعها، وفي هذا السياق عقبت أن أغلب الأجبان التي تُسوق في الجزائر على أنها تقليدية هي في حقيقة الأمر أنواع عالمية مثل «غودا»، «بارميزون»، «موتزاريلا»، مع غياب الأنواع التقليدية الجزائرية وأرجعت ذلك إلى جهلهم بها.
واعتبرت الأساتذة أن الاستثمار في هذا المجال مفتوح للجميع كما توصلوا من خلال الأبحاث التي قاموا بها أن المستهلك الجزائري يرحب بفكرة تجريب هذه الأنواع فضلا عن أذواقها الجديدة، وترى أنه يجب دعم سكان المناطق الرعوية الذين مازالوا يتمسكون بهذه الحرفة حتى يتمكنوا من الحفاظ عليها فضلا عن التحسيس بأهميتها كموروث، لأن رواج نوع معين يمكن أن يساهم في التعريف بكل المنطقة وفقا لها.
وعن المجهودات المبذولة من قبل الباحثين، للتعريف بالأجبان التقليدية، تحدثت الأستاذة عن تنظيم يوم وطني سنة 2022 موسوم بـ»الأجبان الجزائرية بين التقاليد والبحث» بالتعاون مع جمعية «امسندا» للحفاظ على جبن «بوهزة»، تحدثوا فيه عن أهمية التعريف بها وكيفية استغلال هذا الموروث في البحث العلمي، كما ساهمت خلال سنتي 2023 و2024 مع وزارة الفلاحة بالتنسيق مع المنظمة العالمية للتغذية لإصدار أول كُتيب للمنتوجات المحلية أُدرج فيه عدد من الأجبان التقليدية من مختلف مناطق الوطن.
صحة الحيوانات مهمة لضمان الجودة
ونصحت الأستاذة في معهد التغذية والتغذي بجامعة قسنطينة، والباحثة في البيوكيمياء والتكنولوجيات الغذائية، وردة عيساوي حمامة، بالاهتمام بصحة الحيوانات المنتجة للحليب والألبان على غرار الأبقار، الماعز، الجمال، والحرص على عدم إصابتها بالأمراض خصوصا السل لأن الأجبان الجزائرية، حسبها، يُستخدم في أغلبها الحليب الطازج، مع الاهتمام أيضا بتغذية الحيوانات لضمان جودة الحليب.
كما أشارت إلى ضرورة التكوين في المجال خصوصا لدى مراكز تدريب موثوقة، مضيفة أن باب الجامعة مفتوح للجميع، حيث لفتت إلى أن معهد التغذية والتغذي فتح شعبة ماستر مهني لمدة سنتين في شعبة الحليب ومشتقاته يتعلم من خلاله المتربص كل ما يتعلق بتربية المواشي، التعرف على أنواع الأجبان الموجودة، فضلا عن فتح ورشات لإنتاج الأجبان.
إ.ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com