تشهد رياضة الفروسية في السنوات الأخيرة، بولاية قسنطينة شعبية متزايدة، لا سيما وسط فئة الأطفال والشباب، مع تسجيل اهتمام لافت من طرف الإناث، اللواتي ارتفع عددهن بشكل ملحوظ مقارنة بالذكور، وفق ما أكده مدربون بعدة نواد للفروسية بالمدينة.
يعكس هذا الإقبال بحسب استطلاع قامت به النصر، تنامي الوعي لدى الأولياء بأهمية هذه الرياضة، التي لا تقتصر على البعد البدني فحسب، بل تتعداه إلى كونها وسيلة تربوية ونفسية، تسهم في صقل شخصية الطفل وتنمية مهاراته الاجتماعية والانفعالية.
«فريق الفرسان الصغار»
تسجل ولاية قسنطينة، التي باتت تحتضن عددا معتبرا من نوادي الفروسية، حركية خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع والعطل المدرسية، حيث تتوجه العائلات برفقة أبنائها إلى هذه النوادي، التي توفر برامج تدريبية موجهة خصيصا للأطفال.
تبدأ هذه البرامج حسب ما أكده لنا مدربون، بتعريف الطفل على الخيل وطريقة التعامل معها، ثم الانتقال تدريجيا إلى دروس ركوبها، وفق شروط السلامة والانضباط.وقد تزامنت زيارة ميدانية قمنا بها إلى أحد أشهر وأقدم نوادي الفروسية في المدينة، مع توافد عدد كبير من الأطفال في حدود الساعة الثانية زوالا، موعد التحاق «فريق الفرسان الصغار»، وهم أطفال من مختلف الأعمار بدوا لنا منظمينن وودودين، باشروا نشاطهم النادي بتبادل التحية فيما بينهم، قبل أن يرحب بهم المدربون بابتسامة دافئة.
جلس الفرسان الصغار في حلقة صغيرة يتناقشون حول الأحصنة التي يرغب كل واحد في امتطائها، ليوافق المدرب على اختياراتهم أو يقترح بدائل أخرى إما لأسباب تربوية أو صحية، وقد علما أن السبب قد يكون أيضا حاجة الحصان للراحة، أو ربما إصابته بالمرض.
تلى الاجتماع الصغير دخولهم إلى الإسطبلات، أين قصد كل واحد الخيل المحددة، وباشروا تنظيفها وتمشيط شعرها وتجهيز السروج قبل إخراجها الحيوانات إلى الحلبة.شدت انتباهنا في هذه المرحلة، العلاقة العاطفية المميزة التي تربط كل طفل بحصانه، حيث يتواصل كل واحد بطريقته الخاصة، منهم من يهمس بكلمات مطمئنة في أذن الحصان، ومنهم من يغني له، وآخرون يستعملون نبرات صوت أو إشارات معينة لتهدئته، في مشهد يعبر عن عمق هذا الرابط الذي يتجاوز التمرين ليصل إلى ما يشبه الصداقة. لاحظنا أيضا خلال تواجدنا في المكان، العديد من الأولياء الذين يحرصون على مرافقة أبنائهم وتشجيعهم، وقد عبروا عن رضاهم الكبير بهذه التجربة التي انعكست بشكل إيجابي على نفسية وسلوك أبنائهم، إذ اجمعوا أن أبناءهم أصبحوا أكثر انضباطا، وأكثر هدوءا وثقة بأنفسهم، بل إن البعض منهم شهد تحسنا ملحوظا في تحصيله الدراسي، نتيجة التنظيم والانضباط اللذين اكتسبهما من النادي.تحدث الأطفال بكل حماس عن علاقتهم بالخيل، وعبروا عن مدى حبهم لهذه الرياضة، التي يجدون فيها متنفسا حقيقيا للتعبير عن الذات، وتكوين صداقات جديدة، سواء مع أقرانهم أو مع خيولهم.
ويبقى ما يميز الفروسية حقا، كما عبر أحد الفرسان، هو كون الرياضة أسلوب حياة، لما تتطلبه من التزام وهدوء، واحترام متبادل بين الفارس والخيل، وهي القيم التي تجعل منها رياضة فريدة من نوعها، لا تشبه غيرها من الرياضات الجماعية أو الفردية.
