تعاني "جماهير" الفنون والآداب في الفضاء العربيّ من مُشكلة في التلقي تجعلها تُحوّل صدور كتاب أو عرض فيلم إلى كارثة وطنيّة.
ولا يُستثنى قطاعٌ من الصّحافة من هذا العارض، بعد أن استسلم لقواعد الإثارة التي فرضتها شبكات التواصل وللخطاب الديني المهيمن، وهكذا ظهر رقيبٌ جديد متعدّد الرؤوس يفوق الرّقيب الرّسمي في الشدّة وقد يُعاكسه في الاتجاه، و بموجب ذلك أصبح الكتّاب يُحاسبون على أفعال وأقوال أبطال رواياتهم شأنهم في ذلك شأن المُخرجين والمُمثِّلين.
يتعلّق الأمرُ هنا، بتقهقرٍ اجتماعيٍّ وردّة حضاريّة، فما كان متاحاً وعادياً في خمسينيات القرن الماضي بات محرّما الآن، فيما يستخدم نقادٌ أدوات غير فنيّة في معالجة مسائل فنيّة، كأن تجد من يتحدّث عن عدم مُطابقة أحداث رواية أو فيلم لوقائع تاريخيّة أو يبكي على تشويه قيّم أو يدعو إلى حماية المجتمع من عملٍ فنيّ يُفترض أنّه موجهٌ لإمتاع المتلقي وذاك شأن الفنّ منذ اهتدى الإنسانُ إلى الاستعانة بخياله الكريم في اختراع "واقع" جديد، عبر لعبة الإبداع التي أخذت تعبيرات مختلفة بمرور القرون والأزمنة.
وليس من المبالغة، تسميّة ما يحدث بالتقهقر والرِدة، لأنّ ازدهار الفنون والآداب عادةً ما يكون مرافقاً لنهضةٍ شاملةٍ، فيما يعبّر الصّمت الإبداعي عن حالة عجزٍ عام تتجاوز الإبداع إلى تدبير الأمور البسيطة، أي نفس الحاجات التي كانت تُرهق الأسلاف الميامين قبل أن تدور عجلة الحضارة وترفع الإنسان إلى ما هو عليه.
قد يستدعي الخروج من هذه الحالة، تحرّك العجلة المذكورة أعلاه في الاتجاه الموجب، مع ما يتطلّبه الأمر من وقتٍ، لكنّ ما يبدو مُستعجلا هو إصلاح أنظمة التعليم بالشكل الذي يمكّن من إعادة بناء الإنسان القادر على استيعاب وتذوّق وهضم طيّبات عصره التي لا تتوقّف عند التكنولوجيا كما يبشرنا بذلك أنبياء العصر، بل تتضمّن الفنون والمعارف المتراكمة والمضغوطة والتي باتت متاحة إلا لمن أبى واستكبر، والتي بإمكانها أن تُحيّن الإنسان وتضعه في مداره الصّحيح وتنتشله من حالة التيه في المقاهي والشوارع وفي الأساطير والخرافات القديمة التي يلجأ إليها لتفسير ظواهر طارئة.
سليم بوفنداسة