أشعر الآن بالراحة. هزمتهم جميعا. تواروا الواحد بعد الآخر. دخلوا جحور الصمت وماتوا. الأوغاد. لم يحسنوا تقديري فدفعوا الثمن. كل من يسيء تقديري يدفع الثمن. أنا هكذا. مذ تعلّمت فنون التدبير وتمكنت من علوم التوقّع لم يصمد أمامي خصم. لا سرّ في الأمر سوى أني عبرت الطريق الصّحيح. قلّة هم الذين يعبرون الطريق الصّحيح، أما أنا فقد عرفت الدرب من البداية ولم أكن في حاجة إلى عمر كامل من النّدم كي أكتشف الحياة الصائبة. غادرت المدرسة باكرا، الحياة قليلة والغبيّ الغبيّ من يعتقد أن الكتب والكراريس تغنيها. سنوات قليلة ضيّعتها في المدرسة، تعلّمت كتابة ما أحتاج إليه: اسمي مثلا. ثم هربت إلى المدرسة الحقيقية. صحيح أني تعذّبت لكن عذابي مثمر، فلو لم أفعل ما فعلت لما كنت ما أنا عليه الآن. ليس في تاريخي ما يخجل: تاجرت تجارة حرّة، شاء الفاشلون أن ينعتوها بتسميات أخرى. رقصت في أعراس الآخرين ولا زلت أفعل، بالمناسبة، ليس عيبا أن أخدم الآخرين وأفرح بهم، خصوصا إذا كانوا يستحقون. أنا أحترم وضعي الطبقي مهما علا شأني، إن أشاروا عليّ بشيء فعلته وإن دعوني إلى الانصراف انصرفت وصمتّ إلى الحد الذي أكف فيه عن الحديث إلى زوجتي وأبنائي. أنا منضبط. أتحرك بحسبان. أتنبأ باتجاه الريح قبل هبوبها. كنت في طفولتي البعيدة أضع أذني على الأرض فأعرف اتجاه الريح وأعرف مواعيد المطر وأعرف وجهة بغال المهربين ومواقع القطارات، كان كل من يفقد قطيعا يستنجد بي لأدله على قطيعه، وإلى الآن لازلت أضع أذني على الأرض لأعرف اتجاه الأقدام ومستقبل الرؤوس في بورصة المصائر. كنت كريما ولا زلت. لا أرى عيبا في منح هبة أو صبية لمن استحق ذلك. لا عيب في إسعاد الناس. العيب كل العيب فيما يأتيه هؤلاء المتفلسفون الذين لا يرون من الحياة سوى وجهها الأسود. كثيرون يسخرون من نجاحي لأنهم لم يصيبوا ما أصبت من عنب. أنا سعيد وتزداد سعادتي كلّما ارتفع منسوب السعادة في بلدي الذي سخرت له عمري كاملا، وإن زادني الله سأزيد. لا أكترث بسخرية، أعرف أن أمثالي قلّة وأننا جئنا لنتقدم القافلة، نزيل الأشواك ونستقبل الأذى المحتمل بصدورنا.
ملاحظة
أنا لا أقرأ التاريخ لكني أحفظ جيدا وأطبّق حكمة نابليون عن شروط النجاح في ممارسة...السياسة.
سليم بوفنداسة