ركوب الخيل يعلم الهدوء
أكدت الطفلة دانيا لحمر، البالغة من العمر 16 سنة، أنها بدأت تعلم ركوب الخيل سنة 2022، بتشجيع من صديقاتها اللواتي كن منخرطات في نادي الفروسية بقسنطينة، حيث كانت ترافقهن أحيانا، فانجذبت إلى أجواء النادي وجمال الخيول، ما دفعها إلى اتخاذ قرار الانضمام.وقالت دانيا، بأنها أعجبت كثيرا برياضة الفروسية، خاصة بالتواصل المباشر مع الخيل، مؤكدة أنها تعلمت منها الكثير من القيم مثل الانضباط والصبر، كما أصبحت أكثر هدوءا في محيطها الاجتماعي.وأضافت الشابة، بأن هذه التجربة كان لها أثر إيجابي حتى على مستواها الدراسي، حيث أصبحت أكثر تركيزا وتنظيما. مؤكدة بأن لديها علاقة جيدة مع جميع أحصنة النادي، كما جربت ركوب كل واحد منها.
متابعة بالقول:» لكل حصان شخصيته الخاصة وطريقته في التعامل، فبعضها سهل والبعض الآخر يحتاج صبرا وفهما».
الانضباط أساسي في الفروسية
من جهتها، روت دانيا ميلودي، البالغة من العمر 15 سنة، بداياتها مع الفروسية قائلة إنها بدأت ركوب الخيل منذ ثلاث سنوات، معلقة:» كنت أحب الخيول منذ صغري، وكنت ألح على والدتي لتسجيلي في نادي فروسية لكنها كانت تفضل أن أمارس السباحة وبعد إلحاح كبير، نجحت في إقناعها والتحقت بالنادي».
وأكدت دانيا، أن الفروسية علمتها الصبر والانضباط، معتبرة أن هذه الرياضة تتطلب الكثير من الالتزام والجدية، موضحة بأنه لا يمكن لأي شخص أن يتعلم هذه الرياضة بدون انضباط. إذ أنه كما شرحت، يجب أولا قبل الركوب تنظيف الحصان، كما أن الفارس نفسه يجب أن يعتني بمظهره ويكون في هيئة لائقة، وتابعت حديثها عن يومياتها في النادي بقولها « أول ما نقوم به عند الدخول هو لقاء الأصدقاء، ثم نختار الحصان الذي سنمتطيه، وبعدها نبدأ التدريب وفق تعليمات المدرب.»
وأكدت دانيا أنه ورغم التزامها بالتدريبات، إلا أنها تنجح في التوفيق بين شغفها بالفروسية وتفوقها في الدراسة.
هكذا يتم التواصل مع الخيول
تحدثت الطفلة شهيناز بوحبيلة، البالغة من العمر 14 سنة، عن تجربتها مع رياضة الفروسية، مشيرة إلى أنها بدأت ركوب الخيل منذ سنتين. وقالت بأنها منذ أن كانت صغيرة، وهي تشاهد أفلاما ووثائقيات عن الخيول، فأحبتها من دون أن تحتك بها. ومع الوقت أصبحت تحلم بأن تركب الخيل يوما ما.
وأوضحت شهيناز، أن الفروسية علمتها الصبر بدرجة كبيرة، لأن كل مرحلة من مراحل التعلم تتطلب تركيزا طويلا وتدرجا، مؤكدة في ذات السياق، بأن هذه الرياضة ليس لها حد تقف عنده، فكل يوم تتعلم عنها شيئا جديدا. مضيفة، بأنها بدأت التدريب مباشرة على الأحصنة الكبيرة، دون أن تمر بالحصان القزم كما يفعل البعض.
وشددت شهيناز، على أهمية التعامل الذكي والهادئ مع الخيول، ذلك لأن بعض الأحصنة تخاف من بعض الأصوات أو الحركات المفاجئة، لذلك يجب تجنبها، ومن المهم التواصل معها بأسمائها، أو بعض الأصوات الخاصة، وأحيانا يمكن التواصل بالأغاني.وأشارت شهيناز، إلى أن لكل حصان اسمه وشخصيته المختلفة، ومن بين الأسماء التي تذكر «هاهيلونا»، «سيلين»، «طابور»، «شهرزاد»، «إلين» «هيلدا»، «ماكدا»، «خليف»، «سلطان»، «لوليت»، «سلطانة»، و»ديفيد».وأضافت،أن أصحاب الأحصنة يختارون أسماء تعبر عن شخصية كل حصان، وهذا يجعل العلاقة معه أكثر قربا وتفاعلا، مشيرة في سياق منفصل إلى أن العمر ليس مقياسا في هذه الرياضة، فهي وصديقاتها من أعمار مختلفة، لكن يجمعهم حب الخيل، وعلاقتهم بالأحصنة قوية جدا حتى إنهم إن مرض أحدها أو أصيب يتأثرون ويحزنون كثيرا.
لغة خاصة للتواصل
أكد الطفل إياد لعجاج، البالغ من العمر 9 سنوات، أنه بدأ ركوب الخيل منذ أن كان في السادسة من عمره، مشيرا إلى أنه أحب الخيول كثيرا وأقنع والديه بتسجيله في نادي الفروسية.
