الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

مديحُ الموت

سليم بوفنداسة

لا تحتاجُ نوال السعداوي إلى من يدافع عنها اليوم، فقد فعلت ذلك بنفسها في حياتها المديدة، وتعكس محاولات تسفيهها ومهاجمتها بمناسبة الموت حالة الوضع الثقافي والاجتماعي لما يُسمى بالعالم العربي، حيثُ تتزايد النزعات البدائيّة و تتراجع "القيّم" الحديثة التي تمّ استدخالها فيما تمّ استدخاله في مجتمعاتٍ لم تتطوّر بشكلٍ طبيعيّ وتاهت في منعطفات مُظلمة للتاريخ.
و تُضاف إلى هذا الوضع حالة الهستيريا التي تغذّيها مواقع التواصل الاجتماعيّ، بين "النّخب" والجماهير على حدّ سواء، من خلال السّعي للظّهور على هذا المسرح باستدعاء الإثارة توسّلا لردود الفعل، ويلتقي في ذلك "المُحتفون" بالكاتبة
بهدف الاستفزاز، والمُستَفزّون الذين استغلوا الفرصة لشتمها.
 وفي الحالتين فإنّنا أمام استغلال مشؤوم للموت، يكشف عن وجه انتهازي للمثقّف والمواطن المُهستر الذي زادته الميديا الجديدة هسترةً.
ويقدّم التعاطي مع الموت، على هذا النّحو، مادة دراسة هامّة للمشتغلين في الحقل النفسيّ وللمهتمّين بدراسة "العقل" العربيّ، خصوصاً وأنّ ظاهرة التشفّي في الموتى وشتمهم تتكرّر باستمرار مع مشاهير الأدب والفنّ، وتحيل إلى جانب عدم احترام الحياة والإنسان، إلى رغباتٍ مكبوتةٍ في ممارسة العنف في شكله الأقصى، فالفرح بموت شخصٍ ما هو في نهاية المطاف تعبير عن الارتيّاح لتحقيق الرّغبة في قتله، بشكل رمزي يأخذ فيه الفرح بالموت مكان فعل القتل!
اختارت نوال السعداوي، أن يدفنها أبناؤها وبعض الأقارب فقط لا غير، وفق ما نشر عن وصيّتها، وفي ذلك رسالة قد تُترجم تعفّف كاتبة مناضلة وقد تعكس خيبة عميقة من العمل العامّ الذي انصرفت له طيلة حياتها، ودفعت الثمن بالفصل من الوظيفة والسّجن قبل ظهور موضة التكفير بوقتٍ طويلٍ.
و ترجع شهرة الكاتبة والعواصف التي أثارتها لعدة عقودٍ، دون شكّ، إلى نضالها من أجل المرأة ونشاطها السيّاسي، وليس إلى إبداعها الأدبي في مجتمعات شفويّة  لا يمكن الحديث فيها عن تأثير الكتابة والأدب، لذلك فإنّ كلّ ما يُثار بشأنها يعود إما إلى تصريحاتها الصحفيّة أو ما يُقال عنها من طرف خصوم ومناوئين.
 وقد يكتفي المناوئ في بناء مرافعته على جُمل مقتطفة من البساتين المتاحة، قبل أن يُطلق كلماته التي أصبحت تستدعي الموت وتمتدحه في مناقشة القضايا الخلافيّة.

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com