يجلس الشاب شبه الملتحي شبه المعمّم خلف الكاميرا يستمع إلى التدخلات الهاتفية للمشاهدات و دونما حاجة إلى التفكير يشرع في تفسير أحلامهن!
و بالطبع، وكما كل المشعوذين، فإن تفسيرات الشيخ الشاب تسير في مصلحة المشاهدات الكريمات اللواتي سيتزوجن كلهن قريبا أو سينجبن بإذن الله، ويكفي أن يكثرن من الذكر لأن الأحلام بشارة، أي نبوءة وليذهب فرويد ومن تبعه بإحسان أو بغيره إلى الجحيم.
والملفت أن طالبات التفسير يحلمن أحلاما مهذّبة لا هواجس إيروتيكية فيها، إحداهن مثلا ترى نفسها تنظّف مسجدا وأخرى ترى نفسها تحمل مصحفا ثقيلا و أخرى ترى نفسها تزور طبيب نساء يرفض علاجها.. وبكل تأكيد فإنهن ينتقين (أو يختلقن) الأحلام التي يلقين على الشيخ ويشطبن الكثير من التفاصيل، لأن الفتاة التي تريد الزوّاج أو الإنجاب لا تحلم، قطعا، بما روته للشيخ وتفسير حلمها يختلف عن تأويله، بمعنى أن المشاهدة الكريمة تكذب على الشيخ والشيخ يكذب عليها، فيما تسعى القناة التي يعرف القائمون عليها أنهما يكذبان إلى جلب الجمهور التعيس المستعد لسماع الكذب أو ممارسته، مما سيرفع الإنتاج الوطني من هذه المادة واسعة الاستهلاك التي تعرف وفرة لا بأس بها.
قد نفهم عمليات الشعوذة التي يمارسها محتالون في مختلف أنحاء الوطن كظاهرة شائعة غالبا ما تنتهي بمآس، أما أن تتحوّل الشعوذة إلى ممارسة إعلامية فتلك مشكلة حقيقية قد تساهم في تعقيد مشاكل مجتمع يتوجه يوما بعد يوم نحو «البدائية» في تسوية حاجاته، فيلجأ إلى العنف والشعوذة، ويستعين بالشيوخ والجن في الأمور التي كان من المفترض أن يسويها بالاجتهاد والعمل.
وتلعب وسائل الإعلام هنا دورا بيداغوجيا في تعميم هذه الظواهر، بالنظر لدورها السحري في توجيه الناس.
وما يحدث، في نهاية المطاف، هو حاصل عملية تم بموجبها تسفيه مهنة الصحافة، والقادم سيكون، بكل تأكيد، أحلى.
ملاحظة خارج السياق
حين تستمع إلى بعض كتاب الإنشائيات الركيكة وهم يمجدون أنفسهم بوقاحة في المنابر ويتحدثون عن ضرورتهم في توازن الكون، ستفهم دون شك لماذا يحتقر المجتمع فئة «المثقفين»، وقد تشاطره ذلك!
سليم بوفنداسة