استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمس الأربعاء، وفدا أوغنديا على رأسه السيد محمد أحمد كيسولي، المبعوث الخاص للرئيس الأوغندي، كبير...
* خـلق أقطاب امتـياز جـامعية في بعض التخصصاتناقشت الحكومة خلال اجتماعها، أمس، برئاسة الوزير الأول نذير العرباوي، سبل تعزيز الإطار التشريعي لقمع...
* الجزائر في الطريق الصحيح للحاق بركب الدول النامية * تلبية حاجيات المواطنين هو «الشغل الشاغل» أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس، من ولاية بومرداس،...
* نسبة المشاركة بلغت 31ر96 بالمائة * المحكمة الدستورية تشرع في استلام محاضر الفرز حل حزب جبهة التحرير الوطني في المقدمة في انتخابات التجديد النصفي...
بعثت من رماد معاناتها، تماما كطائر الفينيق الأسطوري، الفرق بينهما هو أن قصة منال بودبوز حقيقية، فهذه الصيدلانية الشابة، اكتشفت إصابتها بالسرطان وهي في سن 12، و كانت تتضرع إلى الله، لتقطع رجلها و تتحرر من معاناتها، و هي تضحية لم تكن كافية لتعيش، فقد عاد السرطان مجددا، ليخطف جزء آخر من جسدها، بعدما خاضت ضده معركة مفتوحة، خرجت منها منتصرة، رغم الخسائر.
معاناة فتاة في سن الثانية عشر
تعمل منال بودبوز، 33 سنة، كصيدلانية عامة في الصيدلية المركزية بمستشفى قسنطينة الجامعي، و هي اليوم روح متحررة تؤمن بالاختلاف الجسدي و الفكري، كما قالت، لأن تجربتها القاسية مع مرض السرطان، منحتها رؤية مغايرة للعالم، و قناعات خاصة، كما علمتها دروسا عديدة، أهمها إدراك ماهية الأشياء، و تفهم ضعف الآخر، و اختلافه، فالمواجهة مع الموت، بقدر ما عرت هشاشتها، بقدر ما صقلت قوتها.
بدأت قصتها المؤلمة و الملهمة سنة 2000 ، و تحديدا حين أتمت الثانية عشر من عمرها، إذ عانت من انتفاخ و احمرار على مستوى القدم، شخص في البداية على أنه التهاب، لكن سرعان ما اكتشفت إصابتها بسرطان العظام، وعن هذا الأمر قالت محدثتنا « كان الألم رهيبا و هو تحديدا ما يميز هذا النوع من السرطان، عانيت كثيرا و أنا أتجرع مرارة الألم الجسدي و النفسي، حتى أنني لا أتذكر تماما كيف علمت بطبيعة مرضي.
أظن أنني تعرضت لصدمة قوية حولت ذكرياتي عن تلك الأحداث، إلى نقطة عمياء لا أكاد أبصر منها شيئا، أعرف فقط، أنني تقمصت دور المريضة مباشرة و بدأت معركتي مع العلاج الكيماوي، كمن تملك خبرة مسبقة، و ربما لذلك علاقة بمرض خالتي قبل سنة، فقد شاهدتها وهي تتألم وتفقد الوزن و التوازن و الشعر».
واصلت « أول حصة علاج لم تكن سهلة أبدا، و قد أخبرتني أمي أنني كنت أبصق الدم باستمرار، أذكر أنني عدت إلى غرفة المستشفى وقد كانت «هند» رفيقتي بها تودع الحياة، في تلك الليلة جلست أمي كحاجز بيننا، كي لا أشاهد الصغيرة وهي تذبل و تموت، تسترجع ذاكرتي أيضا اسما آخر، لعب دورا مهما في حياتي، وهو نوفل، الصبي الثاني الذي كان موجودا معنا في الغرفة، هو أيضا رحل عن هذا العالم، بعدما ترك لي جرعتين من دواء « ميتوتريكساد» الذي كان خاله قد أحضرهما من فرنسا، ففي تلك الفترة لم يكن العلاج متوفرا، كما هو الحال اليوم، نوفل الصغير كان يستعد لأخذ الجرعة الأولى، عندما دخلت الطبيبة و أوقفت الممرضة في آخر لحظة، فقد تبين من خلال تحليل الخزعة، ضرورة تغيير بروتوكول العلاج، لذلك فقد كان دواء نوفل من نصيبي أنا، أتحدث عن هذين الشخصين لأخلد ذكراهما، فالأولى جعلتني أفهم معنى الموت و الثاني منحني فرصة للحياة».
