لم يفز بجائزة نوبل لكنّه استعاد، وهو في التسعين، جنسيّته الأصليّة التي حُرم منها قبل أربعين عاماً.
لم تُنصف الأكاديميّة السويديّة ميلان كونديرا، وهي التي «كافأت» منشقين أقلّ موهبة منه، في زمنِ الحربِ الباردةِ، حين كان الغربُ يبحث عن أنبياء من الشّرق ينتقم من خلالهم من العدوّ الروسيّ وحلفائه( ولازال يفعل إلى يومنا هذا مع أممٍ أخرى لم تتدمقرط ولم تُفتّت بعد !)
ولا شكّ أن نوبل خسرت بذلك إضافة كاتبٍ عظيمٍ، حقاً، إلى قائمتها، يخدم الغرض الأدبي و المقاصد السياسيّة في آن، إذ لا يُعقل أن يفرّط المستثمرون في الوضع لو حقّ الحقّ في كاتبِ أرفع أهجيّة للشيوعيّة، رائعة «المزحة» التي تصوّر كيف تطحن آلة الايديولوجيا الفرد وكيف صارت تتفوّق على العواطف الإنسانيّة وتحوّل حتى الحبيب إلى واشٍ محتمل، حيث نزل «لودفيك» إلى الجحيم بمجرّد ما كتب عبارة «عاش تروتسكي» على سبيل المزاح في ختام رسالة إلى صديقته !
وجرّد كونديرا من الجنسية التشيكية سنة 1979 بعد صدور رواية «كتاب الضحك و النسيان» التي تقدم بانوراما ساخرة عن الوضع الذي آلت إليه «بوهيميا» بعد الاجتياح السوفييتي، قبل أن يستعيدها في السادس من الشهر الجاري وقبلها حصل على اعتذارٍ علني من الوزير الأول التشيكي.
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، الذي عُرف بحبّه للأدب وصداقته مع كبار كتّاب العصر، قد منح الجنسيّة الفرنسيّة للكاتب الذي تبنته فرنسا أدبياً، رغم أنّه لم يكتب بالفرنسيّة إلا في تسعينيات القرن الماضي. وعاش كونديرا فترةً عصيبةً سنة 2008 بعد ظهور وثائق تؤكد أنه وشى خلال الحكم الشيوعي بشاب حكم عليه ب22 سنة سجنا، وكان لهذا الخبر مفعول القنبلة التي تعادل القنبلة التي فجّرها غونتر غراس في الأوساط الأدبيّة العالميّة بعد نشره «عند تقشير البصل» السيرة التي اعترف فيها بالتعاون مع المخابرات النازيّة.
وإذا كانت تجربة ميلان كونديرا تقدّم صورة عن تعامل الدول الشمولية مع نخبها، فإنها تكشف أيضاً عن أساليب الاستقطاب التي تستخدمها قوى غربية من خلال استغلال كتاب وفنانين في معاركها الظاهرة والمستترة، ويبقى الفرق واضحاً بين الكتاب الحقيقيين الذين يستخدمون الغرب نفسه في صعودهم كما هو حال كونديرا وكتّاب يتم استخدامهم والضحك عليهم قبل نسيانهم، كما هو حال كتّاب لا ضرورة لذكرهم !
سليم بوفنداسة