الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

وباء

لم تسلم امتحانات البكالوريا هذا العام  من حديث الغش، وسواء أكانت العملية مدبرة أم عفوية فإنها تستدعي الانتباه والدراسة، ليس لإيجاد أساليب لقمع الغشاشين في امتحانات أو المسؤولين على تسريب أسئلة، بل لمعرفة أسباب الظاهرة ودواعي ارتفاع منسوبها في مجتمع يشهد تحولات خطيرة في غفلة من الدارسين وفي غياب نخب سياسية قادرة على تأطيره وتدبير شؤونه.
محاولة الغش في امتحان هي ببساطة نتيجة لنجاح غشاشين في امتحانات أخرى، وهي نتيجة لسمعة طيبة بات يتمتع بها الغش في حياتنا.
الاحتفاء الاجتماعي بالغشاّش يجعل منه نموذجا للتقمص، ويجعل من الغش أسلوبا في الحياة. ويكفي أن نقوم بجرد يومي للظواهر التي نصادفها لنكتشف أننا نعيش بجوار الحقيقة والحق، أي أننا نعيش حياة موازية للحياة.
وإذا كان الغشاش ينجح في السياسة والتجارة و الرياضة و في الحصول على سكن و في الترقية في العمل وفي إنجاب أطفال و يقفز إلى الصفوف الأولى للمجتمع دون مشقة، فكيف السبيل إلى منع اللبن المغشوش عن أبنائه؟ وكيف نحرم تلميذا من هذا «الحق»؟
يبدو الحديث عن الغش في امتحان كالبكالوريا متأخرا، لأن التدرب على هذا الفن يبدأ باكرا في العائلة  وفي المدرسة التي “يمتنع” أساتذتها على تقديم الدروس  في الأقسام  ويبيعونها في المستودعات والبيوت، يبدأ في السوق وفي الشارع حيث تسود المعاملات و العلاقات المغشوشة. هذا الوضع أنجب حالة الفوضى غير الخلاقة التي نعيشها اليوم والتي أصبح بموجبها أي شخص يقوم بأي شيء  بسقف طموح مفتوح وبدون كوابح: بإمكان المشعوذ ممارسة الطب، بإمكان عون أمن ممارسة الصحافة، بإمكان ممرض الإشراف على مشاريع بناء، بإمكان صحافي ممارسة الرقية ونشر الدعوة، بإمكان حارس ممارسة مهام مدير. بإمكان نادل إجبار الزبائن على خدمته. بإمكان الخباز رمي الخبز إلى الشارع ليتلقفه الشعب ولعب الورق في المخبزة. يشعر “الجزائريُّ” أنه مظلوم وأنه موجود في المكان الخطأ ويستحق أفضل مما هو عليه، لذلك يمارس كل المهام التي لا تعنيه وينسى مهمته الأصلية.
و بالطبع فإن معالجة هذا الداء لا تتم حالة بحالة، بل عبر علاج جماعي مجرّب في المجتمعات السعيدة اسمه “ديموقراطية حقيقية” تشيع ثقافة الاستحقاق وتضع كل شخص في مكانه الصحيح وتعفيه من المهام الوهمية التي يمارسها.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com