التقى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء بالكويت، مع وكيل الحرس الوطني...
شرعت الحكومة، في وضع التدابير التنفيذية للتكفل التام بالتوجيهات التي أسداها رئيس الجمهورية للحكومة خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء خاصة فيما...
سلم إرهابي نفسه للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار، فيما تم توقيف (5) عناصر دعم للجماعات الإرهابية، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني تم تنفيذها في...
وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم الاربعاء، رسالة عشية إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر)، قرأها نيابة عنه وزير...
عددها حوالي 100 عائلة، ينتشر أفرادها في كل مكان بقسنطينة ، خصوصا بالمناطق الكثيرة الحركة كالطرقات و المعابر الرئيسية، الرابطة بين وسط المدينة و أحياء بوالصوف ، الدقسي ، زواغي سليمان ، و تفرعات أخرى عديدة، أين يحترفون التسول، و استعطاف المارة عن طريق استغلال مأساتهم في سوريا لإستجداء ذوي القلوب الرحيمة، الذين يظن معظمهم ، بأنهم ضحايا الأزمة السورية، شردتهم الحرب و أجبرتهم على مغادرة منازلهم و ترك أعمالهم، بينما هم في الواقع، عكس كل التوقعات ، غجر تمتد جذورهم إلى البوسنة و الهرسك، احترفوا التسول أبا عن جد، و اتخذوا منه مصدر عيشهم.
قضت النصر صباحا كاملا بين هؤلاء المتسولين الوافدين على بلادنا، فاستطعنا التأكد بأنهم ليسوا ممن يعتقدهم الجميع، فهم ليسوا مواطنين سوريين فروا من بطش « داعش»، أو شردهم الصراع الدامي بين أطراف النزاع السوري، كما أنهم ليسوا أكرادا، كما يعتقد البعض .
إنهم « غجر» أصلهم من البوسنة والهرسك ،غادروا المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى وانتشروا في عدد من الدول من بينها البلدان العربية كسوريا و العراق و تونس و مصر و الجزائر و يعرفون كذلك « ببني عداس»، حسب ما أوضحه لنا رعايا سوريون يقيمون بالجزائر منذ سنوات، التقيناهم خلال قيامنا بهذا التحقيق.
كانت البداية من المنطقة الصناعية "بالما" ، انطلقنا بحثا عمن كنا نعتقد بأنهم أكراد سوريون نازحون بسبب الحرب، التقينا بالسيدة أم إياد، كانت تقف رفقة صغيرها، صاحب الأربع سنوات ،عند مدخل حي بالصوف. كانت تطلب الصدقات من سائقي السيارات، وسط الإزدحام، تقربنا منها لمحادثتها، فرفضت في البداية قبل أن تخبرنا بأن زوجها الذي يتسول بمكان آخر بالمدينة، يمنعها من الحديث إلى الغرباء.
أمام إصرارنا وافقت على الوقوف معنا للحظات، فأفصحت لنا خلالها بأنها سورية قادمة من حلب الأشرفية، المدينة التي اضطرت لمغادرتها بسبب همجية الحرب الدائرة هناك.
توقفت قليلا ،ثم سحبت جواز سفر سوري أطلعتنا عليه، موضحة بأنها وزوجها و ابنها قدموا إلى الجزائر جوا ،عن طريق تركيا ، مرورا بلبنان، في رحلة كلفتهم، كما قالت، 2000 دولار،وهو المبلغ الذي دفعنا حقا للتساؤل عن هويتها الحقيقية، ما جعلها تتدارك الأمر قائلة، بأنها و زوجها اضطرا للاستدانة من معارف لهما بلبنان من أجل مواصلة الرحلة.
خلال حديثها، أضافت أم أياد التي ألحت علينا بأن لا ندرج اسمها الحقيقي، بأنها و زوجها يحترفان التسول منذ وصولهما إلى الجزائر قبل شهرين، و ذلك ليتمكنا من العيش و دفع تكاليف الإيواء التي تصل يوميا إلى 3000 دج، دون احتساب نفقات الإطعام المقدرة حسبها بـ 2000دج.تفاجأنا بحجم الإنفاق اليومي لعائلة يفترض بأنها نازحة تتسول لتعيش. غادرنا حي بالصوف متجهين نحو نزلي « عاشور» و «الأمير» ، مقابل محطة الحافلات الشرقية، حيث تقيم محدثنا رفقة حوالي 40 عائلة أخرى.
