يقدن حملات لتنظيف مخلفاتها: نساء تيزي وزو يعدن الحياة للقرى بعد الحرائق

تقف نساء مداشر ولاية تيزي وزو، في الأيام الأخيرة متحدات لأجل إعادة الحياة للقرى التي تضررت بفعل حرائق 9 أوت الماضي، حيث يقدن حملات تطوعية لتنظيف مخلفات النيران التي استمرت لأكثر من أسبوع، حوّلت خلاله جنات الأشجار إلى رماد و شرّدت عائلات بأكملها ودمرت أجمل القرى التي كانت وجهات مفضلة لزوار منطقة القبائل.
و تعرف المبادرة التضامنية، مشاركة قوية لنساء مختلف القرى و المداشر التي أتت عليها النيران بولاية تيزي وزو، على غرار آث عبد المومن وآث مصباح وآث أحسن  و أورير وساحل وغيرها،  حيث يشرفن على عملية تطهير شاملة لمخلفات الحرائق المدمّرة، في محاولة لبعث الحياة من جديد في المناطق المنكوبة و تجاوز الصدمة عبر تغيير وجه المحيط و محو آثار الدمار الذي لحق به، وهو تحد رفعنه بعد أيام قليلة من تجربة الرعب التي مررن بها رفقة عائلاتهنّ و الألم الذي لا يزال يعتصر قلوبهن، بسبب مشاهد احتراق منازلهن و بساتينهن وأشجارهن، حيث وقفن مجددا متحدات قويات رغم صور الخراب المحيطة بهن ورائحة الدخان و الفحم التي لا تزال تسكن الجدران و تنبعث من كل الزوايا، وقد باشرن مؤخرا، أشغال التنظيف والتطهير وتجميل المحيط  لأجل أن تستعيد قراهن صورتها الجميلة ونظافتها المعهودة، مؤكدات بأنهن لن يتخلين عن الأرض التي ولدن و كبرن فيها و تربطهن بها علاقة تتعدى ألفة المكان إلى مشاعر الوطنية والانتماء الحضاري والثقافي.
ثجماعت و إعداد خطة العمل
تلتقي النساء كل صباح في ساحات القرى في إطار «ثجماعث» أو مجلس القرية، لوضع خطة عمل محددة والتنسيق فيما بينهنّ لتقسيم المهام، ثم يتوزعن في مجموعات صغيرة نحو جميع الاتجاهات، أين تقوم كل مجموعة بتنفيذ المهمة الموكلة إليها.
وفي أجواء مليئة بالنشاط تميزها الإرادة والعزيمة، يباشرن عملهن في تنظيف وتطهير أماكن عديدة باستخدام وسائل جد بسيطة، حيث تكون الانطلاقة عادة من أمام البيوت، أين يقمن بكنس  المحيط الخارجي و تنظيف الواجهات، ثم ينتقلن بعد ذلك، للأزقة والشوارع الرئيسية للقرى للتخلص من البقايا المتفحمة للأثاث والأغراض المختلفة المنتشرة هنا وهناك، و يشمل عملهن أيضا الساحات الكبرى والأماكن العمومية و الينابيع المائية والمقابر وغيرها، وقد برمجن حملات في الحقول والبساتين ذلك، أين يجتهدن في تنظيف وتنقية مساحات واسعة، عبر إزالة بقايا جذوع الأشجار التي التهمتها ألسنة اللهب و جمع القارورات الزجاجية والعبوات المرمية في كل مكان،  وفي أجواء تسودها روح التعاون والتآزر، يقمن أيضا بغرس بعض الشجيرات لتعويض تلك التي دمرتها الحرائق وكلهن أمل في أن تنمو من جديد و تؤتي ثمارها، كما شهدت العملية التطوعية التي قمن بها، إطلاق أعمال تجميل لواجهات المنازل المطلة على شوارع القرى وغرسا للورود.
نساء بعزيمة فولاذية
و بهذا الخصوص تقول «نا ويزة» وهي سيدة مسنة من قرية أورير بدائرة عين الحمام، أن مخلفات الحرائق كانت كبيرة جدا وهول المأساة كان أكبر و على جميع السكان، إذ لم يتبقى سوى الرماد المحترق والأشجار المتفحمة في هذه القرى، إلاّ أنّهن رفعن التحدي للقيام بمهمة التطهير والتنظيف لبعث الحياة فيها من جديد، مؤكدة، بأن مساهمة العنصر النسوي ضرورية لتنقية القرى وتخليصها من السواد الذي خلّفته هذه الحرائق حتى تستعيد بريقها وجمالها وتستأنف الحياة فيها مسارها الطبيعي، مضيفة، بأن جميع النسوة تحلّين بالإرادة والعزيمة لإزالة كل الخراب الذي طال المنطقة و تحسين البيئة المعيشية للقرويين رغم انعدام إمكانيات التنظيف، معلقة بالقول: « رغم الصدمة لا يجب أن نبقى دون أن نحرك ساكنا ونحن نرى آثار الحرائق في كل مكان».  محدثنا قالت، بأن حملات تنظيف المحيط البيئي لمختلف القرى الجبلية بتيزي وزو، ليست جديدة بل هي جزء  من عادات وتقاليد النساء للمحافظة على جمال هذه القرى وحماية السكان وممتلكاتهم من الحرائق التي تهددهم في فصل الصيف، حيث يشارك فيها الجميع ما عدا العجائز، مشيرة إلى أن البعد الجماعي والأجواء الاستثنائية التي يخلقها النشاط التطوعي، هي  ما يحفز النساء على الخروج للمساهمة في أشغال التنظيف، بحيث تتكاثف الجهود للتغلب على كل ما هو صعب.
وفي ذات السياق، أشارت «غنيمة» سيدة مشاركة في النشاط، إلى أن مهمة تنظيف المحيط في القرى، ثقافة تتحلى بها غالبية السيدات وتمتد على مدار أيام السنة، فقبل وقوع هذه الكارثة البيئية بأيام، كانت نساء المنطقة قد قمن بحملة «ثيويزي» أو «التويزة» لتطهير القرية من الحشائش اليابسة من أمام البيوت وبالقرب من الساحات العمومية، ورغم أن هذا العمل مرهق وشاق، إلا أنهن يحرصن على تكراره، لضمان نظافة محيط القرية لتفادي حرائق الغابات،  مع ذلك فقد خرجت الأمور عن السيطرة هذا العام، و أتت النيران على الأخضر واليابس وانتشرت في كل مكان و زحفت نحو المنازل وحولتها إلى رماد، مؤكدة أن إزالة مخلفات الحرائق تحد يجب رفعه دائما ودون خوف، و أن مساهمة جميع النساء ضرورية لمساعدة الرجال في إتمام هذه المهمة التي تتطلب تكاثف جهود الجميع.    
     سامية إخليف