أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
يحافظ حي المنظر الجميل بقسنطينة، على طابعه العمراني، ولا تزال الكثير من بناياته الكولونيالية، صامدة أمام متغيّرات العصر، بجدرانها الحجرية و قرميدها الأحمر و نوافذها الخشبية و حدائقها الجميلة ذات الأغصان المترامية و الورود المتدلية، و أيضا التقسيم الهندسي المنظم بين الأحياء و المساكن الفردية التي تضم طابقا أو طابقين، فالحي لا يزال يحافظ على طابعه القديم بامتياز.
حي المنظر الجميل، بدأ تشييده بين 1914 و 1915، و أغلب سكناته عبارة عن فيلات، أما العمارات فتعد على الأصابع بشرفاتها الدائرية و مداخلها الرخامية ، و أبوابها الحديدية أو الخشبية الكبيرة ، إلى جانب شواهد عمرانية عتيقة، على غرار مدرستين ابتدائيتين تستقبلان التلاميذ إلى غاية يومنا هذا ، بينما تم تحويل بعض البنايات لأداء مهام أخرى، كالمعبد اليهودي الذي تحول إلى مسجد ، و كذلك الكنيسة التي أصبحت مقرا للأمن الحضري ، و سينما الأنوار " لا بي سي" التي أوصدت أبوابها منذ سنوات، بعدما تم تحويلها في فترة ما، إلى قاعة للأفراح.
أما حديقة " فرفيو عبد المجيد" المقابلة لابتدائية جعفر محمد "جون جوراس " سابقا، فلا تزال شاهدة على تاريخ هذا الحي الراقي، و عادات سكانه من زبدة المجتمع القسنطيني، فالملاحظ أن جزءا كبيرا من هوية المكان لا تزال محفوظة.
حي راق يستقطب عائلات ثرية
يعود تأسيس حي المنظر الجميل بجزأيه العلوي و السفلي، إلى الحقبة الاستعمارية و يرجح أنه تم بين سنتي 1914و 1915، فكان بمثابة إقامة راقية للمعمرين ميسوري الحال و المثقفين و كذا بعض العائلات الجزائرية الثرية.
السيد عبد العزيز الذي يقطن بالحي منذ سنة 1958، قال للنصر، إن أغلب سكان المنظر الجميل، كانوا من الفرنسيين، و كانت مساكنهم فردية تحمل طابعا هندسيا موحدا و منسجما، ذات مدخل حديدي صغير و بستان متوسط المساحة يقع إما بالجهة الأمامية للمنزل، أو الخلفية منه، كما كانت كل البنايات مغطاة بالقرميد الأحمر، و كان الحي مقسما إلى شوارع حملت أسماء أطباء و سياسيين فرنسيين، على غرار شارع الطبيب " لافيرون" الذي لا يزال موجودا إلى غاية اليوم.
و قال السيد بن نوار ، الذي يقطن الحي منذ سنة 1962 ، أن المنظر الجميل كان فرنسيا ، حيث وقع الاختيار على موقعه لإنشاء تجمع سكني منفرد بطابعه العمراني و خصوصية قاطنيه ، فكان من بين أهم الأحياء الراقية في الفترة الاستعمارية، على غرار حي سيدي مبروك السفلي ، و ظل على ذلك الحال، لسنوات طويلة بعد الاستقلال، بعدما استقطب أكبر و أغنى العائلات القسنطينية، على غرار بن جلول، حداد، بن تشوالة، بن معطي، بن شيكو، بلحاج، بن طوبال غيرهم، و لا تزال منازلهم محافظة على نفس الطابع المعماري القديم إلى اليوم، بعدما أبى أبناء و أحفاد تلك العائلات تغييره، حفاظا على تراث آبائهم الذين توفي أغلبهم، فيما فضل آخرون الهجرة إلى الخارج، أو التنقل إلى الجزائر العاصمة.
تناغم عمراني جميل و صامد
في جولة النصر عبر أزقة و شوارع المنظر الجميل، لاحظنا احتفاظه بطابعه العمراني القديم، و أغلب بناياته القديمة لا تزال موجودة لغاية اليوم، بنفس تناسقها الهندسي العتيق، فأغلبها فيلات صغيرة، سقفها مغطى بالقرميد الأحمر، ذات بساتين صغيرة و سطوح مطلة عليها.
