تحاولُ نخبٌ يهوديّة فرنسيّة، جزائريّة المولد، استدعاء موقف الجزائر من إسرائيل إلى ساحة النّقاش، من ذلك دعوة الكاتبة والصحفيّة مارتين غزلان إلى كسر طابو العلاقات الجزائريّة الإسرائيليّة في معرض تعليقها على "خبرٍ كاذبٍ" حول استقبال الجزائر لطائرة برازيليّة محمّلة بلقاحات إسرائيليّة.
و حين يتزامن "الخبر الكاذب" مع ظهور مجموعات صداقة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، في وقتٍ تعمل فيه الدولة العبريّة التي تسمىّ في الجزائر بالكيان، على تحقيق اختراقات في العالم العربي طلباً لاعترافٍ، فإنّ الصّدفة ستكون بريئة تماماً ممّا يحدث.
و من دون أيّ تدخّل في حريّة هذه النّخب في إبداء الموقف، فإنّ ثمّة بعض المفارقات التي تستدعي التوقّف والتحليل.
أوّلها أنّ خطاب المظلمة الذي تردّده بعض الأصوات لا يحجب المواقف العدوانيّة والانتقاميّة لهذه الفئة التي تعدّ الأكثر تطرّفاً في فرنسا في قضايا الهجرة والإسلام، وفي المقدمة إيريك زمّور الذي يؤكد في كلّ مرّة أن فرنسا بلد يهوديّ مسيحيّ يتعرّض إلى غزو المسلمين، لذلك يدعو إلى ترحيلهم كي تحافظ فرنسا على هويّتها، ويقف نفس الكاتب والصحفي في مقدّمة رافضي الاعتراف بجرائم الاستعمار، ويقاسمه موقف رفض الاعتذار أنريكو ماسياس الذي يبكي قسنطينته المفقودة في البلاتوهات لكنّه يفضّل أن يُدفن في فلسطين المحتلّة ويعتبر نفسه جندياً في الجيش الإسرائيلي، شأنه في ذلك شأن طفل بني صاف برنار هنري ليفي.
و تتمثّل النقطة الثانيّة في خطاب التعالي والابتزاز المّنزّل من الإديولوجيا الكولونياليّة، حيث تتحوّل الجزائر إلى جنّة مفقودة، هي نفس الجنّة التي استمات جنرالات اليد الحمراء في اقتراف الجرائم من أجل البقاء فيها، عوض أن تكون الوطن الذي تذهب إليه العواطف النبيلة في المحن والظروف الصّعبة، والذي يمكن أن تُنسج معه علاقة بريئة لا حيلة ولا هيمنة فيها.
ومن هنا تأتي قصّة وضع "اللوبي" في خدمة الجزائر بشروط، وكذا لعبة إبراز النّخب الجزائريّة التي تلعن جذورها و تظهر عواطف إيجابيّة تجاه إسرائيل، أي البحث عن "حركى" جدد.
تحتاجُ هذه الفئة إلى من يذكرها بأنّها اختارت في زمن الحرب أين تقف، و أنّها تخلّت عن جزائريتها طوعاً بقبول قانون كريميو وأنّ اليهود الذين فضّلوا الجزائر ظلوا جزائريين كما ارتضوا، وهنا تكمن المشكلة وليس في "قسوة" الجزائريين مقارنة بجيرانهم كما يسوّق البعض، لأنّ الوحشيّة التي تعرّض لها الجزائريون لم يتعرّض لها جيرانهم "الطيّبون".
يعترفُ كاتبُ التقرير بنجامين "القسنطيني" لمارتين غزلان بالذات، أنّه يقف اليوم في نفس موقف ألبير كامي، أي في موقف اختيار الأم.
حسنا، من حقّك أن تختار أمّك، لكن ليس من حقّك أن تفرض عليّ كيف أناديك!
سليم بوفنداسة