لم تسلم امتحانات البكالوريا هذا العام من حديث الغش، وسواء أكانت العملية مدبرة أم عفوية فإنها تستدعي الانتباه والدراسة، ليس لإيجاد أساليب لقمع الغشاشين في امتحانات أو المسؤولين على تسريب أسئلة، بل لمعرفة أسباب الظاهرة ودواعي ارتفاع منسوبها في مجتمع يشهد تحولات خطيرة في غفلة من الدارسين وفي غياب نخب سياسية قادرة على تأطيره وتدبير شؤونه.
محاولة الغش في امتحان هي ببساطة نتيجة لنجاح غشاشين في امتحانات أخرى، وهي نتيجة لسمعة طيبة بات يتمتع بها الغش في حياتنا.
الاحتفاء الاجتماعي بالغشاّش يجعل منه نموذجا للتقمص، ويجعل من الغش أسلوبا في الحياة. ويكفي أن نقوم بجرد يومي للظواهر التي نصادفها لنكتشف أننا نعيش بجوار الحقيقة والحق، أي أننا نعيش حياة موازية للحياة.
وإذا كان الغشاش ينجح في السياسة والتجارة و الرياضة و في الحصول على سكن و في الترقية في العمل وفي إنجاب أطفال و يقفز إلى الصفوف الأولى للمجتمع دون مشقة، فكيف السبيل إلى منع اللبن المغشوش عن أبنائه؟ وكيف نحرم تلميذا من هذا «الحق»؟
يبدو الحديث عن الغش في امتحان كالبكالوريا متأخرا، لأن التدرب على هذا الفن يبدأ باكرا في العائلة وفي المدرسة التي “يمتنع” أساتذتها على تقديم الدروس في الأقسام ويبيعونها في المستودعات والبيوت، يبدأ في السوق وفي الشارع حيث تسود المعاملات و العلاقات المغشوشة. هذا الوضع أنجب حالة الفوضى غير الخلاقة التي نعيشها اليوم والتي أصبح بموجبها أي شخص يقوم بأي شيء بسقف طموح مفتوح وبدون كوابح: بإمكان المشعوذ ممارسة الطب، بإمكان عون أمن ممارسة الصحافة، بإمكان ممرض الإشراف على مشاريع بناء، بإمكان صحافي ممارسة الرقية ونشر الدعوة، بإمكان حارس ممارسة مهام مدير. بإمكان نادل إجبار الزبائن على خدمته. بإمكان الخباز رمي الخبز إلى الشارع ليتلقفه الشعب ولعب الورق في المخبزة. يشعر “الجزائريُّ” أنه مظلوم وأنه موجود في المكان الخطأ ويستحق أفضل مما هو عليه، لذلك يمارس كل المهام التي لا تعنيه وينسى مهمته الأصلية.
و بالطبع فإن معالجة هذا الداء لا تتم حالة بحالة، بل عبر علاج جماعي مجرّب في المجتمعات السعيدة اسمه “ديموقراطية حقيقية” تشيع ثقافة الاستحقاق وتضع كل شخص في مكانه الصحيح وتعفيه من المهام الوهمية التي يمارسها.
سليم بوفنداسة