في المقابل هناك نسبة قليلة من هذه المساكن شهدت عمليات تهيئة أو إعادة ترميم و أخرى تم هدمها و تشييد مساكن عصرية مكانها، لكن المنظر العام لا يزال محافظا على خصائصه و تتوسطه أشجار البرتقال و اللارنج و الورود و الياسمين و مسك الليل.
من بين الأماكن التي لا تزال محافظة على طابعها العمراني الكولونيالي، نهج منور بوزيد و نهج الإخوة لزهر الذي كان يعرف باسم حي باستور، الممتد من أسفل عمارة الصندوق الجهوي لضمان الاجتماعي للعمال الإجراء بالجهة العلوية لحي المنظر الجميل، وصولا إلى الجهة السفلية عند نهاية حدود الحي قرب المعهد المتخصص للتكوين المهني حاليا، و يعتبر أهم نهج في المنظر الجميل.
و تتفرع من هذا النهج أزقة صغيرة من الجانبين، لتربطه ببقية أحياء المنظر الجميل الأخرى، على غرار حي الطبيب لافيران المتاخم له، و نهج باتريس لوممبا و غيرها، و قال السيد " بن نوار" إن الفيلات لم تتغير منذ قطن المكان مع والديه و هو صبي سنة 1962، و لا يزال جل قاطنيها محافظين على هندستها الخارجية و الداخلية، باستثناء بعض أعمال التهيئة، حفاظا على السكنات التي تأثرت بعض الشيء بعامل الزمن.
كما تم استبدال السياج الحديدي الذي يحيط بالمساكن بحائط إسمنتي يمنع مشاهدة ما يوجد في الحديقة، بينما الكثير من هذه الفيلات لا تزال تحمل أسماء أصحابها الفرنسيين، كتبت على حجر رخامي في المدخل، مثل فيلا "جولييت" و فيلا "ليون" و غيرهما، و من مجموع عشرات المساكن الموجودة على طرفي الشارع، توجد بنايتان فقط تم هدمهما و شيدت مكانهما مبان شاهقة و عصرية.
انتقلنا خلال جولتنا عبر عدد من الأزقة التي أضحت اليوم تحمل أسماء الشهداء الجزائريين، بدل الألقاب الفرنسية التي أطلقت عليها خلال الاستعمار، على غرار نهج بولقماح محمد و نهج بن معطي عبد الوهاب و حي ديبياوي حدة و غيرها.
كان المشهد متناغما، بنايات بأسوار خارجية متوسطة الطول، تغطيها أغصان الأشجار المثقلة بثمار الليمون و البرتقال، و الزهور المتدلية على الجوانب، خاصة في الجهة العلوية من المنظر الجميل.
بهذا الخصوص قال لنا السيد بن نوار، "المنظر الجميل كان يتميز قديما عن بقية الأحياء بكثافة وروده الموجودة بكل المنازل، إلى جانب أزهار مسك الليل التي تعبق المكان ليلا بعطرها الجميل، و كذا أشجار العنب التي كانت تزرع بكثرة في حدائق المنازل.
أما بالجهة السفلية فقد طرأت بعض التغييرات على السكنات فقد غزاها الألمنيوم و قام سكانها بتوسيع سكناتهم على حساب الحدائق و أصبحت الواجهات عصرية ذات نمط حديث، يغلب عليها الإسمنت و الألمنيوم و الحديد، و هناك من حولوا البساتين إلى محلات لبيع الملابس و المواد الغذائية و المقاهي، لكن عموما لا يزال 90 بالمئة من النمط العمراني الفرنسي موجودا إلى غاية اليوم.
مدارس و مساجد و بنايات تحاكي الزمن
إلى جانب نمطه العمراني المنفرد ، يتميز حي المنظر الجميل بوجود عدة مباني و معالم تحمل في طياتها قصص و حكايات مميزة ، على غرار المدرسة الابتدائية " جعفر محمد" المتواجدة بالجهة العلوية و التي يعود بناؤها إلى سنة 1935 على يد الفرنسيين ، و عرفت باسم " جون جوراس" و لا يزال الكثيرون إلى غاية اليوم يحتفظون بهذه التسمية الفرنسية ، نسبة لأحد السياسيين الفرنسيين و هو أوغيست ماري جوزاف جون ليون جوراس، و كانت مخصصة لتعليم الذكور في الطور الأساسي آنذاك ، في حين المدرسة المتاخمة لها التي كانت تحمل نفس الاسم أطلق عليها بعد الاستقلال اسم مدرسة مريم سعدان و كانت مخصصة للإناث فقط، و لا تزال المدرستان تؤديان مهمتهما في تعليم الأجيال الصاعدة محافظتين على شكلهما القديم.