وصلنا الفندق الأول في حدود الساعة العاشرة و النصف صباحا، كان المكان شبه خال، التقينا بنضال ، فتى في ربيعه 14، أخبرنا بأنه من حلب أيضا ، و بأن الجميع غادروا صباحا لطلب الرزق، أما هو ووالدته فاضطرا للبقاء بالفندق ،بسبب مرض شقيقه الصغير، حاولنا دخول الغرفة التي تأويهم ،لكننا لم نتمكن من ذلك ، كما أن نضال رفض السماح لنا بالحديث إلى والدته.
قال لنا بكل ثقة بأنه مسؤول عن أمه و أخيه، بتفويض من والده المجند في صفوف الجيش السوري النظامي، حسبه، وهو كما أخبرنا من طلب منهم مغادرة حلب ،حفاظا على حياتهم. مضيفا بأنهم تنقلوا قبل ثلاثة أشهر، بين لبنان و تركيا، قبل أن يصلوا إلى الجزائر العاصمة ثم قسنطينة.
عن مصدر قوتهم و معيشتهم ، أوضح محدثنا الصغير، بأنهم يقيمون في الفندق ،تحت كفالة أحد المحسنين، و يحترفون التسول للحصول على المال اللازم لتلبية احتياجاتهم الأخرى.
نفس الوضع وقفنا عليه بالنزل الثاني، أعلمنا مسؤول الاستقبال، بأن عدد العائلات السورية المقيمة به يتجاوز 12عائلة ، جلها ،كما قال، قادمة من حلب و درعا، مشيرا إلى وجود أكراد بينهم، لهجتهم أقرب إلى الأمازيغية، على حد وصفه.
محدثنا أكد لنا بأن تواجد هذه العائلات بالفندق نظامي، حيث يحوزون على بطاقات إقامة قابلة للتجديد كل شهرين ، على مستوى مصالح مديرية الأمن الولائي. مشيرا إلى أن سلوكهم عدائي نوعا ما، فهم يختلفون كثيرا عن صورة السوري المتحضر الذي اعتدنا رؤيته في المسلسلات ، كما عبر، معلقا بأنهم عائلات متعددة الأفراد يزيد عدد أطفالها عن الأربعة عادة.
أما عن تكاليف الإقامة بالنزل فتتراوح، حسبه، بين 2600 إلى 3000 آلاف دج لليلة الواحدة، دون إطعام، وهم ،على حد تأكيده ،زبائن لا يتأخرون أبدا عن تسديد مستحقاتهم بسخاء.
غادرنا الفندق وتنقلنا بين مجموعة من النقاط المرورية المزدحمة، بحي الدقسي ،و منطقة لوناما ، هناك التقينا بالكثيرين منهم، كانوا يتسولون بطرق مختلفة ،مستغلين الأزمة السورية، لكسب التعاطف، حيث يشهرون جوازات سفرهم أو يصرون على ذكر هويتهم لاستجداء المارة، كما أن منهم من يلجأ إلى حيل أخرى باستخدام الأطفال، أو يستقل حافلات النقل العمومي بمجرد توقفها بإحدى المحطات ، لطلب الصدقة من ركابها.
شد انتباهنا رجل يدفع بعربة رضيع نحو زحمة السيارات دون الأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تتربص بالصغير البريء، وهو يطلب من مستعملي الطريق مساعدته أو شراء علبة مناديل ورقية ،مشيرا إلى الطفل داخل العربة، تقربنا منه للسؤال عن وضعه، فرفض الحديث إلينا.
ألححنا في الاستفسار عن السبب، فقال بأننا نبدو كإعلاميين وهو يكره الصحافة الجزائرية التي تنظر،حسبه، إلى السوريين بعين الاحتقار. بعد نقاش قصير انسحب إلى الرصيف المقابل ،حيث كانت تقف سيدتان بمعية رجلين ، التفوا حولنا ليتحدثوا عن معاناتهم.