وقال، بأنه في البداية كان خائفا جدا، لكنه مع الوقت أصبح يفهم الخيول ويتفاهم معها. وأضاف البرعم، أنه تعلم من هذه الرياضة الكثير من الأساليب والمهارات الرياضية، معربا عن سعادته الكبيرة بممارستها بانتظام.
راحة نفسية وتغير في الشخصية
وقال الطفل بلعيد منذر، البالغ من العمر 13 سنة، إنه بدأ ممارسة رياضة ركوب الخيل منذ سنة فقط، بعد أن شدت انتباهه مشاهد الخيول في التلفاز، فأعجب كثيرا بها وقرر خوض التجربة.وأكد منذر، أن مستواه الدراسي تحسن منذ انخراطه في النادي، مشيرا إلى أن والديه لاحظا تغيرا إيجابيا في شخصيته وأعجبا بها، وأضاف أن ركوب الخيل منحه راحة نفسية كبيرة. متابعا بالقول :»صحيح أن الفروسية كانت صعبة في البداية، لكنها تصبح أسهل مع الوقت والممارسة»، مشيرا إلى أن حصانه المفضل في النادي يدعى «بلخير»، واصفا إياه بأنه الأقرب إلى قلبه.
حب الخيل من أول امتطاء
قال الطفل أنس لعجاج، البالغ من العمر 12 سنة، إنه بدأ ممارسة رياضة الفروسية سنة 2021، مؤكدا أن شغفه بالخيل بدأ منذ اللحظة الأولى التي امتطى فيها الحصان، وهو ما دفعه إلى مطالبة والديه بتسجيله في النادي.وأوضح أنس، أن النادي لا يقتصر فقط على تعليم الفروسية، بل يحرص أيضا على متابعة التحصيل الدراسي للأطفال. مؤكدا بالقول :» إذا لم أتحصل على نقاط جيدة في الامتحانات، أتعرض لعقوبة داخل النادي». وأشار، إلى أن هذا النظام ساعده على تنظيم وقته والاهتمام أكثر بدراسته.
* عيسى عطوي رئيس جمعية نادي سيرتا
الفروسية تحسن شخصية الأطفال
أكد عيسى عطوي، رئيس جمعية نادي سيرتا للفروسية، على مستوى القرية النموذجية بمفترق الطرق الأربعة قادري إبراهيم، أن هناك إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة على رياضة الفروسية من طرف الأطفال مرجعا ذلك، إلى تزايد وعي الأولياء بأهمية هذه الرياضة على الصحة النفسية والبدنية للأطفال، وكذلك على مستوى تعليمهم والانضباط..
وأضاف عيسى، أن رياضة الفروسية تعد علاجا مفيدا للأطفال، حيث تساعد على تصفية أذهانهم، ورفع معنوياتهم، وتعليمهم الالتزام منذ الصغر، بالإضافة إلى أنها تعزز حبهم للحيوانات.
وأشار المتحدث، إلى أن هناك العديد من الأطباء الذين ينصحون أولياء الأمور بتسجيل أبنائهم في نوادي الفروسية لما لها من أهمية كبيرة خصوصا للأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، والعزلة الاجتماعية والخجل المفرط، أو صعوبة النطق.
وأكد رئيس النادي، أن هناك فئة كبيرة من الأطفال الذين يطلبون من أولياء أمورهم التسجيل في نادي الفروسية لحبهم الشديد للخيول، حيث يجدون فيها الرفقة والألفة. موضحا في ذات السياق، أن رياضة الفروسية في بدايتها تكون في متناول الجميع وليست مكلفة كما يعتقد البعض، بدليل أن جميع الطبقات والفئات الاجتماعية تقبل عليها.
وأضاف، أن تكلفة التدرب على الخيل ترتفع بعد تحسن مستوى الأطفال في الرياضة ليصبحوا فرسانا يشاركون في المسابقات، حيث يتطلب الأمر امتلاك حصان للمسابقات، بالإضافة إلى تكاليف أخرى للاعتناء به. وأكد،أن المبتدئين يدفعون 15 ألف دينار جزائري في بداية السنة للتسجيل في النادي، تشمل العديد من المزايا، إضافة إلى أقساط شهرية قدرها 4000 دينار، تمكنهم من التدرب على ركوب الخيل مرتين في الأسبوع، وعدة مرات خلال العطل الموسمية.
وأشار، إلى أن الفئة العمرية الأكثر إقبالا على نادي الفروسية هي الأطفال الصغار، من 5 سنوات فما فوق، الذين يتدربون على الحصان القزم.