أما بالجهة العلوية من الحي فتوجد مدرسة " سكينة" المشهورة "جون مار" و على اسم سياسي فرنسي عاش و مات بفرنسا، و كانت المدرسة في العهد الفرنسي مقسمة إلى جزأين واحد لتدريس الذكور و الآخر لتعليم الإناث ، و اليوم أصبحت مدرسة ابتدائية مختلطة ، فيما تحول الجزء المخصص لتعليم الإناث الذي عرف باسم "مدرسة برونات" إلى معهد عبد المؤمن بن طوبال لتعليم الموسيقى .
و من البنايات الشهيرة أيضا " سينما لا بي سي" التي تحمل اليوم اسم "سينما الأنوار" التي تم بناؤها سنة 1948 و كانت ملكا لسيدة فرنسية، و قال السيد عبد العزيز و هو من سكان الحي القدماء أن السينما كانت تنشط على مدار الأسبوع، و يقصدها سكان الحي، إذ كانت تعرض أجمل الأفلام الكلاسيكية.
أما السيدة عذراء 52 سنة، فعادت بذاكرتها إلى سنتي 1968 و 1969، عندما كان سكان المنظر الجميل يذهبون كل نهاية أسبوع إلى قاعة السينما، و تذكرت يوم العرض الأول للفيلم الثوري "الأفيون و العصا" للمخرج أحمد راشدي، الذي استقطب عددا كبيرا من المتفرجين، و أضافت المتحدثة أن بداخل القاعة يوجد مقهى صغير و فضاء لبيع الحلويات و المشروبات، و كان الجميع يقضون لحظات ممتعة داخل قاعة العرض، و تحولت ملكيتها بعد ذلك إلى أحد الجزائريين فحولها إلى قاعة للأفراح، ثم أغلقت لأزيد من 25 سنة.
و لمساجد الحي قصص مميزة، على غرار مسجد فلسطين المتواجد بحي ديبياوي حدة "جيلي فيري" سابقا، فقد كان عبارة عن مسكن خاص لأحد الجزائريين ثم قرر ذات يوم هدم المنزل و بناء مسجد مكانه، بعد أن شاهد مناما مؤثرا.
قام هذا الرجل ببناء جزء منه بمفرده، و بعد موته اتصل أبناؤه بمديرية الشؤون الدينية و الأوقاف التي تكفلت بإتمام البناء و أصبح وقفا، و ما يميزه رغم صغر مساحته، قبته الطويلة المزخرفة بفسيفساء جميلة.
باتجاه المنظر الجميل السفلي و تحديدا بشارع منور بوزيد " باستور سابقا" يوجد مسجد حداد ذو الهندسة المعمارية الجميلة، و هو ملك لعائلة حداد، شيد في الثمانينات، و صنف كوقف و ظل يحمل لقب العائلة إلى غاية اليوم.
كما يوجد بالمنظر الجميل مسجد آخر أسفل مسجد فلسطين، و هو الأقدم هناك، و يقال إنه كان معبدا يهوديا خلال الاستعمار، و بعد الاستقلال تم تحويله إلى مسجد، بينما تم تحويل الكنيسة الموجودة بالقرب من معهد التكوين المهني حاليا، إلى مقر للشرطة.
كما تم تحويل مرقد الطالبات الفرنسيات، إلى فندق لأعوان الشرطة، فيما لا تزال إلى غاية يومنا هذا، حديقة " فرفيو عبد الحميد" صامدة، التي تزخر بالنباتات و الأشجار و ألعاب الأطفال، فقد كانت العائلات الفرنسية تقصدها مرفقة بأبنائها الصغار للعب و الترفيه، و منذ الاستقلال إلى غاية اليوم لا تزال تستقطب العائلات القسنطينية، و قال السيد بن نوار إن سكان المنظر الجميل كانوا يذهبون كل مساء إلى الحديقة للجلوس و تبادل أطراف الحديث، و كان أطفالهم يلعبون أمامهم.
و أضاف المتحدث بأن موعد "قهوة العصر" كان مقدسا بالنسبة للعائلات، فكان سكان العمارات يشربونها في الشرفات، و سكان الفيلات يخصصون لارتشافها أماكن بحدائق منازلهم.
وهيبة عزيون