كان أول ما شدد عليه محدثونا الذين رفضوا السماح لنا بتصويرهم، هو إبراز هويتهم، مؤكدين: "نحن سوريون و لسنا أكرادا"،مضيفين: "لسنا متشردين و لا نحمل أمراضا ، لولا الحرب لما غادرنا وطننا، لذلك توقفوا عن معاملتنا باحتقار". هكذا استهل كل من حسن ، حاتم و أم نور حديثهم معنا.
سحبوا جوازات سفرهم التي قالوا بأنهم يحملونها بشكل دائم معهم، و أطلعونا عليها. اكتشفنا بأن جلهم من مدن درعا، حلب و حماه، و أدرب، أخبرونا بأنهم التقوا بالنزل، حيث يقيمون حاليا و تعرفوا على بعضهم البعض هناك، حيث باتوا يتفقون سويا و يوجهون بعضهم البعض في كل ما يخص تفاصيل حياتهم اليومية .
أوضحوا بأنهم اضطروا للتخلي عن محلاتهم و منازلهم ببلادهم، بسبب القصف المتبادل بين الجيشين النظامي و الحر، و بطش داعش الذي فاق الحدود، وهو تحديدا ما دفعهم لمغادرة سوريا. عن اختيارهم للجزائر ،قالوا بأن السبب الأساسي عدم اشتراط التأشيرة، فضلا عن تضامن الجزائريين مع أزمتهم، ناهيك عن كون الوضع في لبنان و الأردن و تركيا أصبح معقدا، بسبب التشديد على إجراءات الدخول و الخروج إليها.
وأضافوا بأن معظمهم يتواجد بالجزائر منذ ثلاثة إلى ستة أشهر، و يحترفون التسول أو بيع المناديل الورقية و الزهور و كتيبات الأدعية، و إكسسوارات بسيطة يقتنونها من الأسواق الأسبوعية، بعدما كانوا أصحاب حرف و محلات، تتنوع نشاطاتهم بين صناعة الخبز و تجارة الملابس.
سألناهم إن كان بينهم من أنجب بعد دخوله الجزائر، فنفوا ذلك ، مؤكدين بأن عبور الحدود أصعب بكثير بالنسبة للحوامل. أما عن مدخولهم اليومي من التسول و بيع المناديل، فيتراوح، كما أسروا لنا ،بين 4000 حتى 6000 آلاف دج يوميا ، ينفقونها على دفع تكاليف الإيواء و إطعام أطفالهم، كما يدخرون بعض النقود ، تمهيدا لمغادرة الفندق و تأجير منازل مشتركة بينهم.
تحقيقنا كشف لنا أيضا ، عن تفاصيل كثيرة بخصوص نمط حياة هؤلاء النازحين، ففي الوقت الذي لا تزال حوالي 50 عائلة تقيم في فنادق متفرقة بالمدينة، تحولت الأحياء الفوضوية إلى قبلة رئيسية لعائلات أخرى، و بالأخص حي بن الشرقي، الذي أصبحت المنازل و المرائب الواقعة بالجهة السفلية منه، قبالة الوادي تحديدا ، ملجأ لحوالي 40 عائلة أخرى، اتخذتها بديلا عن الفنادق المكلفة.
كانت الساعة تشير إلى الثالثة و النصف زوالا، عندما وصلنا إلى حي بن الشرقي، سألنا بعض سكانه عن منازل السوريين ،فعلقوا ساخرين بأن الحارة السورية، توجد مباشرة بعد الجسر العابر للوادي، صعدنا المرتفع وصولا إلى المكان المقصود، لكن لا أحد ممن طرقنا أبوابهم رد علينا، علما بأن غالبيتهم كانوا يعيشون داخل مرائب، أخبرنا جيرانهم بأنهم يرفضون الاحتكاك بالآخرين.
أبو نبيل السوري الوحيد الذي وافق على الحديث إلينا ، بعدما أوقفناه و هو يهم بدخول أحد المنازل التي أشار إليها الجيران، قال بأنه والد لخمسة أطفال هرب من رعب « داعش» بعد فقدانه لأحد أبنائه، و أتى إلى الجزائر قبل سبعة أشهر، أقام خلالها بفندق، قبل أن يرشده أحد الجزائريين إلى حي
بن الشرقي.
أوضح محدثنا بأنه من بين أول من سكنوا الحي من السوريين ،وقد اختار الانتقال للعيش بمرآب أحد المنازل، مقابل إيجار يصل إلى 10 آلاف دينار شهريا، بدلا من إنفاق دخله من بيع المناديل الورقية على الفنادق.
