وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في مُقايضة ثرواتها بأدوات الفناء ومساعدة الأنظمة في التجسّس على الشعوب وتزوير الانتخابات، كما يفعل "الكيان" المطرود من القمّة الإفريقية، وفق ما كشفه التّحقيق المُثير الذي أعدّه فريق صحافيّ يصعب إلصاق تهمة الكراهيّة ومعاداة الساميّة بأعضائه.
هذه الرسائل يمكن التقاطها من ثورة دوّل على فرنسا، بإبداء رفضٍ صريحٍ لهيمنتها على مفاصل اتخاذ القرار وتواجدها العسكري في هذه البلدان، وكذا من واقعةِ طردِ وفدِ "الكيان" من قمّة الاتحاد الإفريقي، بعدما صدّقت الدولة العبريّة أنّها أصبحت صاحبة البيت في القارة، من خلال أداء دور الشّيطان الذي يوفّر للأنظمة أدوات قمع الشعوب والتجسّس عليها وعلى الجيران أيضًا، ومن خلال التلويح بأنّها تمتلك الوصفة الحصريّة لتوفير الغذاء والماء، وهي حيلة انطلت على دوّل عربية، أصبحت نُخبها تردّد من دون حياء، أنّ ارتباط أنظمتها المخزي بهذا الكيان الفاشي سيوفر لبلدانها أسباب القوّة ويمكنّها من التكنولوجيا العسكرية ويصون أمنها ويطوّر تعليمها وزراعتها وصناعتها، بل ويمنحها المناعة التّامة ويجلب لها الحظّ ويقيها شرّ الحساد، ويلتقي في هذا الطرح أكاديميون بالذباب ونجوم الصّحافة!
والسؤال المطروح، هل يتعلّق الأمر بصحوةٍ إفريقيّة هي استكمال لثورات التحرير المعطّلة؟ أم بتعاطٍ مع حالات استقطاب بعد أن حوّل النّهمون قرون استشعارهم نحو إفريقيا التي باتت توصف بمستقبل العالم؟
ومهما يكن الجواب، فإنّ النّخب الإفريقيّة مدعوّة إلى استخلاص الدّرس من الوضعيّة الكولونيالية وما بعدها، أي من حالة التخلّف التي أعقبت الاستقلال، نتيجة التبعيّة للقوى المهيمنة التي ظلّت متحكّمة في الثـروات وفي الرأسمال البشري.
و ذلك من خلال القطيعة مع ممارسات الأسلاف، الذين وجدوا صعوبة في التخلّص من الإرث الاستعماري الذي تم إحياؤه بأشكال جديدة، وعدم الوقوع في فخ استبدال مهيمنٍ بمهيمنٍ، والإيمان بالقدرات الذاتيّة والتوجه نحو العمل البيني الذي يراعي مصلحة أبناء إفريقيا الذين يتحمّلون الويلات في الشمال الذي تنهب شركاته خيراتهم.
تحتاج إفريقيا، إلى ثورة على نفسها، كي تفرض على الآخرين احترامها قبل الحديث عن "الشراكات" الكاذبة، وكي تتخلّص إلى الأبد من الخوف ومن "القناع الأبيض".
سليم بوفنداسة