يقترحُ بعض السّاسة على الشبابِ، تأجيل الحياة أو تسريعها، من خلال الدعوات المتكرّرة إلى "غرسِ ثقافة التضحيّة بالنّفس" من أجل الوطن أو الأمة.. في محاولةٍ لتحبيب الموت إلى أشخاصٍ لم يموتوا بعد.
قد تكون هذه المقولة مجرّد لازمة تجري على ألسنةِ خطباء، لكنّها تخفي مدلولات يبعثُ تفكيكها على الخوف، حقا، خصوصاً حين يجري غرسها في رؤوسٍ صغيرةٍ.
إنّنا نجعل من الموتِ، مطلباً ثميناً، عبر سمسرةٍ يتبنّاها رجال الدين ولا يتأخّر عنها ساسة تخلّوا عن وظيفتهم الأساسيّة المتمثّلة في تحسين ظروف الحياة وتحوّلوا إلى مبشّرين بالموت، في سعيٍ غير محمودٍ لتغطيّة سوء التدبير بالميتافيزيقا.
والغريب أن الإشارة إلى الكفن كبديل، لم تعد من أدبيّات الأحزاب الموصوفة بالدينيّة، بل تلك التي تحمل شعارات الديمقراطيّة والوطنيّة، حيث تقرن الحبّ بالموت، في تركيبة غريبةٍ؟
فهل يُعقل أن نضيف هذا المصطلح المخيفِ إلى محتويات حقائبِ أبنائنا؟
وهل يحتاج الطفل اليوم إلى أدوات الانطلاق في الحياة أم إلى حفظ أناشيد الموت؟
يتعلّق الأمر، هنا بمأساةٍ يفرضها العيشُ المشترك، حيث يفرز اللاوعي الجمعيّ عصارة قيّم اجتماعيّة من طقوسٍ بدائيّة تقدّس "القربان" وتقدمّه كتسويّةٍ لمشكلاتٍ يمكن حلّها بخسائر أقلّ ولا تساوي الموت، فالدعوات إلى التضحيّة هي استدعاء لطقس إلقاء الجميلة في النهر لتجنّب فيضانه أو إلقاء الصبيّ للتمساح لتفادي غضب الآلهة.
وإذا كان الإنسان المعاصر قد استفاد من العلم في تفسير ظواهر الطبيعة، و تنظيم حياته منتقلا من المعاناة إلى الرفاهيّة، فإن بعض المجتمعات مازالت تستخدم المفاتيح القديمة لمعالجة أبواب المستقبل، وترفض نخبها السيّاسيّة مغادرة الماضي، يسمىّ هذا الوضع:"التخلّف" وقد جرى تشخيص أوجهه و تمظهراته في البلدان الواقعة تحت ظلاله، لكنّه مازال يأخذ كلّ مرة شكلاً جديداً.
لذلك نحتاج إلى مجابهة الدعوات إلى الفناء بإعلان الرّغبة في الحياة ونقول لمن يمجِّد الموت: مُت أنت!
كما نحتاج إلى الانتباه إلى المصطلحات التي تسمّم حياتنا و تحوّلها إلى قاعة انتظار حياة أخرى قد تأتي بعد الصّبر أو بعد الموت، وفق ما يبشّر به رجال دين ورجال سياسة أثبتت الوقائع أنّهم يعيشون حياتهم مضافة إلى حياة غيرهم!
سليم بوفنداسة