كنت أتضرع لله ليقطعوا رجلي
قالت منال، بأن مواجهة الموت ليست أمرا سهلا، خصوصا في ظل ضعف التكفل النفسي بمرضى السرطان، ففي تلك الفترة، لم يكن هناك ما يكفي من الدعم المعنوي لمساعدة المريض على تقبل مرضه، و تجاوز الصدمة، وقد أخبرتنا بأن تجربتها كانت قاسية جدا، لأن الظروف لم تكن في صالحها آنذاك، بعدما تزامن مرضها مع ندرة في الدواء الخاص بجلسات العلاج الكيميائي، وهو ما دفع خالتها المريضة للتنقل لأجلها إلى العاصمة، للبحث عما يكفي للمرحلة الأولى من العلاج.
حدث أيضا، أن تعطلت بعض تجهيزات غرفة العمليات، بسبب شرارة كهربائية، خلفت خللا كبيرا في مواعيد عمليات المرضى، و أمام خوفها من استنفاد جرعة الكيماوي و شعورها بالرضا، بعد أن بدأ شعر رأسها ينمو من جديد، كانت منال، تعيش ضغطا حقيقيا، حتى أنها كانت تتضرع إلى الله، لكي يعجل الأطباء في برمجة عملية قطع رجلها، لتتحرر، كما عبرت، خصوصا و أنها لم تكن على استعداد لتكرار رحلة البحث عن الدواء، و تحمل ألم جلسات العلاج من جديد.
هكذا تحدت أمي ظروفها و صنعت الفارق
حسب محدثتنا، فإن جمعية أنكولوجيكا، لعبت دورا مهما في مساعدتها على تجاوز تلك العقبات في المستشفى، أما الفضل الأول والأخير، فيعود إلى والدتها، التي كانت دائما إلى جانبها، و تحدت كل ظروفها لتعالج ابنتها و تشفى و تتمكن من العيش.
و قالت في معرض حديثها « أمي لم تكن امرأة متعلمة، لكنها فهمت بأنه يتعين عليها أن تكافح، لكي تستعيد ابنتها قدرتها على الحياة، وهنا أريد أن أوجه رسالة للأطباء لأقول لهم بأن لديهم الحق في تقديم التشخيص، لكن لا حق لهم في إصدار الأحكام، فمن القسوة أن نحكم على مريض السرطان بحتمية الموت في غضون سنة أو أكثر، لأن في ذلك ظلما كبيرا و تحطيما للمعنويات و قد عشت التجربة شخصيا، عندما حكم علي أطباء بالفشل و الموت، لكنني نجحت بفضل دعم أمي، ولو أنها فقدت الأمل آنذاك، ربما لم أكن لأعيش لأحدثكم اليوم عن قصتي».
العضو الشبح و واقع الإعاقة
بعد إجراء العملية الجراحية و بتر رجلها، شعرت محدثتنا بالغرابة و لم تتقبل الفكرة، بعد أن استعادت وعيها، وهو موقف تحفظه ذاكرتها، بكل تفاصيله، كما عبرت، مضيفة « حين استفقت عشت حالة لا شعورية غير متوقعة، كنت أصرخ و أبكي و أتحسس مكان رجلي، حينها صدمت والدتي ولم تفهم ما حل بي، طلبت منها أن تحرك رجلي، لأنها كانت تؤلمني ورغم إدراكي لحقيقة أن رجلي قد قطعت، إلا أنني كنت أحس بالألم، وبأنني بحاجة إلى تحريكها في نوع من الإنكار، فالتقبل ليس أمرا بسيطا ولا علاقة له بضعف الإيمان، لأن هذه الأمور تتطلب وقتا و التزاما شعوريا، كي يتمكن الإنسان من استيعاب الوضع و الانتقال من مرحلة شعورية إلى أخرى».
أخبرتنا منال، بأنها لم تفقد يوما الإحساس برجلها، إذ تشعر دائما بأن هذا «العضو الشبح»، كما يعرف في الطب، موجود ولا يزال مرتبطا بجسدها، فرجلها، كما قالت، هي رمز التضحية التي قدمتها كثمن للحياة، وهي أيضا رمز للمعاناة التي مرت بها، والتي اعتقدت بأنها سوف تكسبها احترام المجتمع، غير أنها صدمت بواقع وجود نوع من الوحشية في التعامل مع الضعفاء، كما عبرت، وهي جريمة يرتكبها من يفتقرون للأخلاق و للسلوك السوي و يعجزون عن تقبل الاختلاف الجسدي للآخرين، بدليل التنمر الذي تعرضت له بسبب استخدامها لعصي الدعم، لتتمكن من المشي.
