السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

مديحُ الموت

سليم بوفنداسة

لا تحتاجُ نوال السعداوي إلى من يدافع عنها اليوم، فقد فعلت ذلك بنفسها في حياتها المديدة، وتعكس محاولات تسفيهها ومهاجمتها بمناسبة الموت حالة الوضع الثقافي والاجتماعي لما يُسمى بالعالم العربي، حيثُ تتزايد النزعات البدائيّة و تتراجع "القيّم" الحديثة التي تمّ استدخالها فيما تمّ استدخاله في مجتمعاتٍ لم تتطوّر بشكلٍ طبيعيّ وتاهت في منعطفات مُظلمة للتاريخ.
و تُضاف إلى هذا الوضع حالة الهستيريا التي تغذّيها مواقع التواصل الاجتماعيّ، بين "النّخب" والجماهير على حدّ سواء، من خلال السّعي للظّهور على هذا المسرح باستدعاء الإثارة توسّلا لردود الفعل، ويلتقي في ذلك "المُحتفون" بالكاتبة
بهدف الاستفزاز، والمُستَفزّون الذين استغلوا الفرصة لشتمها.
 وفي الحالتين فإنّنا أمام استغلال مشؤوم للموت، يكشف عن وجه انتهازي للمثقّف والمواطن المُهستر الذي زادته الميديا الجديدة هسترةً.
ويقدّم التعاطي مع الموت، على هذا النّحو، مادة دراسة هامّة للمشتغلين في الحقل النفسيّ وللمهتمّين بدراسة "العقل" العربيّ، خصوصاً وأنّ ظاهرة التشفّي في الموتى وشتمهم تتكرّر باستمرار مع مشاهير الأدب والفنّ، وتحيل إلى جانب عدم احترام الحياة والإنسان، إلى رغباتٍ مكبوتةٍ في ممارسة العنف في شكله الأقصى، فالفرح بموت شخصٍ ما هو في نهاية المطاف تعبير عن الارتيّاح لتحقيق الرّغبة في قتله، بشكل رمزي يأخذ فيه الفرح بالموت مكان فعل القتل!
اختارت نوال السعداوي، أن يدفنها أبناؤها وبعض الأقارب فقط لا غير، وفق ما نشر عن وصيّتها، وفي ذلك رسالة قد تُترجم تعفّف كاتبة مناضلة وقد تعكس خيبة عميقة من العمل العامّ الذي انصرفت له طيلة حياتها، ودفعت الثمن بالفصل من الوظيفة والسّجن قبل ظهور موضة التكفير بوقتٍ طويلٍ.
و ترجع شهرة الكاتبة والعواصف التي أثارتها لعدة عقودٍ، دون شكّ، إلى نضالها من أجل المرأة ونشاطها السيّاسي، وليس إلى إبداعها الأدبي في مجتمعات شفويّة  لا يمكن الحديث فيها عن تأثير الكتابة والأدب، لذلك فإنّ كلّ ما يُثار بشأنها يعود إما إلى تصريحاتها الصحفيّة أو ما يُقال عنها من طرف خصوم ومناوئين.
 وقد يكتفي المناوئ في بناء مرافعته على جُمل مقتطفة من البساتين المتاحة، قبل أن يُطلق كلماته التي أصبحت تستدعي الموت وتمتدحه في مناقشة القضايا الخلافيّة.

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com