خرجوا صيفا كالعادة بالسكاكين القديمة ذاتها ليصرخوا في الساح. ثمة مشكلة في الصيف تدفعهم إلى الخروج والصراخ و إخراج السكاكين لإجبار الأعداء المحتملين على الاختفاء والصمت. يقول كل ذي سكين أن الساحة ساحته ومن حقه أن "يسيّجها بالأشواك" ليحمي الكائنات من خطر قادم لا ريب فيه.
خرجوا. بملامح صارمة خرجوا. شقوا الهواء الثقيل بأصابع التحذير. صرخوا في وجوه الخصوم الذين يسيئون تقدير الأوضاع. صرخوا في الأعداء الكامنين تحت كثبان الرمال أو في شريط الماء الأزرق الذي يمنعنا عن الشمال. صرخوا في الأشباح والأرواح الشريرة التي تخفي جمرها تحت أكوام تبننا المقدس. صرخوا في المغرضين. صرخوا في الذين تسوّل لهم أنفسهم. صرخوا في الأنوف التي تندس. صرخوا في الأصابع التي تلهو فوق الخرائط. أشاروا إلى الجهات كلّها قبل أن يقترحوا أنفسهم لتحمّل المشاق كلها كما يجدر بمتخرجين بتفوق من مدارس التضحية وإنكار الذات. سيصفق الواقفون في الساحة، كالعادة، وسيتفرق الذين في قلوبهم غصة وقد استزادوا غصة أخرى. سيصفق الواقفون لأن الخطيب سيشير عليهم بالدرب الآمن الذي يجب سلكه بعد أن خاب الظن في كل الذي لا رجعة فيه.
منذ ألف صيف وهم يخرجون. هذا الفصل يستحق الدراسة لأنه يعيد الناس إلى طبعهم وينزع عنهم لباس التوافق. صحيح أن علوم الطبيعة والبيئة تعلّمنا أن الكثير من الكائنات تخرج صيفا، أو في أواخر الربيع بعد أشهر طويلة من الصمت والتأمل، لكن خروج هؤلاء، تحديدا، يتطلب فحص أثر الصيف والميكانيكا التي يحدثها في الكائنات. لم ينتبه بافلوف إلى طباع الفصول. هذا الفصل يكرر عاداته كلّما رأى نفس الأشخاص في الساحة، رغم أن الصيف ليس كلبا ولا من آكلات اللحوم. الصارخون، أيضا، يصرخون كلّما اشتدت الحرارة ويستشعرون المخاطر ذاتها، فيخرجون السكاكين ويمزقون جلد الهواء الثقيل بأصابع الوعيد.
محاولة لتفسير الصيف
الصيف فصل الغلال في المجتمعات الزراعية القديمة، لذلك فهو فصل الكسب والتحصيل، وهو أيضا فصل الرضا والخيبة. فيه يرتفع الشأن وفيه تزدهر الخصومات و المعارك.
ملاحظة
البناء الصحيح للأوطان خير وقاية لها من مفاجآت الفصول ومن حروب الغلّة والملّة.
سليم بوفنداسة