نبّه الدكتور سعيد بوطاجين، منذ سنوات، إلى ظاهرة مخيفة بدأت تظهر في الساحة الثقافية تتمثل في “استبداد المثقف النقدي”، وكان يمكن أن يكون هذا التنبيه الذي ساقه في مقال بديع إشكالية لبحث معمّق في الخطاب الثقافي الجزائري أو العربي، لتشابه العينات التي طفت على السطح مع ظهور مساحات النشر الجديدة و فضاءات التمسرح غير المراقبة التي يلتقي فيها “المثقف” مع جمهوره المتخيّل دون الحاجة إلى واسطة تقليدية كالكتاب أو الجريدة. وقد يكون سلوك المثقف أو المبدع هنا مادة للدراسة إلى جانب الخطاب وسيجد الباحث نفسه أمام إخوة الاستبداد وأخواته وجميع وأقاربه وأحبابه. فالمثقف النقدي المستبد الذي حذر منه بوطاجين وقال أنه يستبدل استبدادا باستبداد ولا يقبل الاختلاف، جار للمبدع والكاتب والإعلامي الذين يمتلكون اليقين بل ويتقمّصون الزعيم المستبد بطريقة غير واعية. ويكفي هنا أن نضع تحت التحليل “أداء” الكثير من المثقفين والمبدعين على شبكات التواصل الاجتماعي لنكتشف كيف يتسلّل الزعيم المفدى إلى شخصية الكاتب الذي لا يكتفي بتقديم أرائه كحقيقة تسفّه سواها، بل سيشرع في تقديم حياته كنموذج لشعبه المفترض من خلال “البث الحي” ليومياته وعاداته وصوّره في مختلف الوضعيات أسوة بالديكتاتور وهو يدشن ويعاين ويتفقد ويرفع يد التحية للجماهير التي تهتف باسمه، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى وضعيات كاريكاتورية في تقمص مشاهير الإبداع والفكر من طرف كتاب كان يمكن تفهّم حالهم لو أنهم ما زالوا في سن الشباب. وربما وقفنا على وضعيات أكثر كاريكاتورية تكشف أن المعني بالأمر يعيش خارج زمنه وأنه ضحية قراءات و استلهام نماذج من سالف العصر والأوان و تكشف قبل ذلك وبعده عن فقر في الذائقة (أنظر صورة الشاعر بالكوستيم في الغابة أو باللباس ذاته وهو يتفقد أمواج البحر)
الإسراف في التعليق على كل ما يحدث وما لا يحدث والإدلاء بالقول الفصل، ونشر صوّر في وضعيات تأمّل أو اكتشاف للأشياء.. هي أعراض البارانويا وهي أيضا استدعاء للدكتاتور إلى “جسد” المثقف.
ويمكن أن نستنتج من هذه الحالات أن المثقف الذي ارتبطت صورته عبر التاريخ بالتضحية ونكران الذات والانتصار لقيم الحرية والحق يمكن أن يكون مجرد عضو ناشط سلبا في بنية اجتماعية أبوية، يلعب الآباء ورؤساء العشائر والطغاة في خطابه وفي جسده.
سليم بوفنداسة