منال قالت، بأن هناك من يحاولون إنكار الإعاقة أو التقليل من شأن من يحملونها، وهو خطأ وجب تصويبه، حسبها، لأن العضو الاصطناعي هو جزء من المعاق يكمله ولا يعيبه، مشددة على ضرورة الاعتراف بالإعاقة و تقبلها وتقبل المعاق اجتماعيا، لأن في ذلك اعترافا بحقه في الحصول على التكفل و على العمل و على ظروف التنقل و العيش الكريم، و تشمل تهيئة الممرات في الشوارع.
مواقف أعادت للقلب نبضه
محدثتنا قالت، بأن عودتها إلى المدرسة في هذه المرحلة، لم تكن سهلة، إذ واجهت في البداية بعض الصعوبات في استيعاب الرياضيات، لكنها سرعان ما تداركت التأخير، بفضل دعم معنوي حظيت به من أستاذ المادة بمؤسسة بن يحيى بالخروب، أين كانت تتمدرس، فاعترافه بمعاناتها وفهمه لطبيعة ما مرت به ورغبتها في تدارك ما فاتها، منحها دعما، كما أعاد موقف حصل مع أستاذة اللغة العربية، النبض لقلبها ، فهذه الأخيرة خصتها بحديث غير مباشر عن الحياة والأمل بعدما قرأت قصيدة لها حول خوفها من عودة المرض، وهو حوار ساهم في بعث رغبتها في الحياة، و ساهم كثيرا في تفوقها في شهادة التعليم المتوسط و حصولها على المرتبة الأولى في مؤسستها.
عودة السرطان والثمن أغلى هذه المرة
محدثتنا قالت، بأن المطالعة ساعدتها كثيرا في تجاوز محنتها، و كذلك الرسم و كتابة الخواطر، كما لعب صوت المذيع الراحل جمال بن عمارة، دورا في تعزيز حبها للإذاعة، ودفعها للتفكير في التحدي و التفوق لتصبح صحفية يوما ما، غير أن عودة السرطان بعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر من الشفاء، حطم كل أحلامها، خصوصا وأنها لم تكن قادرة على تكرار التجربة و تحمل الألم و رحلة العلاج من جديد، خصوصا و أنها رحلة صعبة لا يحظى خلالها المريض بفرصة لاستيعاب ما يحدث له.
أضافت محدثتنا « أنا ضحية أجبرت على خوض معركة استنزاف، فانتكاستي كانت بسبب خطأ طبي، لأنني لم أحظ بالمتابعة اللازمة لمثل من هم في حالتي، عندما عاد السرطان صدمت و بكينا بحرقة أنا وأمي، يومها عدنا إلى المنزل في الحافلة و دموعنا لا تتوقف ، كنت مدركة لصعوبة ما أمر به و فاقدة للأمل، وقد اقتنعت آنذاك بأن آخر العلاج هذه المرة سيكون الموت، خصوصا وأن الأطباء قالوا بأن التشخيص تأخر كثيرا، لكنني قررت عدم الاستسلام، خضعت مجددا لخمس جلسات علاج كيماوي، و تم استئصال الجزء السفلي من رئتي اليمنى، وهو ثمن مضاعف دفعته لأجل أن أعيش».
اخترت الصيدلة لأفهم ما حصل وأعيش بشكل أفضل
سنة 2005، طوت منال صفحة السرطان، وعادت لتمارس حياتها من جديد، واجهت صعوبة في التحرك برجلها الاصطناعية في البداية، لكنها تعودت عليها لاحقا، تفوقت للمرة الثانية دراسيا و افتكت الباكالوريا بمعدل 16.75 من 20 وهنا قررت أن تؤجل حلم الصحافة، لتدرس تخصصا طبيا يسمح لها بفهم كل ما مرت به، كما يمكنها من تحسين وضعها المادي و تركيب رجل اصطناعية أكثر تطورا و أريحية، خصوصا وأنها تحلم بتحقيق الكثير، بما في ذلك امتلاك صيدلية خاصة، و السفر و اكتشاف العالم، لتلهم بقصتها الكثيرين.
هدى طابي