وأضاف، أن ما جعل الأولياء يهتمون بتسجيل أطفالهم في رياضة ركوب الخيل هو التغيير الذي يحدث في طباع الصغار، حيث يصبح الطفل أكثر انضباطا، وذو شخصية قوية، ويتحسن مستواه الدراسي.
وأوضح المتحدث، أن الخطوات التي يتبعها الطفل في بداية تعلمه ركوب الخيل تشمل التكيف مع الحصان، حيث يبدأ بتسريحه وتنظيف ذيله، ثم يتعلم كيف يحفز الحصان على المشي والتحكم في حركاته. وبعد أن يتقن هذه المهارات، يترك الطفل ليتعامل مع الحصان بمفرده.
أما عن التحديات التي يواجهها كمدرب، فأوضح عيسى أن أكبر تحد هو زرع الثقة بين الطفل والحصان، خاصة في حال مر الصغير بتجربة سقوط، حيث يحتاج إلى مساعدة في التغلب على خوفه.وأضاف أن النادي يقدم نشاطات موازية للترويج لرياضة الفروسية، إلى جانب فعاليات توعوية حول أهمية علاج مرضى التوحد بالخيل، وكذلك الأطفال الذين يعانون من مرض السكري، والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى التعاون مع الكشافة ورياض الأطفال.
وتحدث، عن اختلاف الأجيال في تعاملها مع الرياضة، ففي السابق كان الأطفال يخرجون للعب، وعند الذهاب للتدريب كانوا ينضبطون بشكل طبيعي في ممارسة الرياضة، أما اليوم فإن الأطفال يفضلون اللعب داخل المنزل، وبالتالي فإن حصص تعلم الفروسية أصبحت جزءا من نشاطهم الترفيهي.مؤكدا، أن البرنامج المتبع في الحصص التدريبية يبدأ بتوجيه الأطفال إلى التعامل مع الحصان وتعلم كيفية العناية به، ثم يتبع ذلك تمرينهم على ركوب الحصان والتحكم فيه.
* نبيل بنيني مدرب بنادي الفروسية بقسنطينة
إقبال كبير من فئة الإناث
أكد نبيل بنيني، مدرب نادي الفروسية في قسنطينة، أن النادي شهد إقبالا كبيرا في الآونة الأخيرة، ويعزو هذا الإقبال إلى عدة أسباب أبرزها بحسب قوله، قلة النوادي المخصصة لهذه الرياضة في مدينة قسنطينة بالإضافة إلى موقع النادي المتميز في وسط المدينة، ما يسهل الوصول إليه ويزيد من شعبيته بين محبي رياضة الفروسية.
وتابع بنيني، أن هناك أيضا وعيا متزايدا لدى أولياء الأمور بأهمية هذه الرياضة وفوائدها المتعددة، ليس فقط على المستوى البدني بل على الصعيدين النفسي والتربوي أيضا.
وأوضح المدرب، أن الفتيات يشكلن النسبة الأكبر من المسجلين في النادي، وهو ما يعكس تزايد اهتمامهن بهذه الرياضة الرفيعة، ويعبر عن تحول تدريجي في اهتمامات الفتيات نحو الأنشطة الرياضية التي كانت في السابق مقتصرة بشكل أكبر على الذكور.
وأشار المتحدث، إلى أن رياضة ركوب الخيل لها دور كبير في علاج بعض الأمراض النفسية والجسدية.
مضيفا في ذات السياق، بأنه لاحظ أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، سواء كانت جسدية أو نفسية، بدؤوا في ممارسة الفروسية كجزء من العلاج، حيث أثبتت الدراسات بحسبه، أن هذه الرياضة تساهم بشكل فعال في تحسين الحالة النفسية وزيادة الاستقرار .
وبخصوص مواعيد التدريبات، أفاد بنيني أنها تكون أيام الثلاثاء مساء والجمعة والسبت، في حين خصص يوم الخميس للنساء فقط. وهذه الرزنامة تتيح للمتدربين فرصا متنوعة في أوقات مناسبة لهم.
أصغر فارسة تبلغ من العمر 6 سنوات
وعن مستوى المتدربين في النادي، أكد المتحدث أن جميعهم متميزون دراسيا، وأن النادي يولي أهمية كبيرة لتحقيق التوازن بين الرياضة والتحصيل العلمي، ويشجع على الالتزام بكل من الدراسية والرياضية على حد سواء.
وأشار المتحدث، إلى أن فرسان النادي يمتلكون علاقة وطيدة جدا مع الأحصنة، فهم يعتبرونها أكثر من مجرد حيوانات رياضية، بل صديق وشريك في رحلة التدريب. مضيفا، بأن أصغر فارسة في النادي تبلغ من العمر 6 سنوات، ما يعكس مدى حب الأطفال لهذه الرياضة ورغبتهم في تعلمها منذ سن مبكرة. ل.د