يتوجّه اليوم نحو 10 ملايين تلميذ إلى المدارس، و هو رقم يثير مشاعر إيجابيّة و ينبّهنا إلى أنّ المستقبل يُلعبُ الآن.
لذلك لا بدّ من طرح أسئلة جادّة عن وضعيّة التعليم ومستواه ومشكلاته وما نريده من المدرسة، من دون إنكار الجهد المبذول في تدريس هذا العدد من التلاميذ بالمجّان أو إغفال الخطوات التي قطعتها البلاد في إتاحة فرص التعليم للجميع.
وبعيداً عن الكلام العامّ حول "تراجع المستوى"، فإنّ الحاجة ملحّة لدراسات ميدانيّة يقوم بها مختصّون وتستهدف فحص واقع العمليّة التعليميّة من جميع جوانبها: التلميذ، الأستاذ، المؤسّسة، المحيط، الإدارة، البرنامج...
فضلاً عن تسليط الضوء على جميع المشكلات بشجاعة في مقدمتها مسألة الدروس الخصوصيّة التي تحوّلت إلى عبء على العائلات، بل وباتت تهدّد مدارس الجمهوريّة، لأنّ الأمر يتعلّق بأساتذة يتلقّون رواتبهم من الوظيفة العموميّة وتلاميذ يرتادون هذه المدارس و أصبحوا شبه مُجبرين على المرور بمستودعات الدروس لتحقيق نتائج جيّدة في الامتحانات، لأنّ "أساتذة" يمنحون الأهميّة البالغة لدروس المستودعات على حساب دروس المدرسة، فيما يشبه الابتزاز الذي يخجل من تسميّة نفسه.
ورغم أنّ القوانين الجزائريّة تُبيح إنشاء مدارس خاصّة، إلا أنّ قطاعاً من الأساتذة يفضّل هذا النوع من الممارسة الموازيّة التي تُخالف القوانين وتطرح مُشكلات بيداغوجيّة وصحيّة بسبب إنهاك التلاميذ في فترات الرّاحة والعطل، خصوصاً وأن عمليّة "تحويل" التلاميذ امتدت إلى المتمدرسين في الطور الابتدائي.
ومن المفيد أن يتناول النّقاش حول منظومة التعليم المسائل البيداغوجية و مدرسة المستقبل في ظل الانفجار التكنولوجي الذي نزع حصريّة التعليم عن المدارس وبات يُتيح المعارف للجميع على نطاق واسع وعاصفٍ، يتطلّب الانتباه والمتابعة، في ظل ظهور "مقاولات" تعليميّة في المحيط، تبيع وصفات العبقريّة والتفوّق بشكلٍ فوضوي في كثير من الأحيان.
وكذلك مسألة تحصين التلاميذ من بعض الأمراض التي انتشرت بشكل مخيفٍ كالعنصريّة والكراهيّة، وتأهيلهم لأدوار المواطنة.
أجل، إنّ المُستقبل يُلعب الآن، وثروتنا الحقيقية غير القابلة للزوال تتمثّل في هذه الملايين التي تذهب اليوم إلى المدرسة، لذلك وجب على المجموعة الوطنيّة برمّتها رعايتها وحمايتها وتوفير ظروف تمدرس لائقة لها لا مكان فيها لتلك المشاهد المُحزنة في دورات المياه ولا لطاولات زمن المحبرة !
سليم بوفنداسة