سألنا عن أسعار الإيجار بالمنطقة المذكورة، فأوضح لنا بعض أصحاب المحلات بأنها تتراوح بين 5آلاف إلى 15 ألف دج ، حسب المساحة المطلوبة. فسعر كراء الغرفة الواحدة قد يصل إلى 5 آلاف دج أو أكثر، أما المرآب فيستأجر ب10 آلاف دج شهريا، بالمقابل قد تتعدى تكلفة إيجار منزل 15 حتى 17 ألف دج.
محدثونا أكدوا بأن الأسعار شهدت ارتفاعا نسبيا ،منذ بدأ الطلب يتزايد عليها من قبل السوريين، و كذلك الأمر بالنسبة لتسعيرة سيارات الفرود، التي أصبح أصحابها يفضلون التعامل يوميا مع السوريين لنقلهم نحو نقاط تسولهم و إعادتهم مجددا، في أوقات محددة مقابل300 إلى 500دج بشكل يومي.
خلال بحثنا عن العائلات سورية المقيمة بحي بن الشرقي، التقينا بأبي شادي، سوري مقيم في الجزائر منذ حوالي سنتين، أي منذ بداية الأزمة السورية، وهو صاحب ورشة سرية للطرز السوري، الفرق بينه و بين الآخرين،كما قال، هو أنه "سوري حر" أي أصيل ، حسب تعبيره، أما الآخرين فهم غجر، لا يمثلون السوريين الأحرار، لأن السوري الحقيقي لا يتسول، بل يكسب قوته بعرق جبينه.
كان أول من أكد لنا بأن معظم من التقينا بهم خلال هذا التحقيق غجر سوريا، الذين يمتهنون التسول منذ الأزل وهم ، على حد تعبيره، معروفون بسلوكهم هذا مذ أن كانوا في سوريا أي حتى قبل اندلاع الحرب ، معلقا :"هم تماما كمن تسمونهم أنتم بني عداس".
محدثنا قال بأنه و العديد من العائلات السورية التي يعرفها هنا بقسنطينة، و التي قد تصل إلى 20عائلة، يتبرأون من سلوكات هؤلاء الغجر التي وصفوها بالمشينة المسيئة لسمعة السوري الحر.
نفس الموقف تبناه رامز، صاحب محل لبيع الزرابي و الأقمشة بالمنطقة الصناعية، موضحا بأن هؤلاء الغجر كانوا دون وثائق أو جنسية،إلا أن نظام بشار الأسد عندما أراد أن يجري إصلاحاً شكليا في بداية الثورة ومن أجل أن يكسب أصواتا أكثر خلال الانتخابات، منحهم جوازات سفر وبطاقات هوية، ليحق لهم التصويت، لكنهم أخذوها وانتشروا في الدول العربية ومنها الجزائر، وأصبحت هذه الوثائق بالنسبة إليهم بمثابة بطاقة خضراء للوصول إلى مبتغاهم في التسول وجني الأموال، فيما «يقيمون في فنادق فاخرة ويتنقلون من بلد إلى بلد»، حسبه.
و شدد محدثنا بأن أغلب السوريين ممتهني التسول في الجزائر من الغجر، وأن الجالية السورية بريئة من ممارساتهم، مشيرا إلى أنهم لجأوا إلى الجزائر ،لأنها لا تفرض التأشيرة على السوريين، بعد أن وجدوا صعوبة في عبور الحدود البرية ،باتجاه لبنان والأردن وتركيا بسبب القصف، وهي عادة وجهتهم الدائمة لممارسة التسول.
رغم اختلاف مواقفهم، إلا أن جل من شملهم تحقيقنا من السوريين، اتفقوا على أن هناك العديد من المشاكل تستدعي تدخلا حاسما من السلطات الجزائرية، وفي مقدمتها مشكل تمديد الإقامة، التي لا تتجاوز حاليا 90 يوما، يكون بعدها هؤلاء الوافدين عرضة للمساءلة، مطالبين بتسهيل الإيواء، و تمدرس الأطفال، وكذا مساعدة القادرين منهم على العمل من أجل إيجاد وظيفة مؤقتة تكفيهم عناء السؤال.