السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

اقتراح الموت!

يقترحُ بعض السّاسة على الشبابِ، تأجيل الحياة أو تسريعها، من خلال الدعوات المتكرّرة إلى "غرسِ ثقافة التضحيّة بالنّفس" من أجل الوطن أو الأمة.. في محاولةٍ لتحبيب الموت إلى أشخاصٍ لم يموتوا بعد.
قد تكون هذه المقولة مجرّد لازمة تجري على ألسنةِ خطباء، لكنّها تخفي مدلولات يبعثُ تفكيكها على الخوف، حقا، خصوصاً حين يجري غرسها في رؤوسٍ صغيرةٍ.
إنّنا نجعل من الموتِ، مطلباً ثميناً، عبر سمسرةٍ يتبنّاها رجال الدين ولا يتأخّر عنها ساسة تخلّوا عن وظيفتهم الأساسيّة المتمثّلة في تحسين ظروف الحياة وتحوّلوا إلى مبشّرين بالموت، في سعيٍ غير محمودٍ لتغطيّة سوء التدبير بالميتافيزيقا.
والغريب أن الإشارة إلى الكفن كبديل،  لم تعد من أدبيّات الأحزاب الموصوفة بالدينيّة، بل تلك التي تحمل شعارات الديمقراطيّة والوطنيّة، حيث تقرن الحبّ بالموت، في تركيبة غريبةٍ؟
فهل يُعقل أن نضيف هذا المصطلح المخيفِ إلى محتويات حقائبِ أبنائنا؟
وهل يحتاج الطفل اليوم إلى أدوات الانطلاق في الحياة أم إلى حفظ أناشيد الموت؟
يتعلّق الأمر، هنا بمأساةٍ يفرضها العيشُ المشترك، حيث يفرز اللاوعي الجمعيّ عصارة قيّم اجتماعيّة من طقوسٍ بدائيّة تقدّس "القربان" وتقدمّه كتسويّةٍ لمشكلاتٍ يمكن حلّها بخسائر أقلّ ولا تساوي الموت، فالدعوات إلى التضحيّة هي استدعاء لطقس إلقاء الجميلة في النهر لتجنّب فيضانه أو إلقاء الصبيّ للتمساح لتفادي غضب الآلهة.
 وإذا كان الإنسان المعاصر قد استفاد من العلم في تفسير ظواهر الطبيعة، و تنظيم حياته منتقلا من المعاناة إلى الرفاهيّة، فإن بعض المجتمعات مازالت تستخدم المفاتيح القديمة لمعالجة أبواب المستقبل، وترفض نخبها السيّاسيّة مغادرة الماضي، يسمىّ هذا الوضع:"التخلّف"  وقد جرى تشخيص أوجهه و تمظهراته في البلدان الواقعة تحت ظلاله، لكنّه مازال يأخذ كلّ مرة شكلاً جديداً.
لذلك نحتاج إلى مجابهة الدعوات إلى الفناء  بإعلان الرّغبة في الحياة  ونقول لمن يمجِّد الموت: مُت أنت!  
كما نحتاج إلى الانتباه إلى المصطلحات التي تسمّم حياتنا  و تحوّلها إلى قاعة انتظار حياة أخرى قد تأتي بعد الصّبر أو بعد الموت، وفق ما يبشّر به رجال دين ورجال سياسة  أثبتت الوقائع أنّهم يعيشون حياتهم مضافة إلى حياة غيرهم!

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com