مات سهيل الخالدي في الجزائر التي اختارها للعيشِ والموتِ، الجزائر التي كان يهربُ إليها فاقدو الأوطان دون تفكيرٍ، لأنّها كانت تمنحُ الأملَ قبل أن تسقط في المستنقع الدموي، لكنّ الفتى الفلسطيني ظلّ على وفائه لها، لم يغادرها كما فعل آخرون ولم يتنكّر لها، لأنّها ضاقت حين ضاقت على الجميع. ولا لوم على الذين ذهبوا شمالاً وفي قلوبهم حسرة على ضياع حلم «الميتروبول العربي».
سيذكره جيلٌ من المبدعين الجزائريين الذين خطوا خطواتهم الأولى على صفحاتِ «الشّعب»، حيث رافقهم لسنواتٍ كرسولِ محبّةٍ. سيذكره الراسخون والعابرون في الصّحافة. وقبل ذلك ستكون حياته درساً في «المواطنة»، وهو الذي عانى من نظرات «عنصريّة» كان يردّ عليها بالتأكيد على «جزائريته» حتى في أحلك الظروف. قد يكون الوطن، في نهاية المطاف، المكان الذي نختاره، المكان الذي نبنيه وليس بالضرورة «المنجم» الذي ننهبه ثم نخرّبه حين يُقال لنا كفى!
وربما استفدنا من هذا الدرس في هذا الوقت بالذات، حيث تحوّل متعلّمون في المدارسِ المجانيّةِ والجامعاتِ المجانيّةِ ومستفيدون من السّكنِ المجاني والعلاج المجاني إلى منتجي كراهيّة، باسم هويات وايديولوجيات، كادت تمزق النسيج الاجتماعي بل و تأتي على الدولة الوطنيّة المعذّبة في بنائها وفي وجودها.
ويحيل هذا المعطى المخيف إلى خللٍ في بناء الإنسان الجزائري، منتوج الريع و الرومنسية الثورية، الذي قد يؤدي بنفسه إلى التهلكة وهو ينشد تحسين الوضع. فالديمقراطيّة (الضروريّة) هي نتيجة نهائيّة لنضجٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ ولن تكون هبة من أحدٍ، لن يمنحها لك ماكرون ولا «فريدم هاوس» ولن يجود بها متقاعدون فاشلون في مسارهم المهني أو لصوص سابقون لم يسألوا عما فعلوا أو محبطون من أمرِ ما، ولن تتدرّب عليها في صربيا!
و أخطر عدوّ للديمقراطيّة هو الكراهيّة الآخذة في الانتشار كالوباء، بترويج من فرسانٍ الكترونيين أخذتهم العزّة بالإثم في غياب رادعٍ أخلاقي أو قانوني.
قد يكون موت كاتب غير مناسبٍ لقول هذا الكلام، لكنّه مناسب في حالة سهيل الخالدي، المواطن الجزائري انتساباً الذي يذكرنا بطلبةٍ ومثقفين تعلّقوا بالجزائر وانتموا إليها ووجدوا صعوبةً في الخروج منها لأنّها كانت بالنّسبة لهم حلماً وفكرة، في وقتٍ يسعى بعض أبنائها إلى اختزالها في «مغانم» وتخريبها بعد ذلك.
سليم بوفنداسة